عناصر من الشرطة الجزائرية خارج محكمة في العاصمة
عناصر من الشرطة الجزائرية خارج محكمة في العاصمة

قررت غرفة الاتهام لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة، تأييد حبس ابن وزير في الحكومة التي مسها التعديل الرئاسي الإثنين الماضي، على خلفية تهم فساد رفقة عدد من مديري شركات محلية ووكلاء شركات صينية، من بينهم الرئيس المدير العام لمجمع كوسيدار للحديد، وفق ما أوردت وسائل إعلام جزائرية، أمس الأربعاء.

كما تخص قضايا الفساد المطروحة أمام القضاء في الجزائر فروع المجمع العمومي للصناعات المعدنية والصلب، في قضايا تتعلق بإبرام "صفقات مشبوهة"، وفق المصدر نفسه.

فساد انتخابي

وواصل القضاء الجزائري النظر في الفساد الانتخابي والسياسي هذه المرة. حيث شرع في الاستماع إلى متهمين رئيسين في قضية "شراء توقيعات منتخبين مقابل الحصول على التزكية من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية" (جرت يوم 7 سبتمبر الماضي)، حسب ما أعلنه، وقتها، النائب العام لدى مجلس قضاء العاصمة، لطفي بوجمعة، في ندوة صحفية عقدها يوم 1 أغسطس 2024.

واستمعت الضبطية القضائية التابعة لمصالح المديرية العامة للأمن الداخلي (جهاز استخبارات) إلى "أكثر من 50 شخصا من المنتخبين اعترفوا بتلقيهم مبالغ مالية تتراوح ما بين 20 و 30 ألف دج (150 و224 دولار)، مقابل تزكيتهم لراغبين في الترشح".

كما تم التحقيق مع 10 أشخاص "تكفلوا بالوساطة في جمع وتسليم المبالغ المالية بين هؤلاء المنتخبين والراغبين في الترشح البالغ عددهم ثلاثة أفراد".

وسبق للقضاء أن عالج قضية ذات صلة بالفساد الانتخابي في الجزائر، وأدان القطب الجزائي المتخصص في الجرائم المالية والاقتصادية، السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري السابق بالسجن ثمانية أعوام، في يونيو 2022.

كما ألزمه بتعويض مالي للخزينة العمومية يقدر بـ 21 ألف دولار، بتهمة "التمويل الخفي للحملة الانتخابية" الخاصة بإعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة في 2019، والتي أفشلها الحراك الشعبي وأجبره على الاستقالة.

الجمارك ورجال الأعمال

وعادت قضايا الفساد داخل أجهزة الوقاية والرقابة للواجهة أمام المحاكم، بعدما تقرر استئناف النظر يوم 27 نوفمبر القادم، في القضية الخاصة باستيراد السيارات التي يتابع فيها 14 متهما من إطارات بالجمارك الجزائرية.

وضمن التحقيقات الجارية، فتحت فرقة الشرطة الاقتصادية التابعة لأمن ولاية الجزائر العاصمة "تحقيقات معمّقة في ملف فساد، يتعلق بالصفقات المبرمة بمناسبة تنظيم كأس أفريقيا للمحليين (الشان) بالجزائر عام 2023، وفق ما أوردته صحيفة "الشروق" الجزائرية.

وتخص القضية الجديدة "تجاوزات وخروقات في الشق المتعلق بإبرام صفقات مع عدة جهات شاركت في تنظيم كأس الشان، لكن تبيّن بعد التدقيق والتحري في العقود المبرمة، أنها مخالفة للقوانين المعمول بها"، حسب المصدر نفسه.

وكانت السلطة في الجزائر عمدت إلى إطلاق سلسلة من التحقيقات الواسعة في قضايا فساد بعد الحراك الشعبي سنة 2019، وتمت متابعة وتوقيف أبرز رموز النظام السابق في مقدمتهم أحمد أويحيى وعبد المالك سلال الذين شغلا منصب وزير أول، ووزراء وولاة ورجال أعمال، ومسؤولين آخرين، ومست المحاكمات "قضايا استيراد وتركيب السيارات وصفقات عمومية مختلفة والحصول على امتيازات عير مستحقة وعرقلة سير القضاء".

مرحلة ثانية

وتشير عودة القضايا الكبرى للفساد مجددا أمام المحاكم الجزائرية إلى دخول البلاد "مرحلة ثانية تخص فترة تسيير ما بعد فترة حكم بوتفليقة (1999-2019)"، وفق ما يؤكده لـ "الحرة" الحقوقي يوسف بن كعبة.

وأصدر مجلس قضاء العاصمة في شهر فبراير من السنة الجارية حكما استئنافيا بالسجن لخمس سنوات نافذة بحق وزير عيّن في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وهو نسيم ضيافات المكلف بالمؤسسات الصغرى، بتهم "تبديد المال العام واستغلال النفوذ والثراء غير المشروع".

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، محمد هدير، أن قضايا الفساد التي عادت لردهات المحاكم "انعكاس طبيعي لمسار مكافحتها والوقاية منها بعد سلسلة المحاكمات التي طالت أبرز رجال وقادة وكبار مسؤولي المرحلة الماضية من حكم بوتفليقة".

ويرفض هدير في حديثه لـ "الحرة" تسمية القضايا الجديدة "بموجة فساد"، بل يؤكد أنها "امتداد لظاهرة لا تقتصر على الجزائر فقط"، معتبرا أن ملفات الفساد الجديدة "دليل على فعالية أنظمة المقاومة والمكافحة وآلياتها التي وجدت بعد دستور 2020 بغرض تحقيق المزيد من الشفافية".

وفي تعليقه على متابعة ومحاكمة شخصيات بارزة بتهم الفساد خلال مرحلة حكم الرئيس الحالي تبون، يؤكد المتحدث أن "الدولة أخذت على عاتقها مسؤولية مكافحة الفساد بصرف النظر عن المتورطين فيه"، لافتا إلى أن "التحقيقات الاحترافية للسلطات الأمنية والقضائية تفرق بين الخطأ المهني، والمتعمد الذي يدخل في خانة الفساد".

إصلاح التشريعات ومشاركة المواطن

ويشير عضو المنظمة الوطنية للوقاية من الفساد وحماية الممتلكات العمومية، فتحي بن يوب، إلى أن القضايا التي ظهرت مؤخرا بملفات كبرى هي "تحصيل حاصل لسرعة استجابة السلطات العمومية المخولة بمكافحة الظاهرة عقب الإصلاحات التي طالت المنظومة التشريعية".

ويؤكد فتحي بن يوب لـ"الحرة" أن مشاركة المواطنين وجمعيات المجتمع المدني "باتت واضحة بفعل آليات حماية المبلغين عن الفساد التي يضعها القضاء تحت تصرفهم"، وحسب المتحدث فإن الحكومة "ساهمت في تسهيل إنشاء جمعيات وتنظيمات مدنية تساهم إلى جانب السلطات القضائية في التبليغ عن القضايا على كافة المستويات".

وأنشأت الجزائر عدة آليات لمكافحة الظاهرة أبرزها الديوان المركزي لقمع الفساد، والسلطة العليا للشفافية والوقاية منه ومكافحته، كما منحت السلطات الأمنية صفة الضبطية القضائية بما في ذلك بعض الأسلاك الاستخباراتية للتحقيق في مختلف القضايا.

اقتصاد الريع والنظام المالي

ويرى الحقوقي يوسف بن كعبة في حديثه لـ"الحرة" أن ملف الفساد بشموليته و"رغم الترسانة التي وضعت لمكافحته لا توجد نتيجة حقيقية لمعالجة الفساد"، متسائلا عن خلفيات "عدم إظهار الأسباب الجوهرية التي تقف وراء انتشار الظاهرة على عدة مستويات لمعالجتها".

ويعتقد المتحدث أن الفساد راجع لعدة أسباب، أبرزها "طبيعة منظومة الحكم في الجزائر التي تسمح به"، موضحا أن "الاقتصاد المبني على الريع، وعدم وجود أسس وضوابط واضحة في التعاطي مع الاقتصاد الوطني"، كلها عوامل "تؤدي إلى بروز هذه الممارسات في الاقتصاد".

وحسب بن كعبة فإن الآليات الراهنة لا زالت "ضعيفة" بداية من "المنظومة المالية والبنكية الهشة التي يغلب عليها طابع السوق الموازية في التعاملات المالية بالعملة الصعبة"، معتبرا أن الخلل المسجل في هذه المنظومة من الأسباب الكبرى التي تجعل من الفساد معادلة من الصعب التغلب عليها، بما يسمح بانتشار التجاوزات بحق الاقتصاد والمال العام".

المصدر: الحرة

أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)
أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)

منذ استعادة السيطرة على أفغانستان عام 2021، بدأت حركة طالبان في بناء آلاف المدارس الدينية في جميع أنحاء البلاد وفق خطة تثير قلقا متزايدا بسبب غموض الهدف من وراء هذا المشروع الذي يأتي تنفيذا لرؤية زعيم طالبان الملا هبة الله آخوند زاده.

وتحدثت مصادر في وزارتي التعليم والشؤون الدينية في حكومة طالبان عن خطة حكومية تشمل بناء آلاف المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد، بمعدل مدرسة كبيرة في كل إقليم وأكثر من ثلاثة مدارس في كل مدينة ومنطقة.

وتعليقا على ذلك يقول الكاتب الأفغاني عصمت قانع في حديث مع "الحرة" إن طالبان لا تتردد في الإعلان عن خططها لبناء المدارس الجهادية بمسمى المدارس الدينية، وذلك تحت إشراف القيادة السياسية العليا للحركة لأهداف غامضة، في وقت أغلقت أبواب الجامعات والمدارس النظامية في وجه الفتيات.

وهكذا تحول تأسيس مدرسة دينية إلى إنجاز يتقرب من خلاله المسؤولون عن القطاع لزعيم الحركة لنيل رضاه وضمان البقاء في المنصب الوظيفي، حسب مصادر في طالبان وهو ما دفع البعض منهم لتحويل منشآت حكومية لمدارس دينية يتلقى الموظفون فيها دروسا دينية وفكرية.

وفي هذا الصدد يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو موظف حالي في وزارة الخارجية الأفغانية، للحرة إن طالبان حولت منشأة تابعة للوزارة إلى حلقة وفرضت على الموظفين تلقي الدروس الدينية والفكرية.

غرس التطرف
لا تعلن حركة طالبان عن الهدف وراء توسعة شبكة المدارس الدينية في البلاد وقد ناهز عددها 20 ألف مدرسة، منها 13 ألف مدرسة تحت إدارة الحكومة، يدرس ويشتغل فيها مئات الآلاف.

وتبقى العوامل والأسباب التي تدفع طالبان لبناء هذا العدد الكبير من المدارس "الدينية الجهادية" غامضة. لكن خبراء يرون أن طالبان تريد بناء جيش إيديولوجي تابع لها وإعداد جيل متطرف سيلعب دور المقاتل في المستقبل ضمن منظومة جيش غامض يؤمن بالولاء المطلق لطالبان وقيادتها.

ويوضح الكاتب عصمت قانع أن هذه المدارس "لا تضيف شيئا إيجابيا للأفغان، المشروع امتداد لمناهج كانت رائجة في الهند وهي مزيج من الصوفية والتطرف والعنف يناهض الحداثة والعصرنة ويقاوم كل شيء يتعلق بالتطور".

وأضاف قانع أن هذه المدراس ليست مراكز تعليم دينية كما تدعيه طالبان وإنها بمثابة قواعد تدريب عسكرية وفكرية وما تشهده افغانستان اليوم ليس سوى بداية إنشاء البنى التحتية العسكرية والفكرية للتطرف العنيف في المنطقة.

وأشار إلى أن نظرة طالبان لهذه المدارس ليست تعليمية بل تنظر إلى تلاميذها كجنود محتملين في حروب قادمة، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة لمستقبل افغانستان وقد يهدد الأمن والاستقرار في الدول المجاورة لأفغانستان.

ويقول مراقبون إن زعيم طالبان يأمل أن يتطوع خريجو هذه المدارس الدينية لحماية النظام، وهي محاولة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني. وكانت طالبان استغلت هذه المدارس في حربها مع الحكومة السابقة ، حيث كان الشباب الذي لا يتحمل مصاريف التعليم يسافر لباكستان لتلقي التعليم في مدارس دينية لكنه كان يتم تدريبه القتالي في أفغانستان.

الفتيات أكثر اهتماما
منذ استلامها مقاليد الحكم، أجهزت حركة طالبان على الكثير من المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الأخيرين، ففي عام 2022 أغلقت المدارس والجامعات أمام الفتيات، وتم تسريح جميع المعلمات وتعويضهن برجال دين محسوبين على الحركة. 

وبسبب هذه التغيرات أصبحت الفتيات الآن أكثر اهتماما بالدروس الدينية. واستغرب قانع حرص طالبان علي جذب النساء للمدارس الجهادية التابعة لها. وحسب بعض التقديرات فإن أكثر من 12 ألف امرأة يدرسن في مدارس طالبان.

وعن نظرة طالبان للمرأة، يقول عصمت قانع إن "المدارس تعتمد منهجا يعادي المرأة وتنظر إليها بدونية، وهذه العقلية تتعامل مع النساء بعنف وتحذفها من الحياة العامة".

تدمير التعليم العصري 

ورغم أن طالبان لم تحظر تعليم الأولاد، لكن سياستها تسببت في ضرر مدمر للتعليم في البلاد من خلال تغييرات أدت لزيادة العزوف عن التعليم وفقدان الأمل في المستقبل.

ويقول الأكاديمي الأفغاني ذبيح الله (اسم مستعار ) إن "أفغانستان في طريقها للتحول إلى مدرسة جهادية كبيرة"، وأشار إلى أن طالبان "تتجه للتخلي عن التعليم الحديث الذي ازدهر في أفغانستان خلال السنوات الماضية وفي المقابل تروج لمدارس دينية". 

وتوقع ذبيح الله في حديث مع "الحرة" أنه بعد سنوات قليلة سيتخرج من هذه المدارس الدينية أكثر من مليون شخص يحمل معظمهم أفكارا جهادية، وحذر من تحويل المنشآت التعليمية العصرية إلى مدارس دينية.

ولم تسلم من هذا التحولات مؤسسات كبيرة ذات رمزية عالية بينها قصر "دار الأمان" الذي شيده الملك السابق أمان الله خان وأعلن من شرفته عملية تحديث واسعة شملت إنشاء المدارس العصرية وحرية النساء واعتماد دستور قائم على الحقوق والحريات.

وقد تم إعادة بناء ذلك القصر الملكي في ظل الحكومة السابقة، لكن مع عودة طالبان للحكم تم تحويل جزء منه إلى مدرسة دينية.

ولم يختلف بالنسبة للجامعة الأميركية في كابل، حيث غيرت طالبان اسمها إلى "جامعة أفغانستان" وفرضت فيها منهجا جديدا يركز على العلوم الدينية، ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي ضمن خطة أوسع تهدف لإضعاف العلوم العصرية في أفغانستان.

إيديولوجيا خاصة وألغام فكرية 

وتعتمد المدارس الدينية على مناهج دراسية قديمة جدا وتقدم نفس المحتوى المعتمد في المدارس الباكستانية ومنهج العلوم المعتمد في شبه القارة الهندية، ولكن الدور الأساسي يرجع لمدرسة "دار العلوم الحقانية" وهي من أكبر المدارس الدينية في باكستان، وتخرج منها قادة طالبان.

ويعتبر البعض المدرسة الحقانية بمثابة المرجعية الأم لمناهج التعليم المعتمدة في مدارس طالبان في أفغانستان، وبأنها شكلت النواة التي زرعت بذور العنف والتطرف لعقود في  المنطقة. 

ويقول الباحث الأفغاني عبد البصير نبي زاده في اتصال مع "الحرة" إن هذه المدارس تعتمد منهجا دراسيا يعارض الحداثة والعلوم العصرية ويرسخ الفكر الجهادي بين الأطفال وإن فهم طالبان للدين يتعارض مع مراجع إسلامية معتبرة في العالم.

ومع انتشار المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان وما يلف مناهجها وأهدافها من غموض، فإن المخاوف تتزايد من احتمال تحولها إلى مراكز لانتشار التطرف تحت غطاء الدين.

ولا تعلن طالبان المناهج التي تدرس في مدارسها، ولا أحد يعرف ماذا يتعلم الأطفال فيها ولا من يشرف على تعليمهم. وحسب تقارير مستقلة فان المدارس التي تؤسّسها طالبان أو تلك التي تقع في مناطق لا يمكن مراقبتها والتحقق منها تروج بشكل ممنهج لأفكار متطرفة من شأنها أن تكون بذرة لازدهار العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.