سقوط لنظام بشار الأسد، أدى لإزاحة الأكراد من دير الزور شرق سوريا، تلتها اشتباكات بين فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في منبج وكوباني.
توصل الطرفان إلى هدنة برعاية أميركية، بعد مقتل أكثر من 200 شخص، إلا أن تمديد وقف إطلاق النار الذي أعلنته واشنطن الثلاثاء، سُرعان ما تبدد بعد اشتباك آخر الأربعاء على أعتاب منبج شمال شرق محافظة حلب.
هذه بعض ملامح الوضع في مناطق تابعة للإدارة الكردية بسوريا، وقد يمتد لاحقاً إلى الرقة، بحسب توكيدات من "الجيش الوطني"، الذي فقد الأربعاء 21 مقاتلاً.
بدأ كل ذلك، في غمرة الاحتفال بسقوط الأسد في 10 ديسمبر، حين انسحب الأكراد من كامل دير الزور التي يديرونها منذ عام 2017، بعد تحريرها من تنظيم "داعش" مدعومين من الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول أخرى.
دير الزور.. البداية
منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، كانت فرحة الكثير من أكراد سوريا ناقصة، ذلك أن الفصائل المسلحة التي أزاحت "غمّة" البعث، تدعمها تركيا، حيث يعيش نحو 15 مليون كردي، أغلبهم يحلم بالاستقلال الذاتي.
وعشيّة الإطاحة بالنظام، أعلنت "قسد" عفواً عاماً دون استثناء عن المطلوبين في دير الزور، في محاولة لاحتواء غضب السكان، وغالبيتهم من العرب، خاصة بعد احتجاجات أسفرت عن مقتل مدنيين على يد عناصر الميليشيا الكردية.
كانت هذه الخطوة بلا جدوى، فقد انسحب مسلحو "قسد" وسيطرت عليها جماعة مسلحة عربية من أبناء دير الزور الذين انضموا لـ"الجيش الوطني" أواخر نوفمبر الماضي.
اعتبر العديد من السوريين ما فعلته "قسد" بأنه "استغلال لحالة الفراغ" في دير الزور.
وقالوا: "لا يحق لهم التوسع في مناطق انسحب منها النظام جرّاء قتال لم يكونوا جزءاً منه أصلاً".
بينما اعتبر آخرون، طرد "قسد" من مناطق دير الزور، وحديث "هيئة تحرير الشام" عن نزع سلاحها وتوحيد جميع الفصائل تحت مظلة جيش سوري.
ذلك يعني، أن شعار "سوريا للجميع" غير واقعي، فـ"الجميع" لا تشمل الأكراد.
تأكيداً على التزامنا الثابت بتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في كافة أنحاء سوريا، نعلن عن استعدادنا لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف وتواجد أميركي.
— Mazloum Abdî مظلوم عبدي (@MazloumAbdi) December 17, 2024
تهدف هذه المبادرة إلى معالجة المخاوف الأمنية التركية وضمان استقرار…
حرب أهلية ثانية!
ينظر الكثير من الأكراد إلى أن محرّك ما يحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الكردية، ليس وحدة الجيش وحصر السلاح بيد دولة المستقبل، إنما تركيا "الطامعة" بالسيطرة على مساحات واسعة من سوريا.
تدعم أنقرة "الجيش الوطني" و"هيئة تحرير الشام" المصنفة في قوائم إرهاب أميركية وأوروبية.
قال الصحفي العراقي الكردي خالد سليمان إن "إخضاع سوريا لهيمنة تركيا، تحصيل حاصل".
وكتب على حسابه في الفيس بوك، أن لتركيا، هدفاً آخر غير معلن عنه في سوريا، وهو "القضاء على الوجود الكُردي سياسياً وتغيير سكاني قسري في أعلى الخط وأسفله".
وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، الأربعاء، أن الحكومات الغربية، تحاول إقناع تركيا بالتوصل إلى اتفاق مع السلطة الجديدة في سوريا، والأكراد، بشأن السيطرة على شرق البلاد، تجنباً لاندلاع حرب أهلية ثانية.
وأعلن القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، الثلاثاء "استعداده لتقديم مقترح إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني، مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف وتواجد أميركي".
وتهدف المبادرة بحسب عبدي، إلى "معالجة المخاوف الأمنية التركية وضمان استقرار المنطقة بشكل دائم".
لكن ما حصل الأربعاء، سيغير النظرة لهذه المبادرة، فالهدنة التي أعلنت واشنطن تمديدها لنهاية الأسبوع، خرقت من الجانبين: "الجيش الوطني" وحليفه تركيا، وكذلك "قسد".
وتجري الاشتباكات بين الجانبين، خاصة حول مدينتي منبج وكوباني، التي أصبحت منذ عام 2014 رمزاً للمقاومة الكردية ضد تنظيم "داعش"، لكنها تقع على الحدود التركية، مما تعتبره أنقرة تهديداً لأراضيها.
أما بالنسبة لأحمد الشرع، قائد "هيئة تحرير الشام" المطلوب للولايات المتحدة منذ عام 2013، فإن "قسد" مجموعة "غير سورية" وعليها تسليم سلاحها أولاً قبل أن يتم دمج عناصرها لاحقاً في جيش المستقبل.
ولا يرى "الزعيم" السوري الجديد، فرقاً بينها وحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، كذلك دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة التي تدعم "قسد".
قال مبعوث الأمم المتحدة في سوريا غير بيدرسون، في نهاية زيارته لدمشق حيث التقى الشرع وزار سجن صيدنايا، إن "التصعيد قد يكون كارثياً، وأخبر مجلس الأمن الدولي، أنه قلق للغاية بشأن القتال الجاري".
وفي حين أن "قسد" شريك مهم للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم "داعش"، تعتبرها تركيا أحد فروع حزب العمال الكردستاني، خصمها اللدود.
ويربط بين حزب العمال (بي كي كي) و"قسد" أيديولوجيا مشتركة وشخصيات كردية راسخة في حلم الدولة المستقلة للقومية التي رسمها الأكراد في أدبياتهم بين أربعة دول: العراق، سوريا، تركيا، إيران.
والقوة الرئيسية في "قسد" تُدعى وحدات حماية الشعب (واي بي جي)، تأسست في عام 2011، ومنذ ذلك الحين يزعم أعداؤها أن قادتها من حزب العمال الذي قام بتشكيلها وتدريبها عسكرياً.
كتب القيادي في حزب "يكيتي" الكردستاني كما يعرف نفسه في منصة إكس، الاثنين الماضي، أن خلافاً نشب بين كوادر "بي كي كي" وبعض أنصارهم أثناء مسيرة في كوباني للمطالبة بحماية المنطقة من هجوم محتمل.
في كوباني (عين العرب) نشب خلاف بين كوادر حزب العمال الكوردستاني (PKK) وبعض أنصارهم أثناء مسيرة للمطالبة بحماية المنطقة من هجوم محتمل.
— kawa Jaziri كاوا جزيري (@kawa_jaziri) December 16, 2024
طالب البعض بعدم رفع صور عبد الله أوجلان في هذا التوقيت الحساس، لكن كوادر الحزب جلبوا عناصر من “الشبيبة الثورية” التابعة لهم، الذين رفعوا صور… pic.twitter.com/a5DFBa7N5x
عفرين!
وفي منصة الفيس بوك، تشارك الشاعرة السورية الكردية وداد نبي منذ سقوط نظام بشار الأسد، أفكارها حول الوضع الكردي اليوم، وهي من كوباني، وتعيش في العاصمة الألمانية برلين منذ عام 2015.
قالت نبي: "كوباني، هكذا يُكتب اسم مسقط رأسي. بكل اللغات التي ترجمت إليها كتاباتي. وبعد 14 عاماً من الثورة، لا يزال الكثيرون مصرّين على تسميتها (عين العرب)، خاصة في تلفزيون سوريا".
وأضافت "حين نُسمّي المدن كما يسميها سكّانها ويحبون، حينها فقط نتغلب على عقلية الديكتاتور ونظامه في هذا البلد المنكوب".
وتقع مدينة كوباني في أقصى شمال سوريا، على بعد 130 كيلومتراً تقريباً إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب، تحدها شمالاً الحدود السورية مع تركيا، ويجري نهر الفرات على بعد 30 كيلومتراً إلى الغرب منها.
ونبي التي تعتبر نفسها غير داعمة لـ"قسد" وانتقدت سيطرتهم على الرقة ودير الزور ذات الغالبية السكانية العربية، تشير في متابعاتها لما يحدث في سوريا إلى "غياب لافت لقضية عفرين".
وعفرين، في شمال غرب سوريا تتبع محافظة حلب، وسكانها من الأكراد والعرب والتركمان. تقع اليوم تحت سيطرة تركية بعد أن شنت عملية عسكرية ضدها في عام 2018 تحت عنوان "غصن الزيتون"، فهي تمثل موقعاً إستراتيجياً على الحدود بين سوريا وتركيا.
وكما كوباني، لعبت عفرين دورا في الصراع ضد تنظيم "داعش"، وكان لـ"قسد" دور كبير في دحره، حيث سيطرت عليها الإدارة الكردية منذ عام 2012 من خلال قوات "واي بي جي" قبل أن تطردهم تركيا منها.
والأربعاء التقى صحفي من شبكة "روداو" الكردية، بالشرع، وسأله عن أكراد سوريا وعفرين.
قال الشرع: "الكرد هم جزء من الوطن وأساسيون في سوريا القادمة، وسنسعى إلى إعادة أهالي عفرين (المهجّرين) إلى مناطقهم
رسالة قائد "الإدارة السورية الجديدة" أحمد الشرع إلى الكورد: هم جزء من الوطن وأساسيون في سوريا القادمة وسنسعى إلى إعادة أهالي عفرين (المهجّرين) إلى مناطقهم pic.twitter.com/kWOwoQYUWR
— Rudaw عربية (@rudaw_arabic) December 14, 2024