يعتبر العراق أحد أكثر الدول تلوثاً بالألغام والمخلفات الحربية وفق تقديرات الأمم المتحدة وتقارير دولية ومحلية نتيجة الحروب التي خاضها هذا البلد خلال العقود الماضية، إذ تبلغ مساحة الأراضي الملوثة أكثر من 6 آلاف كلم مربع، وتقول دائرة شؤون الألغام العراقية إنها تمكنت خلال العقدين الماضيين وبدعم الدول المانحة والمنظمات الدولية من تطهير نحو 59% من هذه الأراضي.
ويؤكد مدير قسم الإعلام والتوعية في دائرة شؤون الألغام العراقية مصطفى حميد في حديثه لموقع "الحرة" أن محافظة البصرة (جنوب) تتصدر المحافظات الأكثر تلوثاً بالألغام والمخلفات الحربية في العراق حيث تتجاوز مساحةُ الأراضي الملوثة فيها أكثر من 1200 كلم مربع تليها محافظات ديالى وميسان وواسط والمثنى، كما تُعتبر محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك مناطق ملوثة بالمخلفات الحربية والعبوات الناسفة التي خلفها تنظيم داعش الإرهابي إثر اجتياحة لهذه المدن.
ضعف الموارد يعقد جهود إزالة الألغام
وأوضح حميد أن التلوث في العراق ينقسم إلى أربعة أنواع هي الألغام المضادة للأفراد والذخائر العنقودية والمخلفات الحربية والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش الإرهابي في المناطق المحررة.
وأشار الى أن العمل في مجال أزالة الألغام في العراق يتم على المستوى الحكومي من خلال وزارتي الدفاع والداخلية وعلى المستوى المنظماتي وذلك بالاعتماد على دعم الدول المانحة وأبرز المانحين وزارة الخارجية الأميركية.
ولفت حميد إلى أن عمل المنظمات الدولية تراجع في العراق خلال السنتين الماضيتين نتيجة قلة الدعم الحكومي فيما توجه جهد الدول المانحة الى مناطق الصراع في أوكرانيا، وأشار إلى أن الحكومة خصصت 40 مليون دولار في الموازنة العامة لعمليات أزالة الالغام نصف المبلغ لتطهير الذخائر العنقودية والنصف الأخر لإزالة الألغام الأرضية والمخلفات الحربية ، وزاد أنه بموجب الاتفاقيات الدولية فإن السقف الزمني لإنهاء ملف الألغام في العراق هو نهاية عام 2028 في حال توفر الإمكانيات المالية والبشرية والاستقرار العام في البلاد.
آلاف الضحايا
وتقدر دائرة شؤون الألغام عدد الضحايا في العراق منذ عام 2003 بأكثر من 30 ألف بين قتيل ومعاق. يقول موفق الخفاجي أحد ضحايا الألغام لموقع "الحرة " إن لغماً انفجر به في محافظة البصرة تسبب ببتر ساقه، ويصف الخفاجي أوضاع ضحايا الألغام بالمؤلمة قائلا: "لا تعويض مادي ولا اهتمام حكومي جدي بالمتطلبات الصحية لضحايا الألغام".
ويبلغ عدد ضحايا الألغام في إقليم كردستان العراق 13521 شخص بينهم عدد من الخبراء في مجال رفع الألغام.
عبد الغفار مصطفي أحد العاملين في هذا المجال قال لموقع "الحرة" إنه فقد ساقه إثر إنفجار لغم أثناء محاولة أبطال مفعوله في قرية بقضاء جومان بمحافظة أربيل قبل أكثر من عشر سنوات.
وأضاف أن مخاطر الألغام كبيرة على المزارعين والرعاة في هذه المناطق والكثير منهم لايعير اهتماما للإرشادات والعلامات التحذيرية التي يضعها المعنيون بشؤون الألغام لذا فإن الضحايا بالعشرات سنويا.
وأكد مصطفى أن حجم الخدمات الصحية المقدمة لضحايا الألغام غير كافية، والكثير من هؤلاء يضطر إلى شراء أطراف صناعية مستوردة بأسعار مرتفعة لأن المحلية الصنع غير مريحة وتؤذي الساق وهي سريعة التلف والكسر.
مدير الشؤون الفنية في مؤسسة شؤون الألغام علي محمد امين أوضح لموقع "الحرة" أن مساحة الأراضي الملوثة في الإقليم تبلغ نحو 776 كلم مربع فيها نحو 3500 حقل ألغام منتشرة في المدن والقصبات على طول الحدود العراقية الإيرانية تم زرعها إبان الحرب بين البلدين في ثمانينات القرن الماضي.
وأضاف أن عمليات إزالة الألغام مستمرة منذ ثلاثة عقود تمخضت عن تطهير نحو 524 كيلومترمربع ومئات الكيلومترات الأخرى الملوثة بالعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم داعش الإرهابي في أطراف محافظات أربيل ودهوك والسليمانية والموصل، ولفت أمين إلى أن مؤسسة شؤون الألغام اكتسبت خبرة كبيرة في هذا المجال تمكنها من تدريب وإعداد كوادر جديدة.
ولفت أمين إلى أن قلة التمويل ونقص الأجهزة وعدم استخدام التكنلوجيا الحديثة تؤخر جهود إزالة الألغام وبالتالي عدم إيفاء العراق بالتزاماته في اتفاقية أوتاوا التي حددت عام 2028 لإنهاء ملف الألغام في البلد.
من جهته أكد الإمام حسن مدير التوعية في منظمة ماك البريطانية العاملة في مجال مكافحة الألغام لموقع "الحرة " استمرار جهود المنظمات الدولية المعنية بالألغام للوصول إلى عراق خال من الألغام بحلول عام 2028 رغم تراجع حجم تمويل الدول المانحة ونقص الميزانية الحكومة.
وأشار حسن لعدد من التحديات التي تواجه عمل المنظمات أبرزها الإجراءات الحكومية المعقدة التي تُعيق تنقل المنظمات والتنسيق بينها بغية تقديم مشاريع مشتركة تُسهل عملية الحصول على التمويل الدولي.
ولفت المتحدث لخطورة العمل في المناطق الملوثة بالعبوات الناسفة المبتكرة من قبل تنظيم داعش الإرهابي والتي استخدمت فيها مواد متفجرة غير معروفة ومحلية الصنع لا يمكن إبطالها إلا بمختصين، وزاد أن الكوادر العراقية العاملة في مجال رفع الألغام اكتسبت خبرات جديدة خلال السنوات الماضية وتشكل نحو 99% من كوادر المنظمة.
ورغم الجهود المحلية والدولية فإن مشكلة الألغام ما زالت قائمة في العراق وتشكل تهديدا مستمرا للمدنيين وتُعيق عمليات إعادة الإعمار في المناطق الحدودية والأراضي الزراعية.
وتؤكد دائرة شؤون الألغام أن الافتقار إلى خرائط حقول الألغام وقاعدة بيانات حقيقية وتغير مواقع الألغام على مدار السنين بسبب عوامل التعرية والفيضانات يفاقم صعوبة حصر الألغام وتأشيرها ثم رفعها وإبطالها.
المصدر: الحرة