بعد غارة إسرائيلية شمال بيروت
بعد غارة إسرائيلية شمال بيروت

تدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتحرق معها كل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين. فقد أصبح جنوب لبنان وبقاعه تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية الكثيفة، في حين وسّع حزب الله نطاق ضرباته الصاروخية إلى حيفا وصفد وعكا، وصولاً إلى تل ابيب.

وتتزايد المخاوف من أن التصعيد المتبادل بين حزب الله وإسرائيل قد يكون مجرد بداية لـ"حلبات" صراع أشد عنفاً، حيث تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفصل جبهة لبنان عن غزة، وإبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لضمان عودة سكان المناطق الشمالية الإسرائيلية بأمان، وفي المقابل، يتمسك حزب الله بقراره عدم فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة.

وفي ظل التصعيد الميداني المستمر، برز صوت دبلوماسي في محاولة لاحتواء الأزمة، تزامناً مع انعقاد الدورة العادية للأمم المتحدة في نيويورك. ومع ذلك، يطرح السؤال فيما إن كان لا تزال هناك فرصة أمام الجهود الدبلوماسية الدولية لكبح انزلاق الوضع نحو صدام أكبر، أم أن الأمور بين حزب الله وإسرائيل بلغت نقطة اللاعودة؟

مزيد من الانفجار؟

في ظل تصاعد التوتر العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، تشهد كواليس الأمم المتحدة سباقاً ضد الزمن، حيث يسعى المجتمع الدولي إلى تهدئة الأوضاع بين حزب الله وإسرائيل.

لكن يبدو واضحاً، كما يقول الباحث السياسي نضال السبع، أنه "لا توجد حلول سلمية في الوقت الحالي"، مشيراً إلى أنه "بعد أن انتظر اللبنانيون زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، معتقدين أنه يحمل رسالة من المجتمع الدولي أو الولايات المتحدة أو إسرائيل لطرح حلول معينة، تبين أنه جاء خالي الوفاض، ولم يطرح أي جديد، بل عبّر عن هواجس باريس بشأن تفاقم الأوضاع وإطالة أمد النزاع، مؤكداً استعداد فرنسا للانخراط في الحراك الدبلوماسي".

ويرى السبع في حديث لموقع "الحرة" أن الوضع في لبنان يتجه نحو مزيد من الانزلاق، مؤكداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "أعدم قواعد الاشتباك وخطوطها الحمراء"، متوقعاً "تصعيداً إسرائيلياً كبيراً، خاصة بعد قيام حزب الله باستهداف مقر قيادة الموساد في ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي، وهو المقر المسؤول عن اغتيال قادة الحزب وعن تفجيرات البايجر وأجهزة اللاسلكي، وذلك في رسالة واضحة للإسرائيليين بأن الحزب لا يزال قادراً على توجيه ضربات تطال العمق الإسرائيلي رغم الضغوط والغارات".

انزلق لبنان إلى حرب مع إسرائيل، كما يشدد السبع، قائلاً "هذه الحرب قد تطول، وربما تستمر لمدة تتراوح بين 40 إلى 50 يوماً، في انتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، فاليوم، لا يوجد أي طرف قادر على ممارسة الضغوط على نتانياهو لوقفها، مما يجعله يشعر بأنه يمتلك ضوءاً أخضر دولياً".

كما يرى الباحث والكاتب السياسي اللبناني، الدكتور مكرم رباح خلال حديث مع موقع "الحرة" أنه ليس هناك من فرصة لنجاح أي مساعي دبلوماسية، مشيراً إلى "فشل الجهود الفرنسية والقطرية والتركية نتيجة تصلب أمين عام حزب الله، حسن نصر الله وإيران، اللذين يعتبران أن أي مساومة منهما في هذه المرحلة تعد هزيمة سياسية لهما في الداخل اللبناني".

ورغم التصعيد العسكري المستمر، واصل الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، جولته في بيروت، حيث التقى، أمس الثلاثاء، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وخلال اللقاء، أكد لودريان على دعم فرنسا الدائم للبنان، مشيداً بقرار ميقاتي التوجه إلى نيويورك في ظل الأوضاع الحالية، كما أعرب عن أمله أن تسفر الجهود الدبلوماسية عن إنهاء دائرة العنف.

ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الإيراني مسعود بيزشكيان خلال اجتماع عقد في نيويورك، الثلاثاء، إلى استخدام طهران نفوذها لإرساء "تهدئة عامة" في الشرق الأوسط.

وأعلنت سلوفينيا، التي تتولى الرئاسة الحالية لمجلس الأمن، أن المجلس سيعقد اجتماعاً بطلب من فرنسا، في الساعة العاشرة بتوقيت غرينتش، الأربعاء، لبحث تصاعد القتال بين لبنان وإسرائيل.

وفي ذات السياق، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، أن واشنطن عازمة على منع نشوب حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط "تبتلع المنطقة بأكملها".

وفي كلمته أمام المناقشة العامة للجمعية العامة، الثلاثاء، قال بايدن إن "الحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد. وحتى مع تصاعد الوضع، لا يزال الحل الدبلوماسي ممكناً"، وهو "السبيل الوحيد للأمن الدائم وللسماح لسكان البلدين بالعودة إلى ديارهم على الحدود بأمان".

لكن رباح يشدد على أن "أي حديث عن وقف إطلاق النار، أو مقترحات دبلوماسية من الأطراف الغربية مجرد مناورة سيستغلها حزب الله الذي يعتبر أن استمرار القتال ومقتل المدنيين يخدم مصالحه".

"كابوس غزة"

"حديث المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة عن انفتاح إسرائيل على الحوار والمناقشة مع الأطراف المعنية، وأن هناك قوى مهمة تسعى للتوصل إلى أفكار جديدة لمعالجة الوضع، هو مجرد تضليل"، كما يعتبر السبع، مشيراً إلى أنه "في الوقت الذي كان يتحدث فيه المندوب الاسرائيلي، كان نتانياهو يعقد اجتماعاً مع مجلس الأمن المصغر. وبعد انتهاء الاجتماع، نشر صورة على موقعه الشخصي على منصة "إكس" تجمعه مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي يشير فيها الأخير إلى إحدى المواقع في جنوب لبنان".

واليوم، قام الإسرائيليون كما يقول السبع "بتطبيق المشهد الذي ورد في الصورة من خلال استهداف المنشآت النفطية في الزهراني. وهذا يترجم أيضاً تحميل الإسرائيليين سابقاً الدولة اللبنانية مسؤولية ما يقوم به حزب الله كون يشن عملياته انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. وهذا إن دل على شيء، فهو يدل على أن الإسرائيليين فتحوا باباً لاستهداف المنشآت اللبنانية الحيوية الرسمية".

https://x.com/netanyahu/status/1838639286654022054?t=eBG7gjaTKBjCMRZ-wN1qFQ&s=08

وأطلق حزب الله المدعوم من إيران مئات الصواريخ والقذائف والمسيرات على إسرائيل في الأيام الأخيرة مع تصاعد الصراع المستمر منذ شهور عبر الحدود.

ونفذ الجيش الإسرائيلي أعنف غاراته الجوية في الحرب هذا الأسبوع مستهدفا قادة بحزب الله، وضرب مئات الأهداف في عمق لبنان مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة نحو 1800.

ويعبّر السبع عن خشيته أن "ينقل الإسرائيليون المشهد التدميري من قطاع غزة إلى جنوب لبنان"، لافتاً إلى أنه لا يستبعد أن "يتم استهداف المنشآت المدنية، مثل المدارس ومراكز الإيواء والمستشفيات" ويشدد على أنه "لا يوجد حديث الآن عن تسوية سياسية، والأمور تتجه نحو مزيد من الانفجار".

وتتصاعد مخاوف اللبنانيين من تكرار "كابوس" غزة في بلادهم، في وقت ظهرت أزمة نزوح مئات آلاف الأشخاص من المناطق المستهدفة، مما دفع السلطات اللبنانية إلى فتح مراكز إيواء لاستقبالهم، وسط الخشية من ارتفاع أعداد النازحين وصعوبة استيعاب المزيد في ظل استمرار التوترات.

وفي السياق، عبّرت الناطقة باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان رافينا شمداساني عن القلق البالغ إزاء التصعيد المفاجئ للأعمال الحربية بين حزب الله وإسرائيل، داعية كل الأطراف إلى الوقف الفوري للعنف، وضمان حماية المدنيين.

كما دعت اليونيسيف "بشكل عاجل إلى وقف التصعيد الفوري"، وإلى احترام جميع الأطراف التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان حماية البنى التحتية المدنية والمدنيين، بما يشمل الأطفال وعمال الإغاثة والعاملين في المجال الطبي.

وفي هذا السياق، يرى رباح أن "نصر الله سيلجأ مجدداً إلى الاختباء وراء الشعب اللبناني، وعند خروجه من نفقه، سيعلن عن الانتصار الإلهي مرة أخرى"، لكنه يشير إلى أن "الوضع مختلف الآن، حيث لن يكون هناك دعم دولي لإعادة إعمار لبنان كما حدث بعد حرب 2006".

أخطار عدة بشأن التعليم في لبنان
أخطار عدة بشأن التعليم في لبنان

أجاز وزير التربية والتعليم العالي، القاضي عباس الحلبي، للمدارس الخاصّة البدء بالتعليم من بعد، وطلب من المدارس التي ستبدأ حضوريًا توقيع تعهّد بمسؤوليّتها الكاملة عن أيّ أخطار تحصل بعد موافقة مجلس الأهل، فيما أعلن أنّ التعليم الرسمي يبدأ يوم الإثنين 4 نوفمبر 2024، والتسجيل أصبح إلكترونيًا ومن دون رسوم.

أما الجامعة اللبنانية، فتستمرّ بالتوقّف عن التدريس على أن تصدر رئاسة الجامعة التعاميم اللازمة بشأن العودة، وطريقة العودة للتدريس.

واعتبر الحلبي في مؤتمر صحفي عقده في الوزارة، الأحد، بحضور المسؤولين فيها أنّ "القرار جاء بعد التشاور على نطاق موسّع مع الأسرة التربويّة بكلّ مكوّناتها ومع المرجعيّات الوطنيّة والأمنيّة، ومع الجهات الدوليّة من منظّمات الأمم المتّحدة والجهات المانحة والداعمة، بهدف تأمين دعم لخطة الوزارة من أجل إنقاذ العام الدراسي، انطلاقًا من إصرارنا على عدم ضياع السنة الدراسيّة مهما بلغت قساوة الظروف".

ثمّ باشر بعرض الخطّة التي تعدّها الوزارة وفي أولى مراحلها متابعة جمع المعلومات بشأن أماكن وجود التلاميذ والمعلّمين من القطاعين الرسمي والخاص، وهي بيانات تتعلّق بنحو من 400 ألف تلميذ و40 ألف معلّم تركوا منازلهم تحديدًا من أربع محافظات هي الجنوب والنبطية والبقاع وبعلبك الهرمل، ثمّ تحليل تلك البيانات والتعاون مع القطاع التربوي الخاص لتأمين التعليم لتلامذة المدارس المقفلة والمشغولة بالنازحين، على أن يتمّ مسح انتشار المؤسّسات التربوية الخاصّة حول مدارس ومراكز الإيواء.

وأكّد الحلبي وجوب المشاركة مع الجهات المانحة والمجتمع المدني والمعنيين، لتوزيع التلاميذ والأساتذة في فترة بعد الظهر، على المدارس الخاصّة المحيطة بمراكز الإيواء كما ومشاركة الجهات المانحة في تأمين تغطية تكاليف هذه العملية بكل تفاصيلها.

وأخيرًا أعلن العمل مع وزارة الاتصالات للتأكّد من قدرة شبكة الإنترنت، خصوصًا الخلويّة منها، على تحمّل الضغط ونقل المعلومات والدروس بصورة شاملة، وأن تكون الخدمة مجّانًا للتلامذة وللمعلّمين.

وتابع أنّ وزارة التربية والتعليم العالي تسعى بكل جهدها كي لا تحدث فجوة بين تلامذة يتمكّنون مِن الدرس حضوريًا أو عن بعد، وآخرين لن يتمكنوا من ذلك في الوقت الحاضر.

نائب المنسّق العام لاتّحاد المؤسّسات التربويّة الخاصّة، الأمين العام للمدارس الإنجيليّة نبيل الإسطا، أيّد في تعليق لموقع "الحرة" "قرار الوزير بالعودة إلى التعليم في المدارس الخاصة، باعتباره قرارًا منطقيًا أن يترك لكلّ مدير مدرسة تقدير الظرف والبدء بالتعليم من بعد ثمّ الانتقال إلى التعليم الحضوري وفق الظروف الأمنيّة لكل مدرسة، أو اللجوء إلى التعليم المدمج الذي يوفّر خيارات ملائمة للتلاميذ".

ودعا الإسطا "في هذه الظروف الاستثنائيّة إلى دعم قرار الوزير، لأنّه الخيار الأمثل بترك كلّ مدرسة تفتح أبوابها بحسب استطاعتها، على أن يتمّ البحث في وقت لاحق في كيفية التعاون مع المدارس الرسمية من أجل المساعدة في تأمين التعليم للجميع".

من جهته، أبدى نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمه محفوض، لموقع "الحرة" "تحفّظه على تأجيل انطلاق العام الدراسي في المدارس الرسمية إلى 4 نوفمبر 2024". أما فيما يخصّ القطاع الخاص فأبدى استغرابه أن يطلب الوزير الحلبي من المدارس الخاصّة الحصول على تعهّد من لجان الأهل بالموافقة على مباشرة التعليم الحضوري، باعتبار أنّ الدولة هي المسؤولة عن تأمين الحماية لطلابها، لا أن تلقي بالمسؤولية على لجان الأهل".

وأشار إلى أن الدولة نفسها لم تعلن حالة الطوارئ، وبالتالي فلا "لزوم لمثل هذا الإجراء الذي قد يثير بلبلة لدى إدارات المدارس من جهة، ومخاوف لدى الأهل من تحمّل هذه المسؤوليّة من جهة ثانية. فكما أنّ جميع إدارات الدولة ومرافقها ومؤسّساتها الرسمية بالإضافة إلى مؤسّسات القطاع الخاص لا تزال تعمل ومن دون تعهّد من أحد، فلا شيء يمنع المدارس الخاصة في المناطق الآمنة من مباشرة التعليم من دون تعهّد من أحد، وبالتالي فلا لزوم إطلاقًا لنشر مثل هذه المخاوف بين الأهالي".

وختم محفوض بأنّ "المدارس أكثر أمنًا من المنازل ومن مراكز الإيواء، وأكثر فائدة على الطالب من أي مكان آخر، ومن هذا المنطلق فإنّنا نصرّ على التعليم الحضوري في المناطق الآمنة".

وكانت غالبية المدارس في محافظة جبل لبنان ومحافظة الشمال أعلنت العودة إلى التعليم الحضوري بدءًا من الاثنين 6 أكتوبر 2024، إلى جانب البدء بالتعليم من بعد في بعض المدارس القريبة من المناطق غير الآمنة، رغم اعتراض روابط التعليم الرسمي على هذا القرار، ومطالباتها المتكرّرة بالتريّث، انطلاقًا من مبدأ المساواة في التعليم بين القطاعين الرسمي والخاص.

أما النواب فينقسمون بين معارض للعودة إلى التعليم في ظلّ الظروف الحالية، ومؤيّد لهذه الخطوة في المناطق التي لا تزال آمنة وبعيدة من ظروف الحرب.