بيروت لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من النازحين بعد أن امتلأت بالكامل
بيروت لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من النازحين بعد أن امتلأت بالكامل

مع تصاعد التوترات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تحذيراً حول تدهور الوضع الإنساني في لبنان، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية تجاوزت في حدتها تلك التي شهدتها البلاد خلال حرب 2006.

يأتي هذا التحذير في ظل اضطرابات يعيشها اللبنانيون، حيث يواجهون تزايداً في حدة النزوح، وتدهوراً في الخدمات الأساسية، وارتفاعاً في معدلات الفقر، إلى جانب المخاطر الأمنية المتزايدة، ما يشير إلى أن البلاد على شفا أزمة إنسانية شاملة، لاسيما مع اشتداد الأعباء على الفئات الأكثر ضعفاً.

وخلال مؤتمر صحفي عقد في نيويورك يوم الاثنين، أوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن القطاع الصحي اللبناني يواجه "هجمات بلا هوادة، حيث يقع الموظفون والمرافق والموارد في مرمى النيران بشكل متزايد، مما يزيد من الضغط على البنية التحتية الصحية الهشة بالفعل في لبنان".

وسبق أن أفاد دوجاريك بأن "العاملين في المجال الإنساني في لبنان يخشون من أن الطلب على الغذاء والدواء والمأوى وغير ذلك من الإمدادات الأساسية آخذ في الازدياد".

انهيار خطير؟

يتجاوز مفهوم الأمن البشري الذي تتبناه الأمم المتحدة كما يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، حدود السلامة الجسدية للأشخاص، إذ "يشمل توفير بيئة آمنة تتيح للناس العيش بكرامة بعيداً عن التهديدات المزمنة والأخطار المفاجئة التي تؤثر على حياتهم اليومية".

ويوضح أبو شقرا في حديث لموقع "الحرة" أن "هذا المفهوم وضعته الأمم المتحدة ضمن أهداف التنمية المستدامة الواجب تحقيقها بحلول عام 2030، ويشمل سبعة أنواع من الأمن هي: الأمن الاقتصادي، والأمن الصحي، والأمن المجتمعي، والأمن السياسي، والأمن الغذائي، والأمن البيئي، وأخيراً الأمن الشخصي".

ويشير إلى أن لبنان يعاني من تدهور في معظم هذه المؤشرات، إذ أن "غياب الأمن الاقتصادي يبدو جلياً من خلال ارتفاع معدل البطالة، والذي يقدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بـ 34%، فيما تصل بعض التقديرات الأخرى إلى نسب أعلى. أما الأمن الصحي، فهو أيضاً مهدد بسبب الأزمات المتفاقمة وارتفاع مخاطر انتشار الأوبئة، كما أن الأمن المجتمعي يعاني من اختلالات كبيرة نتيجة التمييز الطائفي".

وعلى الصعيد البيئي، "يعاني لبنان من مشاكل بيئية كبيرة، مثل تلوث بحيرة القرعون، بينما يشهد الأمن الغذائي تضخماً هائلاً في الأسعار وصل إلى مستويات قياسية، ومع أن التضخم قد تراجع مؤخراً، إلا أن الأسعار ما زالت مرتفعة، مما يرفع نسبة الفقر في البلاد لتصل إلى حوالي 44% من السكان".

ويوضح الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق أن تراجع هذه المقومات الأساسية للأمن البشري "يجعل لبنان في وضع خطير على الصعيد الإنساني"، مضيفاً أن "غياب الأمن البشري بات ظاهرة يعاني منها عدد من الدول العربية، بعضها نتيجة النزاعات الداخلية كليبيا وسوريا واليمن، وأخرى نتيجة الحروب الخارجية مثل لبنان، إضافة إلى دول تتأثر سلباً بالتغيرات المناخية مثل الصومال وشمال إفريقيا".

وفي سياق التحديات التي تواجهها المستشفيات والتي أشار إليها دوجاريك، يوضح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون في حديث لموقع "الحرة" أن "أبرزها شح الأموال وعدم القدرة على العمل في المناطق المتضررة من القتال، مما زاد من الضغط على المستشفيات الأخرى، كما نواجه نقصاً في الكوادر البشرية نتيجة النزوح".

وعن قدرة المستشفيات الخاصة على الصمود في ظل هذه الظروف، يجيب هارون "يمكننا الاستمرار لبضعة أسابيع فقط، إذ نحتاج بشدة إلى الحصول على مستحقاتنا من الدولة وشركات التأمين".

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فقد قتل 110 من العاملين في مجال الرعاية الصحية أثناء أداء واجبهم منذ أكتوبر من العام الماضي، وأشارت المنظمة إلى وقوع ما لا يقل عن 60 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية.

أما فيما يتعلق بمدى تأثير الوضع الحالي على الطلب على الأدوية، يوضح نقيب الصيادلة، جو سلوم قائلاً "لم يطرأ أي ارتفاع على الطلب الإجمالي للأدوية، لكن المشكلة تكمن في تعرض عدد من الصيدليات لأضرار جسيمة جراء القصف، حيث تم تدمير نحو 340 صيدلية بشكل كلي أو جزئي، إضافة إلى إغلاق 600 صيدلية أخرى نتيجة الوضع الأمني الذي يمنع وصول اللبنانيين إلى بعض المناطق".

ونتيجة لذلك، ازداد كما يقول سلوم لموقع "الحرة"، "الإقبال على الصيدليات الأخرى لتعويض النقص. ومع ذلك، فإن استيراد الأدوية إلى لبنان لا يزال يسير بصورة شبه طبيعية، كما أن الأسعار لم تشهد ارتفاعاً".

تحولات جذرية

تظهر المقارنة بين الوضع الإنساني في لبنان خلال حرب 2006 والوضع الحالي في ظل حرب 2024، اختلافات جذرية، كما يقول أبو شقرا، ويشرح "في عام 2006، لم يكن لبنان يواجه أزمة اقتصادية، ولم تكن معدلات الفقر والبطالة كما هي اليوم، كما أن التضخم بلغ مستويات غير مسبوقة وصلت إلى 240% قبل أن يتراجع في الشهرين الأخيرين إلى ما بين 30 و35%".

ويشير أبو شقرا إلى أن "لبنان لم يكن يعاني في عام 2006 من مشاكل في القطاع الصحي، ولم تكن هناك أزمة ودائع، إذ كان بإمكان المواطنين الوصول إلى ودائعهم بكل سهولة. كما أن عدد النازحين حينها كان أقل بكثير، حيث يشهد لبنان اليوم ضغطاً غير مسبوق مع تزايد أعداد النازحين التي وصلت إلى مليون و300 ألف، مع احتمالية أن يصل العدد إلى مليون ونصف، ما يثقل كاهل المجتمعات المضيفة التي تعاني أصلاً من هشاشة الوضع".

كما يضيف أن "عدم وجود حرب في سوريا خلال عام 2006 دفع العديد من اللبنانيين إلى اللجوء إليها بينما اليوم تراجع هذا الخيار بشكل كبير. كل هذه العوامل تجعل من تداعيات الأزمة الراهنة أكثر حدة مما كانت عليه في حرب 2006، حيث كانت الأوضاع حينها أقل تعقيداً وأقل وطأة بكثير على المواطنين".

كذلك يؤكد رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار ومختار بلدة ببنين، زاهر الكسار أن الفارق كبير بين الوضعين الاقتصادي والمعيشي في عامي 2006 و2024، موضحاً أنه "في عام 2006، كان سعر صرف الدولار لا يتجاوز 1500 ليرة لبنانية، بينما وصل اليوم إلى 90 ألف ليرة، وفي تلك الفترة، كان راتب الموظف حوالي 1000 دولار، أما الآن فبالكاد يصل إلى 300 دولار. كما كانت المساعدات الدولية تصل إلى جميع المناطق اللبنانية، بينما يعاني لبنان اليوم من نقص حاد في المساعدات، ولا تتعدى نسبة ما يصل منها إلى النازحين والمحتاجين الواحد في المئة".

ويضيف الكسار في حديث لموقع "الحرة"، "هذا العام من أصعب الأعوام على اللبنانيين، حيث أدت الحرب إلى توقف أعمال عدد كبير من اللبنانيين، ومن كان قادراً على تأمين مصروف يومه أصبح عاجزاً عن ذلك الآن. على سبيل المثال، كان العديد من سكان بلدة ببنين يعتمدون على صيد السمك، لكنهم اليوم لا يستطيعون الذهاب إلى بيروت لبيع ما يصطادونه بسبب ارتفاع أسعار النقل، في حين هبطت أسعار السمك بشكل حاد. كما تضاعفت أزمة الإيجارات بشكل كبير، حيث ارتفعت الأسعار حتى تجاوزت راتب الموظف بعدة أضعاف."

ويشير إلى أن "أزمة الاستشفاء وتأمين الدواء أصبحت من أكبر هموم المواطنين اليوم، فالكثير من المرضى لا يستطيعون الحصول على العلاج، ومن لا يجد مساعدة من الجمعيات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يموت دون أن يستطيع أهله فعل شيء".

احتياجات متزايدة

في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، لم يعد بإمكان العديد من الأشخاص الذين كانوا في السابق يقدمون المساعدة الاستمرار في ذلك، كما يوضح الكسار، مشيراً إلى أن "الارتفاع الكبير في عدد المحتاجين من الأهل والأصدقاء أدى إلى تعقيد الوضع".

ويضيف أن "اللبنانيين، في ظل هذه الظروف الصعبة، باتوا يقصدون بشكل متزايد مراكز توزيع المساعدات، حيث يصطفون في طوابير طويلة للحصول على إعانات غذائية أو مستلزمات مثل الفرش والبطانيات، في مشهد لم يكن مألوفاً سابقاً، وذلك بعدما كان اللبنانيون يعرفون باعتزازهم واعتدادهم بأنفسهم".

وعن الخشية من نقص في المواد الغذائية، ينفي نقيب أصحاب السوبرماركت في لبنان، نبيل فهد، ذلك في حديث لموقع "الحرة"، مشيراً إلى أن "الكميات الموجودة كافية، وما دام مرفأ بيروت يعمل بشكل طبيعي فان سلسلة التوريد مستمرة في إيصال الغذاء"، مضيفاً أن "المساعدات الغذائية زادت من كمية المعروض مما ساعد في إطالة مدة المخزون بشكل فعال".

وكان برنامج الأغذية العالمي أعلن أنه تمكن من الوصول إلى "أكثر من مليوني شخص معرّضين للخطر"، من خلال تقديم مساعداته الطارئة وبرامجه العادية، وأوضح البرنامج أنه يقدم أيضاً مساعدات غذائية للبنانيين والسوريين الفارين عبر الحدود إلى سوريا.

والأزمة الكبرى التي يمر بها لبنان حالياً تتمثل كما يقول الكسار "في الأعداد الكبيرة من النازحين، وضغطها الكبير على قدرة المجتمعات المضيفة على تحمل هذه الأعداد، سواء في المنازل أو مراكز الإيواء، وذلك في ظل انتشار الفقر".

ويوضح أن "فتح المدارس، وخاصة الرسمية، أمام النازحين انعكس سلباً على مستقبل التلاميذ الذين أصبحوا محرومين من التعليم. كما أدى وجود النازحين في المدارس الخاصة إلى نشوب مشاكل بين الطلاب وإدارات المدارس، وحتى بين النازحين أنفسهم، ما يثير القلق بشأن تداعيات هذا الوضع في المستقبل القريب".

وفيما يتعلق بالنازحين في العاصمة اللبنانية، يؤكد المسؤول الإعلامي لخلية إدارة الأزمات والكوارث في محافظة بيروت، الملازم أول فادي بغدادي، أن "المدينة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد من النازحين بعد أن امتلأت بالكامل، حيث تم حتى الآن تأمين مأوى لـ 54,970 نازحاً في 177 مركز إيواء"، ويضيف "لم يعد هناك مراكز متاحة لاستقبال أي نازح جديد، لذلك أصبحنا نوجههم إلى مراكز في مناطق خارج بيروت".

ويشير بغدادي في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "بتوجيهات من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية القاضي بسام المولوي، يعمل محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، بالتعاون مع جمعية بنين، على تجهيز مركز إيواء في مدينة كميل شمعون الرياضية، وذلك استناداً إلى قاعدة بيانات إحصائية تم إعدادها مسبقاً"، ويوضح "سيخصص هذا المركز لاستقبال النازحين المتواجدين حالياً في المدارس والأماكن الخاصة في بيروت، بعد الانتهاء من عمليات التأهيل".

حلول معلّقة

أضاع لبنان منذ الانهيار الاقتصادي، وخاصة منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 وحتى سبتمبر 2024، فرصاً لمعالجة أزمات حيوية كالكهرباء والمياه والنقل، كما يقول أبو شقرا، ويرى أن "تطبيق اللامركزية الإدارية كان يمكن أن يمكّن البلديات من إطلاق مشاريع للطاقة الشمسية وتحسين توزيع المياه عبر إدارة محلية مستقلة عن المركزية المفرطة التي تعيق عمل مؤسسات المياه".

ويشير أبو شقرا إلى أن "قصف محطات الكهرباء في الجنوب، أدى إلى انقطاع المياه عن أكثر من 320 ألف مشترك، مما يشكل تهديداً للصحة العامة ويبرز إهمال معالجة الأزمات الأساسية".

كما أن "تأهيل مطار القليعات كان يمكن أن ينفّذ بتمويل من القطاع الخاص، بما يسهم في تخفيف الضغط عن مطار بيروت وتقديم بديل آمن"، بحسب أبو شقرا، الذي يعزو عدم تحقق هذه الحلول إلى غياب الإرادة السياسية وتعطيل القوانين، مثل "قانون إنتاج الطاقة المتجددة الذي بقي معلقاً بسبب عدم تشكيل الهيئة الناظمة".

ولوضع حد لتدهور الوضع الإنساني في لبنان، أطلق نداء في بداية أكتوبر لجمع 426 مليون دولار، لكن كما أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك "لم يتم تمويله سوى بنسبة 19% حتى الآن، أي ما يعادل 80 مليون دولار فقط"، مؤكداً على الحاجة الملحة لمزيد من التمويل لتعزيز الاستجابة الإنسانية في لبنان، داعياً الدول والجهات المانحة إلى التعهد بالمزيد من الدعم، وتحويل تلك التعهدات إلى أموال فعلية في أسرع وقت ممكن.

وسط كل هذه المعاناة، تزداد رغبة اللبنانيين في مغادرة البلاد، كما يقول الكسار، حيث "أصبح حلم الهجرة الملاذ الوحيد للهروب من الواقع الأليم".

المصدر: الحرة

أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)
أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)

منذ استعادة السيطرة على أفغانستان عام 2021، بدأت حركة طالبان في بناء آلاف المدارس الدينية في جميع أنحاء البلاد وفق خطة تثير قلقا متزايدا بسبب غموض الهدف من وراء هذا المشروع الذي يأتي تنفيذا لرؤية زعيم طالبان الملا هبة الله آخوند زاده.

وتحدثت مصادر في وزارتي التعليم والشؤون الدينية في حكومة طالبان عن خطة حكومية تشمل بناء آلاف المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد، بمعدل مدرسة كبيرة في كل إقليم وأكثر من ثلاثة مدارس في كل مدينة ومنطقة.

وتعليقا على ذلك يقول الكاتب الأفغاني عصمت قانع في حديث مع "الحرة" إن طالبان لا تتردد في الإعلان عن خططها لبناء المدارس الجهادية بمسمى المدارس الدينية، وذلك تحت إشراف القيادة السياسية العليا للحركة لأهداف غامضة، في وقت أغلقت أبواب الجامعات والمدارس النظامية في وجه الفتيات.

وهكذا تحول تأسيس مدرسة دينية إلى إنجاز يتقرب من خلاله المسؤولون عن القطاع لزعيم الحركة لنيل رضاه وضمان البقاء في المنصب الوظيفي، حسب مصادر في طالبان وهو ما دفع البعض منهم لتحويل منشآت حكومية لمدارس دينية يتلقى الموظفون فيها دروسا دينية وفكرية.

وفي هذا الصدد يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو موظف حالي في وزارة الخارجية الأفغانية، للحرة إن طالبان حولت منشأة تابعة للوزارة إلى حلقة وفرضت على الموظفين تلقي الدروس الدينية والفكرية.

غرس التطرف
لا تعلن حركة طالبان عن الهدف وراء توسعة شبكة المدارس الدينية في البلاد وقد ناهز عددها 20 ألف مدرسة، منها 13 ألف مدرسة تحت إدارة الحكومة، يدرس ويشتغل فيها مئات الآلاف.

وتبقى العوامل والأسباب التي تدفع طالبان لبناء هذا العدد الكبير من المدارس "الدينية الجهادية" غامضة. لكن خبراء يرون أن طالبان تريد بناء جيش إيديولوجي تابع لها وإعداد جيل متطرف سيلعب دور المقاتل في المستقبل ضمن منظومة جيش غامض يؤمن بالولاء المطلق لطالبان وقيادتها.

ويوضح الكاتب عصمت قانع أن هذه المدارس "لا تضيف شيئا إيجابيا للأفغان، المشروع امتداد لمناهج كانت رائجة في الهند وهي مزيج من الصوفية والتطرف والعنف يناهض الحداثة والعصرنة ويقاوم كل شيء يتعلق بالتطور".

وأضاف قانع أن هذه المدراس ليست مراكز تعليم دينية كما تدعيه طالبان وإنها بمثابة قواعد تدريب عسكرية وفكرية وما تشهده افغانستان اليوم ليس سوى بداية إنشاء البنى التحتية العسكرية والفكرية للتطرف العنيف في المنطقة.

وأشار إلى أن نظرة طالبان لهذه المدارس ليست تعليمية بل تنظر إلى تلاميذها كجنود محتملين في حروب قادمة، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة لمستقبل افغانستان وقد يهدد الأمن والاستقرار في الدول المجاورة لأفغانستان.

ويقول مراقبون إن زعيم طالبان يأمل أن يتطوع خريجو هذه المدارس الدينية لحماية النظام، وهي محاولة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني. وكانت طالبان استغلت هذه المدارس في حربها مع الحكومة السابقة ، حيث كان الشباب الذي لا يتحمل مصاريف التعليم يسافر لباكستان لتلقي التعليم في مدارس دينية لكنه كان يتم تدريبه القتالي في أفغانستان.

الفتيات أكثر اهتماما
منذ استلامها مقاليد الحكم، أجهزت حركة طالبان على الكثير من المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الأخيرين، ففي عام 2022 أغلقت المدارس والجامعات أمام الفتيات، وتم تسريح جميع المعلمات وتعويضهن برجال دين محسوبين على الحركة. 

وبسبب هذه التغيرات أصبحت الفتيات الآن أكثر اهتماما بالدروس الدينية. واستغرب قانع حرص طالبان علي جذب النساء للمدارس الجهادية التابعة لها. وحسب بعض التقديرات فإن أكثر من 12 ألف امرأة يدرسن في مدارس طالبان.

وعن نظرة طالبان للمرأة، يقول عصمت قانع إن "المدارس تعتمد منهجا يعادي المرأة وتنظر إليها بدونية، وهذه العقلية تتعامل مع النساء بعنف وتحذفها من الحياة العامة".

تدمير التعليم العصري 

ورغم أن طالبان لم تحظر تعليم الأولاد، لكن سياستها تسببت في ضرر مدمر للتعليم في البلاد من خلال تغييرات أدت لزيادة العزوف عن التعليم وفقدان الأمل في المستقبل.

ويقول الأكاديمي الأفغاني ذبيح الله (اسم مستعار ) إن "أفغانستان في طريقها للتحول إلى مدرسة جهادية كبيرة"، وأشار إلى أن طالبان "تتجه للتخلي عن التعليم الحديث الذي ازدهر في أفغانستان خلال السنوات الماضية وفي المقابل تروج لمدارس دينية". 

وتوقع ذبيح الله في حديث مع "الحرة" أنه بعد سنوات قليلة سيتخرج من هذه المدارس الدينية أكثر من مليون شخص يحمل معظمهم أفكارا جهادية، وحذر من تحويل المنشآت التعليمية العصرية إلى مدارس دينية.

ولم تسلم من هذا التحولات مؤسسات كبيرة ذات رمزية عالية بينها قصر "دار الأمان" الذي شيده الملك السابق أمان الله خان وأعلن من شرفته عملية تحديث واسعة شملت إنشاء المدارس العصرية وحرية النساء واعتماد دستور قائم على الحقوق والحريات.

وقد تم إعادة بناء ذلك القصر الملكي في ظل الحكومة السابقة، لكن مع عودة طالبان للحكم تم تحويل جزء منه إلى مدرسة دينية.

ولم يختلف بالنسبة للجامعة الأميركية في كابل، حيث غيرت طالبان اسمها إلى "جامعة أفغانستان" وفرضت فيها منهجا جديدا يركز على العلوم الدينية، ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي ضمن خطة أوسع تهدف لإضعاف العلوم العصرية في أفغانستان.

إيديولوجيا خاصة وألغام فكرية 

وتعتمد المدارس الدينية على مناهج دراسية قديمة جدا وتقدم نفس المحتوى المعتمد في المدارس الباكستانية ومنهج العلوم المعتمد في شبه القارة الهندية، ولكن الدور الأساسي يرجع لمدرسة "دار العلوم الحقانية" وهي من أكبر المدارس الدينية في باكستان، وتخرج منها قادة طالبان.

ويعتبر البعض المدرسة الحقانية بمثابة المرجعية الأم لمناهج التعليم المعتمدة في مدارس طالبان في أفغانستان، وبأنها شكلت النواة التي زرعت بذور العنف والتطرف لعقود في  المنطقة. 

ويقول الباحث الأفغاني عبد البصير نبي زاده في اتصال مع "الحرة" إن هذه المدارس تعتمد منهجا دراسيا يعارض الحداثة والعلوم العصرية ويرسخ الفكر الجهادي بين الأطفال وإن فهم طالبان للدين يتعارض مع مراجع إسلامية معتبرة في العالم.

ومع انتشار المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان وما يلف مناهجها وأهدافها من غموض، فإن المخاوف تتزايد من احتمال تحولها إلى مراكز لانتشار التطرف تحت غطاء الدين.

ولا تعلن طالبان المناهج التي تدرس في مدارسها، ولا أحد يعرف ماذا يتعلم الأطفال فيها ولا من يشرف على تعليمهم. وحسب تقارير مستقلة فان المدارس التي تؤسّسها طالبان أو تلك التي تقع في مناطق لا يمكن مراقبتها والتحقق منها تروج بشكل ممنهج لأفكار متطرفة من شأنها أن تكون بذرة لازدهار العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.