داعش

كشف الهجوم الإرهابي في نيو أورليانز، الذي نفذه جندي أميركي سابق موالي لتنظيم "داعش" وأودى بحياة 15 شخصا وإصابة 30 آخرين خلال احتفالات رأس السنة، عن استمرار قدرة التنظيم على إلهام الهجمات في الغرب، حتى مع تراجع سيطرته الجغرافية في مناطق نفوذه.

ويأتي الحادث الإرهابي الأخير في الولايات المتحدة، بالتزامن مع تصاعد المخاوف من محاولات التنظيم المتطرف إعادة بناء نفوذه في سوريا، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر الماضي، والفراغ السياسي والأمني الحاصل في البلاد.

ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان ذكريات مؤلمة في كل من سوريا والعراق، حيث سيطرت "داعش" على مساحات شاسعة من أراضي البلدين عام 2014، معلنة ما أسمته "دولة الخلافة" التي أثارت الرعب في المنطقة والعالم.

ورغم تراجع نفوذه، شهد تنظيم "داعش" تصاعدا ملحوظا في نشاطه، العام الماضي، من خلال تنفيذ عمليات نوعية داخل سوريا والعراق وخارجهما.

ومنحه انهيار نظام الأسد المفاجئ فرصة جديدة، إذ استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفها الجيش النظام السوري والميليلشيات الموالية له. ووفقا لتقارير وخبراء عسكريين، يعمل التنظيم حاليا على تدريب مجندين جدد وحشد قواته في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعه المتطرف.

ترامب و"التحدي السوري"

وفي مواجهة هذا التهديد المتجدد، سارعت القوات الأميركية إلى شن هجمات مكثفة على مواقع التنظيم في سوريا. غير أن هذا التحرك يأتي تزامنا مع استعداد "التحالف الدولي لمواجهة داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة لسحب قواته من العراق، بعد اتفاق بين واشنطن وبغداد على إنهاء المهمة العسكرية بحلول نهاية سبتمبر 2025.

ومع تولي الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، مهامه هذا الشهر، تبقى الاستراتيجية الأميركية المستقبلية للتعامل مع المتغيرات الجديدة غير واضحة المعالم، خاصة في ضوء مواقفه السابقة المشككة في جدوى نشر قوات في الخارج، وأيضا تصريحاته بأن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الصراع في سوريا.

في هذا السياق، يقول مدير مركز "تراينغل" للإرهاب والأمن الداخلي، ديفيد شانزر، مدير مركز "تراينغل" للإرهاب والأمن الداخلي، ديفيد شانزر، إن سوريا ستشكل "تحديا كبيرا" لإدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، في المرحلة القادمة.

ويوضح الخبير الأميركي في تصريحات لموقع "الحرة"، أن الوجود العسكري الأميركي المحدود في المنطقة نجح في كبح قوة تنظيم داعش، محذرا من أن سحب هذه القوات قد يؤدي إلى عودة ظهور التنظيم من جديد.

وأشار إلى أن هذا التطور سيشكل تهديدا مباشرا للحكومة الجديدة في سوريا وأيضا في العراق، وقد يمتد تأثيره إلى داخل الولايات المتحدة من خلال هجمات مشابهة لما حدث في نيو أورليانز.

وعلى ضوء هذه المخاطر، يوصي شاندرز بضرورة الإبقاء على قوة عسكرية صغيرة ومستهدفة على الأرض في سوريا، مؤكدا أن هذا الوجود العسكري المحدود ضروري لمنع عودة داعش وحماية المصالح الأميركية في المنطقة.

وفي 2017، أعلن العراق دحر التنظيم في أراضيه بمساندة من تحالف دولي بقيادة واشنطن. ثم اندحر التنظيم المتطرف في سوريا في العام 2019 أمام المقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن.

وتنشر الولايات المتحدة زهاء 2500 جندي في العراق، ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار التكتل العسكري الدولي.

وبعد أشهر من المحادثات بين واشنطن وبغداد بشأن مستقبل التحالف، تم الاتفاق على إنهاء مهامه "في موعد لا يتجاوز نهاية سبتمبر 2025".

وتنص خطة انتقالية على انسحاب التحالف من قواعد في العراق في مرحلة أولى تستمر حتى سبتمبر 2025، ثم من إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي (شمال)، بحلول سبتمبر 2026.

في سياق متصل، يوضح الخبير الأميركي أن خطر الهجمات بالداخل الأميركي، يزداد عندما تكون هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة نشطة وناجحة في الخارج، وينخفض عندما يتم قمعها.

ويلفت إلى أن أفضل استراتيجية للأمن الداخلي تكمن في تبني مكافحة قوية للإرهاب في الخارج، موضحا أن ذلك يتم بشكل رئيسي من خلال دعم الحلفاء المحليين، مع الاحتفاظ بخيار التدخل المباشر عند الضرورة.

وأكد شانزر على أهمية وجود استراتيجية شاملة تجمع بين العمل العسكري في الخارج وإجراءات الأمن الداخلي، مشدداً على أن نجاح مكافحة الإرهاب يتطلب "نهجا متكاملا" يأخذ في الاعتبار الترابط بين التهديدات الداخلية والخارجية.

عوامل "تجدد الخطر"

وتراجع نشاط داعش بشكل ملحوظ خلال عام 2023، إذ انخفض عدد عملياته العالمية إلى أكثر من النصف ليصل 838 هجوما مقارنة بـ 1.811 هجوماً في العام الذي سبق

وشمل هذا الانخفاض معظم مناطق نفوذه التقليدية، إذ تقلصت عملياته في العراق من 401 إلى 141 هجوما، وفي سوريا من 292 إلى 112 هجوما، كما توقفت عملياته تماما في سيناء، بعد أن كان قد نفذ 102 هجوما في 2022.

وشهد العام الماضي تحولا في عمل التنظيم الذي استطاع تنفيذ عدة عمليات نوعية كبيرة، أبرزها هجوم موسكو في مارس الذي أوقع 143 قتيلا، وهجوم كيرمان في إيران في يناير الذي أسفر عن مقتل نحو 100 شخص، وصولا إلى هجوم نيو أورليانز.

وبحسب تحليل لمركز "صوفان" للشؤون الأمنية، فإن هجمات داعش في سوريا، تضاعفت ثلاث مرات في  2024 مقارنة بالعام الذي سبق، لتصل إلى حوالي 700.

وأفاد المصدر ذاته، بأن عناصر داعش"تطوروا في أساليبهم، وزادت قدرتهم على إيقاع الخسائر، وتوسع انتشارهم جغرافياً".

الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية، منير أديب، يرى أن تجدد خطر داعش يعود إلى أسباب عدة. ويقسّمها إلى عوامل ذاتية ترتبط بمحاولته إعادة ترتيب صفوفه وإعادة تموضعه في منطقة الشرق الأوسط وترتيب بنيته التنظيمية.

بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بالتغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة، وخاصة "ما حدث في سوريا وصعود تنظيمات إسلاموية راديكالية"، وفقا للمتحدث الذي يحذر من تنامي نشاط التنظيم في المنطقة العربية والعالم.

ويشير أديب في تصريح لموقع "الحرة"، إلى أن "هناك مساحة من الفوضى ربما تسمح لهذا التنظيم بإعادة تموضعه في الداخل السوري.

تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن 153 هجوما في العراق وسوريا خلال النصف الأول من عام 2024
داعش في العراق.. تحديات ما بعد 2024
تشهد الساحة الأمنية والسياسية في العراق تصاعداً في وتيرة التحديات، ومن بينها تحركات خلايا تنظيم داعش في بعض المناطق، لاسيما سلسلة جبال حمرين الواقعة شرقي العراق وبعض المناطق الصحراوية غرب البلاد، التي يسعى داعش إلى استغلالها ملاذات آمنة، أملاً بإعادة تنظيم صفوفه.

بدوره، يقول الخبير في الشؤون السياسية والأمنية، محمد شقير، إن انهيار نظام الأسد وصعود قيادات "جبهة النصرة" للحكم في سوريا، سيكون له تداعيات متباينة على مستقبل التنظيم في المنطقة.

ويحذر شقير في تصريح لموقع "الحرة"، من أن استقرار الوضع السياسي في سوريا سيكون "المفتاح الحاسم" في مستقبل داعش، لافتا إلى أن أي اضطراب جديد، سواء من خلال صراعات داخلية بين الفصائل الحاكمة أو تدخلات خارجية من إيران وروسيا، قد يمنح الإرهابيين فرصة ذهبية لإعادة تنظيم صفوفهم واستئناف نشاطههم الإرهابي.

ويتركز نشاط تنظيم "داعش" في سوريا بشكل رئيسي في مناطق البادية السورية، خاصة في محافظات دير الزور وحمص والحسكة، حيث يستغل التنظيم حالة الفراغ الأمني، مما يتيح له مساحة كبيرة لإعادة التموضع والتحرك، وفقا لأديب.

وأكد الباحث ذاته أن التنظيم "نجح" في إعادة بناء نفسه وبات يمثل خطرا متجددا، ولعل ذلك كان واضحا من الرسالة التي أراد التنظيم إيصالها في اليوم الأول من العام الجديد 2025، وكأنه يريد أن يقول إنه "عاد بقوة، وإنه لا يزال قويا وقادرا على تنفيذ عمليات دموية".

في السياق ذاته، يوضح شقير أن الخطر الداعشي سيظل قائما طالما استمرت الظروف السياسية والأيديولوجية المغذية له. ويربط بين تداعيات حرب غزة واحتمال تصاعد العمليات الإرهابية في الغرب، محذرا من أن هجوم نيو أورليانز قد يمثل بداية لموجة جديدة من العمليات.

ويشير شقير إلى دور الاستقطاب الإلكتروني ووجود الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا، موضحا أن التنظيم يستغل قضايا مثل "الظلم الاجتماعي" والوضع في غزة لتجنيد عناصر جديدة وتحريضهم على تنفيذ عمليات إرهابية.

بدوره، يشدد أديب على أن الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن الحرب الروسية في أوكرانيا، عززت وجود جماعات العنف والتطرف، وربما تحفّز تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة في إعادة بناء هيكلها من جديد.

الأكراد و"تحديات داعش"

ومع تصاعد التهديد الذي يمثله التنظيم، يبرز دور القوات الكردية كخط دفاع أول في مواجهته، حيث تعتمد الولايات المتحدة بشكل رئيسي على هذه القوات في محاربة داعش وتأمين آلاف الدواعش المعتقلين.

غير أن هذه المهمة الحساسة تواجه تحديات متزايدة في ظل ضغوط تركيا المستمرة على المجموعة الكردية في شمال سوريا، حيث تعتبر أنقرة هذه القوات منظمات إرهابية، وتسعى لتقويض نفوذها في المنطقة.

وتقع على عاتق القوات الكردية المدعومة أميركيا مسؤولية تأمين شبكة معقدة من السجون ومراكز الاعتقال في شمال شرق سوريا، تعتقل فيها نحو 45 ألف شخص من مقاتلي داعش وأفراد عائلاتهم.

وتتزايد المخاوف من أن استنزاف هذه القوات في مواجهة العمليات العسكرية التركية والفصائل الموالية لها قد يضعف قدرتها على تأمين هذه المنشآت، مما قد يفتح الباب أمام عناصر داعش للفرار وإعادة تجميع صفوفهم.

الباحثة في شؤون الجماعات المتطرفة والناشطة الحقوقية الكردية، لامار أركندي، ترى أن القوات الكردية تواجه "تحديا مزدوجا" في التصدي للهجمات التركية وحماية سجون داعش في آن واحد.

وتوضح أركندي في تصريحات لموقع "الحرة"، أن " عناصر داعش يحاولون استغلال  الهجمات ضد القوات الكردية للفرار، لكن قوات سوريا الديمقراطية تمكنت حتى الآن من السيطرة على الوضع وإعادة اعتقال الفارين".

عناصر من قوات سوريا الديمقراطية

وبينما كان تحالف من فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام يشن هجومه الخاطف الذي أدى إلى إسقاط بشار الأسد، بدأت فصائل تدعمها تركيا عملية موازية ضد القوات الكردية في شمال سوريا، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات خلفت مئات القتلى في غضون أيام.

وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية "قسد"، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، على مساحات كبيرة في شمال سوريا، أقامت فيها إدارة ذاتية. وخاض المقاتلون الأكراد بدعم أميركي معارك عنيفة لطرد تنظيم داعش.

وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة "إرهابية" ويخوض تمردا على أراضيها منذ عقود.

وتقول أركندي، إن مشكلة حماية هذه السجون تتفاقم في ظل هذا الوضع، إذ تتواجد في مناطق مأهولة بالسكان أو على مقربة منها، نظرا لعدم توفر مناطق نائية محصنة شرق الفرات لبناء سجون متخصصة.

وتشير إلى أن السجون المخصصة لاحتجاز الإرهابيين تحتاج عادةً إلى تقنيات متطورة ومراقبة مستمرة على مدار الساعة، سواء عبر المسيرات أو الأقمار الصناعية، إضافة إلى حراس مدربين تدريبا خاصا ومزودين بأسلحة متطورة.

وتوضح الباحثة أن قوات سوريا الديمقراطية تعتمد بشكل أساسي على انضباط قواتها وجاهزيتها في حماية هذه السجون، وقد نجحت حتى الآن في إحباط العديد من محاولات الهروب الجماعي.

غير أنها تؤكد أن غياب الدعم الدولي الكافي لتطوير البنية التحتية للسجون وتعزيز إجراءات الحماية والمراقبة يمثل عقبة كبيرة أمام تأمين هذه المنشآت بالشكل المطلوب.

وتوضح الباحثة أن قوات سوريا الديمقراطية مستمرة في أداء مهمتها رغم كل هذه التحديات، وأنها تمكنت حتى الآن من منع أي اختراقات كبيرة لهذه السجون، لكنها تحتاج إلى دعم دولي أكبر لتعزيز قدراتها في مواجهة هذا التحدي الأمني الخطير.

تنامي النفوذ أفريقياً وشبكة مالية عابرة للحدود

وفي الوقت الذي تواجه فيه القوات الكردية تحديات متزايدة في احتواء خطر داعش شمال سوريا، يتجه التنظيم نحو استراتيجية أكثر تقدماً تقوم على تنويع مناطق نفوذه وتحديث أساليب عمله، إذ يعمل التنظيم على ترسيخ أقدامه في القارة الأفريقية وتطوير شبكات مالية عابرة للحدود.

في قراءته لهذا التحول الاستراتيجي، يوضح  شقير، أن التنظيم ومنذ خسارته السيطرة الجغرافية في منطقة العراق والشام بات يركز على ثلاثة محاور رئيسية: تنفيذ عمليات نوعية ضد أهداف عسكرية وأمنية، واستهداف المرافق الاجتماعية والدينية، وتكثيف جهود التجنيد الإلكتروني وتحريك خلايا خارج سوريا.

ويشير شقير إلى أن منطقة الساحل الأفريقي باتت تمثل ساحة جديدة لتمدد التنظيم، حيث يعمل على تعزيز علاقاته مع الجماعات المتطرفة المحلية، مستغلا هشاشة الأنظمة السياسية وضعف التنمية والأمن.

ويأتي هذا التوسع في منطقة الساحل الأفريقي مدعوما بقدرات مالية لا يستهان بها، رغم خسارة التنظيم لمعظم موارده التي كان يمتلكها خلال سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا.

ووفقا لتقرير حديث نشرته مجلة" CTC Sentinel" المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب، كشفت الباحثة جيسيكا ديفيس، أن التنظيم في العراق وسوريا يحتفظ بأصول سائلة تتراوح بين 10 و20 مليون دولار، معظمها على شكل نقد.

عناصر من تنظيم داعش في أفريقيا

ورغم أن هذا المبلغ يقل كثيرا عما كان يمتلكه التنظيم في ذروة قوته، إلا أنه يكفي لتمويل عملياته الحالية منخفضة المستوى وتقديم الدعم المالي لفروعه المنتشرة عالميا.

ونجح التنظيم في تنويع استثماراته منذ عام 2014 من خلال توظيف أمواله في مشاريع تجارية مشروعة، خاصة في قطاعي العقارات ومعارض السيارات. كما نقل معظم أصوله السائلة إلى تركيا، جزء منها على شكل نقد وآخر على شكل ذهب، مما يسهل عليه إدارة موارده المالية.

ويلعب مكتب "الكرار" في الصومال دوراً محوريا في إدارة الشبكة المالية للتنظيم في أفريقيا، حيث يربط بين مختلف ولايات داعش في القارة. ويقوم المكتب بإرسال مستشارين ماليين لتحسين آليات جمع الأموال في الولايات الجديدة.

وتشير تقديرات الدراسة إلى أن فرع التنظيم في الصومال وحده يجمع نحو 6 ملايين دولار سنويا.

كما بدأت فروع التنظيم باستخدام العملات المشفرة بشكل متزايد لنقل الأموال دوليا. وتبرز ولاية خراسان كأحد أنشط الفروع في هذا المجال، حيث تستخدم عملة "Tether" المشفرة لتلقي التمويل، قبل تحويلها إلى نقد عبر منصات الصرافة في تركيا.

ويكشف التقرير أن أنصار التنظيم في جزر المالديف قاموا بجمع وإرسال أموال عبر العملات المشفرة إلى محافظ إلكترونية مرتبطة بوحدات الإعلام التابعة لداعش خراسان وداعش باكستان. وقد تم جمع هذه الأموال من خلال شبكة تضم نحو 20 شخصا يستخدمون واجهات شركات وهمية.

أما في أفغانستان، فقد تكيف الصرافون التقليديون مع التطور التكنولوجي، وبدأوا في إنشاء محافظ للعملات المشفرة لتسهيل تحويل الأموال دوليا، مستفيدين من قربهم من الهند وباكستان اللتين تشهدان نشاطا كبيرا في مجال العملات المشفرة، وفقا للمصدر ذاته.

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.