بدأ الهجوم تحت شعار "ردع العدوان" - رويترز
بدأ الهجوم تحت شعار "ردع العدوان" - رويترز

الهجمات المتواصلة في شمال سوريا هي الأكبر من نوعها في البلاد منذ انحسار رقعة العمليات العسكرية لصالح قوات النظام السوري في البلاد، وبينما تغيب الحدود التي ستكون عليها خرائط السيطرة في الأيام المقبلة تثار تساؤلات عن أسماء الفصائل التي تتولى قيادة العمليات على الأرض وخلفياتها وطبيعة مقاتليها.

وسيطرت هذه التشكيلات العسكرية حتى الآن على مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية من حيث كثافة السكان.

وبعدما عملت خلال الأيام الماضية على تأمين ما حققته في الميدان، من خلال السيطرة على المطارات الواقعة في أرياف حلب، وكذلك الأمر بالنسبة للأكاديميات والثكنات العسكرية تسعى الآن لدخول مدينة حماة وسط البلاد.

كيف بدأت قصة الهجوم؟

الهجوم الذي أفضى عن خروج حلب وكامل أريافها عن سيطرة النظام السوري بدأ الأربعاء الفائت، تحت شعار "ردع العدوان"، وقادته فصائل مسلحة أطلقت على نفسها "إدارة العمليات العسكرية".

وكان هذا الهجوم انطلق أولا من الأرياف الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال غربي البلاد، من أطراف محافظة إدلب والأطراف الغربية لمحافظة حلب، واستهدف بالتحديد أولا الدخول إلى حلب والسيطرة على أحيائها. وهو ما حصل بالفعل.

وفي المقابل، وبعد دخول فصائل "ردع العدوان" إلى حلب، التي توصف بالعاصمة الاقتصادية، شنت فصائل مسلحة أخرى هجوما من الجهة الشرقية للمدينة، ووضعته ضمن نطاق شعار "فجر الحرية".

وبينما كانت الأطراف الأولى تعمل على تمشيط أحياء حلب وتستكمل عملياتها العسكرية للسيطرة على حدود إدلب الإدارية بدأت الأطراف الأخرى بالإعلان عن السيطرة على مواقع "استراتيجية" من مطارات وثكنات وغيرها، قالت إنها كانت تخضع لسيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية وقوات النظام السوري.

ما هي فصائل "ردع العدوان"؟

يوضح الباحث في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن الفصائل التي تقود الهجوم في كل من حلب وإدلب وحماة تنقسم على غرفتي عمليات: "ردع العدوان"، "فجر الحرية".

وتتألف إدارة العمليات الأولى مما يعرف بـ"غرفة عمليات الفتح المبين"، وبعض الفصائل التابعة لتحالف "الجيش الوطني" السوري، المدعوم من أنقرة.

ينضوي في "الفتح المبين" كلا من فصائل: "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية)، "فيلق الشام"، "جيش الأحرار"، "حركة أحرار الشام"، "جيش العزة"، الذي كان سابقا ضمن إطار "الجيش السوري الحر".

ويتحالف مع الفصائل المذكورة مجموعات أخرى من "الجيش الوطني"، بينها "الجبهة الشامية"، "حركة نور الدين الزنكي"، وفصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي كانت محسوبة سابقا أيضا على "الجيش السوري الحر".

ويضيف فرهود لموقع "الحرة": "الأعمال العسكرية لا تشمل فقط هيئة تحرير الشام. هي رأس حربة الهجوم مع فصائل إسلامية أخرى بسبب طبيعة التدريب الذي تلقاه مقاتلوها في السابق، فضلا عن العقيدة المختلفة".

ويتابع: "كما أن تحرير الشام غير قادرة على تغطية كل محاور القتال"، ولذلك ينتشر على الأرض مقاتلون من فصائل عسكرية أخرى مناهضة للنظام السوري، وجزء كبير منهم من أبناء المنطقة (يشمل ذلك حلب وحماة وإدلب).

يتم استخدام المسيرات بمختلف أنواعها في المعارك - صورة تعبيرية - رويترز
شمال سوريا.. كيف حولت "المسيّرات" دفة الصراع ضد الأسد؟
قبل بدء هجوم الفصائل المسلحة في شمال سوريا فرض النظام السوري وقواته مشهدا عسكريا على طول خطوط الجبهات وفي عمق المناطق الخارجة عن سيطرته، واستخدم بذلك طائرات مسيّرة انتحارية، منها ما كان يصيب الهدف بدقة وأخرى ترمي القنابل والقذائف من الجو.

ماذا عن "فجر الحرية"؟

في المقابل تتبع فصائل غرفة عمليات "فجر الحرية"، التي تشن الهجمات من جهة مدينة حلب الشرقية لتحالف "الجيش الوطني السوري"، المدعوم من تركيا.

وتولت هذه الفصائل منذ يوم السبت مهمة الهجوم على مواقع السيطرة المشتركة بين قوات النظام السوري والوحدات الكردية في ريف حلب.

ومن بين تلك المواقع تل رفعت ومطار منغ، العسكري ومطار كويرس. وهذه المناطق خرجت بكاملها عن سيطرة النظام والمسلحين الأكراد بشكل نهائي.

وتضم غرفة العمليات المذكورة كلا من فصائل: "فرقة السلطان مراد"، "فرقة السلطان سليمان شاه"، "فرقة الحمزة"، "جيش الإسلام" وفصيل "الجبهة الشامية"، بحسب الباحث السوري فرهود.

وكانت هذه الفصائل قد تحالفت منذ عام 2017، وتلقت دعما من تركيا، وشنت عدة عمليات عسكرية كان أبرزها ضد تنظيم داعش ضمن إطار عملية "درع الفرات".

ونفذت عملية "غصن الزيتون" في 2018 والتي انتهت بالسيطرة على مدينة عفرين ومحيطها.

وفي عام 2019 شنت عملية عسكرية مع الجيش التركي في شمال شرق سوريا، وتمكنت من السيطرة على مدينتي تل أبيض ورأس العين.

أين وصلت الفصائل الآن؟

فيما يتعلق بحلب سيطرت الفصائل المسلحة بقسميها على كامل المدينة ومحيطها، ومطارها الدولي، وتمكنت من وصل كامل أريافها، من الجهة الشمالية، والغربية، والجنوبية، والشرقية.

وكذلك الأمر بالنسبة لإدلب، إذ تمكنت هذه الفصائل من السيطرة على كامل حدودها الإدارية.

وعلى صعيد حماة فتشهد المحافظة معارك "طاحنة" في الوقت الحالي، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وتحاول فصائل "إدارة العمليات العسكرية" الآن اختراق دفاعات قوات النظام السوري من 3 محاور قتالية، في مسعى للدخول إلى مدينة حماة وسط البلاد.

الشرع وعبدي - صورة مركبة

تباينت ردود فعل السوريين حول أهمية الاتفاق الأخير بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ووفد من دمشق حول ضرورة وقف النار وتأثير ذلك على الوضع في البلاد.

فبينما يرى البعض أن هذا الاتفاق خطوة هامة نحو توحيد الصفوف وتعزيز الموقف السوري في مواجهة التحديات الإقليمية، يعتبر آخرون أنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار الدعم التركي لفصائل مسلحة من جهة، ومن جهة أخرى، وعدم مشاركة مكونات أخرى في العملية السياسية.

ومع تعهدات بوقف الصراع، تبقى الأسئلة حول مدى جدية التنفيذ والتزام جميع الأطراف مطروحة.

وحدة الصف .. تعزيز لموقف دمشق

فراس الخالدي، منسق منصة القاهرة وأمين عام شباب الحراك الثوري، من دمشق، قال في حديثه لقناة "الحرة" إن رئيس الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، كان حريصًا منذ البداية على التأكيد على أهمية الحفاظ على سوريا "كيانًا واحدًا لا يتجزأ، أرضًا وشعبًا".

وأوضح الخالدي أن الأزمة في شمال شرق سوريا جاءت نتيجة تعاطي الأكراد مع نظام قمعي على مدار 50 عامًا، حاول من خلاله تهميشهم وانتهاك حقوقهم.

وأضاف أن السلطات السورية الجديدة تتبنى منطقًا مختلفًا، يعتمد على المساواة، وأن سوريا هي لجميع أبنائها دون تمييز بين مكونات الشعب.

وأشار الخالدي إلى أن توحيد الصفوف بين قسد ودمشق سيعزز موقف الحكومة السورية الجديدة، ويجعلها أكثر قدرة على الضغط على أنقرة لوقف الهجمات التي تستهدف المناطق في شمال شرق سوريا.

وبيّن أن الإدارة السورية الجديدة جادة في تعهداتها بوقف الصراع ومنع أي جهة، "مهما كانت"، من الاستمرار في الاقتتال.

كما ذكر أن الشرع كرر مرارًا أن "الدم السوري حرام"، وأن حل المشاكل السورية مرتبط بوحدة الصف ودعم المكونات المختلفة للحكومة الجديدة.

وأضاف الخالدي أن عدم مشاركة جميع الأطراف السورية في العملية السياسية لا يعني إقصاءً لها، بل إن المرحلة الحالية تتطلب آلية مختلفة للتعامل مع العقلية السياسية، موضحًا أن "نحن في مرحلة بناء دولة، حكم، توفير الأمن، وتعزيز الاقتصاد، ومن ثم تأتي مرحلة الحقوق وتشريع القوانين".

وأكد أن التحديات الحالية أهم من المطالب المتعلقة بالمحاصصة والمشاركة في العملية السياسية.

الاقصاء .. مشكلة تعقد الأزمة

فوزة يوسف، عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي من القامشلي، قالت بدورها لقناة "الحرة" إن قسد والإدارة السورية الجديدة في دمشق لديهما رؤى موحدة بشأن أهمية وقف القتال ومنع حدوث صدامات عسكرية في عموم سوريا.

وأوضحت أن الاتفاقية الأخيرة قد رسخت هذه الرؤى بشكل أكبر، لكنها أضافت أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في وجود فصائل مسلحة موالية لتركيا، ما زالت تهاجم مناطق في شمال شرق سوريا، مثل سد تشرين.

وأعربت يوسف عن أسفها لاستمرار القتال رغم الجهود المبذولة لوقفه، مشيرة إلى أن هذا التصعيد يمس سيادة سوريا، ولفتت إلى أن توسع النفوذ التركي بعد سقوط نظام الأسد سيكون له تأثير كبير على موقف دمشق.

وأوضحت أنه على الرغم من وعود السلطات السورية الجديدة بالتدخل، وطلبها من الجانب التركي وقف هذه الهجمات، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير، "والأزمة ما زالت مستمرة بدون حل".

وأضافت يوسف أن وحدة الصف التي تدعو إليها دمشق لا يمكن أن تتحقق من طرف واحد، بدليل عدم مشاركة المكونات السورية الأخرى في الحكومة الانتقالية واللجنة الدستورية.

وأكدت أن سياسة الإقصاء والتهميش التي تنتهجها دمشق ستجعل موقف هذه الحكومة ضعيفًا.

وفي الختام، أوضحت يوسف أن توقيع الاتفاقية الأخيرة لا يعني "نهاية المشاكل، بل هو بداية حسنة وتأكيد على موقف قسد المبدئي".

وأعلنت "قوات سوريا الديمقراطية" الأربعاء أنها اتفقت مع وفد دمشق على ضرورة وقف النار في كامل سوريا، وذلك خلال لقاء جمع القائد العام لقواتها مظلوم عبدي ولجنة من الإدارة السورية.

وجرى خلال الاجتماع مناقشة آلية عمل اللجان والتي من المقرر أن تبدأ العمل بشكل مشترك مع بداية شهر إبريل.

كما تطرق الاجتماع للإعلان الدستوري والحاجة لعدم إقصاء أي مكون سوري من لعب دوره والمشاركة في رسم مستقبل سوريا وكتابة دستور، وتوقف الاجتماع مطولاً على ضرورة وقف إطلاق النار على كامل الأراضي السورية.

تأتي هذه التطورات بعد أيام من إعلان الرئاسة السورية أن "قسد" التي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق البلاد وقعت اتفاقا للانضمام مع مؤسسات الدولة الجديدة.

ويقضي الاتفاق بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية التي تسيطر عليها قسد بمشال شرق البلاد مع الدولة، مع وضع المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز تحت سيطرة دمشق.

وعبر سوريون بعد هذا الاتفاق عن أملهم بتحسن الواقع الخدمي والمعيشي المتردي في البلاد بعد 14 عاما من حرب طاحنة.