مشهد رفع العلم الإسرائيلي في رفح أثار انزعاج القاهرة
مشهد رفع العلم الإسرائيلي في رفح أثار انزعاج القاهرة | Source: IDF

جاء إعلان مصر الانضمام إلى جنوب أفريقيا في الدعوى التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جريمة "إبادة جماعية"، الأحد، بعد سلسلة من الأحداث التي انتهت بدخول الدبابات الإسرائيلية منطقة رفح الحدودية ورفع العلم الإسرائيلي.

وأثار رفع العلم على حدود مصر "استفزاز" القاهرة التي شرعت في اتخاذ خطوات تعبر عن غضبها من التحرك الإسرائيلي، وألقت تلك الخطوات بظلالها أيضا على العلاقات الثنائية ومعاهدة السلام القائمة بين البلدين منذ عقود.

ويرى خبير الشؤون الإسرائيلية المصري، طارق فهمي، أن انضمام مصر للقضية المرفوعة أمام العدل الدولية "خطوة أولى رمزية" ستتبعها خطوات عدى.

لكن محلل الشؤون الأمنية المقيم في إسرائيل، جلال بنا، فيرى أن مصر "غير جادة" في نوايا الانضمام لأنها "على تنسيق أمني تام وكامل مع إسرائيل".

وقال بنا لموقع الحرة إنه "لو كان هذا القرار سيؤثر على المصالح الأمنية المصرية والإسرائيلية لما كانت القاهرة اتخذته، فالدولة المصرية بإمكانها الضغط على إسرائيل بوسائل أقوى وأكبر من انضمامها للدعوى، خاصة أن التنسيق الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي المصري كبير جدا".

والأحد، قالت وزارة الخارجية لمصرية، إن التدخل في الدعوى المرفوعة على إسرائيل يأتي "في ظل تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، والإمعان في الاستهداف المباشر للمدنيين، وتدمير البنية التحتية في القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم".

ولفت البيان إلى أن "تلك الاعتداءات أدت إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة وخلقت ظروفا غير قابلة للحياة في غزة، في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب".

وتابع البيان: "طالبت مصر إسرائيل بالامتثال لالتزاماتها باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، وتنفيذها للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية التي تطالب بضمان نفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية على نحو كافٍ يلبي احتياجات الفلسطينيين في قطاع غزة، وعدم اقتراف القوات الاسرائيلية لأي انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني باعتباره شعب يتمتع بالحماية وفقاً لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية".

وكانت المحكمة قد دعت إسرائيل، في يناير، إلى الامتناع عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وطالبتها بضمان عدم قيام قواتها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.

وتسمح أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة للدول بالتدخل والإدلاء بآرائها. وقالت دول عدة إنها ستسعى أيضا للتدخل في القضية مثل تركيا ونيكاراغوا وكولومبيا وليبيا.

وجاء الإعلان المصري بعدما قال مصدر أمني رفيع المستوى إن القاهرة رفضت التنسيق مع إسرائيل في دخول المساعدات من معبر رفح بسبب "التصعيد الإسرائيلي غير المقبول وحملتها مسؤولية تدهور الأوضاع بقطاع غزة أمام كافة الأطراف".

واقتحمت القوات الإسرائيلية وسيطرت على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي مع مصر، كما توغلت الدبابات الإسرائيلية في بعض الأحياء الشرقية لرفح. 

وأبلغت القاهرة إسرائيل "بخطورة التصعيد".

وصرح مصدر أمني لمراسلة الحرة في القاهرة، السبت، أن مصر رفعت درجات الاستعداد للقوات المسلحة المصرية من الحالة العادية إلى الحالة القصوى، على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي المواجه لسيناء، المتاخم لقطاع غزة.

ويقول المحلل الأمني المصري، محمد عبد الواحد، في تصريحات لموقع الحرة إن مصر حرصت خلال الفترة الماضية على لعب دور الوسيط بحيادية والموازنة بين الأطراف، لذلك شعرت بالحرج من جراء العمليات الإسرائيلية التي ترقى إلى "إبادة جماعية"، بينما إسرائيل "مصممة على إحراج القيادة السياسية أمام شعبها والمنطقة العربية والفلسطينيين".

ويضيف أن إسرائيل لم تقتحم رفح فقط، بل اقتحمت مناطق أخرى في الشمال والوسط، كما أن دخول رفح "يساعد في الهجرة القمعية لسكان غزة"، ويهدد الأمن القومي المصري ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وبرتوكولها الذي يقيد عدد وحجم القوات المتواجدة على الحدود بين الجانبين، وهو أمر "لم تلتزم إسرائيل به".

ويشير إلى أن كل هذه الأمور "استفزت القاهرة وغيرت موقفها تماما بعدما تأكد لها أن إسرائيل غير جادة، وأن الوساطة تشكل عبئا عليها وعلى الأمن القومي المصري".

ويقول أستاذ العلوم السياسية المصري، طارق فهمي، لموقع الحرة إن التحرك المصري إزاء محكمة العدل "خطوة أولى ضمن خطوات مصر ترتب لها مصر للرد على الإجراءات الانفرادية التي قامت بها إسرائيل في ممر صلاح الدين (فيلادلفيا)".

ويشير إلى "وجود أزمة واحتقان" دلل عليهما عدم تجاوب مصر مع المطالب الإسرائيليية بما فيها التنسيق الامني، لأنها "لا تريد شرعنة ما يجري ولأنها إذا نسقت بدخول مساعدات تكون اعترفت بالأمر الواقع".

ويرى أن مصر تسعى إلى "فرض الردع المباشر بمواجهة إسرائيل".

والأحد قالت هيئة البث الإسرائيلية إن مباحثات جرت اليوم بمشاركة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بشأن التخوف من إصدار محكمة العدل الدولية في لاهاي أمراً بوقف الحرب في قطاع غزة، لاسيما مع إعلان مصر نيتها دعم طلب جنوب أفريقيا.

ومن جانبه، رجح المحلل الإسرائيلي، بنا، أن تكون الخطوة المصرية جاءت فقط بسبب "العلاقات الشخصية السيئة بين مصر وبين نتانياهو، خاصة أن الأخير يترأس أكثر ائتلاف حكومي يميني ومتطرف في تاريخ إسرائيل".

ويعتقد بنا كذلك أنه "لو كانت مصر انضمت للدعوى، فالأمر تم بتنسيق تام مع الإدارة الأميركية، أي مع أكثر دولة علاقتها وطيدة مع إسرائيل، وقد تكون رسالة غير مباشرة من واشنطن لحكومة إسرائيل، ومؤشرا على أن الدعوى في المحكمة الدولية قد تتوسع، ومن هنا فإن الأمر قد يشكل بنظر الإدارة الأميركية خطرا على كبار قادة دولة إسرائيل".

ويعتقد بنا أن هذا القرار "قد يكون موجها للشعب المصري أكثر من أي جهة أخرى لامتصاص الغضب الشعبي، خاصة أن مصر الرسمية رفضت فتح المعابر للفلسطينيين من غزة، وتقوم بالتنسيق التام بكل ما يتعلق بإدخال أي شيء خاصة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة".

وهذا يعني، وفق بنا، أن القيادة المصرية "تعي الغضب الشعبي ومطلب الشارع تقديم مساعدات للشعب الفلسطيني وتقييد التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي".

ويقول مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية، أشرف العشري، إن مصر تسعى من الخطوة إلى ممارسة الضغط على إسرائيل، في ظل التوتر القائم.

ومن بين الخطط المطروحة، وفق العشري، إجبار إسرائيل على التخلي عن مشروع اقتحام رفح واستمرار إغلاق المعبر، خاصة أن من شأن ذلك زيادة التوتر والتصعيد في المنطقة وربما التأثير على العلاقات.

ويضيف أن مصر تريد أن تمنع إسرائيل من الشروع في عملية موسعة في رفح، وتضغط عليها من أجل العودة إلى المفاوضات والقبول بالمقترحات المصرية والقطرية برعاية الجانب الأميركي.

ويأمل الجانب المصري بحدوث تغير للسلوك الإسرائيلي خلال الساعات المقبلة، وتغيير قواعد الاشتباك في منطقة رفح، وفي نفس الوقت وضع قواعد وشروط جديدة لإنقاذ المفاوضات، بحسب العشري.

وترى مصر، وفق مدير تحرير صحيفة الأهرام، أن الفرصة قائمة لإنقاذ المفاوضات، خاصة أن المقاربات المطروحة ترضي حماس وإسرائيل في نفس الوقت لوقف التصعيد.

وانتهت جولة جديدة من المفاوضات في العاصمة المصرية القاهرة، هذا الأسبوع، دون التوصل إلى اتفاق يقضي بإطلاق سراح رهائن محتجزين لدى حماس، ووقف إطلاق النار في غزة.

ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية" المقربة من المخابرات المصرية، الخميس، عن مصدر وصفته بـ"رفيع المستوى"، أن "الوفد الأمني المصري "يكثف جهوده لإيجاد صيغة توافقية بشأن بعض النقاط المختلف عليها".

كما ذكر مصدران أمنيان مصريان لوكالة رويترز، الخميس، أن محادثات وقف إطلاق النار في القاهرة أحرزت "نوعا من التقدم، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق".

ومصر أول دولة عربية وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979، بعد عام من توقيع معاهدة كامب ديفيد في 1978.

وتمكنت القاهرة بموجب اتفاقية السلام من استرداد شبه جزيرة سيناء التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وخاضت مصر حربا لاستعادتها في 1973.

وتعج رفح المتاخمة للحدود المصرية بنازحين فروا من مناطق أخرى بقطاع غزة، وهو ما يثير مخاوف القاهرة من "تهجير المدنيين" نحو شبه جزيرة سيناء في حال "توسع العمليات العسكرية بالمدينة".

وقالت صحيفة هآرتس  الإسرائيلية إن سيطرة الجيش على معبر رفح يعني أن إسرائيل ستحتل غزة مرة أخرى مما قد يحمل تداعيات وفقا للقانون الدولي، ويعقد العلاقات مع مصر المجاورة.

ونقلت هآرتس في تحليل أن وزارة الخارجية المصرية دانت توغل الجيش الإسرائيلي وسيطرته على معبر رفح ووصفته بأنه "تصعيد خطير"، يهدد جهود وقف إطلاق النار، كما اعتبرت القاهرة أن الخطوة تعرض حياة ملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون على مرور المساعدات الإنسانية.

كما تبحث مصر أيضا في المعنى القانوني لدخول قوات عسكرية كبيرة إلى المنطقة، التي يفترض أن تكون منزوعة السلاح وفقا لاتفاقيات كامب ديفيد، وفق الصحيفة.

ويأمل المحلل السياسي الإسرائيل، إيلي نيسان، ألا يؤثر دخول مصر قضية محكمة العدل الدولية على قرار المحكمة لأنه لو صدر حكم ضد إسرائيل، "سيساعد ذلك حماس في حربها ضد إسرائيل ولن يكون لها قدرة الدفاع عن نفسها".

وعن تأثر العلاقات بين البلدين بعد الخطوة المصرية، يقول نيسان لموقع الحرة إن "البلدين تحمكهما معاهدة سلام ومصر لها مصالح مع إسرائيل، ولا تريد استمرار الحرب ولا تريد اجتياح رفح ولكن  إسرائيل يجب أن تدافع عن نفسها".

وقال نيسان إن حماس تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين التي حظرتها مصر لأنها تهدد أمنها القومي، وبالتالي من حق إسرائيل مواصلة الحرب والقضاء عليها.

ويتفق المحلل الإسرائيلي، إيدي كوهين، على أن رفع العلم الإسرائيلي في رفح كان بمثابة "صدمة" للحكومة المصرية.

لكنه لم يتفاجأ من طلب مصر الانضمام إلى جنوب أفريقيا في قضية محكمة العدل الدولية، متهما القاهرة بدخول القضية من أجل "التهرب من المسؤولية" عن مساعدة حماس، وقال إنها ترغب في إبقاء "حالة العداء" مع إسرائيل.

لكنه لا يعتقد أن معاهدة السلام بين البلدين في خطر "ومصر حريصة على الحصول على أموال المعونة الأميركية السنوية والمزايا الأخرى التي تحصل عليها".

ويقول فهمي أيضا إن مسألة تجميد معاهدة السلام أمر سابق لأوانه، ويرتبط بالسلوك الإسرائيلي في الفترة المقبلة.

تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP
تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP

تتلقى مريم ضاهر، البالغة 33 عامًا، العلاج في مستشفى تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود"، الموجودة في الأردن، والتي تقدم خدماتها شمال غرب سوريا. كانت مريم قد فقدت جنينها. قطعت مسافة 20 كيلومترًا مع ابنها البالغ من العمر 18 عامًا على دراجة نارية للوصول إلى المستشفى.

تقول "لم تتوفر أي سيارة إسعاف بالقرب من منزلي. كنت مرهقة عندما وصلت، وأتساءل كيف سأخوض هذه الرحلة للعودة إلى المنزل بعد العملية".

في ظل الحرب التي تعصف بسوريا منذ 13 عامًا، والزلزالين اللذين ضربا البلاد في فبراير 2023، ونقص البنى التحتية الصحية، تجد النساء الحوامل والأمهات الجدد صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، خصوصا في شمال غرب سوريا.

أزمة خدمات صحية

في فترات سابقة، كانت تتوفر للنساء في شمال غرب سوريا الكثير من المستشفيات والعيادات التي تقدّم خدمات رعاية الأمومة، إلا أن الكثير منها قد دمّر نتيجة القصف وأعمال العنف. والآن، باتت قلّة من الأماكن تستقبل النساء الحوامل والأمهات الجدد.

أمام هذا الوضع، تعوّل النساء على عدد محدود من المرافق المستمرة في العمل، والتي تفصلهن عنها مسافات طويلة، ويضطررن إلى خوض رحلة غير مضمونة على الطرقات المتضررة وفي ظل الأخطار الأمنية.

وتوضح عائشة منصور، التي تبلغ من العمر 61 عامًا، هذا المسار قائلة "عندما حان موعد ولادة زوجة ابني، هرعنا إلى المستشفى الأقرب إلى منزلنا لنجده مغلقًا بسبب نقص التمويل بحسب ما قال الحارس أمام المستشفى. فتوجّهنا إلى المدينة المجاورة، لكننا مُنعنا من دخولها بسبب القتال".

ووفقًا لتقارير المجموعة الصحية للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، كان هناك 160 مرفقًا صحيًا مهددا بالإغلاق الكامل أو الجزئي حتى يونيو الماضي، ومن بينها تسعة مرافق مخصصة للرعاية الصحية المتخصصة. ويفيد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر نهاية يوليو بأنّ 50 في المئة من جميع المرافق الصحية العاملة ستعلّق أنشطتها كليًا أو جزئيًا بحلول ديسمبر المقبل نتيجة خفض التمويل.

وعلى الرغم من استمرار بعض المرافق الصحية في العمل، تبقى الخدمات المتوفّرة للنساء محدودة بسبب نقص الأطباء المتخصصين، كأطباء أمراض النساء والتوليد، ونقص المعدات الطبية والأدوية والمواد الأخرى. وعندما تحتاج النساء إلى دخول المستشفى، غالبًا ما لا يتم استقبالهنّ.

وتوضح المرجع الطبي لـ"أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا، كيارا مارتينوتا، أن الأطباء المتخصصين "إما نزحوا أو هاجروا إلى البلدان المجاورة أو البعيدة بحثًا عن فرص أفضل". وقد أدى ذلك إلى "نقص في أطباء أمراض النساء والتوليد الذين يوّفرون رعاية الأمومة المتقدمة، مما يزيد العبء على المرافق الصحية المتبقية والمثقلة أساسًا باحتياجات المرضى".

قيود اجتماعية

تواجه النساء السوريات مشكلا آخر في الحصول على الرعاية الصحة يتمثل في ترددهن في التوجه للمستسفيات خوفا من "الوصمة الاجتماعية والأحكام المسبَقة" التي تجعل إعلان المرأة كونها حاملا مسألة محرجة.

وتقول كوثر علي، وهي أم نازحة من حلب تبلغ من العمر 23 عامًا، "كثيرة هي النساء اللواتي يعتريهن الندم عندما يعرفن أنهن حوامل، إذ يواجهن انتقادات لاذعة من المجتمع بسبب ظروفهن المعيشية السيئة والحياة العصيبة في المخيمات. ويعتقد البعض أن إنجاب مزيد من الأطفال سيزيد من التحديات".

وتوضح "أطباء بلا حدود" أن منح النساء موانع الحمل لا يمكن أن يتم بدون توقيع الأزواج على موافقة مسبقة في المرافق التي تدعمها المنظمة، مرجعة ذلك إلى "الأعراف الثقافية السائدة في المنطقة". كما يعدّ الحمل المبكر من "التحديات الملحة" التي ترتبط بالأعراف الاجتماعية، وفق المنظمة التي تشير إلى أنّها استقبلت خلال عام 2024 امرأة تبلغ من العمر 19 عامًا أو أقل من بين كل أربع نساء قصدوا مستشفيات الأمومة التي تدعمها.

وتقول مشرفة التوليد في "أطباء بلا حدود" بشمال غرب سوريا، فاطمة النعسان، "استقبلنا امرأة وقد فارقت الحياة بسبب نزيف حاد، وعندما عاينتها القابلة وجدت الإصابات الشديدة واضحة عليها. أخبرتنا والدتها أن الزوج أصر على التوجّه إلى قابلة تقليدية على الرّغم من وجود مرفق صحي قريب من منزلهم".

علاوة على ذلك، كثيرًا ما تضطر النساء الحوامل لاصطحاب أحد أقاربها الذكور لتلقي الخدمات الصحية، ويُطلب منهن حينها الحصول على موافقتهم قبل تحديد ما إذا كن سيحصلن على الرعاية، فيتسبب ذلك في تأخير حصولهنّ على الخدمات الطبية ويؤثر على قدرتهن على التنقل للوصول إلى المستشفى أو العيادة في الوقت المناسب، خاصةً إذا كان العثور على المرافق مهمةً صعبة.

تداعيات الأزمة

مع تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار في سوريا، باتت العائلات غير قادرة على تحمّل تكاليف الاستشارات الخاصة أو العمليات الجراحية.

وينتشر الفقر على نطاق واسع في المنطقة، وتعاني الكثير من النساء الحوامل من فقر الدم أو سوء التغذية الحاد. وفي أغسطس 2023، رجّحت مجموعة التغذية التابعة للوكالة الإنسانية في شمال غرب سوريا إصابة 7 إلى 15 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في محافظتي إدلب وحلب بسوء التغذية.

يقول خالد يوسف، وهو أحد النازحين الذين يعيشون في منطقة جنديرس وأب لسبعة أطفال، "اضطررت إلى شراء الدواء من صيدلية خاصة لعدم توفّره في المستشفى. ظروفنا المعيشية سيئة، ولا أقدر على شراء الأدوية".

ويزيد الوضع صعوبة في ظل عدم توفر أسر على معيلين، إذ لا تضم كل عائلة من بين خمسة في كثير من مخيميات النزوح التي تغطيها مهام "أطباء بلا حدود" رجلا بالغا يتولى شؤون الأسرة.

تعيش مناطق سورية غياب مرافق صحية خاصة بالتوليد

وبسبب كل هذه الظروف، لم يعد أمام النساء الحوامل من خيار إلا أن يساهمن في توفير دخل بالعمل في الزراعة، مما يزيد من المخاطر على صحتهن وسلامة أجنتهن.

ويزداد الوضع سوءًا للنازحين الذين يعيشون في خيام بالية على أراضٍ خاصة. فهم مجبرون على تحمّل الظروف العصيبة خلال الشتاء القاسي والصيف الحارق. ومما يزيد الوضع صعوبة أن بعضهم مهدد بالطرد من قبل ملاك الأراضي الذين يطالبون بإخلائها واستعادتها.

وقد تأكد هذا الاتجاه المقلق في تقديرات عام 2024 التي شملت بعض المخيمات في حلب وإدلب شمال غرب سوريا حيث تعمل "أطباء بلا حدود". ومع توقع خفض إضافي في التمويل، يمكن أن تتراجع إمكانيات الحصول على الخدمات الغذائية الأساسية، مما يعرّض النساء والرضع لخطر أكبر.

تحركات ميدانية

غير أن منظمات مثل "أطباء بلا حدود" تسعى لتجاوز هذا الوضع عبر مبادرات مختلفة. فمنذ عام 2023، ساعدت فرق "أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا في أكثر من 25 ألفا و500 ولادة، وأجرت أكثر من 5 آلاف و500 عملية قيصرية، كما وفرت أكثر من111 ألف استشارة طبية للأمهات.

وتسعى المنظمة إلى بناء مستشفى جديد للولادة في منطقة جنديرس للمساعدة في معالجة النقص الحاد في مرافق الأمومة. وسيوفر هذا المستشفى ولادة. علاوة على ذلك، يجري العمل على توسيع نطاق خدمات الأمومة في مستشفى الشهباء في مدينة مارع، حيث تُقدم خدمات الولادة القيصرية والجراحة والرعاية للأطفال حديثي الولادة، كما يستقبل الإحالات من مرافق صحية أخرى في شمال غرب سوريا.

تقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، سهام حجاج، "لا يمكن تجاهل الحاجة الملحة إلى تذليل العقبات التي تؤخّر النساء الحوامل أو تمنعهنّ من تلقي الرعاية في شمال غرب سوريا. وفي ظل خفض التمويل، سيزداد هذا الوضع سوءًا. تناشد أطباء بلا حدود الجهات المانحة الدولية للالتفات إلى الاحتياجات الهائلة في مجال الأمومة وزيادة الدعم على المستويين الأساسي والمتخصص".