قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي
قضية الصحراء فرضت توتراً مستمراً في المغرب العربي. (AFP)

رخصت الحكومة المغربية، بداية نوفمبر الفارط، توريد كميات من زيت الزيتون، لسد النقص في هذه المادة التي توصف بالأساسية في المطبخ المغربي. لكن على عكس ما جرت عليه العادة، فإن الكميات المستوردة ومن ضمنها نحو 10 آلاف طن من البرازيل، غاب عنها هذه السنة زيت الزيتون التونسي.

هذا الغياب يعد مظهراً جديداً يدل على فتور العلاقات بين الرباط وتونس، منذ الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت بين البلدين، في صيف عام 2022، عقب استقبال الرئيس التونسي، قيس سعيد، لرئيس جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، على هامش اجتماعات الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا، "تيكاد"، التي انعقدت في تونس.

واعتبرت الرباط حينها أن الخطوة التونسية "عدائية وغير مبررة"، وبادرت إلى سحب سفيرها كخطوة احتجاجية، قابلتها تونس بخطوة مماثلة، وسحب سفيرها لدى المغرب هي الأخرى.

حادث دبلوماسي

يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة محمد الخامس بالرباط، الدكتور رشيد لزرق، إن المغرب اختار أن يكون معيار علاقاته الخارجية مدى احترام الفاعلين الدوليين لوحدته الترابية، وأن اختياراته التجارية لا تشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي فإن اعتراف الفاعلين الدوليين بسيادة الرباط على الصحراء الغربية، هو من أبرز محددات العلاقات الخارجية للمغرب، إن لم يكن أهمها.

ويرى لزرق في حديث للحرة أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس في السنوات الأخيرة، جعلتها "مضطرة لأن ترضخ" لطلبات جارتها الجزائر، حسب قوله. وهو ما يعتبر خروجاً عن تقاليد السياسة الخارجية التونسية، ليس فقط بشأن النزاع في الصحراء الغربية، بل بحكم التطور التاريخي لكل منهما، والذي اتسم باتباعهما تجربة ليبرالية عقب الاستقلال، وهو ما لم يحدث في الجزائر.

ويضيف لزرق أن الموقف التونسي كان نتيجة "قلة الخبرة السياسية للرئيس سعيد، الذي لم يفهم طبيعة العلاقات بين البلدين، وكذلك طبيعة شخصيته التي جعلته يتعامل بمزاجية مع هذا الموضوع الحساس بالنسبة للمغرب، حسب قوله. لكنه يرى أن هذه العلاقات مرشحة للتطور في ضوء التحديات الدولية القادمة.

أما الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، الذي تحدث إلى الحرة، فيرى أن كلاً من تونس والمغرب ينتميان إلى نفس المجال الجيوسياسي، وذلك بحكم انتمائهما إلى العالم الحر، ومعاداة المعسكر الاشتراكي، عقب الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي.

وبخصوص قضية الصحراء الغربية، فيرى ثابت أنه رغم "الحادث" الدبلوماسي الذي رافق لقاء الرئيس سعيد بزعيم البوليساريو، فإنه لا يوجد دليل على أي توجه رسمي للاعتراف بها، وأن الموقف التونسي لا يزال بصدد التشكل، وهو ما يفسر البطء الذي اتسمت به الدبلوماسية التونسية مؤخراً.

لكن في المقابل، يرى ثابت أن العلاقات التونسية مع جارتها الجزائر، لا يمكن اختزالها في المستوى الاقتصادي فقط، لأنها تشمل كذلك جملة من الملفات الساخنة على المستوى الإقليمي، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والتنسيق بشأن الأوضاع في ليبيا، التي تشهد تدخل عدد من الفاعلين الدوليين مثل مصر وتركيا وروسيا.

أما بخصوص اختيارات الرئيس التونسي، فيرى ثابت أن نظرته الإيديولوجية تتركز على مبدأ احترام السيادة الوطنية، لذلك لم يصدر أي تعليق سلبي من تونس بخصوص اختيار المغرب الانخراط في اتفاقيات أبراهام، والتطبيع الكامل لعلاقاته مع إسرائيل، واعتبر ذلك أمراً سيادياً، رغم الحساسية الكبيرة التي تكتسيها هذه المسألة وارتباطها بالأمن القومي للمنطقة.

ويقول ثابت إن المعيار الذي يعتمده الرئيس سعيّد في تحديد سياسته الخارجية، هو ما سماه "رفض الإملاءات والإسقاطات"، والبحث عن "نظام عالمي عادل"، فيما يمكن اعتباره إعادة إحياء لفكرة "تيار العالم الثالث".

تحديات تفرض تطوير العلاقات

يرى الدكتور، رشيد لزرق، أن هناك استحقاقات هامة على المستوى الدولي، تفرض على دول المنطقة تطوير علاقاتها، وأنه حتى بعد سحب السفراء من عاصمتي البلدين، فإن المبادلات التجارية لا تزال قائمة، وأن الوضع الراهن هو حالة شاذة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

وبالعودة إلى عدم توريد زيت الزيتون التونسي، يقول لزرق إن المرآة العاكسة لمدى تحسن العلاقات بين الرباط وتونس ستكون العلاقات التجارية، وإن زيت الزيتون التونسي أقرب إلى مذاق المستهلك المغربي، لكن التغيير المطلوب لتطوير العلاقات بين البلدين يجب أن يأتي من تونس.

ويشرح لزرق أن المعنى المقصود بكلمة التغيير، هو التغيير "الماكروسياسي" القادم في العلاقات الدولية، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، ولعل أبرزها عودة دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. لذلك فإن طي ملف الصحراء قد يعطي دفعة لاتحاد المغرب العربي.

ويقول لزرق إن الإدارة الأميركية الجديدة سيكون لسياستها تأثير كبير على منطقة المغرب العربي والساحل والصحراء، وأن ترامب من المتوقع أن يدفع بطموحات اقتصادية وتجارية في هذه المنطقة، في مواجهة التمدد الصيني.

من جهته يرى المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، أنه من خلال الخبرة والتجربة التي تكونت خلال إدارة ترامب الأولى، خصوصاً فيما يتعلق باختياراته السياسية، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي اتسمت بعدم مساندة الربيع العربي، وجعل الاصطفاف الواضح إلى جانب الولايات المتحدة أولوية في سياسته الخارجية، فإنه يتوقع تأثيراً كبيراً للإدارة الجديدة في البيت الأبيض على المنطقة.

ويضيف ثابت أنه يوجد نوع من الترقب لتطور الموقف بين المغرب والجزائر، ومدى انخراط دول عربية جديدة في التطبيع مع إسرائيل، كما أن إرساء وعي شعبي داعم لسياسة الولايات المتحدة في تونس، لا يمكن أن يتم إلا عبر دعم الخيارات الواقعية على المستوى المحلي، ما يمكن من بناء وعي براغماتي، حسب قوله.

أما الأولوية في تونس، حسب ثابت، فهي إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك لم تصدر إشارات قوية بعد، تجاه الرباط أو غيرها من العواصم العربية والدولية، لكن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين البلدين. 

ويضيف أنه من المفارقات أن المستفيدين من الحدود التي رسمت أثناء الفترة الاستعمارية، هم الذين يزايدون على بقائها، رغم أن الاندماج في فضاء أكبر مثل اتحاد المغرب العربي، يزيل الإشكالات القائمة.

وقفة سابقة بالمغرب احتجاجا على العنف ضد النساء
منظمات حقوقية تحذر من تزايد العنف ضد النساء

رجل مسن يحمل عصا وينهال ضربا على امرأة وسط صراخ طفلتها التي تحاول حمايتها، كان هذا المشهد من مقطع فيديو لا تتجاوز مدته دقيقة ونصف الدقيقة، كافيا ليشعل غضبا شعبيا وحقوقيا بالمغرب.

وفي القصة كما نقلتها وسائل إعلام مغربية، أن الرجل مسن (80 عاما) صاحب بيت يكتريه للضحية التي لم تقوى على دفع إيجار الشهر فاختار تعنيفها في الشارع أمام أنظار طفلتها الصغيرة.

ويظهر المقطع المصور في مدينة تطوان شمال البلاد قسوة شديدة من المسن تجاه الطفلة إذ لم تنفع صرخاتها وسقوطها من الدرج في أن يتوقف عن تعنيف والدتها حتى مع إدراكه أن هناك شهودا من الجيران ومنهم من كان يوثق ذلك المشهد. 

 انتشر المقطع أياما قليلة فقط بعد صدمة المغاربة تحت وقع قصة قاصر تعاني إعاقة عقلية تعرضت للاغتصاب من طرف ثلاثة رجال ما نتج عنه حمل وولادة، ما أثار استياء شعبيا وغضبا حقوقيا تجاه قضية ترى حقوقيات أن السلطات لم تنجح في ردعها.

تحرش وعنف

بعد تدخل السلطات الأمنية وإلقاءها القبض على المسن المعتدي، خرجت الضحية بتصريحات إعلامية لتقول إنها سيدة مطلقة بثلاثة أطفال، ومعنفها هو صاحب البيت الذي تكتريه رفقة أطفالها، وأن مشهد العنف هو واحد من مشاهد عنف سابقة متكررة لم توثق في مقطع فيديو كما وثق الحادث الأخير.

وتكشف الضحية أنها عجزت عن دفع ثمن إيجار البيت فما كان من الرجل إلا أن حاول استغلال ضعفها وتحرش بها جنسيا مقابل ما عجزت عن الوفاء به ماليا.

وأمام رفضها لتحرشه الجنسي قرر اللجوء إلى "الأسلوب" الذي استعمله أكثر من مرة، بحسب قولها، وهو الضرب الذي وثق هذه المرة بالصوت والصورة من أحد الجيران وكان دليل إدانة للقبض عليه ومتابعته قضائيا في حال اعتقال.

وكان من المقرر عرض الرجل البالغ من العمر 80 عامًا على أنظار النيابة العامة صباح اليوم السبت من أجل الاستماع إليه رسميا لتحديد ملابسات الحادثة وتوجيه التهم إليه.

حان وقت بناء الإنسان

ترى الناشطة الحقوقية المغربية، بشرى عبدو، أن الترسانة القانونية تبقى ضرورية لردع العنف ضد النساء، لكنها غير كافية.

وتشير عبدو في حديث لموقع "الحرة" إن الوقت حان لبناء "وعي الإنسان" المغربي وتربيته على عدم التسامح مع العنف.

وتقول عبدو إن مقطع الفيديو يظهر حقدا وكرها كبيرين من المعنف تجاه ضحيته، مشيرة إلى أنه إن كان الفضل في فضح هذه الحادثة لوسائل التواصل الاجتماعي فإن مثلها الكثير  من حوادث العنف التي ترتكب يوميا ولكنها لم تخرج للعلن وتظل بدون عقاب.

ودعت الناشطة السلطات إلى العمل على تعديل مناهج التعليم بما يساعد في تربية الجيل الجديد.

ولامت عبدو في حديثها للحرة المجالس المنتخبة التي تعرف المواطن فقد عند الانتخابات لكنها "تغيب عن توعيته وتأطيره".

وفي بيان عقب الحادثة، قالت "جمعية التحدي للمساواة والمواطنة" إن الحادث الذي انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، كشف عن استمرار ظاهرة العنف ضد النساء في المغرب.

وأكدت الجمعية أن هذا الاعتداء يعكس غياب التغيير الجذري في التعامل مع العنف داخل المجتمع، مشيرة إلى أن السياسات الزجرية المعتمدة تظل عاجزة عن مواجهة الظاهرة بشكل فعال.

وأضافت الجمعية أن غياب سياسات عمومية حقيقية لتغيير العقليات التي تطبع مع العنف كحل للنزاعات يجعل النساء في دائرة الخطر المستمر.

وفي آخر الأرقام الرسمية حول العنف ضد النساء بالمغرب سجلت رئاسة النيابة العامة معالجة حوالي 84.822 شكاية تتعلق بالعنف ضد النساء، توبع بشأنها ما يناهز 21.898 شخصًا وفتح لهم 17.822 ملفًا.

اغتصاب جماعي لطفلة

وجاء الحادث أياما قليلة عن تفجر فضيحة تعرض طفلة قاصر تعاني من إعاقة عقلية لاغتصاب جماعي متكرر من طرف ثلاثة رجال، وأسفرت هذه الجريمة عن حمل الطفلة وولادتها عبر عملية قيصرية مؤخرا.

وينظر القضاء المغربي بمدينة مراكش، الأربعاء المقبل، في قضية الاغتصاب، فيما يأمل أب الضحية في تحقيق العدالة وإنصاف ابنته، ويقول "أطالب بحق ابنتي وبمعاقبة هؤلاء المعتدين، وأريد أن أُثبت نسب الطفل وأحميه من وصمة العار".

وعلى عكس أب ضحية الاغتصاب الذي قرر خوض معركة القضاء حتى تحقيق العدالة، قررت ضحية العنف بتطوان التنازل عن شكايتها أمام الأمن، ووجهت رسالة لكل من تعاطف معها وغضب لأجلها مفادها أنها لا تريد تعويضا. وقالت في تلك الرسالة "لا أريد تعويضا.. أريد فقط الأمان".