فتيات أفغانيات في مدرسة قرآنية بمدينة قندهار جنوب البلاد (فرانس برس)
فتيات أفغانيات في مدرسة قرآنية بمدينة قندهار جنوب البلاد (فرانس برس)

تغيرت أفغانستان كثيرا بعد عودة طالبان إلى مقاليد الحكم قبل أكثر من ثلاث سنوات، ولم تعد البلاد تعج بالحياة والألوان إذ أزيلت اللافتات من الأماكن العامة وأصبح مجرد التقاط صورة ونشرها أمرا محظورا في البلاد ولو كان ذلك لأغراض تربوية حيث أن قطاع التعليم في البلاد شهد في الآونة تغييرات جذرية أثارت جدلا واسعاً. 

من أبرز هذه التغييرات قرار وزاري جديد يقضي بإزالة صور الكائنات الحية من المناهج الدراسية، ضمن جهود طالبان لملاءمة التعليم مع التفسير الصارم للشريعة الإسلامية. 

ويشمل ذلك الحظر الرسومات التي تصور الأطفال أثناء الأنشطة، والرسوم التشريحية في كتب الإحياء، والصور التي تعكس تاريخ أفغانستان وثقافتها. 

وترى طالبان أن هذه الصور تتعارض مع مبادئ الشريعة، وذلك تنفيذا لقرار صادر عن زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده المتعلق بحظر نشر صور الكائنات الحية في البلاد، في حين يرى المنتقدون أن هذه السياسات تشكل هجوما جديدا على جودة التعليم في البلاد.

إزالة الصور وإعادة التصور

وترفض السلطات التعليمية في حكومة طالبان التعليق على التقارير المتعلقة بشأن حذف صور الكائنات الحية من الكتب الدراسية، لكن خبراء في مجال التعليم يرون بأن حظر الصور في مناهج التعليم سيزيد أوضاع التعليم سوءا  وأن التلاميذ قد يعانون أكثر من الغموض والفوضي الناشئة عن القرار.

ويقول وزير التعليم الأفغاني الأسبق محمد آصف ننك في حديث لـ"الحرة" إن "الصورة في التعليم هي كل التعليم و خاصة بالنسبة للأطفال في مراحل التعليم الأولي و مع إزالة الصور عن كتب الأطفال يعني جلوس الطفل أمام لوحة فارغة وهو لا يجيد القراءة والكتابة".

وأضاف الوزير السابق أن قرار حذف الصور سيخلق معاناة جديدة أمام أطفال المدارس في مراحل التعليم الأولي، وتوقع أن تكون النتائج كارثية على قطاعات معينة في مراحل التعليم المتقدمة أيضا.

ويرى معارضون للحركة أن هذا التغيير جزء من استراتيجية الحركة لإعادة صياغة المناهج الدراسية وفق رؤيتها بحيث تركز بشكل أساسي على التعليم الديني، و تقليص المواد العلمية والعصرية مثل التربية المدنية والفنون. 

ويؤكد الناشطون في مجال التعليم أن هذه التعديلات تهدد بإعاقة التعليم والإبداع لدى الطلاب مما سيؤثر سلباً على تطور المجتمع الأفغاني على المدى البعيد وعلى حجم المساعدات الأجنبية لقطاع التعليم، في وقت تعتمد البلاد على دعم المنظمات الدولية في مجال التعليم.

"صور ذوات الأرواح"

تقول طالبان بان صور ذوات الأرواح محرمة شرعا وإن تعليمات صدرت لجميع إدارات الحكومة بمراعاة القانون الجديد الذي يتضمن بندا يحظر نشر كل ما يوحي لكائن حي سواء بشرا وغيره.

ورغم أن السلطات التعليمية لم تتحدث بشكل رسمي حتى الآن عن الطريقة التي قد تختارها لتنفيذ ذلك في قطاع التعليم وازالة الصور من الكتب الدراسية، لكن توجيهات صدرت للمدارس العامة والخاصة بضرورة مراعاة التوجيه الجديد بشأن احتواء الكتب الدراسية صورا للبشر والحيوانات.

ويشار إلى أن صور الكائنات الحية كانت محظورة في جميع أنحاء افغانستان خلال تولي حركة طالبان مقاليد الحكم في الفترة بين عامي 1996 و2001. 

وبمجرد عودتها للحكم في صيف عام 2021 أمرت شرطة الأخلاق في حكومتها أصحاب المحلات التجارية بازالة صور معلقة علي الجدران وإزالة أو تغطية تماثيل عرض للأزياء في أسواق العاصمة كابل ومدن أخرى.

كما أصدرت في أغسطس من العام الجاري قواعد جديدة تنظم الحياة اليومية للأفغان من النقل العام والحلاقة وحظر الاحتفالات وحظر الموسيقي في أول مرسوم تشريعي للحركة.

وتحظر المادة السابعة عشر من القانون نشر صور الكائنات الحية وقد طلب من وسائل أعلام انذاك عدم بث أو عرض أي شي له روح - أي البشر والحيونات وهو ما أدى لتوقف بث بعض وسائل الإعلام المرئية في بعض محافظات جنوب البلاد وأثار مخاوف في كابل العاصمة التي تقاوم حتي الآن الضغوط لتنفيذ الأمر نفسه.

انقسام بين كابل وقندهار

سياسات التعليم الخاصة بطالبان تجسد رؤيتها الأوسع لأفغانستان وفق تفسيرها الخاص للشريعة، دون أي تسامح مع التنوع الثقافي أو الممارسات التربوية الحديثة. 

وبينما تصف طالبان هذه الإجراءات بأنها جهود من أجل تصحيح المسار وتوحيد التعليم، يرى آخرون أن تيارا معينا داخل طالبان يحاول بالأساس ترسيخ سيطرته وقمع أي أصوات معارضة سواء داخل صفوف الحركة أو خارجها.

ويبدو ذلك من خلال تسريبات حول وجود تيار قوي داخل الحركة يرى ضرورة الحذر عند اتخاذ قرارات تخص الحياة العامة للمواطن ومنه نشر الصور الكائنات ويرى هذا التيار أن القرارات التي صدرت مؤخرا تزيد من حالة الانقسام داخل طالبان وتزيد من عزلة افغانستان الدولية.

ويظهر هذا التوجه من خلال نشاط المواقع المحسوبة على الوزارات في كابل والتي لا تزال تقوم بنشر صور الفعاليات الحكومية وتستخدم الصور لأغراض الدعاية في تناقض واضح مع الأوامر الصادرة من قندهار جنوب البلاد حيث يقيم زعيم الحركة.

وفي حديثه لـ"الحرة"، يري الصحفي الأفغاني سلطان فيضي بأن ما يقوم به تيار طالبان الموجود في قندهار يندرج ضمن مسار إعادة افغانستان إلى فترة التسعينات من القرن الماضي حيث كانت الحركة تتحكم في مظاهر الحياة الخاصة للأفراد. 

ومن شأن تلك السياسة أن تخلق مزيدا من المخاطر لاستمرار حكم طالبا، وهو أمر ترفضه قيادات طالبان الموجودة في كابل في خط معارض يبدو هادئا ومنضبطا حتى الآن.

مخاوف العودة للتسعينات

محاولات طالبان في فرض نمط معين من الحياة وتقييد الحريات العامة في أفغانستان تناقض الوعود التي قطعتها الحركة مع الشعب الأفغاني ودول العالم قبل أن تسيطر على الحكم بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.

 وأكدت الحركة أكثر من مرة بأنها لن تعيد ممارسات حكمها الأول في التسعينات من القرن الماضي لكنها في الوقت نفسه أصدرت خلال الصيف المنصرم قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " الذي ينظم الحياة العامة وفقا لفهما المتشدد للشريعة الإسلامية.

 وأكد متحدث باسم وزارة المعروف في حكومة طالبان سيف الاسلام بأن الحركة ستقوم بتنفيذ القانون ضمن قاعدة التدرج لإقناع المواطن بقبول القواعد الجديدة، وأضاف بأن الحركة لا تريد استخدام القوة لتطبيقه، رغم الأوامر الصارمة من قبل زعيم الحركة بهذا الشأن.

المصدر: الحرة

أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)
أطفال في مدرسة دينية في ضواحي مدينة قندهار بأفغانستان (فرانس برس)

منذ استعادة السيطرة على أفغانستان عام 2021، بدأت حركة طالبان في بناء آلاف المدارس الدينية في جميع أنحاء البلاد وفق خطة تثير قلقا متزايدا بسبب غموض الهدف من وراء هذا المشروع الذي يأتي تنفيذا لرؤية زعيم طالبان الملا هبة الله آخوند زاده.

وتحدثت مصادر في وزارتي التعليم والشؤون الدينية في حكومة طالبان عن خطة حكومية تشمل بناء آلاف المدارس الدينية في مختلف أنحاء البلاد، بمعدل مدرسة كبيرة في كل إقليم وأكثر من ثلاثة مدارس في كل مدينة ومنطقة.

وتعليقا على ذلك يقول الكاتب الأفغاني عصمت قانع في حديث مع "الحرة" إن طالبان لا تتردد في الإعلان عن خططها لبناء المدارس الجهادية بمسمى المدارس الدينية، وذلك تحت إشراف القيادة السياسية العليا للحركة لأهداف غامضة، في وقت أغلقت أبواب الجامعات والمدارس النظامية في وجه الفتيات.

وهكذا تحول تأسيس مدرسة دينية إلى إنجاز يتقرب من خلاله المسؤولون عن القطاع لزعيم الحركة لنيل رضاه وضمان البقاء في المنصب الوظيفي، حسب مصادر في طالبان وهو ما دفع البعض منهم لتحويل منشآت حكومية لمدارس دينية يتلقى الموظفون فيها دروسا دينية وفكرية.

وفي هذا الصدد يقول أحمد (اسم مستعار)، وهو موظف حالي في وزارة الخارجية الأفغانية، للحرة إن طالبان حولت منشأة تابعة للوزارة إلى حلقة وفرضت على الموظفين تلقي الدروس الدينية والفكرية.

غرس التطرف
لا تعلن حركة طالبان عن الهدف وراء توسعة شبكة المدارس الدينية في البلاد وقد ناهز عددها 20 ألف مدرسة، منها 13 ألف مدرسة تحت إدارة الحكومة، يدرس ويشتغل فيها مئات الآلاف.

وتبقى العوامل والأسباب التي تدفع طالبان لبناء هذا العدد الكبير من المدارس "الدينية الجهادية" غامضة. لكن خبراء يرون أن طالبان تريد بناء جيش إيديولوجي تابع لها وإعداد جيل متطرف سيلعب دور المقاتل في المستقبل ضمن منظومة جيش غامض يؤمن بالولاء المطلق لطالبان وقيادتها.

ويوضح الكاتب عصمت قانع أن هذه المدارس "لا تضيف شيئا إيجابيا للأفغان، المشروع امتداد لمناهج كانت رائجة في الهند وهي مزيج من الصوفية والتطرف والعنف يناهض الحداثة والعصرنة ويقاوم كل شيء يتعلق بالتطور".

وأضاف قانع أن هذه المدراس ليست مراكز تعليم دينية كما تدعيه طالبان وإنها بمثابة قواعد تدريب عسكرية وفكرية وما تشهده افغانستان اليوم ليس سوى بداية إنشاء البنى التحتية العسكرية والفكرية للتطرف العنيف في المنطقة.

وأشار إلى أن نظرة طالبان لهذه المدارس ليست تعليمية بل تنظر إلى تلاميذها كجنود محتملين في حروب قادمة، وهو ما يحمل مخاطرة كبيرة لمستقبل افغانستان وقد يهدد الأمن والاستقرار في الدول المجاورة لأفغانستان.

ويقول مراقبون إن زعيم طالبان يأمل أن يتطوع خريجو هذه المدارس الدينية لحماية النظام، وهي محاولة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني. وكانت طالبان استغلت هذه المدارس في حربها مع الحكومة السابقة ، حيث كان الشباب الذي لا يتحمل مصاريف التعليم يسافر لباكستان لتلقي التعليم في مدارس دينية لكنه كان يتم تدريبه القتالي في أفغانستان.

الفتيات أكثر اهتماما
منذ استلامها مقاليد الحكم، أجهزت حركة طالبان على الكثير من المكاسب التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الأخيرين، ففي عام 2022 أغلقت المدارس والجامعات أمام الفتيات، وتم تسريح جميع المعلمات وتعويضهن برجال دين محسوبين على الحركة. 

وبسبب هذه التغيرات أصبحت الفتيات الآن أكثر اهتماما بالدروس الدينية. واستغرب قانع حرص طالبان علي جذب النساء للمدارس الجهادية التابعة لها. وحسب بعض التقديرات فإن أكثر من 12 ألف امرأة يدرسن في مدارس طالبان.

وعن نظرة طالبان للمرأة، يقول عصمت قانع إن "المدارس تعتمد منهجا يعادي المرأة وتنظر إليها بدونية، وهذه العقلية تتعامل مع النساء بعنف وتحذفها من الحياة العامة".

تدمير التعليم العصري 

ورغم أن طالبان لم تحظر تعليم الأولاد، لكن سياستها تسببت في ضرر مدمر للتعليم في البلاد من خلال تغييرات أدت لزيادة العزوف عن التعليم وفقدان الأمل في المستقبل.

ويقول الأكاديمي الأفغاني ذبيح الله (اسم مستعار ) إن "أفغانستان في طريقها للتحول إلى مدرسة جهادية كبيرة"، وأشار إلى أن طالبان "تتجه للتخلي عن التعليم الحديث الذي ازدهر في أفغانستان خلال السنوات الماضية وفي المقابل تروج لمدارس دينية". 

وتوقع ذبيح الله في حديث مع "الحرة" أنه بعد سنوات قليلة سيتخرج من هذه المدارس الدينية أكثر من مليون شخص يحمل معظمهم أفكارا جهادية، وحذر من تحويل المنشآت التعليمية العصرية إلى مدارس دينية.

ولم تسلم من هذا التحولات مؤسسات كبيرة ذات رمزية عالية بينها قصر "دار الأمان" الذي شيده الملك السابق أمان الله خان وأعلن من شرفته عملية تحديث واسعة شملت إنشاء المدارس العصرية وحرية النساء واعتماد دستور قائم على الحقوق والحريات.

وقد تم إعادة بناء ذلك القصر الملكي في ظل الحكومة السابقة، لكن مع عودة طالبان للحكم تم تحويل جزء منه إلى مدرسة دينية.

ولم يختلف بالنسبة للجامعة الأميركية في كابل، حيث غيرت طالبان اسمها إلى "جامعة أفغانستان" وفرضت فيها منهجا جديدا يركز على العلوم الدينية، ويرى مراقبون بأن ذلك يأتي ضمن خطة أوسع تهدف لإضعاف العلوم العصرية في أفغانستان.

إيديولوجيا خاصة وألغام فكرية 

وتعتمد المدارس الدينية على مناهج دراسية قديمة جدا وتقدم نفس المحتوى المعتمد في المدارس الباكستانية ومنهج العلوم المعتمد في شبه القارة الهندية، ولكن الدور الأساسي يرجع لمدرسة "دار العلوم الحقانية" وهي من أكبر المدارس الدينية في باكستان، وتخرج منها قادة طالبان.

ويعتبر البعض المدرسة الحقانية بمثابة المرجعية الأم لمناهج التعليم المعتمدة في مدارس طالبان في أفغانستان، وبأنها شكلت النواة التي زرعت بذور العنف والتطرف لعقود في  المنطقة. 

ويقول الباحث الأفغاني عبد البصير نبي زاده في اتصال مع "الحرة" إن هذه المدارس تعتمد منهجا دراسيا يعارض الحداثة والعلوم العصرية ويرسخ الفكر الجهادي بين الأطفال وإن فهم طالبان للدين يتعارض مع مراجع إسلامية معتبرة في العالم.

ومع انتشار المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان وما يلف مناهجها وأهدافها من غموض، فإن المخاوف تتزايد من احتمال تحولها إلى مراكز لانتشار التطرف تحت غطاء الدين.

ولا تعلن طالبان المناهج التي تدرس في مدارسها، ولا أحد يعرف ماذا يتعلم الأطفال فيها ولا من يشرف على تعليمهم. وحسب تقارير مستقلة فان المدارس التي تؤسّسها طالبان أو تلك التي تقع في مناطق لا يمكن مراقبتها والتحقق منها تروج بشكل ممنهج لأفكار متطرفة من شأنها أن تكون بذرة لازدهار العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.