الكاتبان الجزائريان كمال داود (يمين) وبوعلام صنصال (AFP)
الكاتبان الجزائريان كمال داود (يمين) وبوعلام صنصال (AFP)

أثار قرار السلطات الجزائرية اعتقال الكاتب بوعلام صنصال منذ السادس عشر نوفمبر الجاري، بمطار العاصمة الجزائر مخاوف من أن تضيق دائرة الحريات على الكتاب والأدباء في هذا البلد المغاربي.

وتعرف الساحة الثقافية والسياسية في الجزائر جدلا واسعا منذ أن تم الإعلان في يوليو الماضي عن فوز الكاتبة والفنانة التشكيلية إنعام بيوض، في يوليو الماضي، بجائزة "آسيا جبار للرواية" عن رواية "الهوارية"، وصولا لاعتقال الكاتب بوعلام صنصنال، الذي يحمل أيضا الجنسية الفرنسية.

روايات في مرمى النار

وأثارت رواية "الهوراية" نقاشا بين كتاب وأدباء وقراء بعد تعرضها لحملة شديدة على منصات التواصل الاجتماعي، بحجة أنها تضمنت لغة "خادشة للحياء"، و"مخالفة لأعراف المجتمع"، ودفعت الحملة بدار "ميم" التي نشرت الرواية إلى الإعلان عن توقف نشاطها وغلق أبوابها بشكل نهائي على خلفية الحملة التي تعرضت لها.

وتدور أحداث رواية "الهوارية" (اسم يطلق على الفتيات بكثرة في بوهران غرب البلاد)، حول مراهقة تعيش مع عائلتها في حي شعبي محاطة بالفقر والعنف والجنس، خلال فترة التسعينيات التي شهدت صراعا دمويا بين الحكومة والإسلاميين المتشددين، 

كما أثار فوز الكاتب الفرنكوفوني كمال داود بجائزة "غونكور" الفرنسية في مطلع نوفمبر الجاري عن رواية "حوريات" حملة واسعة على منصات التواصل، ضد الكاتب والرواية الممنوعة في الجزائر، التي تناولت قصة فتاة خلال التسعينيات تعاني لهيب حرب الإرهاب ضد النساء والسكان عموما.

ورأى البعض أن الجدل أثير على خلفية مواقف كمال داود "الليبرالية المناوئة للإسلاميين والمحافظين في الجزائر"، وارتفعت حدة الحملة ضد الكاتب عقب ظهور سيدة جزائرية على قناة تلفزيونية محلية تتهم الكاتب باستغلال قصتها الشخصية دون إذنها، كما اتهمت زوجته، الطبيبة النفسية، بإفشاء السر المهني.

وتسارعت الأحداث على الجبهة الثقافية والأدبية عقب اعتقال صنصال (75 عاما)، على خلفية تصريحات سابقة ذكر فيها أن جزءا من الغرب الجزائري (تلمسان، وهران ومعسكر)، كان تابعا للمغرب، وهو ما نفته وانتقدته الحكومة بشدة، وباستثناء تعليق لوكالة الأنباء اعترفت فيه بتوقيفه، لم تصدر السلطات الجزائرية أي بيان بشأن مصير صنصال أو التهم الموجهة له.

أما محاميه الفرنسي، فرانسوا زيميراي، فكشف بأن موكله مثل الثلاثاء أمام قسم مكافحة الإرهاب بالنيابة العامة في الجزائر العاصمة، وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي.

وتطرح هذه التطورات تساؤلات بشأن الحريات الأدبية في الجزائر وهوامش الكتابة والخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها.

خطوط واستثناءات

وتعليقا على ذلك يرى الكاتب والروائي عبد القادر حريشان في حديث مع "الحرة" أن ساحة الكتابة في الجزائر غير محاطة بأي ممنوعات"، مستثنيا "الوحدة الوطنية والأمن القومي"، وهي من الخطوط التي "لا بد من احترامها"، وفق المتحدث.

ويشير صاحب رواية "الأعمي" الصادرة بالفرنسية، أن للكاتب في الجزائر "الحرية المطلقة في الكتابة واختيار المواضيع التي يرغب في تناولها"، مضيفا أن حالة بوعلام صنصال وكمال داود "استثنائية"، باعتبار أن الأول "لم يعتقل لإصداراته"، والثاني توبع قضائيا بسبب "تجاوزه لأخلاقيات المهنة، عندما استغل قصة المريضة التي عالجت نفسيا لدى زوجته في نسج روايته".

وكانت السلطات الجزائرية منعت أواخر أكتوبر الماضي، ندوة أدبية بالعاصمة، حول كتاب "الجزائر اليهودية" الذي صدر لهيدية بن ساحلي في فرنسا والجزائر، وأثار القرار سيلا من التساؤلات حول توقيت عرض الكتاب الذي يتزامن ومرور سنة على الحرب في غزة، ورغم أن الكاتبة نفت أي علاقة بالأحداث والتطورات الجارية في الشرق الأوسط، إلا أن الحملة على بن ساحلي لم تتوقف في منصات التواصل الاجتماعي.

"محاكم" شبكات التواصل

ويفسر الإعلامي الجزائري المتخصص في القضايا الأدب والفن، عبد العالي مزغيش تحول الشبكات الاجتماعية إلى أدوات "تستهدف" الأعمال الأدبية في الجزائر، بـ"غلق الجامعات والمدارس العليا مدرجاتها في وجه النشاط الثقافي الذي يثري النقاش ويضمن عرض التجارب الأدبية على الجمهور، وكذا تقلص نشاط الجمعيات الثقافية لغياب فضاءات تحتضنه".

كما أشار مزغيش لـ"الحرة" إلى أن "تراجع الصحافة المحلية عن آداء دورها، ودخول النقاد شبه عطلة وبطالة أدى إلى استحواذ الانطباع الشعبوي والخاص الذي تحركه العاطفة على النقاش"، كما حول منشورات مواقع التواصل الاجتماعي إلى "بديل للدراسات النقدية الرصينة".

وعبر المتحدث عن دهشته لما وصفه بـ "المحاكمات الشعبية ضد الكتابة الأدبية، التي تحول فيها الجميع، دون تخصص وتمحيص؛ إلى مختصين في النقد"، مضيفا أن هذه الظاهرة قد تؤدي مستقبلا إلى "توجس البعض من الكتابة والنشر، وربما أغلق بعض الناشرين الجادين دورهم".

ويقترح مزغيش "دفتر شروط حكومي يلزم الناشرين بطباعة الأعمال الخاضعة للجان قراءة محترمة"، كما دعا النقاد المعروفين "بموضوعيتهم ومكانتهم إلى عدم ترك الفراغ لأشباه النقاد و أشباه الكتاب".

"الدرجة صفر من الحريات"

وعلاقة بواقع الحريات الأدبية في الجزائر يعتقد الكاتب والقاص، عبد العزيز غرمول، أنه يعرف "بعض الغلق والإهمال"، معتبرا أن الجدل الأخير بشأن روايات وإصدارات "كشف عن التضييق على حرية التعبير"، مشيرا إلى أن هذا التضييق تحول إلى جزء من عقيدة القارئ الجزائري الذي لم يعد، في غالبه، يتقبل حرية الإبداع لتأثره وتحوله إلى جزء من منظومة الرقابة".

ويؤكد غرمول لـ "الحرة" أن هذا الوضع "ليس ظرفيا"، في المقابل يرى أنه "لا يمكن التضييق أكثر على ماهو عليه الحال"، مضيفا أن "هذا التضييق وصل إلى الدرجة صفر من الحريات الأساسية، وفي مقدمتها حرية الرأي".

وحسب غرمول فإن النظام "يزداد تشددا من يوم لآخر، وأن هذا الواقع سيستمر لسنوات طويلة"، ورغم ذلك يبدى "تفاؤلا بالحرية الواسعة التي يمارسها الكتاب رغم التضييق"، معتبرا ذلك "انتصارا للحرية"، مشيرا إلى أن "انغلاق السياسيين أثر في المجتمع الذي انغلق بدوره على الرأي الآخر وحاربه، ما دفع بالمبدع إلى هجرة الإبداع والكتابة".

المصدر: الحرة 

An Iranian cleric visits the Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC) Aerospace Force Museum in Tehran
مقتل أبرز القادة الإيرانيين تباعا جعل طهران تسرع وتيرة برنامجها النووي- رويترز

تبدو إيران التي تسعى جاهدة لامتلاك السلاح النووي، ضعيفة، ومرتبكة، بعد سلسلة الاستهدافات التي طالت مجموعة من قادتها وأبرز قيادات أذرعها في الشرق الأوسط، وفق تقارير متطابقة.

وكانت صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن الاختراقات الأمنية والاستخباراتية التي واجهتها إيران حديثا تمثل فشلا كارثيا على الصعيدين الاستخباراتي والأمني الإيراني، وتضع الحرس الثوري الإيراني في موقف محرج للغاية.

وكانت تلك الاختراقات وراء مقتل عدد من قادة إيران البارزين وقادة الفصائل الموالية لها في الشرق الأوسط.

ويعتقد المستشار السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه"، إيلان بيرمان، أن "قدرات الردع الإيرانية تآكلت".

وأوضح المتحدث خلال مداخلته في برنامج "الحرة الليلة" أن النظام الإيراني يواجه مشكلتين: الأولى أزمة الثقة داخل النظام نفسه، حيث يرى المسؤولون في طهران أن شبكة الوكلاء التي أنفقوا ربع قرن في بنائها والقدرات التي استثمروا الملايين فيها قد أصبحت مدمرة.

أما المشكلة الثانية فهي أزمة الثقة في صمود النظام نفسه إذ تعتمد العديد من مجموعات الوكلاء في المنطقة على إيران من أجل الدعم المالي والسياسي.

قرب نهاية الخطر الإيراني؟

رغم تراجع قدرة إيران الردعية، وفق وصف بيرمان، يرى بيير بيرتيلو، الباحث في معهد الاستشراف والأمن في أوروبا، أن زوال التهديد الإيراني ليس مرجحا حدوثه الآن.

وخلال مداخلته من باريس في البرنامج أشار بيرتيلو إلى أن بإمكان طهران إعادة علاقاتها مع وكلائها.

وقال هناك تفكير في إيران بضرورة الحفاظ على الأذرع، واستبعد فكرة أن تكون طهران في طريقها لقطع صلتها بالوكلاء في المنطقة.

وقتل العديد من القادة العسكريين الإيرانيين إثر هجمات استهدفتهم، أبرزهم اللواء محمد رضا زاهدي القائد البارز في فيلق القدس الإيراني الذي قتل في غارة جوية في دمشق في 1 أبريل 2024.

وتلا ذلك مقتل مجموعة من قيادات حزب الله اللبناني أبرزهم حسن نصر الله وفؤاد شكر وكذا هاشم صفي الدين.

واستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب إيران وهو ما طرح أسئلة حول ما إذا كانت إيران تمر بأضعف مراحل أمنها القومي خصوصا في ظل تصاعد وتيرة التصعيد التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

هذه الوضعية جعلت إيران تسرع عملها النووي حتى تحتفظ بأوراق أكثر، وفق إيلان بيرمان.

لكن بيير بيرتيلو يقول إن العمل النووي ورقة قديمة استخدمتها طهران سابقا.

وتابع بأن الموضوع المهم الآن بالنسبة لإيران هو الإدارة الأميركية القادمة هل تصل إلى اتفاق معها أو إعلان القدرة على إنتاج قنبلة نووية أو اثنتين.

ويتهم المجتمع الدولي إيران بالسعي لامتلاك قنبلة ذرية، وتقول دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إنها تسعى بكل الوسائل لمنعها فيما تنفي طهران أنها تسعى لذلك.

وتبدي واشنطن ودول غربية مخاوف من أن تتمكن إيران من التوصل لصنع قنبلة نووية خصوصا عقب إعلانها أنها ستضع في الخدمة أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة.