Aftermath of Israeli strikes on Beirut's southern suburbs
إسرائيل شنت ضربات واسعة على مناطق عدة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

تحل الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس، المصنفة إرهابية، على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وسط تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، مما يثير مخاوف متزايدة من انزلاق لبنان نحو مصير مشابه لقطاع غزة.

وفي إطار جهود احتواء التصعيد، أطلق رئيس مجلس النواب، نبيه بري، مبادرة تهدف إلى كسر الجمود السياسي الداخلي كخطوة أولى ضمن خطة شاملة تسعى إلى إنقاذ البلاد من الوقوع في هاوية الفوضى والانهيار، وسط حالة من الترقب والقلق حول مستقبل الأوضاع في لبنان.

وبرزت مبادرة بري (أحد أبرز حلفاء حزب الله المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة) في وقت لايزال الحزب يعاني من تداعيات مقتل أمينه العام حسن نصر الله، وانضم إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط.

وتقوم المبادرة على ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التأكيد على استعداد السلطات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة.

دبابات إسرائيلية قرب الحدود مع لبنان
الـ1701.. قصة قرار دولي يدور في حلقة مفرغة
في بيان أصدرته، الثلاثاء، في أعقاب تبلّغها من الجيش الإسرائيلي في اليوم السابق، نيته القيام بعمليات توغل برية محدودة داخل لبنان، حثت "اليونيفل": "الأطراف بقوة على إعادة الالتزام بقرارات مجلس الأمن والقرار 1701 باعتباره الحلّ الوحيد القابل للتطبيق لإعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة".

ثانياً، التركيز على ضرورة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية يتمتع بقدرة على تمثيل لبنان دولياً، وتشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الحالية. أما النقطة الثالثة فتشدد على أهمية التوافق الوطني في معالجة أزمة النازحين السوريين وتقديم الدعم الإنساني لهم.

وتدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتطيح بكل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين، حيث أصبحت مناطق واسعة في لبنان تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة. في المقابل، وسّع "حزب الله" نطاق ضرباته الصاروخية لتشمل مدنًا إسرائيلية كحيفا، صفد، وعكا، وصولاً إلى تل أبيب، في تصعيد غير مسبوق يهدد بتفجير المنطقة بأكملها.

والسؤال الذي يثار الآن فيما إن كان حزب الله هو من يدفع باتجاه المبادرة التي أطلقها بري في ظل الضربات المتتالية والمؤلمة التي تلقاها من إسرائيل في الفترة الأخيرة؟ أم أنه في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها، غير مستعد للدخول في حوار سياسي مع أي طرف؟

مخاوف حقيقية

مع تصاعد التوترات الأمنية، كرر ميقاتي التزام لبنان بمسار وقف النار، وتطبيق القرار الأممي 1701، وإرسال الجيش إلى جنوب الليطاني لـ"يقوم بمهامه كاملة مع قوات حفظ السلام".

وفي السياق، أكد بري أن "التواصل مع حزب الله مستمر، وأن الحزب ليس بعيداً عن موقفه بشأن سبل وقف إطلاق النار في لبنان"، موضحاً، في تصريح صحفي، أن "لبنان لا يزال ملتزماً بما تم الاتفاق عليه مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين، في مسار ينتهي بوقف إطلاق النار مع إسرائيل وتطبيق القرار الدولي 1701".

وأضاف بري "المبادرة التي طرحتها سابقاً بشأن وقف إطلاق النار تمت بالتوافق مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وما زال هذا التوافق قائماً".

ووسط دوي الصواريخ المتساقطة على لبنان، تحاول الجهود الدبلوماسية أن تجد لها صوتاً في محاولة لتجنيب البلاد سيناريو غزة، المخاوف تتصاعد مع كل يوم، وهو ما عبّر عنه وزير الإعلام زياد مكاري خلال مشاركته في القمة التاسعة عشرة للفرانكوفونية، حيث وصف هذه المخاوف بأنها "جدية".

وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس يوم الجمعة، قال مكاري، "نعتقد دائماً بوجود أمل ضئيل في الحلول الدبلوماسية، لأن لبنان يتعرض للقصف يومياً. بيروت، البقاع، جبل لبنان، والجنوب كلها مناطق تحت القصف المستمر، ليل نهار".

ما وصل إليه لبنان اليوم، "هو نتيجة لزجّ رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، لحزب الله في مواجهة غير متوقعة"، بحسب ما يقوله الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، ويوضح أن ذلك "أتاح لإسرائيل استغلال الأمر لتحقيق أهدافها العسكرية والأمنية في جنوب لبنان".

ويحذر السبع، في حديث لموقع "الحرة"، من أن لبنان قد يواجه مصيراً مشابهاً لما يحدث في غزة، مشيراً إلى أن "إسرائيل تنفذ عمليات تدمير ممنهجة للقرى الحدودية والبنى التحتية الحيوية..".

ولا يستبعد أن "تفرض إسرائيل حصاراً مشدداً على لبنان شبيهاً بذلك الذي تفرضه على قطاع غزة، مستشهداً بقصف معبر المصنع بين لبنان وسوريا ورفض إسرائيل السماح لطائرة إيرانية بالهبوط في مطار بيروت، ما يشير إلى أنها تتحكم في المجال الجوي اللبناني وتفرض شروطاً على الطائرات التي يُسمح لها بالهبوط".

كذلك يرى النائب السابق في البرلمان اللبناني، فارس سعيد، في حديث لموقع "الحرة"، أن " احتمال تحول لبنان إلى غزة ثانية، يعتمد على ما إذا أصر حزب الله على مواصلة حرب الإسناد وربط مصير لبنان بغزة. في هذه الحالة، قد ينتقل نموذج غزة إلى لبنان".

تطورات حاسمة

التطورات الأخيرة، وخاصة اغتيال الأمين العام لحزب الله، قلبت المشهد السياسي في لبنان، كما يرى سعيد، ويشرح "قبل هذه الأحداث، كانت المعارضة تطالب بانتخاب رئيس للجمهورية في ظل تعثر العملية بسبب عرقلة حزب الله، لكن بعد التصعيد الأخير، يبدو أن الحزب غيّر موقفه، حيث كلّف رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بالبحث عن حل للأزمة الرئاسية. هذا التحول يعكس حاجة الحزب إلى استقرار سياسي عبر انتخاب رئيس وتشكيل حكومة قادرة على التفاوض مع الخارج".

ورغم ذلك يشير سعيد إلى تباين المواقف داخل السلطة اللبنانية، "حيث يدعو كل من بري وميقاتي إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدولي 1701، بينما يتمسك نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، باستمرار ما يسميه حرب الأسناد".

كما لفت إلى أن "الرئيس بري تخلى عن مطلب الحوار الذي كان يسبق انتخاب رئيس، وأصبح يتحدث عن رئيس توافقي، ما يعني ضمنياً التخلي عن دعم سليمان فرنجية لهذا المنصب".

ولتجنب مرحلة الانفجار الكبير، "عقدت اللجنة الخماسية اجتماعا قبل نحو شهر، برزت خلاله وجهتا نظر مختلفتان، "الجانب الفرنسي والسعودي ركزا على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، معتبرين أن هذه الخطوة تشكل الأولوية"، وفق ما يقوله السبع.

لبنان يعيش حالات متكررة من الشغور الرئاسي بسبب خلافات سياسية
أكسيوس: أميركا تسعى إلى استغلال ضعف حزب الله لانتخاب رئيس لبناني
قال مسؤولون أميركيون لموقع "أكسيوس"، إن البيت الأبيض يحاول الاستفادة من الضربات الإسرائيلية القوية التي وُجهت إلى حزب الله اللبناني للدفع باتجاه انتخاب رئيس لبناني جديد خلال الأيام المقبلة، وذلك بعد نحو عامين من خلو المنصب بسبب خلافات سياسية.

ويضيف: "في المقابل، عبّرت السفيرة الأميركية ليزا جونسون عن توجه بلادها بالتركيز على تطبيق القرار 1701. وخلال الاجتماع، تم التوصل إلى اتفاق لدمج هذين المطلبين، على أن يتم تنفيذهما مع بداية العام المقبل".  

ويشير السبع إلى أن "الظروف الحالية رفعت من حظوظ قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون لتولي منصب رئاسة الجمهورية"، لافتاً إلى أن "هذا يأتي في ظل استمرار ترشيح رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، مما يعني أن المنافسة على الرئاسة انحصرت بين الاثنين".

وكان موقع "أكسيوس" أورد أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال الضربة الكبيرة التي تلقاها حزب الله من إسرائيل في الدفع نحو انتخاب رئيس جديد للبنان وإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ حوالي عامين.

وذكر الموقع الإخباري الأميركي أن قائد الجيش اللبناني يحظى بدعم الولايات المتحدة وفرنسا كمرشح للرئاسة، متوقعاً أن تلعب القوات المسلحة اللبنانية دوراً محورياً في أي تسوية سياسية بعد انتهاء الصراع الحالي في لبنان.

من جانبه يشدد الباحث والكاتب السياسي اللبناني، مكرم رباح، على أن "لا خيار سوى تنفيذ مقترح انتخاب رئيس للجمهورية وتطبيق القرار 1701، سواء جاء هذا المقترح من السياسيين اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم أو من الخارج".

وقال إن "المطلوب الآن هو وقف إطلاق النار بشكل فوري، والتحضير لعودة النازحين إلى منازلهم قبل موسم الشتاء، مع تولي الجيش اللبناني مسؤولية كافة المناطق دون أي تقصير".

ويشير رباح، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "الحظوظ الأكبر للوصول إلى قصر بعبدا ستكون للشخص الذي يستطيع تمثيل لبنان دبلوماسياً، ويوفر له الغطاء السياسي والمالي".

إلا نه لا يعتقد أن "أياً من الأسماء المطروحة حالياً مؤهلة بشكل جدي باستثناء جهاد أزعور ونصيف حتّي، ويبقى الأهم ليس فقط انتخاب رئيس للجمهورية، بل الانتقال إلى سلطة أفضل".

وكان رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أصدر في أعقاب التصعيد العسكري الكبير الذي شهدته البلاد، بياناً يعبّر فيه عن استغرابه لعدم دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى جلسة فعلية لانتخاب رئيس الجمهورية، بدلاً من الجلسات الصورية التي كانت تُعقد في السابق.

وخلال استقباله السفيرة الجديدة للنرويج في لبنان، هيلدي هارالدستاد، في 28 سبتمبر، أكد جعجع على أهمية احترام المؤسسات والدستور في لبنان، مشيراً إلى أن محور الممانعة يعطل انتخابات رئيس الجمهورية، حيث شدد على أن "وجود رئيس هو ضرورة لقيادة البلاد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع والمفاوضات الدولية، ولكن للأسف هناك من يحول دون ذلك".

من جانبه، أكد رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، أن "وجود رئيس للجمهورية ضروري لتوزيع الأعباء الثقيلة سعياً لخلاص البلاد".

واعتبر، في حديث إعلامي، أن لقاءه مع بري كان إيجابياً، خاصة بشأن ملف رئاسة الجمهورية، حيث "سقطت الشروط". كما شدد على أهمية تأمين النصاب بـ86 صوتاً والتوافق على الرئيس المناسب، رافضاً أي استغلال للوضع العسكري الخارجي لفرض رئيس على لبنان.

تناقض واضح

"كلّف حزب الله الرئيس ميقاتي بالتواصل مع الجانب الأميركي بشأن تطبيق القرار 1701 قبل اغتيال أمينه العام حسن نصر الله"، وفق ما يقوله السبع، معتبراً ذلك أنه إشارة إلى رغبة الحزب في التهدئة".

وأكد أن التطورات الأخيرة "تعزز الحاجة إلى تطبيق هذا القرار وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب لعرقلة أي تصعيد اضافي، لكن القرار النهائي حول ذلك يبقى في يد إسرائيل".

ويدعو القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس 2006، إلى وقف هجمات حزب الله على إسرائيل، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب بالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، وإخلاء المنطقة من أي عتاد حربي ومسلحين باستثناء الجيش اللبناني.

كما نص القرار على تطبيق اتفاق الطائف والقرارين الدوليين 1559 و1680، بما في ذلك نزع سلاح الجماعات المسلحة اللبنانية، ومنع وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة اللبنانية.

ويصر ممثلو السلطة في لبنان حالياً على تطبيق هذا القرار وفق ما يقوله رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبور، المحامي بول مرقص، في حين أن "حزب الله مستمر في جبهة إسناد غزة، مما يظهر تناقضاً واضحاً أمام المجتمع الدولي".

ويرى مرقص، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الموقف الرسمي اللبناني لا يستند إلى قرار حكومي واضح بشأن آلية تطبيق القرار الدولي، حيث لم تجتمع الحكومة بعد لمقاربة ملف الحرب بالمعنى السياسي وفقاً للمادة 65 التي أناطت بها السلطة الإجرائية".

ويشير إلى أن "إسرائيل خرقت القرار 1701 وهي تنتهكه يومياً، إن لم يكن برّاً وبحراً فجواً، عبر تحليق طائراتها الحربية وخرق جدار الصوت واستهداف المزارعين والمدنيين والحقول والبساتين".

ويضيف مرقص "ما لم ننتبه له هو أن هذا القرار، في جوهره، يصب في مصلحة لبنان، لذلك كان من المفترض أن يكون لبنان أكثر حرصاً عليه وعلى تطبيقه، من خلال التفاهم مع حزب الله على تنفيذه منذ صدوره في عام 2006".

وذكّر بأن "الحكومة اللبنانية كانت قد ناشدت المجتمع الدولي لإصدار القرار في جلسة لها عشية صدوره بالإجماع، لكنها بعد ذلك أهملت تطبيقه بعد توقف إطلاق النار".

ويعبّر مرقص عن مخاوفه من أن تطالب إسرائيل بما يتجاوز إطار القرار 1701، مشيراً إلى أن "ما قد تطالب به اليوم يعكس انتصاراتها في الجولة الأولى من الحرب"، وأضاف أن "ما كان مناسباً بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم..".

من جانبه يرى سعيد أن "انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة يمكن أن يعززا فرص لبنان في إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية عبر الالتزام بتطبيق القرار 1701، لكن الوضع الحالي يظهر أن الدولة اللبنانية تعمل كوسيط بين حزب الله والخارج، بدلاً من أن تكون جهة تنفيذية لهذا القرار".

وتسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفصل جبهة لبنان عن غزة، وإبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لضمان عودة سكان المناطق الشمالية الإسرائيلية بأمان، وفي المقابل، يتمسك حزب الله بقراره عدم فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة.

الخطوات الجدّية

يبدأ التطبيق الجدي للقرار 1701، كما يشير الصحافي والسياسي، نوفل ضو، في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس"، "باستدعاء حكومة لبنان سفراء إيران وسوريا والعراق، وإبلاغهم بضرورة سحب أي خبير أو عسكري تابع لدولهم من لبنان، ووقف أي دعم يُقدّم لأي جهة مسلحة غير الجيش، وكذلك وقف استخدام أراضيها لتمرير السلاح والمسلحين والدعم اللوجستي. هذا ما تنص عليه الفقرة 15 من القرار 1701".

ولا يقتصر نطاق القرار 1701 على جنوب الليطاني أو حتى كامل الأراضي اللبنانية فحسب، بحسب ما يؤكد ضو في تغريدة أخرى، بل يمنع بشكل صريح أي دولة أو جهة دولية من بيع أو إرسال أو تقديم أي نوع من الأسلحة أو المعدات العسكرية أو اللوجستية إلى لبنان، إلا للجيش اللبناني. وأضاف أن القرار يحظر أيضاً تدريب أو تجهيز أي كيان عسكري أو شبه عسكري غير القوى الشرعية اللبنانية.

وأكد ضو أن "الجمع بين القرار 1701 ومعادلة 'شعب وجيش ومقاومة' هو نوع من الغش السياسي".

يذكر أن معادلة "شعب، جيش، مقاومة" ظهرت بعد حرب 2006، حيث يعتبرها أنصارها "ضمانة لحماية لبنان من إسرائيل"، بينما يراها معارضوها تهديداً لسيادة الدولة، كونها تمنح شرعية لسلاح حزب الله خارج إطار المؤسسات الرسمية.

من أبرز المعارضين لهذه المعادلة حزبا القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية. وفي بيان أصدره حزب الكتائب في أغسطس الماضي، انتقد بشدة دور حزب الله معتبراً أن الحزب "بعدما تدجج بالسلاح واستعمله في الداخل في أكثر من محطة ترهيبية وتهديدية وانتهك سيادة لبنان وورطه في مشاريع إيران الإقليمية، وبعدما استباح سطح الأرض يذهب إلى حفر أنفاق في عمقها مغتصبا سيادة الدولة وأملاك اللبنانيين الخاصة في آن ليحمي ترسانته الحربية".

وأشار البيان إلى أن "وضع الصواريخ والقذائف بين البيوت يجعل من اللبنانيين دروعاً بشرية يذهبون في جريرة حرب لا يريدونها ولم يأخذ أحد رأيهم قبل زجهم فيها".

وفي تعليق على مبادرة بري، أكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية، النائب سامي الجميّل، أن "الأولوية اليوم هي لوقف إطلاق النار ووقف التوغل البري الإسرائيلي، وهذا يتطلب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها وأن يتجاوب حزب الله مع الدولة والمبادرة ويقبل بانتشار الجيش على كامل الأراضي اللبنانية".

مصير.. على المحك

خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، شهد حزب الله "تراجعاً في بنيته" وفق ما يقوله السبع، وذلك " نتيجة الفوضى الأمنية والإعلامية والعسكرية داخل صفوفه، مما انعكس على أدائه الحالي، لكن رغم خسارته العديد من القيادات المؤثرة من الجيل المؤسس، إلا أن بنيته لا تزال متماسكة نسبياً، إذ يعتمد على هيكل داخلي يتيح لكل قائد نائبين يتوليان المسؤولية في حال موته".

ويواجه الحزب اليوم تحدياً كبيراً يتمثل بحسب السبع في الاختراقات الأمنية التي وصفها بـ"السرطان الذي ينهش في الجسد"، كما يعاني "من صعوبات في التواصل الداخلي بعد استهداف إسرائيل أجهزة البيجر التي كان يعتمد عليها كوادره، إضافة إلى الضربات التي تعرض لها مخزونه من الصواريخ والأسلحة".

"لم يسقط حزب الله عسكرياً فقط، بل سياسياً أيضاً"، كما يقول رباح، موضحاً أن "ما نشهده اليوم هو عملية تصفية للحزب، إلا أن هذه التصفية وحدها لا تكفي، بل يجب معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهوره، وأبرزها غياب الدولة الذي منحه القدرة على التحول من تنظيم إيراني مسلح يقاتل باسم ولاية الفقيه إلى الادعاء بأنه يدافع عن لبنان".

وعن مستقبل حزب الله، يقول سعيد إننا نشهد "بداية تراجع النفوذ العسكري الإيراني ليس فقط في لبنان، بل أيضاً في سوريا، العراق، وربما اليمن".

وفي تعليقه على مصير الحراك الدبلوماسي اللبناني، يؤكد سعيد أن "دعم لقاء عين التينة الذي جمع بري وميقاتي وجنبلاط، لبيان دولي يطالب بوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً والالتزام بالقرار 1701 يعني عملياً فصل لبنان عن غزة".

ويشير سعيد إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، للبنان، جاءت "لوضع حد لهذه المحاولة"، موضحاً أن رسالة عراقجي تتمثل في "عدم ثقة طهران بأي مفاوض لبناني، حتى إن كان حزب الله، وأنها هي الجهة الوحيدة المخولة بالتفاوض حول وقف إطلاق النار، ما يعكس رغبتها في إحباط أي مبادرة لبنانية ويزيد من تعقيد الوضع في البلاد". 

تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP
تواجه النساء في مناطق سورية مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية - AFP

تتلقى مريم ضاهر، البالغة 33 عامًا، العلاج في مستشفى تدعمه منظمة "أطباء بلا حدود"، الموجودة في الأردن، والتي تقدم خدماتها شمال غرب سوريا. كانت مريم قد فقدت جنينها. قطعت مسافة 20 كيلومترًا مع ابنها البالغ من العمر 18 عامًا على دراجة نارية للوصول إلى المستشفى.

تقول "لم تتوفر أي سيارة إسعاف بالقرب من منزلي. كنت مرهقة عندما وصلت، وأتساءل كيف سأخوض هذه الرحلة للعودة إلى المنزل بعد العملية".

في ظل الحرب التي تعصف بسوريا منذ 13 عامًا، والزلزالين اللذين ضربا البلاد في فبراير 2023، ونقص البنى التحتية الصحية، تجد النساء الحوامل والأمهات الجدد صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة، خصوصا في شمال غرب سوريا.

أزمة خدمات صحية

في فترات سابقة، كانت تتوفر للنساء في شمال غرب سوريا الكثير من المستشفيات والعيادات التي تقدّم خدمات رعاية الأمومة، إلا أن الكثير منها قد دمّر نتيجة القصف وأعمال العنف. والآن، باتت قلّة من الأماكن تستقبل النساء الحوامل والأمهات الجدد.

أمام هذا الوضع، تعوّل النساء على عدد محدود من المرافق المستمرة في العمل، والتي تفصلهن عنها مسافات طويلة، ويضطررن إلى خوض رحلة غير مضمونة على الطرقات المتضررة وفي ظل الأخطار الأمنية.

وتوضح عائشة منصور، التي تبلغ من العمر 61 عامًا، هذا المسار قائلة "عندما حان موعد ولادة زوجة ابني، هرعنا إلى المستشفى الأقرب إلى منزلنا لنجده مغلقًا بسبب نقص التمويل بحسب ما قال الحارس أمام المستشفى. فتوجّهنا إلى المدينة المجاورة، لكننا مُنعنا من دخولها بسبب القتال".

ووفقًا لتقارير المجموعة الصحية للأمم المتحدة في شمال غرب سوريا، كان هناك 160 مرفقًا صحيًا مهددا بالإغلاق الكامل أو الجزئي حتى يونيو الماضي، ومن بينها تسعة مرافق مخصصة للرعاية الصحية المتخصصة. ويفيد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر نهاية يوليو بأنّ 50 في المئة من جميع المرافق الصحية العاملة ستعلّق أنشطتها كليًا أو جزئيًا بحلول ديسمبر المقبل نتيجة خفض التمويل.

وعلى الرغم من استمرار بعض المرافق الصحية في العمل، تبقى الخدمات المتوفّرة للنساء محدودة بسبب نقص الأطباء المتخصصين، كأطباء أمراض النساء والتوليد، ونقص المعدات الطبية والأدوية والمواد الأخرى. وعندما تحتاج النساء إلى دخول المستشفى، غالبًا ما لا يتم استقبالهنّ.

وتوضح المرجع الطبي لـ"أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا، كيارا مارتينوتا، أن الأطباء المتخصصين "إما نزحوا أو هاجروا إلى البلدان المجاورة أو البعيدة بحثًا عن فرص أفضل". وقد أدى ذلك إلى "نقص في أطباء أمراض النساء والتوليد الذين يوّفرون رعاية الأمومة المتقدمة، مما يزيد العبء على المرافق الصحية المتبقية والمثقلة أساسًا باحتياجات المرضى".

قيود اجتماعية

تواجه النساء السوريات مشكلا آخر في الحصول على الرعاية الصحة يتمثل في ترددهن في التوجه للمستسفيات خوفا من "الوصمة الاجتماعية والأحكام المسبَقة" التي تجعل إعلان المرأة كونها حاملا مسألة محرجة.

وتقول كوثر علي، وهي أم نازحة من حلب تبلغ من العمر 23 عامًا، "كثيرة هي النساء اللواتي يعتريهن الندم عندما يعرفن أنهن حوامل، إذ يواجهن انتقادات لاذعة من المجتمع بسبب ظروفهن المعيشية السيئة والحياة العصيبة في المخيمات. ويعتقد البعض أن إنجاب مزيد من الأطفال سيزيد من التحديات".

وتوضح "أطباء بلا حدود" أن منح النساء موانع الحمل لا يمكن أن يتم بدون توقيع الأزواج على موافقة مسبقة في المرافق التي تدعمها المنظمة، مرجعة ذلك إلى "الأعراف الثقافية السائدة في المنطقة". كما يعدّ الحمل المبكر من "التحديات الملحة" التي ترتبط بالأعراف الاجتماعية، وفق المنظمة التي تشير إلى أنّها استقبلت خلال عام 2024 امرأة تبلغ من العمر 19 عامًا أو أقل من بين كل أربع نساء قصدوا مستشفيات الأمومة التي تدعمها.

وتقول مشرفة التوليد في "أطباء بلا حدود" بشمال غرب سوريا، فاطمة النعسان، "استقبلنا امرأة وقد فارقت الحياة بسبب نزيف حاد، وعندما عاينتها القابلة وجدت الإصابات الشديدة واضحة عليها. أخبرتنا والدتها أن الزوج أصر على التوجّه إلى قابلة تقليدية على الرّغم من وجود مرفق صحي قريب من منزلهم".

علاوة على ذلك، كثيرًا ما تضطر النساء الحوامل لاصطحاب أحد أقاربها الذكور لتلقي الخدمات الصحية، ويُطلب منهن حينها الحصول على موافقتهم قبل تحديد ما إذا كن سيحصلن على الرعاية، فيتسبب ذلك في تأخير حصولهنّ على الخدمات الطبية ويؤثر على قدرتهن على التنقل للوصول إلى المستشفى أو العيادة في الوقت المناسب، خاصةً إذا كان العثور على المرافق مهمةً صعبة.

تداعيات الأزمة

مع تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار في سوريا، باتت العائلات غير قادرة على تحمّل تكاليف الاستشارات الخاصة أو العمليات الجراحية.

وينتشر الفقر على نطاق واسع في المنطقة، وتعاني الكثير من النساء الحوامل من فقر الدم أو سوء التغذية الحاد. وفي أغسطس 2023، رجّحت مجموعة التغذية التابعة للوكالة الإنسانية في شمال غرب سوريا إصابة 7 إلى 15 في المئة من النساء الحوامل والمرضعات في محافظتي إدلب وحلب بسوء التغذية.

يقول خالد يوسف، وهو أحد النازحين الذين يعيشون في منطقة جنديرس وأب لسبعة أطفال، "اضطررت إلى شراء الدواء من صيدلية خاصة لعدم توفّره في المستشفى. ظروفنا المعيشية سيئة، ولا أقدر على شراء الأدوية".

ويزيد الوضع صعوبة في ظل عدم توفر أسر على معيلين، إذ لا تضم كل عائلة من بين خمسة في كثير من مخيميات النزوح التي تغطيها مهام "أطباء بلا حدود" رجلا بالغا يتولى شؤون الأسرة.

تعيش مناطق سورية غياب مرافق صحية خاصة بالتوليد

وبسبب كل هذه الظروف، لم يعد أمام النساء الحوامل من خيار إلا أن يساهمن في توفير دخل بالعمل في الزراعة، مما يزيد من المخاطر على صحتهن وسلامة أجنتهن.

ويزداد الوضع سوءًا للنازحين الذين يعيشون في خيام بالية على أراضٍ خاصة. فهم مجبرون على تحمّل الظروف العصيبة خلال الشتاء القاسي والصيف الحارق. ومما يزيد الوضع صعوبة أن بعضهم مهدد بالطرد من قبل ملاك الأراضي الذين يطالبون بإخلائها واستعادتها.

وقد تأكد هذا الاتجاه المقلق في تقديرات عام 2024 التي شملت بعض المخيمات في حلب وإدلب شمال غرب سوريا حيث تعمل "أطباء بلا حدود". ومع توقع خفض إضافي في التمويل، يمكن أن تتراجع إمكانيات الحصول على الخدمات الغذائية الأساسية، مما يعرّض النساء والرضع لخطر أكبر.

تحركات ميدانية

غير أن منظمات مثل "أطباء بلا حدود" تسعى لتجاوز هذا الوضع عبر مبادرات مختلفة. فمنذ عام 2023، ساعدت فرق "أطباء بلا حدود" في شمال غرب سوريا في أكثر من 25 ألفا و500 ولادة، وأجرت أكثر من 5 آلاف و500 عملية قيصرية، كما وفرت أكثر من111 ألف استشارة طبية للأمهات.

وتسعى المنظمة إلى بناء مستشفى جديد للولادة في منطقة جنديرس للمساعدة في معالجة النقص الحاد في مرافق الأمومة. وسيوفر هذا المستشفى ولادة. علاوة على ذلك، يجري العمل على توسيع نطاق خدمات الأمومة في مستشفى الشهباء في مدينة مارع، حيث تُقدم خدمات الولادة القيصرية والجراحة والرعاية للأطفال حديثي الولادة، كما يستقبل الإحالات من مرافق صحية أخرى في شمال غرب سوريا.

تقول رئيسة بعثة أطباء بلا حدود في شمال غرب سوريا، سهام حجاج، "لا يمكن تجاهل الحاجة الملحة إلى تذليل العقبات التي تؤخّر النساء الحوامل أو تمنعهنّ من تلقي الرعاية في شمال غرب سوريا. وفي ظل خفض التمويل، سيزداد هذا الوضع سوءًا. تناشد أطباء بلا حدود الجهات المانحة الدولية للالتفات إلى الاحتياجات الهائلة في مجال الأمومة وزيادة الدعم على المستويين الأساسي والمتخصص".