مسيرات في الأردن تضامنا مع الفلسطينيين
مسيرات في الأردن تضامنا مع الفلسطينيين

حقق الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الأردن، حزب جبهة العمل الإسلامي، ما وصفه البعض بأنه "تسونامي"، بعدما فاز بأكبر عدد من المقاعد النيابية منذ تأسيس الجماعة، مستفيدا من الحراك الشعبي خلال العام الماضي بسبب حرب غزة.

وأعلن رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات في الأردن، موسى المعايطة، الأربعاء، تثبيت النتائج الأولية التي أشارت إلى فوز جبهة العمل الإسلامي بـ31 مقعدا في البرلمان، لتصبح أكبر كتلة برلمانية، لكن لن تكون الأكثرية.

أرجع محللون نتائج الانتخابات الأردنية وتقدم الإسلاميين إلى عوامل عديدة، على رأسها حرب غزة، حيث كانت الأحزاب الإسلامية الأنشط في الشارع دعما للفلسطينيين وتنظيما للمسيرات المناهضة لإسرائيل، التي دعت في أغلبها إلى إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل.

لكن رغم هذه النتائج البارزة، فإنه قد لا يكون لها تأثير كبير على ملفات السياسة الخارجية والتوجهات الأردنية بشكل عام، لكنها "ستتطلب حكومة أقوى، وقادرة على مواجهة برلمان لن يكون مثل سابقيه"، وفق محللين تحدثوا إلى موقع "الحرة".

غزة و"تسونامي" الإخوان

وصف الكاتب والمحلل السياسي، عريب الرنتاوي، نتائج الانتخابات بأنها "مفاجأة من العيار الثقيل"، قائلا: "حقق الإخوان المسلمون بجناحهم السياسي نتائج غير مسبوقة منذ تأسيس الجماعة في الأردن"، مشيرًا إلى أن مثل هذه النتائج لم تحدث منذ "إحياء الحياة البرلمانية عام 1989".

وجرت الانتخابات وفق قانون جديد تم إقراره في يناير 2022، خصّص 41 مقعدا للأحزاب، في محاولة لإعطاء دفعة للعمل السياسي، ورفعت بموجبه أعداد مقاعد مجلس النواب من 130 إلى 138 مقعدا، ومقاعد النساء من 15 إلى 18 مقعدا، وخفّض الحد الأدنى لأعمار المرشحين من 30 إلى 25 عاما.

وبلغت نسبة المشاركة بالانتخابات البرلمانية 32.25 بالمئة، في معدل ضعيف مقارنة بما كانت عليه نسبة المشاركة في ظروف جائحة كوفيد عام 2020، التي بلغت 30 بالمئة.

وواصل الرنتاوي حديثه لموقع الحرة، وقال إن ما حدث "يعكس النفوذ المتعاظم للجماعة، حيث يظل لديها رصيد شعبي، فقد حصدت نحو نصف مليون صوت"، موضحًا أن ذلك "لعدة أسباب، على رأسها أن الحرب في غزة، فقد كان حزب الإخوان هو من نزل لمظاهرات في الشارع وانشغل بملف غزة وفلسطين كما لم يفعل أي حزب آخر".

وأشار إلى أن "الأردنيين منحوا الحزب مكافأة على موقفه الذي يعبّر عنهم، المتمثل في التضامن مع الشعب الفلسطيني وكراهية العدوان. فهذا إحساس كل الأردنيين، إذ يرون أنهم (الأردنيون) سيكونون هم الضحية التالية لأي تصعيد إسرائيلي".

وأقدم مواطن أردني، الأحد، على قتل 3 إسرائيليين عند معبر اللنبي/جسر الملك حسين بين الضفة الغربية المحتلة والأردن "في عملية نادرة الحدوث"، مما شكّل مؤشرا على ما يسود الرأي العام الأردني، وفق رويترز.

وحوالي نصف سكان الأردن من أصول فلسطينية. وقاد الإسلاميون على مدى الأشهر الماضية احتجاجات واسعة في البلاد دعما للفلسطينيين وحركة حماس (المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى)، في الحرب التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر.

وبدوره، أكد الباحث والمحلل السياسي، عامر السبايلة، في حديثه لموقع "الحرة"، أن "الوضع الإقليمي بلا شك أثّر على المزاج العام في الأردن، ومنح الإخوان فرصة كبيرة للعمل على حشد الشارع واستثمار المناخ السائد، وتصوير أنفسهم على أنهم الأقرب لحماس والمقاومة".

وتابع: "خلال العام الماضي أداروا الحراك في الشارع، وتحول في لحظة ما إلى حراك سياسي داخلي بطابع إقليمي، ويفسر لنا ذلك أن معظم الشعارات لم تُسقط موضوع غزة والصمود".

انتخابات "نزيهة"

قال رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، موسى المعايطة، الأربعاء، إن نتائج الانتخابات النيابية "تثبت أن الدولة الأردنية مصرّة على التعددية السياسية، وعلى مشاركة جميع أبنائها في العمل السياسي وفي القرار".

ولدى سؤاله خلال مؤتمر صحفي عن وصول حزب جبهة العمل الإسلامي إلى المجلس بحصوله على 31 مقعدا، قال، وفق ما نقلت وكالة "بترا"، إن ذلك "خيار الناس، هم الذين اختاروا ممثليهم في مجلس النواب الحالي".

من جانبه، رأى الرنتاوي أن العملية الانتخابية هذه المرة "شهدت إجماعا بأنها كانت شفافة ونزيهة"، لافتا إلى أنه "كان هناك بث مباشر بيوم الانتخابات، وهو أمر لم يحدث ربما منذ أول انتخابات عقب استئناف المسار الحزبي والبرلماني في نهاية الثمانينيات".

شهدت الانتخابات إقبالا ضعيفا

كما أشار إلى أن "الأحزاب القديمة مثل اليسار والقوميين، شاخت بعدما عاشت على مدار 30 عاما مرحلة انهيار وتآكل في الشعبية. كما نظر الناخبون إلى الأحزاب الجديدة على أنها مصنوعة في مختبرات الحكومة لمواجهة الإسلاميين، وبالتالي كان التصويت لصالح الإخوان نكاية فيها".

ويأمل الملك عبد الله الثاني، بأن تساعد الأحزاب السياسية الناشئة بموجب القانون الجديد للانتخابات، في "تمهيد الطريق لحكومات تتشكل من أغلبيات برلمانية"، وفق رويترز.

ولا يزال النظام الانتخابي يميل لصالح مناطق العشائر ومناطق ذات كثافة سكانية منخفضة على حساب مدن مكتظة يشكل الأردنيون من أصل فلسطيني الثقل السكاني فيها، وهي مراكز قوة للإسلاميين وبها اهتمام كبير بالسياسة.

هل من تأثير؟

على الرغم من هذا الانتصار للإخوان، فإن الرنتاوي يرى أنه "من وجهة نظر الدولة، هذا التطور ليس سلبيا بالضرورة ويمكن تحويله إلى إيجابي لتخفيف الضغوط التي يتعرض لها الأردن في الملف الفلسطيني".

وأوضح أن ذلك سيكون بإيضاح أن "لدينا رأي عام غاضب، وستكون رسالة للدول الغربية التي تخلت عن دعم الأردن اقتصاديا، والإشارة إلى أن المملكة في وضع حرج، وعليكم فعل أكثر مما تفلعوه لدعمها".

من جانبه، قال السبايلة بشأن نتائج الانتخابات، إن "التأثير في البرلمان لن يكون حاسما مهما كان، فلن تعطل كتلة الإخوان القرارا، لكن سيكون هناك تحول جذري في صورة البرلمان المطوّع بلا مخالب التي كانت موجودة".

الأردن- منظر عام
الانتخابات البرلمانية في الأردن.. حقائق وأرقام
يصوت الناخبون في الأردن، الثلاثاء، لاختيار أعضاء مجلس النواب المؤلف من 138 مقعدا وسط توقعات باستمرار هيمنة مرشحي العشائر والمنتمين لتيار الوسط والمؤيدين للحكومة على نظام يقل فيه تمثيل المدن التي يتفوق فيها أداء معارضين من الإسلاميين والليبراليين.

وأضاف لموقع "الحرة": "باختصار، فإنه في وجود برلمان ضعيف بلا معارضة، يمكن تكليف أي شخص برئاسة الحكومة، لكن حاليا هناك حاجة لحكومة ورئيس وزراء لديهم قدرة على المواجهة. ضعف الحكومات خلق فراغا استثمره الإخوان".

وتمثل الانتخابات خطوة في عملية التحول الديمقراطي التي أطلقها، الملك عبد الله، سعيا إلى عزل الأردن عن الصراعات على حدوده وتسريع وتيرة الإصلاحات السياسية، وفق وكالة رويترز.

وبموجب الدستور، يستأثر الملك بمعظم السلطات، فهو يعين الحكومات ويمكنه حل البرلمان، ويستطيع البرلمان إجبار حكومة على الاستقالة من خلال التصويت بحجب الثقة.

ورأى الرنتاوي أن العلاقة بين الإخوان وبقية أعضاء البرلمان "ليست بالضرورة أن تكون صدامية، فهم بالنهاية أقلية ولن يتمكنوا من فرض إرادتهم".

ووصف السبايلة الوضع السابقة عن الحالي بعد نتائج الانتخابات، بالقول: "الاختلاف صفر، لأن كتلة الإخوان ليست حاسمة والسلطة التشريعية بعيدة كل البعد عن صناعة القرار خارجيًا أو داخليًا. ستكون كتلة مناكفة لا صانعة قرار".

وواصل: "السلطة بالنهاية مطلقة بيد الملك".

الإخوان المسلمين في الأردن

بينما كان خالد مشعل، المسؤول في حركة حماس، يتجول في شوارع العاصمة الأردنية عمّان، اقترب منه عناصر من الموساد ونجحوا في حقنه بمادة سامة. كان ذلك في العام ١٩٩٧، وتسببت تلك العملية بأزمة ديبلوماسية كبيرة بين الأردن وإسرائيل، وطالب ملك الأردن، الراحل الحسين بن طلال، إسرائيل بتوفير الترياق المضاد للمادة السامة.

هددت العملية معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، ما دفع الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، للتدخل والضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أرسل رئيس الموساد إلى عمان ومعه الترياق الذي أنقذ حياة مشعل.

هذه الحادثة المدهشة في تفاصيلها "البوليسية" لها دلالة كبيرة لما كانت عليه علاقة النظام الأردني بحركة حماس، التي مرت بفترات متذبذبة طوال عقود، ولا تزال تحمل إشكالياتها المتصلة بالواقع الداخلي الأردني حتى اليوم، مع التداخل الاجتماعي والسياسي وحتى الأمني بين الإخوان المسلمين في الأردن وحركة حماس في غزة والضفة الغربية.

وإذا كانت حادثة "السم والترياق" تكشف عن حرص النظام الأردني على عدم السماح لإسرائيل باستخدام الأردن منصة للعمليات الأمنية ضد القيادات الفلسطينية، فإن حوادث لاحقة منذ التسعينيات وحتى اليوم، تكشف عن الموقف الصارم للنظام الهاشمي في منع استخدام الأراضي الأردنية في أي أعمال أمنية أو عسكرية ضدّ إسرائيل. 

وفي الحالين، يحضر السم، ويحضر الترياق.

ماذا يحدث اليوم؟

في وقت تتراجع فيه جبهات المواجهة بين محور إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى، في لبنان وسوريا واليمن والعراق وقطاع غزة، وفي وقت تخسر فيه إيران أوراقها الإقليمية واحدة تلو الأخرى، يبدو أن العيون تتجه إلى الأردن كمسرح جديد يحاول المحور الإيراني استخدامه، وهذه المرة من بوابة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة التي تأسست قبل ما يقارب ثمانية عقود في الأردن، وتحديداً في نهاية العام ١٩٤٥، امتداداً لحركة الاخوان المسلمين المصرية.

السلطات الأمنية الأردنية كشفت "إحباط مخططات خلية لتصنيع الصواريخ تضم 16 عنصرا"، كانت "تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي"، بينهم أعضاء على صلة بجماعة الإخوان المسلمين. 

وكشفت الاعترافات أيضا، عن تلقي الخلية تدريبات في لبنان، كما نقلت وسائل إعلام لبنانية عن معطيات أن حركة حماس هي التي قامت بتدريب عناصر الخلية في لبنان.

تاريخ العلاقة بالمسألة الفلسطينية

علاقة إخوان مصر بالمسألة الفلسطينية تعود إلى العام ١٩٣٦، كما يشرح الباحث الأردني إبراهيم غرايبة في كتابه "من الدعوة إلى السياسة: الإخوان المسلمون في الأردن، تاريخهم وأفكارهم"، وقد عمل الإخوان على دعم الفلسطينيين من خلال الدعاية والإعلام، جمع التبرعات، وتنظيم التظاهرات. أما الإخوان المسلمون في الأردن فقد انخرطوا في العمل العسكري في العام ١٩٤٨ ضد إسرائيل، وأرسل إخوان الأردن ١٢٠ مقاتلا، قتل بعضهم في المعارك مع العصابات الصهيونية قبل إعلان دولة إسرائيل.

تتواجد مجموعات الاخوان المسلمين المتفرعة من الأصل المصري في دول عربية عدة كما في تونس وسوريا ولبنان والأردن وقطر بالإضافة إلى قطاع غزة مع حضور خجول في العراق، فيما تحظر دول عربية أخرى، أكثرها خليجية، الجماعة وتضعها على لوائح الإرهاب، كما هي الحال مع الإمارات العربية المتحدة. 

وقام الأردن فعلياً بحل تنظيم الإخوان المسلمين في العام ٢٠٢٠، لكنه سمح له بخوض الانتخابات بجناح سياسي هو حزب جبهة العمل الإسلامي، وقد حصد ٣١ مقعداً من أصل ١٣٨ في البرلمان الحالي.

لكن الكشف عن الخلية يشكل نقطة تحول في علاقة هذا الحزب بمؤسسات الدولة، وهي العلاقة التي كانت تاريخياً ملتبسة ومرّت في فترات من التوتر، لكن هذه العلاقة بقيت استثناءً بالمقارنة مع العلاقة بين الإخوان والأنظمة الحاكمة في المنطقة. 

فمنذ الخمسينيات وحتى التسعينيات، كانت الجماعة حليفة للنظام الهاشمي، ووقفت إلى جانبه في مواجهة التيارات القومية واليسارية، في وقت كانت فيه أنظمة عربية أخرى تشنّ حرباً مفتوحة على الجماعة.

يؤكد الباحث إبراهيم غرايبة أن الجماعة "مرّت في علاقتها مع النظام بمراحل متعددة، ومن أبرزها التحالف السياسي مع السلطة ومواجهة المد القومي واليساري بين عامي 1954 و1970"​.

وفي السبعينيات والثمانينيات، لعب الإخوان دوراً محورياً في دعم استقرار الدولة بمواجهة التنظيمات الفلسطينية المسلحة، كما أن المجتمع الأردني المحافظ ساهم في "تسهيل العلاقة مع الإخوان وتعزيز موقعهم الاجتماعي والسياسي"​

ولادة حماس من رحم إخوان الأردن

ظهر لاحقًا تيار إسلامي فلسطيني أكثر تشددًا، تمثّل في حركة حماس، التي يؤكد غرايبة أنها "انبثقت من رحم الإخوان المسلمين الأردنيين"، وأن "تاريخ حماس في الحقيقة هو استمرار لتاريخ الإخوان في الأردن وفلسطين"​. وبعد ظهور "حماس" بدأت علاقة إخوان الأردن بالنظام تتذبذب.

في التسعينيات، كشفت الأجهزة الأمنية الأردنية عن نشاطات عسكرية لحركة "حماس" داخل الأردن، وألقت القبض على عدد من نشطاء الحركة، كان بعضهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، لكن "قيادة الجماعة أنكرت بدايةً علاقتها بهذه النشاطات"، على ما يشرح غرايبة، إلا أن "سلسلة من المفاجآت الأمنية لاحقاً بيّنت أن العشرات من أعضاء الجماعة الأردنية كانوا منخرطين في "حماس" دون علم القيادة".

ويضيف غرايبة: "هذا الوضع أدّى إلى أزمة تنظيمية داخل الجماعة الأردنية، ونشأ جدال مرير بين قياداتها: فبعضهم كان يؤيد تغطية ودعم "حماس" حتى دون علم القيادة، بينما طالب آخرون بالفصل التام بين الجماعتين". وهذا الخلاف تم تأجيل معالجته مراراً، ليبقى معلقاً إلى المستقبل دون مواجهة حاسمة، بحسب غرايبة.

ولا تحيد قضية إلقاء القبض اليوم على مجموعة مسلحة من الإخوان المسلمين تعمل على تصنيع الصواريخ والتحضير لإطلاقها من الأردن، عن هذا التداخل التاريخي بين الإخوان المسلمين في الأردن وحركة حماس في غزة.

بل إن معظم الدول التي يتواجد فيها تنظيمات تابعة للإخوان، تحاول خلق بيئة آمنة لعمل "حماس"، أو دعمها بالمال والسلاح أو بالتدريب او بالإيواء، والسماح لقياداتها في العيش في هذه الدول. 

وفي حين ينجح الإخوان في استثمار البيئات الآمنة في بعض البلدان، يفشلون في أخرى. وبحسب المفكر والباحث العراقي رحيم أبو رغيف، فإن "لكل بلد خصوصيته، وكل تنظيم تابع للإخوان يتخذ الشكل الذي يناسب البلد الموجود فيه".

ويعتقد أبو رغيف، في مقابلة سابقة مع موقع "الحرة" ومنصة "ارفع صوتك"، أن "ما يحدث في غزة ليس قادراً وحده على إعادة إحياء الإخوان المسلمين (في العراق وفي بلدان أخرى)"، مشيراً إلى أن "من ينتشل الإخوان هي ولاية الفقيه الإيرانية، والولي الفقيه في إيران علي خامنئي يهتم بإدامة زخم وجود الإخوان. وكتب سيد قطب لا تزال تطبع حتى اليوم على نفقة المكتب الخاص للسيد خامنئي".

يشير غرايبة في كتابه إلى أن الجماعة شهدت خلال العقود الأخيرة انشقاقات متعددة، بعضها على خلفية الهوية السياسية والاجتماعية، حيث "خرج الملتزمون بالعمل ضمن التقاليد، وغالباً من أصول شرق أردنية، بينما بقي الجناح الأقرب إلى حماس، وهم في الأغلب من أصول فلسطينية"​.

كما أن تراجع التمثيل السياسي للإخوان في الحياة البرلمانية والنقابية ساهم في دفع البعض منهم إلى خيارات أكثر تشددًا، أو على الأقل إلى الاقتراب من خطابات ذات طابع مقاوم تتماهى مع "حماس" و"حزب الله".

هجوم أكتوبر ٢٠٢٣ وتبدّل الأحوال

حرب غزة الأخيرة (2023)، التي اندلعت بعد هجوم حركة حماس على إسرائيل، كانت نقطة تحوّل مهمة، إذ أظهرت تصريحات ونشاطات شخصيات محسوبة على الجماعة مواقف أقرب إلى محور "المقاومة" المدعوم من إيران، وبرزت مؤشرات تقارب مع "حزب الله"، وهي علاقة كانت دائماً موضع تجاذب داخل الحركة الأردنية، لا سيما مع تصاعد النفور الشعبي الأردني من المشروع الإيراني في الإقليم. 

ولم يقتصر الأمر على الأردن، بل انعكس في لبنان مشاركة لقوات الفجر- الذراع العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان (الإخوان المسلمين) - في عملية "إسناد غزة" كما سماها "حزب الله". وقد استهدفت إسرائيل في هذا السياق مجموعة من القيادات التابعة للجماعة الإسلامية اللبنانية في بيروت وفي مدينة صيدا الجنوبية.

تكشف اعترافات الخلية المؤلفة من ١٦ شخصاً تتهمهم السلطات الأردنية بالانتماء للإخوان المسلمين، عن تلقيهم التمويل والتدريب في لبنان وأنهم خططوا لشن هجمات على داخل المملكة باستخدام صواريخ وطائرات مسيرة. لكن جماعة الإخوان المسلمين نفت، في بيان عبر حزبها جبهة العمل الإسلامي، صلتها بهذه الخلية، وأن ما أعلنته الحكومة "هي أعمال فردية على خلفية دعم المقاومة الفلسطينية لا علم لنا بها ولا صلة".