مشاهد القصف الصاروخي الإسرائيلي في لبنان تحولت إلى موضوع يجذب المصورين الشباب (أ ف ب)
مشاهد القصف الصاروخي الإسرائيلي في لبنان تحولت لموضوع يجذب المصورين الشباب (أ ف ب)

تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت ظاهرة مثيرة للجدل تتجلى في توثيق بعض الشبان لسقوط الصواريخ الإسرائيلية على الأبنية، وذلك عبر الهواتف المحمولة. وفي تلك المشاهد التي تنتشر سريعاً على منصات التواصل الاجتماعي، يظهر شبان على مقربة من المباني التي يتم تحذير سكانها بإخلائها، منتظرين لحظة القصف دون اكتراث بمخاطر ذلك على حياتهم.

ورغم التحذيرات المتكررة التي يصدرها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء المباني قبل استهدافها، يختار هؤلاء الشبان البقاء في المناطق الخطرة، ليس فقط لمشاهدة الحدث عن قرب، بل لتوثيقه ومشاركته مع الجمهور.

وفي المقابل "يحظر على الإعلاميين المهنيين والمصورين المختصين من القيام بذلك من قبل قوى الأمر الواقع، بذريعة أن هذه الأفلام وهذا التوثيق للموقع المستهدف يخدم العدو ويعطيه معلومات ممكن أن تؤذي الجهات المستهدفة"، كما تقول الأخصائية في علم الاجتماع الدكتورة، هيفاء سلام، لموقع "الحرة".

هذا السلوك "ليس توثيقاً ولا هواية، بل هو تصرف متهور"، بحسب ما يؤكد نقيب المصورين في لبنان، علي علوش، لموقع "الحرة"، الذي يعتبر أن "تعريض الحياة للخطر من أجل التقاط صورة أمر مرفوض تماماً، وغير مبرر بأي شكل من الأشكال، إذ ليس من المقبول أن يضحي الإنسان بسلامته من أجل صورة، مهما كانت قيمتها".

دوافع متعددة

هذه الممارسات لها مبررات عدة، بينها، كما تقول سلام "الفضول لدى الناس، ورغبتهم بمعرفة ما يجري في هذه الحرب بشكل مباشر. وبما أن وسائل الإعلام التقليدية لا تقدّم للمشاهد صورة واضحة وواقعية عن مجريات الأمور على الأرض، ربما يعتبر هؤلاء الشباب أنفسهم مؤثرين وفاعلين. فهم يخاطرون بحياتهم لتقديم خدمة للمشاهد، من خلال تزويده بصور وفيديوهات تتيح له رؤية الحقائق على الأرض وتصديق الأخبار التي تصله، إذ إن الصور والفيديوهات تحمل وقعاً مختلفاً وأثراً أعمق في النفوس، فهي تنقل الواقع كما هو، دون زيادة أو نقصان".

كما أن تناقل هذه الصور والفيديوهات على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من المخاطر الجمة على سلامة ملتقطيها وحياتهم يمكن أن يفسر وفق سلام "على أنه نوع من المقاومة أيضاً، بل يمكن اعتباره رسالة تحدٍ للعدو، مفادها أنّ ملتقطيها لا يهابون الموت، ومستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل قضيتهم".

إضافة إلى ذلك، تشير سلام، إلى أن "هذه الممارسات قد تمنح الشباب شعوراً بالرضا، إذ يعتقدون أنهم يقدّمون خدمة لمجتمعهم وبيئتهم التي نزحت وتعيش حالة من القلق والخوف على ممتلكاتها ومنازلها. فهم يزوّدونها بصور توثّق ما بقي من الأحياء والمنازل بعد الغارات وذلك للاطمئنان على ما بقي سليما منها".

وبالنسبة لبعض الشبان، يعدّ تصوير هذه المواقع، كما تقول أخصائية علم الاجتماع "توثيقاً للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وهو لا يخدم فقط التوثيق التاريخي، بل يمكن أن يستخدم لاحقاً لإدانة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، أو كشف ممارساتها أمام الرأي العام العالمي".

أما أخصائية علم النفس، الدكتورة إيمان رزق، فتؤكد أن "بعض الأشخاص يندفعون نحو تصوير ونشر مشاهد العنف بدافع الشهرة والإثارة"، وهو ما وصفته بـ"الإثارة المرضية" التي تختلف عن الإثارة الطبيعية، موضحة أن هؤلاء "الأشخاص يعانون من اضطرابات نفسية تجعلهم يقبلون العنف ويتعاملون معه وكأنه أمر طبيعي".

وتشدد رزق في حديث لموقع "الحرة" على أن "هؤلاء الشباب يشكلون خطراً على أنفسهم وعلى المجتمع، حيث يعيشون في لحظات تصوير الأحداث في قلب الصدمة، ما يعزز لديهم تقبل العنف، بل وحتى تصويره دون وعي بالمخاطر والعواقب".

وعن احتمال أن يكون هذا السلوك نابعاً من ثقة الشباب بدقة الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضرباته، كما أشار البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجيب علوش "لا يمكن لأي شخص عاقل أن يصدق أن من يدمر عشرات المباني يحرص على الدقة في استهدافاته أو يلتزم بما يعلن، كما أن الأخطاء شائعة في الحروب، والشظايا غالباً ما تتناثر لمسافات أبعد مما يتوقع، مما يشكل خطراً كبيراً".

آثار خطيرة

لا بد من التمييز بين التصوير الاحترافي والتصوير العشوائي، كما يقول علوش، ويشدد على أن الأخير لا يمكن أن يحل محل الأول، ويوضح "لا شك أن تطور التكنولوجيا وانتشار الهواتف الذكية سهّل عملية التصوير، ولكن هذا لا يعني أن أي شخص أصبح مصوراً محترفاً. الصورة الاحترافية تتطلب مهارات فنية وتقنية عالية، وهي ما تعتمده المؤسسات الإعلامية والوكالات العالمية التي ترفض أي صورة أو فيديو منخفض الجودة، لذلك ظاهرة التصوير العشوائي مجرد موجة وستختفي مع الوقت".

وفي سياق الحديث عن الإعلام اللبناني، يشير علوش إلى غياب القوانين والتنظيم المهني في القطاع، واصفاً الوضع الميداني بـ"الفوضوي"، ويقول "المؤسسات الإعلامية تعاني من غياب الاحترافية اللازمة، في حين أن السلطات اللبنانية مقصرة في توفير الضمانات اللازمة لحماية العاملين في القطاع الصحفي، بما في ذلك إصدار بطاقات تأمين للصحفيين".

من جهتها، تدعو رزق لتقنين نشر مشاهد العنف على وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرة من آثارها النفسية على الأفراد والمجتمع، وتقول "هذه المشاهد تترك آثاراً سلبية على الأشخاص الذين يوثقون مشاهد الدمار، وأيضاً على من يشاهدونها"، مشيرة إلى أن "التعرض المستمر لمشاهد العنف يمكن أن يؤدي إلى صدمات نفسية قد تظهر تداعياتها بعد انتهاء الحرب، مثل اضطرابات ما بعد الصدمة، التي قد تتطلب علاجاً نفسياً متخصصاً".

وتؤكد على أهمية تسخير وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لإبراز الجوانب الإيجابية في المجتمع، مشددة على أن "دور هذه الوسائل لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يمتد ليكون تربوياً وتثقيفياً، فتقديم محتوى إيجابي يعزز القيم المجتمعية ويخلق بيئة نفسية أكثر استقراراً للأفراد، خاصة في ظل الأزمات والتحديات التي يواجهها الناس".

في السياق نفسه، يدعو علوش الصحفيين والمواطنين إلى توخي الحذر أثناء تغطية الأحداث العسكرية، مشدداً على ضرورة تجنب التسرع والمخاطرة بالحياة، ويقول "الحرب تنتهي، لكن فقدان زميل أو مواطن هو خسارة فادحة لا تعوض. الإعاقة الدائمة تترك أثراً عميقاً، بينما الحروب زائلة. لا شيء يبرر التضحية بالحياة والصحة وأن يصبح موثّق الحدث هو الخبر".

أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)
أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)

منذ استعادة السيطرة على أفغانستان عام 2021، بدأت حركة طالبان في بناء آلاف المدارس الدينية في جميع أنحاء البلاد وفق خطة تثير قلقا متزايدا بسبب غموض الهدف من وراء هذا المشروع الذي يأتي تنفيذا لرؤية زعيم طالبان الملا هبة الله آخوند زاده.

وتحدثت مصادر في وزارتي التعليم والشؤون الدينية في حكومة طالبان عن خطة حكومية تشمل بناء آلاف المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد، بمعدل مدرسة كبيرة في كل إقليم وأكثر من ثلاثة مدارس في كل مدينة ومنطقة.

وتعليقا على ذلك يقول الكاتب الأفغاني عصمت قانع في حديث مع "الحرة" إن طالبان لا تتردد في الإعلان عن خططها لبناء المدارس الجهادية بمسمى المدارس الدينية، وذلك تحت إشراف القيادة السياسية العليا للحركة لأهداف غامضة، في وقت أغلقت أبواب الجامعات والمدارس النظامية في وجه الفتيات.

وهكذا تحول تأسيس مدرسة دينية إلى إنجاز يتقرب من خلاله المسؤولون عن القطاع لزعيم الحركة لنيل رضاه وضمان البقاء في المنصب الوظيفي، حسب مصادر في طالبان وهو ما دفع البعض منهم لتحويل منشآت حكومية لمدارس دينية يتلقى الموظفون فيها دروسا دينية وفكرية.

وفي هذا الصدد يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو موظف حالي في وزارة الخارجية الأفغانية، للحرة إن طالبان حولت منشأة تابعة للوزارة إلى حلقة وفرضت على الموظفين تلقي الدروس الدينية والفكرية.

غرس التطرف
لا تعلن حركة طالبان عن الهدف وراء توسعة شبكة المدارس الدينية في البلاد وقد ناهز عددها 20 ألف مدرسة، منها 13 ألف مدرسة تحت إدارة الحكومة، يدرس ويشتغل فيها مئات الآلاف.

وتبقى العوامل والأسباب التي تدفع طالبان لبناء هذا العدد الكبير من المدارس "الدينية الجهادية" غامضة. لكن خبراء يرون أن طالبان تريد بناء جيش إيديولوجي تابع لها وإعداد جيل متطرف سيلعب دور المقاتل في المستقبل ضمن منظومة جيش غامض يؤمن بالولاء المطلق لطالبان وقيادتها.

ويوضح الكاتب عصمت قانع أن هذه المدارس "لا تضيف شيئا إيجابيا للأفغان، المشروع امتداد لمناهج كانت رائجة في الهند وهي مزيج من الصوفية والتطرف والعنف يناهض الحداثة والعصرنة ويقاوم كل شيء يتعلق بالتطور".

وأضاف قانع أن هذه المدراس ليست مراكز تعليم دينية كما تدعيه طالبان وإنها بمثابة قواعد تدريب عسكرية وفكرية وما تشهده افغانستان اليوم ليس سوى بداية إنشاء البنى التحتية العسكرية والفكرية للتطرف العنيف في المنطقة.

وأشار إلى أن نظرة طالبان لهذه المدارس ليست تعليمية بل تنظر إلى تلاميذها كجنود محتملين في حروب قادمة، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة لمستقبل افغانستان وقد يهدد الأمن والاستقرار في الدول المجاورة لأفغانستان.

ويقول مراقبون إن زعيم طالبان يأمل أن يتطوع خريجو هذه المدارس الدينية لحماية النظام، وهي محاولة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني. وكانت طالبان استغلت هذه المدارس في حربها مع الحكومة السابقة ، حيث كان الشباب الذي لا يتحمل مصاريف التعليم يسافر لباكستان لتلقي التعليم في مدارس دينية لكنه كان يتم تدريبه القتالي في أفغانستان.

الفتيات أكثر اهتماما
منذ استلامها مقاليد الحكم، أجهزت حركة طالبان على الكثير من المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الأخيرين، ففي عام 2022 أغلقت المدارس والجامعات أمام الفتيات، وتم تسريح جميع المعلمات وتعويضهن برجال دين محسوبين على الحركة. 

وبسبب هذه التغيرات أصبحت الفتيات الآن أكثر اهتماما بالدروس الدينية. واستغرب قانع حرص طالبان علي جذب النساء للمدارس الجهادية التابعة لها. وحسب بعض التقديرات فإن أكثر من 12 ألف امرأة يدرسن في مدارس طالبان.

وعن نظرة طالبان للمرأة، يقول عصمت قانع إن "المدارس تعتمد منهجا يعادي المرأة وتنظر إليها بدونية، وهذه العقلية تتعامل مع النساء بعنف وتحذفها من الحياة العامة".

تدمير التعليم العصري 

ورغم أن طالبان لم تحظر تعليم الأولاد، لكن سياستها تسببت في ضرر مدمر للتعليم في البلاد من خلال تغييرات أدت لزيادة العزوف عن التعليم وفقدان الأمل في المستقبل.

ويقول الأكاديمي الأفغاني ذبيح الله (اسم مستعار ) إن "أفغانستان في طريقها للتحول إلى مدرسة جهادية كبيرة"، وأشار إلى أن طالبان "تتجه للتخلي عن التعليم الحديث الذي ازدهر في أفغانستان خلال السنوات الماضية وفي المقابل تروج لمدارس دينية". 

وتوقع ذبيح الله في حديث مع "الحرة" أنه بعد سنوات قليلة سيتخرج من هذه المدارس الدينية أكثر من مليون شخص يحمل معظمهم أفكارا جهادية، وحذر من تحويل المنشآت التعليمية العصرية إلى مدارس دينية.

ولم تسلم من هذا التحولات مؤسسات كبيرة ذات رمزية عالية بينها قصر "دار الأمان" الذي شيده الملك السابق أمان الله خان وأعلن من شرفته عملية تحديث واسعة شملت إنشاء المدارس العصرية وحرية النساء واعتماد دستور قائم على الحقوق والحريات.

وقد تم إعادة بناء ذلك القصر الملكي في ظل الحكومة السابقة، لكن مع عودة طالبان للحكم تم تحويل جزء منه إلى مدرسة دينية.

ولم يختلف بالنسبة للجامعة الأميركية في كابل، حيث غيرت طالبان اسمها إلى "جامعة أفغانستان" وفرضت فيها منهجا جديدا يركز على العلوم الدينية، ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي ضمن خطة أوسع تهدف لإضعاف العلوم العصرية في أفغانستان.

إيديولوجيا خاصة وألغام فكرية 

وتعتمد المدارس الدينية على مناهج دراسية قديمة جدا وتقدم نفس المحتوى المعتمد في المدارس الباكستانية ومنهج العلوم المعتمد في شبه القارة الهندية، ولكن الدور الأساسي يرجع لمدرسة "دار العلوم الحقانية" وهي من أكبر المدارس الدينية في باكستان، وتخرج منها قادة طالبان.

ويعتبر البعض المدرسة الحقانية بمثابة المرجعية الأم لمناهج التعليم المعتمدة في مدارس طالبان في أفغانستان، وبأنها شكلت النواة التي زرعت بذور العنف والتطرف لعقود في  المنطقة. 

ويقول الباحث الأفغاني عبد البصير نبي زاده في اتصال مع "الحرة" إن هذه المدارس تعتمد منهجا دراسيا يعارض الحداثة والعلوم العصرية ويرسخ الفكر الجهادي بين الأطفال وإن فهم طالبان للدين يتعارض مع مراجع إسلامية معتبرة في العالم.

ومع انتشار المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان وما يلف مناهجها وأهدافها من غموض، فإن المخاوف تتزايد من احتمال تحولها إلى مراكز لانتشار التطرف تحت غطاء الدين.

ولا تعلن طالبان المناهج التي تدرس في مدارسها، ولا أحد يعرف ماذا يتعلم الأطفال فيها ولا من يشرف على تعليمهم. وحسب تقارير مستقلة فان المدارس التي تؤسّسها طالبان أو تلك التي تقع في مناطق لا يمكن مراقبتها والتحقق منها تروج بشكل ممنهج لأفكار متطرفة من شأنها أن تكون بذرة لازدهار العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.