حظي الاتفاق بين إثيوبيا والصومال، الذي أعلن عنه في أنقرة، بترحيب دولي وأميركي خاص، إذ جاء بعد أشهر من التوترات المتصاعدة في منطقة القرن الأفريقي، بعدما أثار سعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري عبر أرض الصومال (صوماليلاند) أزمة في علاقات أديس أبابا مع مقديشو.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الخميس، أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا في ختام مفاوضات جرت بوساطته إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين، قائلا إنه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين الجانبين.
نص التفاهم الصومالي ـ الإثيوبي
وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد تفاهم الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك".
واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية".
وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان، قبل نهاية فبراير، محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".
وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة، الأربعاء، لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ في يونيو وأغسطس.
وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.
وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد: "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي.. إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر"، مضيفا أن المفاوضات مع نظيره الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".
بدوره، قال الرئيس الصومالي، إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي".
جذور الخلاف وتداعياته
تعود جذور الخلاف بين إثيوبيا والصومال إلى مطلع العام الجاري، حين أبرمت إثيوبيا، الدولة المغلقة بدون منافذ بحرية، اتفاقا مع منطقة أرض الصومال الانفصالية.
ونص الاتفاق على استئجار أديس أبابا منطقة على الساحل لإنشاء ميناء وقاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بأرض الصومال.
وتكمن حساسية القضية في أن أرض الصومال، التي تقع في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991 دون اعتراف دولي. ورغم امتلاكها عملة خاصة وجيشا وجهاز شرطة، تعاني المنطقة من العزلة والفقر.
وتعتبر الصومال، وهي جمهورية فدرالية تضم خمس ولايات تتمتع بحكم شبه ذاتي، أن الاتفاق يشكل تعدياً على سيادتها وسلامة أراضيها.
وتسعى إثيوبيا، التي فقدت منافذها البحرية بعد انفصال إريتريا عام 1991، للحصول على منفذ إلى البحر الأحمر لإنشاء قاعدة بحرية وميناء تجاري.
وتعتمد حاليا على جيبوتي المجاورة في معظم تجارتها البحرية، وهو ما يعتبره رئيس وزرائها أبيي أحمد مكلفاً للغاية.
وقد أدى اتفاقها مع أرض الصومال إلى تصعيد صومالي، حيث اتخذت مقديشو سلسلة من التحركات الدبلوماسية ردا على الخطوة، شملت طرد السفير الإثيوبي وتقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي.
كما أعلنت رفضها القاطع للتفاوض مع إثيوبيا ما لم تتراجع عن اتفاقيتها مع السلطات الانفصالية في أرض الصومال.
وفي إطار سعيها لتعزيز موقفها الإقليمي، وقعت الصومال اتفاقية استراتيجية مع تركيا، في فبراير 2024، تمتد لعشر سنوات.
وامتدت المساعي الصومالية لتشمل توقيع بروتوكول تعاون دفاعي مع مصر التي يوجد خلاف بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات بشأن بناء أديس أبابا لسد مائي شاسع (سد النهضة) على نهر النيل.
وبموجب التفاهم مع مصر، أرسلت القاهرة شحنة من المعدات العسكرية والمساعدات إلى الصومال، كما أعلنت عزمها المشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال.
وفي أكتوبر، وسعت الصومال شبكة تحالفاتها من خلال توقيع مذكرة تفاهم دفاعية مع تنزانيا، لم يتم الكشف عن تفاصيلها، حسب ورقة لـ"مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط".
وحظيت المواقف الصومالية بدعم واسع، حيث أدانت جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال، معتبرين إياه انتهاكاً للسيادة الصومالية.
وفي حين اتخذت المنظمة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا موقفا معتدلاً يدعو للحوار، أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه من تداعيات الاعتراف بأرض الصومال على استقرار منطقة القرن الأفريقي، مؤكدا التزامه بدعم وحدة الأراضي الصومالية.
الدور التركي
عززت تركيا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع إثيوبيا والصومال، دورها في القرن الأفريقي عقب اندلاع أزمة "صوماليلاند".
وترجم هذا الدور التركي المتنامي إلى خطوات عملية، كان أبرزها توقيع اتفاقية إطار للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع الصومال في فبراير 2024 تمتد لعشر سنوات.
وتشمل الاتفاقية جوانب عسكرية واقتصادية متعددة، من بينها التعاون في حماية السواحل الصومالية وتطوير القدرات البحرية.
وفي يوليو 2024، وافق البرلمان التركي على نشر قوات تركية في المياه الإقليمية الصومالية لمدة عامين.
كما برز دور تركيا كوسيط إقليمي في المناقشات الرامية إلى حل الخلافات بين الجانبين، وشرعت في رعاية مفاوضات منتصف العام الجاري.
وفي الجانب الاقتصادي، بدأت أنقرة أعمال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الصومالية، حيث وصلت السفينة "عروج ريس" إلى ساحل مقديشو للتنقيب في ثلاث مناطق محددة، تبلغ مساحة كل منها 5 آلاف كيلومتر مربع.
وتستند الشراكة مع الصومال إلى تعاون ممتد منذ نحو عشرين عاما، شمل مشاريع تنموية متنوعة مثل بناء مطار مقديشو ومركز تدريب عسكري ومستشفى ومدارس.
وبالرغم من التقارب الكبير مع الصومال، تتمتع تركيا بعلاقات وطيدة مع إثيوبيا أيضا، وفقا لمعهد "المجلس الأطلسي"، الذي أشار إلى أن تركيا باعت طائرات مسيرة لإثيوبيا كجزء من شبكة علاقاتها العسكرية والاقتصادية المعقدة في المنطقة.
وتأتي تحركات تركيا في القرن الأفريقي في إطار استراتيجية تركية أوسع في القارة الأفريقية، حيث أصبحت رابع أكبر مزود للأسلحة إلى منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وفقا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعزز تركيا موقعها في القارة الأفريقية، من خلال مشاريع البنية التحتية الضخمة، من بينها مشروع تطوير السكك الحديد في تنزانيا بقيمة 6.5 مليارات دولار.
وتجاوزت قيمة المعاملات التجارية بين تركيا والدول الأفريقية 40 مليار دولار في عام 2022، فيما تسيّر الخطوط الجوية التركية رحلات إلى نحو خمسين وجهة في القارة.