رجل يحمل علم المعارضة السورية في قلعة حلب القديمة
الفصائل بدأت هجوما غير مسبوق الأربعاء على مناطق سيطرة الجيش السوري (رويترز)

تمكنت فصائل المعارضة المسلحة في سوريا خلال الساعات الماضية من السيطرة على قرى وبلدات ومواقع عسكرية في محيط مدينة حماة التي تقع وسط البلاد وتبعد عن العاصمة دمشق (210 كم) وعن مدينة حلب (135 كم).

وتستعد هذه الفصائل في الوقت الحالي الدخول إلى أحياء المدينة، بحسب ما أكده مصدر إعلامي من الأرض لموقع "الحرة" وصحفيان اثنان يقيمان في إسطنبول وتعيش عائلاتهما في مدينة حماة.

وفي حال دخلت الفصائل المسلحة مدينة حماة سيكون هذا الإنجاز من جانبها الأول من نوعها منذ مطلع أحداث الثورة عام 2011.

وكانت الفصائل دخلت أحياء مدينة حلب أمس الجمعة وسيطرت على غالبيتها بالإضافة إلى مطارها الدولي.

وجاء ذلك بالتوازي مع إكمالها عملية السيطرة على كامل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.

ويأتي ذلك بعدما سيطرت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها، السبت، على مطار حلب الدولي وبلدات استراتيجية في إدلب، بعد "انسحاب" القوات الحكومية منها، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأورد المرصد أن "هيئة تحرير الشام سيطرت على مطار حلب"، ثاني أكبر مطار دولي بعد دمشق، ليصبح أول مرفق جوي مدني تحت سيطرتها. وترافق ذلك مع تقدمها والفصائل المعارضة الناشطة معها إلى ريفي حماة الشمالي وإدلب الشرقي، حيث سيطرت على "عشرات البلدات الاستراتيجية" فيهما، وفق المرصد.

وبدأت هذه الفصائل التي تشكل محافظة إدلب معقلها في شمال غرب سوريا، هجوما غير مسبوق الأربعاء على مناطق سيطرة الجيش السوري في محافظة حلب، وتمكنت ليل الجمعة من دخول مدينة حلب، لأول مرة منذ استعادة الجيش بدعم روسي وإيراني السيطرة على المدينة بكاملها عام 2016.

وبعد ثلاثة أيام من هجومها المفاجئ، باتت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة قبل فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة) تسيطر مع فصائل معارضة متحالفة على "غالبية مدينة حلب ومراكز حكومية وسجون"، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ومنذ بدء الهجوم الأربعاء، أسفرت العمليات العسكرية عن مقتل 327 شخصا على الأقل، 183 منهم من هيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة ومئة من عناصر الجيش السوري والمجموعات الموالية له، إضافة إلى 44 مدنيا، وفق آخر حصيلة للمرصد.

أعضاء من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يحملون أسلحة في دير الزور.
أعضاء من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يحملون أسلحة في دير الزور. Reuters

أفاد المتحدث باسم وحدات حماية الشعب "قسد" (YPG)، سيامند علي، بأن قوات سوريا الديمقراطية وصلت إلى مناطق عديدة محاذية لجنوب غرب تركيا، مثل الطبقة وأرياف الرقة وخط الرصافة، وذلك في محاولة منهم للسيطرة على هذه المناطق قبل أن تسيطر عليها مفارز وخلايا تابعة لتنظيم داعش، القريب من هناك.

وأوضح سيامند أن مخاوفهم تكمن في الفصائل الموالية لتركيا مثل "أحرار الشام والعمشات والحمزات والسلطان مراد وفصائل أخرى تمولها تركيا" الذين بدأوا يهاجمون المجالس العسكرية لسوريا الديمقراطية في منطقة منبج، شمال سوريا، قائلا "أغلب هذه الفصائل تضم قياديين مصنفين على لائحة الإرهاب" وتصل أعدادهم إلى عشرات الآلاف من المقاتلين.

وذكر أن هذه الفصائل التي دخلت من تركيا قبل أيام "تريد السيطرة على المناطق الكردية" في شمال شرق سوريا.

وأكد أن هناك معارك شرسة تجري الآن في تلك المناطق، حيث شنت هجمات على القوات الكردية من ست محاور في منبج الليلة الماضية، وأدت إلى وقوع الكثير من القتلى والجرحى من الجانبين، بحسب قول سيامند.

وكان هناك تفاهم بين "قسد" وهيئة تحرير الشام لإعادة النازحين الأكراد الموجودين في الشهباء بمنطقة تل رفعت، والبالغ عددهم 120 ألف شخص، وأضاف "هناك اتفاق لإعادة هؤلاء إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، وتم إعادة أربع قوافل منهم لكن توقفت عملية نقل هذه العائلات بسبب قدوم فصائل أخرى موالية لتركيا إلى المنطقة، عرقلت عملية التنقل".

وأشار  إلى أنه ما يزال هناك نحو 15 ألف شخص من الأكراد عالقين في الشهباء.

وقال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية لموقع " الحرة" إن "هذه الفصائل غير منظمة، وتأخذ تعليماتها من تركيا، وهي تشبه داعش في عقيدتها، لذلك فهي لا تخضع لقواعد هيئة تحرير الشام، والمنتمين إليها من دول وقوميات وجنسيات مختلفة".

وأضاف أن هذه الفصائل تحاول منذ عشرة أيام الدخول إلى المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية، قائلا إن المواطنين الذين نزحوا من تلك البلدات أكدوا أن تلك الفصائل قامت بتنفيذ إعدامات بحق الأكراد الموجودين في قرى بعضها تابع لحلب وأخرى لتل رفعت.

وأدت هذه العمليات العسكرية التي تقوم بها تلك الفصائل إلى نزوح 12 ألف كردي و7 آلاف آخرين من قوميات أخرى من المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وهم يعيشون في ظروف إنسانية سيئة، حيث "فتحت لهم المدارس والجوامع ومخيمات صغيرة في المنطقة" بحسب قوله.

وأضاف أن هؤلاء النازحين يحتاجون إلى الكثير من المؤن والملابس الشتوية، لاسيما نحن نعيش في فصل الشتاء.

وأكد أن "قسد" تمتلك قوة منظمة بعكس الكثير من الفصائل، "ونستطيع إدارة المناطق التي يتم تحريرها وبإمكانها مسك الأراضي التي يتم السيطرة عليها وإدارتها في جنوب شرق سوريا.

وأوضح أن قوات "قسد" لها تنسيقات مع القوات العراقية، وتسعى إلى تكثيف الجهود لمواجهة خطر تنظيمات داعش إذا ما تحركت في المنطقة.

من جهته قال الناشط المدني السوري، زانا عمر، إن المواطنين في سوريا بشكل عام يتخوفون من عودة تنظيم داعش إلى الساحة السورية، ومبينا أن الإيزيدين الموجودين في مناطق عفرين وتل رفعت يخشون من أن " تحصل سنجار جديدة" في منطقة الشهباء وما حولها، التي تسيطر عليها فصائل معارضة متطرفة قريبة من تركيا.

وقال عمر لموقع "الحرة" إن هناك ما يقرب من 1500 كردي تم اختطافهم في مدينة حلب ولا أثر لوجودهم، ويصعب التواصل معهم.

وأشار إلى أن "هناك 50 عائلة كردية كانت توجد في الشهباء الآن هم في عداد المفقودين"، والمعلومات المتوفرة عنهم قليلة وغير دقيقة، قائلا "البعض يقول قد تم جمعهم في مخيم يقع على ضواحي عفرين". وأبدى مخاوفه أن تقوم تلك الفصائل بإلحاق الأذى بالموطنين الكرد هناك.

وقال عمر إن المواطنين والمدنيين في شمال سوريا يأملون أن تتدخل قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة لحل القضايا العالقة بين "قسد" وتركيا، ووضع حد للصراع الدائر بينهما.

وأكد أن الخطورة الكبرى تكمن في تنشيط خلايا داعش في جنوب غرب سوريا مثل تدمر، التي تضم ما بين ( 7-8 ) آلاف عنصر من تنظيمات داعش، وهذه المنطقة تضم السجون التي يحتفظ فيها داعش بالكثير من الأشخاص.

وقال إن أغلب تنظيمات داعش يتحصنون الآن في قرية تسمى (القورية) تقع على ضفاف نهر الفرات ما بين دير الزور والبوكمال وهم يسيطرون على منطقة البادية الوسطى السورية، وهي تبعد مسافة (25 كلم) عن الحدود السورية العراقية.

وتوقع عمر أن تشهد الأيام المقبلة تنسيقا بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش العراقي للسيطرة على بادية دير الزور الواسعة لأن تمشيط المنطقة الحدودية المتاخمة لعراق يعود بالنفع للاثنين، وتلك المناطق تعاني من فراغ أمني وتتمركز فيها خلايا لتنظيمات داعش.

ومن جهتها قالت، آفين جمعة، الإدارية لمنظمة حقوق الانسان لإقليم الجزيرة في سوريا، إن عشرات الآلاف من المدنيين توجهوا، خلال الأيام الماضية، من حلب والشهباء الى المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، وهم بحاجة إلى مساعدات طبية عاجلة وأغذية وملابس، لأن الكثير منهم يفترشون العراء.

وبينت جمعة أن انهيار العملة السورية فاقم من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المنطقة، فضلا عن قيام المسيرات التركية باستهداف البنى التحتية للمنشآت التجارية والصحية التي تعاني بالأصل من تهالك. وأكدت أن هناك أزمة إنسانية خانقة، وبوادر "لحدوث حالات نزوح جماعية كبيرة في المنطقة".

ودعت الناشطة الإنسانية المنظمات الدولية إلى ضرورة دعم المدنيين الموجودين في هذه المنطقة لتدارك الأوضاع الإنسانية السيئة وإيجاد حل سياسي لإزالة التهديدات والمخاوف التي تثيرها وجود الفصائل المعارضة في الشمال الغربي لسوريا.

وأبدى مواطنون مخاوفهم من قيام الفصائل الموجودة في منبج بالهجوم على المناطق الكردية، وفقا للمواطن، صالح علي، من قامشلي، الذي أضاف أن "هناك الكثير من المواطنين الذين فروا من الشهباء هربا من الفصائل التي دخلت الى مدينة الشهباء قبل أيام وسيطرت عليها، وهي تهاجم المناطق الكردية المتاخمة لمنبج".

ودعا علي التحالف الدولي للتدخل ووقف العمليات العسكرية للفصائل التي تهاجم المناطق الكردية، والعمل على فسح المجال للمواطنين المحتجزين في الشهباء.