مخيم الهول قنبلة موقوتة ومخاوف من إحياء داعش
مخيم الهول في شرق سوريا يشكل قنبلة موقوتة ويثير مخاوف من إحياء داعش

يثير إعلان قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة المتعلق بسيطرة تنظيم داعش الإرهابي على بعض المناطق في البادية السورية، الكثير من التساؤلات بشأن مدى قدرة التنظيم على إعادة تنظيم صفوفه واستغلال التطورات المتسارعة في الساحة السورية للحصول على مكاسب ميدانية.

الجمعة، قال قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي إن تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على بعض المناطق في شرق سوريا.

وذكر عبدي في مؤتمر صحفي أنه "بسبب أحدث التطورات، هناك تحركات متزايدة لمرتزقة الدولة الإسلامية في البادية السورية وفي جنوب وغرب دير الزور وريف الرقة"، وهي مناطق في شرق سوريا.

جاءت هذه التحركات بالتزامن مع سيطرة فصائل المعارضة السورية بقيادة هيئة تحرير الشام، المصنفة إرهابية من قبل واشنطن، على مدينتين استراتيجيتين هما حلب وحماة خلال الأيام القليلة الماضية.

في البداية نجحت فصائل المعارضة الأسبوع في دخول حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، بعد معارك مع قوات النظام. والخميس، نجحت في السيطرة على مدينة حماة، رابع كبرى مدن البلاد، بعد معارك ضارية خاضتها ضد القوات الحكومية، في إطار هجوم مباغت بدأته الأسبوع الماضي ومكّنها من التقدم سريعا والسيطرة على مساحات واسعة انتزعتها من القوات الحكومية.

كذلك انسحبت القوات الحكومية السورية وقادة مجموعات موالية لطهران، الجمعة "بشكل مفاجئ" من مدينة دير الزور في شرق سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ومحافظة دير الزور الغنية بحقول النفط مقسمة بين أطراف عدة، إذ تسيطر القوات الحكومية ومقاتلون إيرانيون ومجموعات موالية لهم على المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات الذي يقسم المحافظة إلى شطرين، فيما تسيطر قوات سوريا الديموقراطية، وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على المناطق الواقعة عند ضفافه الشرقية.

ترقب

ويرى الباحث في شؤون الجماعات المتشددة حسن أبوهنية أن تنظيم داعش معروف تاريخيا بأن له براعة وخبرة في استغلال واسثمار الاضطرابات لصالحه، وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن "التنظيم في حالة من الترقب والانتظار لما سيحدث في سوريا".

ويذكر أن تنظيم داعش سيطر في العام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وأعلن قيام ما يسميه "الخلافة" وأثار رعبا في المنطقة والعالم. وفي العام 2017، أعلن العراق دحر التنظيم بمساندة من تحالف دولي بقيادة واشنطن.

ثم اندحر التنظيم المتطرف في سوريا في العام 2019 أمام المقاتلين الأكراد بقيادة قوات قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن.

يقول أبوهنية إن "الاضطرابات دائما ما تؤدي لانشغال القوى التي تواجه التنظيم كقسد وغيرها مما يسمح له بإعادة الهيكلة والانتشار بشكل أفضل".

ويشير أبو هنية إلى أن "واحدة من أخطر المسائل التي لم تحل لغاية حتى الآن وحذرنا منها مرارا هي وجود أكثر من 10 آلاف عنصر من داعش في سجون قسد.. هؤلاء بمثابة جيش متكامل جاهز".

بالإضافة لذلك يبين أبوهنية أن هناك ما يقرب من 60 ألف من عائلات وأقارب عناصر التنظيم يتواجدون في مخيمات النازحين في سوريا كمخيم الهول وغيره".

ويحذر الخبير في شؤون الجماعات مما وصفها "عملية مباغتة في لحظة اضطراب يتمكن من خلالها التنظيم من اقتحام سجون قسد وإطلاق سراح عناصره، كما حصل خلال السنوات الماضية".

وكانت قوات سوريا الديموقراطية أعلنت مرارا إحباط هجمات مكثفة شنها التظيم ضد مراكز أمنية تضم معتقلين من داعش.

وقبل ذلك شن العشرات من مسلحي التنظيم هجوما واسع النطاق على سجن غويران في مدينة الحسكة في يناير 2022 مما أسفر عن مقتل المئات من الطرفين وهروب عدد من المتطرفين قبل أن يتم اعتقال بعضهم.

بالمقابل يضمّ مخيم الهول المكتظ الذي تديره قسد، بحسب أرقام إدارة المخيم في يناير 2024، أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة على الأقل، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس ومصر. وجميع هؤلاء من أفراد عائلات عناصر في التنظيم المتطرف.

انسحاب واشنطن

تأتي كل هذه التطورات في ظل الحديث عن توصل الحكومة العراقية لاتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بسحب القوات الأميركية من العراق في غضون عامين.

وتنشر الولايات المتحدة زهاء 2500 جندي في العراق ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش. ويضم التحالف كذلك قوات من دول أخرى لا سيّما فرنسا والمملكة المتحدة.

ويعتقد الباحث في معهد واشنطن أرون زيلين أن تنظيم داعش ليس قويا في سوريا كما كان قبل عقد من الزمن، إلا أنه لا يزال يحافظ على وجود قوي وسيستفيد بلا شك من أي انسحاب للقوات الأميركية".

ويضيف زيلين، في مقال منشور على موقع المعهد، أن الاضطرابات في المنطقة قد تسمح للتنظيم ببسط سيطرته الإقليمية مرة أخرى في شرق سوريا واستخدامها كمنطلق لإعادة إحياء تمرده في العراق".

يتفق أبوهنية مع هذا الطرح ويرى أن "الأمور متجهة لا شك نحو صعود جديد للتنظيم وخاصة في حال انهيار نظام الأسد بالكامل وليس فقط خسارة المدن مما يؤدي لمزيد من الفوضى".
 

أديغة يتظاهرون أمام السفارة الروسية في تركيا في ذكرى تعرضهم للإبادة - AFP
أديغة يتظاهرون أمام السفارة الروسية في تركيا في ذكرى تعرضهم للإبادة - AFP

عاشت عالمة الاجتماع الأديغية شولن شانلي حياتها بين تركيا والولايات المتحدة، وهي تنتمي إلى اللامكان. يساورها شعور دائم بالحنين لوطن لم تعش فيه، ولا يمكنها إيجاده.

هذا الوطن، بالنسبة للأكاديمية في جامعات أميركية، تحمله معها أنّى ارتحلت. 

وتحاول شانلي الاقتراب من المهاجرين طوعا وقسرا، أينما وُجدوا، بقصتها الشخصية، لتضيء على الإبادة الجماعية التي حلّت بشعب الأديغة على يد الإمبراطورية الروسية.

أديغيه بزيه هي اللغة التي تجمع قبائل الأديغة الـ12، بعد قرار اتخذوه في القرن التاسع عشر للوحدة بوجه طغيان الرّوس.

لكن هذه اللغة اليوم في خطر بحسب اليونسكو. المتحدثون بها لا يصلون بالكاد إلى مليون شخص، أكثرهم يعيشون في روسيا.

صورة لجدة شولن بعد التهجير لتركيا، عرضتها في مشروع حول قصة الأديغيه انطلاقا من تاريخها الشخصي

تمتد جذور شانلي إلى قبيلة "أوبوخ" في شمال القوقاز، وكانت لهم لغة خاصة انقرضت بوفاة آخر متحدث بها عام 1992.

الأديغة، كما يسمون أنفسهم، هم الشركس، وفق التسمية الأكثر شيوعا في الأوساط غير الأديغية.

من المهم بالنسبة لشانلي اعتراف الدول بأن ما حدث لشعبها خلال 100 سنة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، إبادة جماعية.

قالت ذلك في 2021 عبر بودكاست أميركي. حينها كانت جورجيا فقط اعترفت بالإبادة (مايو 2011). 

لكن يناير الحالي شهد لحظة تاريخية جديدة للأديغة. ففي التاسع منه، اعترفت أوكرانيا بالإبادة التي تعرضوا لها على يد روسيا القيصرية.

مقاومة الطغيان الروسي

قبل أيام، نقلت السفيرة الأوكرانية في الأردن، بشارة في التاسع من يناير للأديغة. خاطبتهم "أيها الإخوة بالروح والسلاح". 

تشير بذلك إلى التاريخ المشترك في المقاومة المسلحة لواحدة من أعتى القوى في العالم؛ روسيا القيصرية.

وقالت ميروسلافا شيرباتيوك إن "أصوات الشركس التي تم إسكاتها عبر قرون من الظلم، باتت الآن تصدح بقوة في أروقة برلماننا".

فقد اعترف البرلمان الأوكراني (رادا العليا) بوقوع الإبادة الجماعية للشعب القوقازي (1763–1864).

العديد من أديغة الأردن، التي يقيم بها عدد كبير منهم، تلقوا الخبر بفرح وأكدوا على أهميته، وأن تحذو دول أخرى في الأمم المتحدة حذو أوكرانيا وجورجيا.

وأضافت شيرباتيوك أن اعتراف بلادها دليل على التزامها بالتضامن مع الشعوب المضطهدة في الإمبراطورية الروسية السابقة.

كما يعبر عن "الشجاعة الأخلاقية والإنسانية المشتركة وعدالة التاريخ"، وفق تعبيرها.

وتابعت شيرباتيوك "لطالما فهمت أوكرانيا الألم المدمر للكارثة التي تعرض لها الشركس، والقوة الهائلة المطلوبة لمواجهتها حتى يومنا هذا".

واعتبرت أن الإقرار بالإبادة جسر بين الشعبين الأوكراني والشركسي في شتاته. إنه جسر من الأمل والذاكرة والوحدة.

وأكدت شيرباتيوك على أن الفظائع التي ارتكبتها روسيا على مر الزمان لن تُنسى، كذلك ستستمر أوكرانيا بمقاومة العدوان الروسي بأشكاله.

قرار من قلب المأساة

مجموعة "العدالة لشمال القوقاز"، احتفت بهذا الاعتراف الأوكراني عبر استذكار أبيات الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي الشهيرة "إذا الشعب يوماً أراد الحياة".

وقالت في بيان إن الاعتراف بالإبادة الجماعية للشركس "بادرة أمل" لكنها "ممزوجة بحزن عميق على الأرواح التي فُقدت في الحرب الوحشية".

ولكونه جاء من دولة تقاوم الغزو الروسي منذ ثلاث سنوات، يكتسب الاعتراف بعداً أعمق.

جاء في البيان "رغم أن أوكرانيا واجهت هجمات الغزاة والطغاة. ورغم الخيانة والقتل والدمار الناتج عن الهجمات المستمرة، لا تزال تقاوم محاولات تقويض مكانتها كدولة مستقلة ذات سيادة".

ووصفت اعتراف البرلمان بأنه "شجاع وصادق" تجاه معاناة الأمة الشركسية.

وتأمل المنظمة الشركسية بأن تتخذ دول أخرى خطوة مشابهة.

وأكدت على القاسم المشترك بين الأديغة والأوكران، فكلاهما يقاوم الطموحات الاستعمارية لروسيا منذ العهد الإمبراطوري حتى الآن.

حرب القوقاز

كان أحد أسباب التوسع الروسي في القوقاز هو الوصول إلى داغستان — ديربنت بعده إلى بحر قزوين. 

فقد كتب مسافر فرنسي في أوائل القرن الثامن عشر أن التجارة مع الجبال كانت تجلب لفرنسا عشرات الآلاف من العملات الذهبية.

هذا الأمر جذب الروس الطامعين بخيرات بلاد القوقاز. بدأ الأمر بالترويج لصورة سكان الجبال على أنهم "همج" وأحقية قتالهم، بحسب البروفيسور في العلوم التاريخية ديمتري بيلو.

كما تميزت مناطق الأديغة بأنظمة زراعية واقتصادية فريدة وسابقة لعصرها، دون إيذاء البيئة من حولهم.

حتى عندما وقعت المعارك الشرسة وأسر الشركس مقاتلين روس، كان يمكنهم كما فعل عدوهم، يقول بيلو، أن يحرقوا الأراضي والمساكن، لكنهم لم يفعلوا.

روسيا الإمبراطورية والسوفييتية اعتمدت تاريخ الحرب بين 1817 و1865، لكنها في الواقع الواقع بدأت قبل ذلك بكثير. 

أضاف بيلو "الشركس يحددون بداية هذه الحرب من عام 1763 ويؤكدون أن المواجهة العسكرية استمرت 101 سنة".

صورة أرشيفية للحرس الملكي الشركسي في الأردن- أ ف ب

واعتبر بيلو، وهو مدير قسم أبحاث "الهولودومور" في المتحف الوطني لـ"الهولودومور-الإبادة الجماعية"، أن الحرب مع الأديغة كانت أطول حرب استعمارية خاضتها روسيا في تاريخها الإمبراطوري.

والهولودومور، وتعني "القتل بالتجويع"، هي المجاعة التي حاقت بأوكرانيا السوفيتية في الموسم الزراعي 1932 - 1933.

روح جبليّة عصيّة الكسر

يختلف المؤرخون على أصل تسمية الأديغة بالشركس أو الجركس، إلا أن الكاتب عادل عبد السلام لاش، كتب عن ذلك في أحدث مؤلفاته "المجتمع الشركسي في سورية".

يقول إنها تعود لمنتصف القرن الثالث عشر، حيث ظهرت في وثيقة رسمية مكتوبة لأول مرة عام 1245، في رسالة كتبها جان دوبلان دوكاربان موفد البابا إينوسنت الرابع إلى خان المغول.

و أصبح الاسم متداولاً في الأوساط غير الشركسية، والإسلامية في عهود سلاطين الأيوبيين والترك والجركس، وفق لاش.

وتابع "كما استخدمت في عهد الدولة الجركسية في الشرق الأوسط بالذات (1382-1517م)، التي عرفت بـ (دولة السلاطين الجراكسة)".

ويحيي الأديغة حول العالم، ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية في 21 مايو من كل عام. 

وقال بيلو، في خطاب بذكرى الإبادة، إن شعب الأديغة "فريد جداً".

ورغم الخصائص الإثنية لكل قبيلة، وحدتهم قوانين عُرفية: لغة، قرابة، أرض عاشوا فيها آلاف السنين.

في مايو 1864، وقعت آخر معركة بين المحاربين الأديغة والقوات الروسية في منطقة كراسنايا بوليانا قرب سوتشي، حيث قُتل جميع المحاربين.

يتحدث الشاعر الأوكراني تاراس شيفتشينكو عن هذه المعركة في قصيدته "القوقاز" قائلا: "وراء الجبال، جبال، مغطاة بالغيوم، مزروعة بالحزن، غارقة في الدماء".

يبين ديمتري بيلو، أن القوات الروسية دفعت الأديغة الذين بقوا في الجبال، أراضيهم الأصلية، نحو الساحل في مشروع تهجير قسري نحو تركيا.

لقي الآلاف مصرعهم بين فصلي الخريف والشتاء على ساحل البحر الأسود. 

بعض الشهود وصفوا بدموع حرّى "كان الطريق مفروشاً بالجثث. الناس يتجمدون، ويموتون من الأمراض والجوع".

دفع الأديغة كل ما لديهم من أجل الصعود للسفن، بعضها غرق بسبب حملها أكثر من طاقتها الاستيعابية.

شركس من سوريا، صورة أرشيفية التقطت عام 1950- أ ف ب

50 في المئة من أولئك اللاجئين لأراضي الدولة العثمانية قضوا في الطريق، وفق مصادر تاريخية ذكرها بيلو.

وقبل الإبادة الجماعية قدرت أعداد الأديغة بمليوني شخص. لم يبق منهم بعد التهجير للإمبراطورية العثمانية سوى 10في المئة.

من بقوا على قيد الحياة زرعوا في نفوس الأجيال اللاحقة ثقافة، كان الكثير يظن أنها ستندثر بسبب عدم تدويل قضيتهم حتى نهايات القرن العشرين.

وهو الذي جعل شانلي تحفر عميقاً في تاريخ أجدادها، لأنه بالنسبة لها التعريف الحقيقي لمعنى الانتماء.

"لماذا أنا في تركيا"، كان السؤال الذي راودها في بلد ولدت وترعرت فيه، مع عائلتها الأديغيّة.

تخبر شونلي عن الشركس الذين وصلوا السواحل في عزّ البرد، مات الكثير منهم بالمرض والجوع وصارت جثثهم طعاماً لأسماك البحر الأسود.

قالت "أخبرتني أمي أن الكثير من الشركس حتى اليوم لا يتناولون طعام البحر.. يشعرون أنهم يأكلون لحم أجدادهم".