أعضاء من وحدات الحشد الشعبي - القوات شبه العسكرية التي تهيمن عليها الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران
مليشيات عراقية هاجمت أهداف داخل إسرائيل بالطائرات المسيرة (فرنس بريس)

بعد التهديدات التي أعلنتها إسرائيل بشن ضربات على مواقع داخل الأراضي العراقية، لاستمرار ما يسمى "المقاومة الإسلامية في العراق" بشن هجمات يومية على أهداف داخل إسرائيل بالطائرات المسيرة.

خبراء أمنيون ومراقبون أوضحوا أن إسرائيل تمتلك المؤهلات الاستخباراتية والعسكرية التي تؤهلها لتوجيه ضربات للجماعات المسلحة التي تشن غارات مستمرة من داخل العراق باتجاه إسرائيل.

ويرى الخبير العسكري العميد عدنان الكناني، أن إسرائيل بدأت فعلا بخطوات جمع المعلومات الاستخباراتية وتتابع تحركات تلك الفصائل داخل العراق، عبر مسيّرات استطلاعية وعن طريق الأقمار الصناعية والخلايا النائمة لها في العراق.

وأوضح أن العراق لن يكون بمأمن من العمليات التي تجري في المنطقة، لأن استمرار هجمات الفصائل تمنح إسرائيل فرصة جيدة لتصفية حساباتها مع هذه الفصائل المسلحة وبقية خصومها في المنطقة.

وقال الكناني، في حديثه لموقع"الحرة"، إن لدى إسرائيل إمكانيات عسكرية متطورة تجعلها قادرة على استهداف الفصائل المسلحة داخل العراق عن طريق "خطة الرمح والدرع" بحسب قوله، والتي تتمثل بإرسال طائرات حربية متطورة طراز (F15)(F16) و (F35) وكذلك استخدام الصواريخ عبر المسيرات لضرب المواقع التي ستستهدفها، موضحا أن العراق لا يمتلك الدرع الواقي ضد هذه الطائرات أو الصواريخ التي قد تستخدمها إسرائيل في هجومها على العراق.

وأوضح أن العراق بمنأى عن شن هجمات برية داخل أراضيه، لأنه بعيد جغرافيا عن إسرائيل، فضلا عن إمتلاكه قوات برية، قادرة على صدّ أي هجوم بري.

وذكر أن ما أوقف الهجوم الإسرائيلي إلى الآن هو "أن هناك دعما روسيا لهذه الفصائل عبر إيران" فالجهد الاستخباراتي الإسرائيلي منصب في معرفة نوعية تلك الأسلحة وقدراتها وبيان مدى تأثيرها وتحديد أماكن انطلاقها ومخازنها، بحسب قوله.

وحول المناطق التي قد تتعرض للاستهداف قال الكناني إن"إسرائيل ليس لديها خطوط حمراء في العراق، وستقوم باستهداف أي منطقة تراها تمثل تهديدا وخطرا عليها، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب" وتوقع الكناني أن يكون موقف الحكومة العراقية إزاء الهجمات مشابها لموقف الحكومة اللبنانية.

جبهة مستبعدة

واستبعدت الكاتبة اللبنانية سوسن مهنا، في حديثها لموقع "الحرة"، قيام إسرائيل بفتح جبهة جديدة في العراق، موضحة أنه "ستكون هناك تسوية ما بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بخصوص الفصائل الموجودة في العراق"، لأن هذه الفصائل لا ترتقي لمستوى حزب الله الذي كان يمثل (درة التاج) بالنسبة لإيران وهي من أبعدت الحرب عنها، بحسب قولها.

وقالت مهنا إن المباحات التي تجريها إيران مع أميركا الآن من شأنها قصقصة الأذرع الإيرانية في المنطقة، مؤكدة أن الضربات التي كانت وما تزال تُشن من العراق هي ضربات هادئة مقارنة بما كان يفعله حزب الله في لبنان، وقد بدأت إيران بالتخلي عن هذه الفصائل ويتجلى ذلك في موقفها مع حماس.

ووصفت مهنا الوضع في العراق بالمعقد، لوجود عوامل عديدة أبرزها أن العراق جارة لإيران وما زالت لدى الولايات المتحدة قواعد عسكرية في العراق، فضلا عن احتواء العراق لمراكز قوى عديدة. مما يعني أن السيناريو الخاص بالعراق سيختلف عما جرى في لبنان.

والسيناريو الراجح لديها أن إسرائيل لن تتدخل بشكل مباشر في العراق، بل ستدع إيران هي التي تتدخل، بقطع التمويل عن تلك الفصائل، لأن إيران ستبدأ بالتخلي عن أذرعها كي تتجنب ضربة مباشرة.

غارات جوية

أما الخبير الأمني جبار ياور، فقد قال لموقع "الحرة" إنه بالرغم من الصعوبات الجغرافية بين إسرائيل والعراق وعدم وجود حدود مشتركة بينهما، يمنعهما استخدام القوات البرية، إلا أن السيناريو الاكثر توقعا برأيه هو قيام إسرائيل بشن غارات جوية لضرب مواقع هذه الفصائل، واستهداف قادتهم ومخازن أسلحتهم، مثلما فعلت القوات الأميركية عندما قصفت تلك الفصائل قواعدها فقامت الطائرات الأميركية بقصف مواقع تعود لتلك الفصائل، فتوقفت بعدا استهداف القواعد الأميركية.

وتمتلك إسرائيل جميع المعلومات عن هذه الفصائل والمجاميع، وهي مطلعة على ما تقوم به عن طريق الأقمار الصناعية والمسيرات تقوم بمسح هذه الأجواء، بحسب قول ياور الذي أضاف أن "العراق غير قادر على السيطرة على أجوائه لا يمتلك منظومة دفاع جوية"، لذلك فإن بإمكان أي طائرات حربية أو غير حربية التحليق في الأجواء العراقية والتقاط ما تشاء من الصور لمقرات تلك الفصائل.

ونبه ياور إلى القدرات الجوية والاستخباراتية العالية التي تمتلكها اسرائيل، وتعلم بها العراق، والدليل على ذلك أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سارع بعد التهديدات الإسرائيلية إلى الاجتماع بالقادة العسكريين الميدانيين والمجلس الأمني الوزاري، وتم اتخاذ الكثير من القرارات، منها رفع الجهوزية داخل القوات العراقية، وتكثيف القوات على المناطق الحدودية مع سوريا والأردن، و تفعيل مراقبة الأجواء والطلب من أميركا بالتدخل لوقف أي اعتداء على العراق.

ياور قال إن هناك سيناريو آخر يلوح في الآفاق، وهو أن يؤدي انتهاء الحرب في لبنان، إلى توقف هذه الفصائل في شن هجماتها، وبذلك تتخلى إسرائيل أيضا عن تهديداتها بالهجوم على العراق.

وتوقع ياور أن يكون رد العراق تجاه أي هجوم إسرائيلي على هذه الفصائل داخل أراضيه، ردا سياسيا لا عسكريا من قبيل الشجب والاستنكار، ورفع بيانات لمجلس الأمن والجامعة العربية والمطالبة من أميركا التدخل لوقف تلك الغارات، معللا ذلك بقوله "العراق ليس لديه القدرة على الدخول في أي حروب"  وإن القوات العراقية العسكرية والأمنية ليست مستعدة للدخول في أي حرب، فالعراق لا تملك طائرات حربية كبيرة وقوية فقط هناك طائرات بدون طيار، بحسب قوله.

فصائل مدعومة إيرانيّا

ويضم العراق الكثير من الفصائل الشيعية المقربة لإيران، أغلبها انتمت إلى صفوف الحشد الشعبي الذي تأسس في العام 2014 أثر فتوى للمرجعية الشيعية في العراق، وكان لها دورها في محاربة تنظيم داعش الإرهابي وطرده من العراق عام 1917.

وفي وقت لاحق أصبحت تحت إمرة القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، لكن الكثير من هذه الفصائل انضوت في السنوات الأربع الأخيرة تحت مظلة (المقاومة الاسلامية في العراق) وقامت بشن هجمات على قواعد عراقية تضم قوات أميركية داخل العراق، وشاركت هذه الفصائل وفق مبدأ (وحدة الساحات) في شن هجمات مستمرة على إسرائيل كدعم لحركة حماس وحزب الله اللبناني.

يذكر أن الفصائل المسلحة المنضوية تحت ما يسمى بالمقاومة الاسلامية في العراق قامت خلال الفترة الماضية بشن هجمات متواصلة عبر مسيرات، وصلت إلى 196 حالة قصف داخل إسرائيل.

أعضاء من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يحملون أسلحة في دير الزور.
أعضاء من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يحملون أسلحة في دير الزور. Reuters

أفاد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب "قسد" (YPG)، سيامند علي، بأن قوات سوريا الديمقراطية وصلت إلى مناطق عديدة محاذية لجنوب غرب تركيا، مثل الطبقة وأرياف الرقة وخط الرصافة، وذلك في محاولة منهم للسيطرة على هذه المناطق قبل أن تسيطر عليها مفارز وخلايا تابعة لتنظيم داعش، القريب من هناك.

وأوضح سيامند أن مخاوفهم تكمن في الفصائل الموالية لتركيا مثل "أحرار الشام والعمشات والحمزات والسلطان مراد وفصائل أخرى تمولها تركيا" الذين بدأوا يهاجمون المجالس العسكرية لسوريا الديمقراطية في منطقة منبج، شمال سوريا، قائلا "أغلب هذه الفصائل تضم قياديين مصنفين على لائحة الإرهاب" وتصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف من المقاتلين.

وذكر أن هذه الفصائل التي دخلت من تركيا قبل أيام "تريد السيطرة على المناطق الكردية" في شمال شرق سوريا.

وأكد أن هناك معارك شرسة تجري الآن في تلك المناطق، حيث شنت هجمات على القوات الكردية من ست محاور في منبج الليلة الماضية، وأدت إلى وقوع الكثير من القتلى والجرحى من الجانبين، بحسب قول سيامند.

وكان هناك تفاهم بين "قسد" وهيئة تحرير الشام لإعادة النازحين الأكراد الموجودين في الشهباء بمنطقة تل رفعت، والبالغ عددهم 120 ألف شخص، وأضاف "هناك اتفاق لإعادة هؤلاء إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، وتم إعادة أربع قوافل منهم لكن توقفت عملية نقل هذه العائلات بسبب قدوم فصائل أخرى موالية لتركيا إلى المنطقة، عرقلت عملية التنقل".

وأشار  إلى أنه ما يزال هناك نحو 15 ألف شخص من الأكراد عالقين في الشهباء.

وقال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية لموقع " الحرة" إن "هذه الفصائل غير منظمة، وتأخذ تعليماتها من تركيا، وهي تشبه داعش في عقيدتها، لذلك فهي لا تخضع لقواعد هيئة تحرير الشام، والمنتمين إليها من دول وقوميات وجنسيات مختلفة".

وأضاف أن هذه الفصائل تحاول منذ عشرة أيام الدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، قائلا إن المواطنين الذين نزحوا من تلك البلدات أكدوا أن تلك الفصائل قامت بتنفيذ إعدامات بحق الأكراد الموجودين في قرى بعضها تابع لحلب وأخرى لتل رفعت.

وأدت هذه العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك الفصائل إلى نزوح 12 ألف كردي و7 آلاف آخرين من قوميات أخرى من المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وهم يعيشون في ظروف إنسانية سيئة، حيث "فتحت لهم المدارس والجوامع ومخيمات صغيرة في المنطقة" بحسب قوله.

وأضاف أن هؤلاء النازحين يحتاجون إلى الكثير من المؤن والملابس الشتوية، لاسيما نحن نعيش في فصل الشتاء.

وأكد أن "قسد" تمتلك قوة منظمة بعكس الكثير من الفصائل، "ونستطيع إدارة المناطق التي يتم تحريرها وبإمكانها مسك الأراضي التي يتم السيطرة عليها وإدارتها في جنوب شرق سوريا.

وأوضح أن قوات "قسد" لها تنسيقات مع القوات العراقية، وتسعى إلى تكثيف الجهود لمواجهة خطر تنظيمات داعش إذا ما تحركت في المنطقة.

من جهته قال الناشط المدني السوري، زانا عمر، إن المواطنين في سوريا بشكل عام يتخوفون من عودة تنظيم داعش إلى الساحة السورية، ومبينا أن الإيزيدين الموجودين في مناطق عفرين وتل رفعت يخشون من أن " تحصل سنجار جديدة" في منطقة الشهباء وما حولها، التي تسيطر عليها فصائل معارضة متطرفة قريبة من تركيا.

وقال عمر لموقع "الحرة" إن هناك ما يقرب من 1500 كردي تم اختطافهم في مدينة حلب ولا أثر لوجودهم، ويصعب التواصل معهم.

وأشار إلى أن "هناك 50 عائلة كردية كانت توجد في الشهباء الآن هم في عداد المفقودين"، والمعلومات المتوفرة عنهم قليلة وغير دقيقة، قائلا "البعض يقول قد تم جمعهم في مخيم يقع على ضواحي عفرين". وأبدى مخاوفه أن تقوم تلك الفصائل بإلحاق الأذى بالموطنين الكرد هناك.

وقال عمر إن المواطنين والمدنيين في شمال سوريا يأملون أن تتدخل قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة لحل القضايا العالقة بين "قسد" وتركيا، ووضع حد للصراع الدائر بينهما.

وأكد أن الخطورة الكبرى تكمن في تنشيط خلايا داعش في جنوب غرب سوريا مثل تدمر، التي تضم ما بين ( 7-8 ) آلاف عنصر من تنظيمات داعش، وهذه المنطقة تضم السجون التي يحتفظ فيها داعش بالكثير من الأشخاص.

وقال إن أغلب تنظيمات داعش يتحصنون الآن في قرية تسمى (القورية) تقع على ضفاف نهر الفرات ما بين دير الزور والبوكمال وهم يسيطرون على منطقة البادية الوسطى السورية، وهي تبعد مسافة (25 كلم) عن الحدود السورية العراقية.

وتوقع عمر أن تشهد الأيام المقبلة تنسيقا بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش العراقي للسيطرة على بادية دير الزور الواسعة لأن تمشيط المنطقة الحدودية المتاخمة لعراق يعود بالنفع للاثنين، وتلك المناطق تعاني من فراغ أمني وتتمركز فيها خلايا لتنظيمات داعش.

ومن جهتها قالت، آفين جمعة، الإدارية لمنظمة حقوق الانسان لإقليم الجزيرة في سوريا، إن عشرات الآلاف من المدنيين توجهوا، خلال الأيام الماضية، من حلب والشهباء الى المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، وهم بحاجة إلى مساعدات طبية عاجلة وأغذية وملابس، لأن الكثير منهم يفترشون العراء.

وبينت جمعة أن انهيار العملة السورية فاقم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المنطقة، فضلا عن قيام المسيرات التركية باستهداف البنى التحتية للمنشآت التجارية والصحية التي تعاني بالأصل من تهالك. وأكدت أن هناك أزمة إنسانية خانقة، وبوادر "لحدوث حالات نزوح جماعية كبيرة في المنطقة".

ودعت الناشطة الإنسانية المنظمات الدولية إلى ضرورة دعم المدنيين الموجودين في هذه المنطقة لتدارك الأوضاع الإنسانية السيئة وإيجاد حل سياسي لإزالة التهديدات والمخاوف التي تثيرها وجود الفصائل المعارضة في الشمال الغربي لسوريا.

وأبدى مواطنون مخاوفهم من قيام الفصائل الموجودة في منبج بالهجوم على المناطق الكردية، وفقا للمواطن، صالح علي، من قامشلي، الذي أضاف أن "هناك الكثير من المواطنين الذين فروا من الشهباء هربا من الفصائل التي دخلت الى مدينة الشهباء قبل أيام وسيطرت عليها، وهي تهاجم المناطق الكردية المتاخمة لمنبج".

ودعا علي التحالف الدولي للتدخل ووقف العمليات العسكرية للفصائل التي تهاجم المناطق الكردية، والعمل على فسح المجال للمواطنين المحتجزين في الشهباء.