هيئة تحرير الشام وفصائل سورية حليفة لها سيطرت على غالبية مدينة (AFP)
هيئة تحرير الشام وفصائل سورية حليفة لها سيطرت على غالبية مدينة (AFP)

تفاعلت الدول المجاورة لسوريا مع الهجوم الذي تشنه فصائل مسلحة في مدينة حلب وريفي محافظة إدلب وحماة من خلال ثلاث مسارات، وبينما صدرت من إحداها تحذيرات كان في مقابل ذلك إدانات وإجراءات احترازية على الأرض.

وفي تطورات الهجوم المتواصل لليوم الرابع على التوالي تمكنت فصائل المعارضة السورية من السيطرة على غالبية أحياء مدينة حلب ومطارها الدولي، بالإضافة إلى كامل القرى والمدن التابعة لمحافظة إدلب.

وبدأت قبل ساعات هجوما واسعا على مناطق في ريف محافظة حماة، للمرة الأولى منذ عام 2019.

وأقر النظام السوري، صباح السبت، بدخول فصائل المعارضة إلى أحياء حلب، وبعد البيان الذي أصدرته أعلنت فصائل المعارضة وقالت فيها إنها سيطرت على كامل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.

ويسود ترقب في الوقت الحالي بشأن الحدود التي ستقف عندها الفصائل المسلحة، وطبيعة "الهجوم المضاد" الذي أشار إليه جيش النظام السوري في بيانه، السبت.

لبنان يدين

من الجانب اللبناني سار الموقف الرسمي باتجاه الإدانة، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية، عبد الله بو حبيب خلال الاتصال الهاتفي الذي جمعه مع وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ.

وجاء في بيان رسمي صادر عن المكتب الإعلامي للخارجية اللبنانية أن "بو حبيب أدان فيه ما وصفها "بالمجموعات المسلحة التكفيرية على مدينة حلب ومحيطها".

وأكد دعم لبنان لوحدة سوريا، وسيادتها، وسلامة أراضيها، متمنيا للشعب السوري الخير والهدوء والسلام، حسب البيان.

العراق يتحرك 

على صعيد العراق الذي يجاور سوريا من الجهة الشرقية سار الموقف الرسمي باتجاهين.

الاتجاه الأول حصل على الأرض، وتمثل بتفقد وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، السبت، القوات المنتشرة على الشريط الحدودي مع سوريا.

ونقلت وزارة الدفاع العراقية على منصة "إكس" أن العباسي "يرافقه معاون رئيس أركان الجيش للعمليات والعمليات المشتركة، وقائد القوات البرية"، تفقد القوات على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا "قاطع عمليات غربي نينوى في سنجار، للاطلاع على الأوضاع الأمنية ضمن قاطع المسؤولية".

في المقابل كان لافتا سلسلة التحذيرات التي صدرت من قادة الميليشيات التابعة لـ"الحشد الشعبي"، ومن بينها ما كتبه أمين عام كتائب "سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي.

وحذّر الولائي على "إكس" من محاولات مشابهة لتوسعة رقعة الأحداث، وقال: "يجب العمل بكل الوسائل لتجفيف منابع نشوئها".

كما كتب وزير الخارجية الأسبق، هوشيار زيباري على "إكس" أن الهجوم على حلب "مبرمج" وتشنه "حركة أحرار الشام وجبهة النصرة السورية وفصائل مسلحة ومتطرفة أخرى".

واعتبر زيباري أن توقيت الهجوم "غريب"، وطالب الحكومة العراقية "باتخاذ الإجراءات الوقائية والرادعة لمنعها من الوصول إلى حدودنا وأراضينا".

ماذا عن تركيا؟

تركيا المجاورة من الجهة الشمالية لسوريا، والتي تقع في قلب الحدث، نشرت وزارة خارجيتها بيانا واحدا، يوم الجمعة.

وقال المتحدث باسمها، أونجو كيتشلي إن الاشتباكات الأخيرة في شمال سوريا أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه بالمنطقة، مشيرا إلى أن الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة، يمثل أولوية قصوى بالنسبة لتركيا.

وأوضح كيتشلي أن الهجمات الأخيرة على إدلب بلغت مستوى "يهدد روح اتفاقات أستانا ويضر بعملها، فضلا عن تسببها في خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين".

وذكرت وسائل إعلام تركية، السبت، أن وزير الخارجية التركي، حقان فيدان أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف وناقش معه آخر التطورات في سوريا.

وقال الصحفي المقرب من الحكومة، راغب صويلو إن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي سيزور تركيا يوم الاثنين المقبل للقاء فيدان في تركيا.

اتصالات مع أكثر من دولة 

ولم يصدر أي تعليق من الجانب الأردني حتى ساعة نشر هذا التقرير.

وكان وزير خارجية النظام السوري، بسام صباغ أجرى سلسلة اتصالات هاتفية خلال اليومين الماضيين، وكان بينها مع نظيره السعودي والمصري.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، الجمعة، أن الصباغ بحث مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان "التطورات في المنطقة والجهود المبذولة بشأنها"، مضيفة أن الوزيرين "اتفقا على استمرار التواصل بينهما بشأن كل ما يخدم تحقيق الأمن والاستقرار فيها".

وفي المقابل بحث صباغ مع نظيره المصري، بدر عبد العاطي التطورات الأخيرة شمالي سوريا، خاصة في إدلب وحلب.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنه تم خلال الاتصال "تناول التطورات الأخيرة في شمالي سوريا، حيث استمع عبد العاطي إلى شرح وتقييم الصباغ للتطورات الأخيرة المتلاحقة هناك".

وسيطرت هيئة تحرير الشام وفصائل سورية حليفة لها على "غالبية" مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت، بعد ثلاثة أيام من بدئها هجوما مباغتا ضدّ القوات الحكومية أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص.

كذلك، سيطرت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها على مطار حلب الدولي وبلدات استراتيجية في محافظتي إدلب وحماة المجاورتين، بعد "انسحاب" القوات الحكومية منها، وفق المصدر نفسه.
 

مقاتلون من المعارضة في ريف حمص.
مقاتلون من المعارضة في ريف حمص. Reuters

يكتنف الغموض حول مشاركة المليشيات العراقية الموالية لإيران في الحرب السورية، التي عادت لدائرة الضوء مجددا منذ بدء فصائل المعارضة هجوما واسعا ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الإيرانية وسيطرتها على مدينتي حلب وحماة واستمرار زحفها باتجاه العاصمة دمشق.

ويؤكد الموقف الرسمي العراقي على عدم السعي للتدخل العسكري بسوريا، وجدد الناطق باسم الحكومة، باسم العوادي، الجمعة، تأكيده على ذلك الموقف، مضيفا في بيان أن "العراق يعمل بقوة على إيجاد حل سياسي متوازن للتداعيات الأخيرة".

لكن موقف هيئة الحشد الشعبي وكذلك المليشيات العراقية غير واضح حتى الآن، رغم أنها أكدت عدم المشاركة في الحرب السورية الا بموافقة رسمية من الحكومة.

ويتزامن غموض موقف المليشيات العراقية من المشاركة في الحرب مع دعوة زعيم التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري سابقا) مقتدى الصدر، الخميس الماضي، الحكومة والفصائل العراقية المسلّحة إلى "عدم التدخل" فيما يحصل بسوريا.

وشدّد الصدر في منشور على منصة "إكس" على "ضرورة عدم تدخل العراق حكومة وشعبا وكل الجهات والميليشيات والقوات الأمنية في الشأن السوري كما كان ديدن بعضهم فيما سبق"، داعيا "الحكومة إلى منعهم من ذلك ومعاقبة كل من يخرق الأمن السلمي والعقائدي."

ويوضح المحلل السياسي المقرب من التيار الوطني الشيعي،عصام حسين، لـ"الحرة"، "يرى مقتدى الصدر أن الأحداث في سوريا صراع دولي، بمجرد أن يتدخل العراق سينتقل هذا الصراع الدولي إلى العراق الذي يشهد أمانا."

ويشير حسين الى أن الفصائل العراقية التي كانت في منطقة البوكمال السورية الحدودية مع العراق انسحبت، الجمعة، مستبعدا مشاركة الفصائل العراقية في الحرب السورية هذه المرة لامتلاكها مصالح سياسية واقتصادية وارتباطات دولية.

وعلى نقيض الصدر أعلنت مليشيا "أبو الفضل العباس" بزعامة أوس الخفاجي، الخميس، عن إعادة تشكيل قواتها، وأنها ستتجه بعد استكمال العدد والعدة إلى دمشق وستتمركز بجوار مرقدي "السيدة زينب" و"السيدة رقية" دون المشاركة في أي عمليات عسكرية خارج محيط المرقدين التزاما بقرارات الحكومة العراقية والمرجعية الشيعية.

ويبدو أن المليشيات العراقية تسعى لتقاسم الأدوار في المرحلة الحالية تجاه الأحداث في سوريا، حيث تعلن قسم منها أنها ستدخل الأراضي السورية لممارسة دورها في حماية دمشق من السقوط بيد فصائل المعارضة، التي يعتبرها العراق"جماعات إرهابية"، بينما تشير مليشيات أخرى الى أنها تتطلع إلى حل سياسي وأنها ملتزمة بالموقف الحكومي الرسمي.

ويرى الخبير السياسي إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي العراقي، أن تقاسم الأدوار قد يكون في المرحلة الأولى، على اعتبار أن الحكومة العراقية أو حتى الفصائل بحاجة إلى مسار دبلوماسي ومسار آخر عسكري.

ويبين الشمري لـ"الحرة"، "لكن إذا كان هناك تهديد بسقوط الحكومة السورية أو حتى بشار الأسد، أتصور ان الفصائل قد تنخرط بشكل كامل ومن ثم ينتهي الحد الفاصل في المناورة وتبادل الأدوار"، مشيرا الى أنه ورغم إعلان الفصائل الاستعداد للانخراط في الحرب السورية، إلا أنها في نفس الوقت متمركزة في بعض النقاط داخل سوريا.

وتحتضن سوريا نحو 20 فصيلا من المليشيات العراقية منذ عام 2012، وكانت تتمركز جزء كبير من هذه المليشيات حتى نوفمبر الماضي في حلب وحماة قبل انسحابها مع المليشيات الإيرانية الأخرى وجيش النظام السوري من هاتين المدينتين، اللتين سيطرت عليها الفصائل المعارضة السورية إلى جانب بلدات أخرى ضمن عملياتها الواسعة ضد الجيش السوري والمليشيات المتحالفة معها.

ويشير الشمري الى أن إيران تطرح فكرة إرسال مستشارين إلى سوريا، معربا عن اعتقاده بأن هذه الفكرة "قد تدفع جميع الفصائل إلى الاشتراك إذا ما كان هناك قرار بهذا المستوى، لكن مع ذلك لا يزال الرأي المطروح بأن الذهاب إلى سوريا مع انسحاب كامل للجيش السوري من بعض المحافظات والمدن قد يكون ذا كلف وأثمان باهظة جدا."

وتظهر تصريحات قادة المليشيات العراقية حتى المنخرطة منها في العملية السياسية، أنها ستدخل الى الأراضي السوريا فيما إذا اشتد حصار المعارضة على نظام الأسد.

وأكد هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر أقدم المليشيات العراقية الموالية لإيران، السبت، خلال مشاركته في مهرجان "أبناء المجاهدين"، أنه "إذا هُدد أمننا القومي يجب أن ندخل للقتال في سوريا"، مشددا "الهجوم خير وسيلة للدفاع ومن غير الصحيح أن نبقى نترقب التصعيد من بغداد".

لكن الخبير السياسي الناصر دريد، يعتبر الفصائل العراقية كلها غير متشجعة وغير راغبة في دخول أجواء المعركة في سوريا هذه المرة.

ويسلط دريد الضوء على أبرز الأسباب التي تجعل الفصائل غير راغبة بدخول الأراضي السورية، موضحا لـ"الحرة"، "الوضع الحالي لم يعد شبيه بالأوضاع الطائفية، التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية عندما دخلت الفصائل في معارك سورية للدفاع عن مرقد السيدة زينب، ومنها أن المعارضة الحالية في سوريا استطاعت إلى حدما أن تطرح بشكل مختلف الشكل الطائفي الذي ظهرت فيه في المرة الأولى، إلى جانب ضعف القبضة الإيرانية بعد المعارك التي أعقبت 7 أكتوبر 2023."

ومن أبرز المليشيات العراقية المتمركز في سوريا حاليا، هي مليشيا النجباء ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق، لواء أبو الفضل العباس، التي كانت اول مليشيات عراقية تشكل في سوريا لحماية مرقد السيدة زينب، وكتائب سيد الشهداء وكتائب الإمام علي.

كما أن هناك عددا آخر  من المليشيات التي شكلها الحرس الثوري الايراني من مجندين شباب عراقيين تلقوا تدريباتهم في العراق وانضموا للحرب في سوريا، وتتمركز المليشيات العراقية حاليا في العاصمة دمشق ومطارها وفي محيط مرقد السيدة زينب، وريف دمشق وحمص وريفها والقلمون والغوطة الشرقية واللاذقية.