صورة أرشيفية لعناصر من الفصائل المسلحة بالسويداء (فرانس برس)
صورة أرشيفية لعناصر من الفصائل المسلحة بالسويداء (فرانس برس)

من يمثل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في "سوريا الجديدة"؟..  وهل المواقف التي صدرت عن رجال الدين تمثل جزءا أم كلاً؟..  ماذا عن أصحاب العسكرة؟، وما السر وراء البيان الذي صدر في توقيت لافت ليلة الإثنين؟.

هذه التساؤلات تضاربت الأجوبة المتعلقة بها، خلال الأيام الماضية، ونتيجة لذلك خيمت حالة من الجدل والتشكيك، اعتبرها خبراء ومراقبون في حديثهم لموقع "الحرة"، "طبيعية" بناء على الظرف الحاصل من جهة، فيما تحمل تفسيرات وأبعاد من جهة أخرى.

فبعد سقوط نظام بشار الأسد، تصّدر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، مشهد المحافظة ذات الغالبية الدرزية، على صعيد المواقف والتصريحات، وحتى أنه أصبح من بين الشخصيات الأكثر شهرة التي تستضيفها وسائل الإعلام العربية والغربية للحديث عن شكل "سوريا الجديدة".

في أكثر من لقاء، عبّر الهجري عن مواقفه المتعلقة بالمستقبل السوري، إذ تحدث عن "الجيش" المراد تشكيله في المرحلة المقبلة، والدستور، وشكل الحكم. 

لكن ما كان لافتا في كلماته مؤخرا، إشارته إلى رهن تسليم سلاح المحافظة، وحل الفصائل بـ"وجود جيش سوري قوي وبناء هيكل واضح للدولة".

الهجري رفض تسليم سلاح الفصائل في السويداء

وفتح هذا "الرهان" باب انتقادات واسعة للزعيم الروحي للطائفة، وقرأه سوريون بأعين مختلفة. وفي حين بقي في إطار الأخذ والرد والتشكيك، جاء بيان معلن ومصور من أكبر فصيلين عسكريين في السويداء، ليحسم القضية المتعلقة بالسلاح و"الحل"، ويفتح بابا جديدا من التساؤلات والجدل.

الفصيلان هما "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل"، وجاء في بيانهما، الإثنين، الذي حمل شكل "خارطة الطريق" أن نهاية حكم الأسد، تمثل فرصة تاريخية لتأسيس دولة عادلة، مؤكدين أن حمل السلاح كان "دفاعا عن أهل السويداء بكافة أطيافهم"، وأنه "وسيلة اضطرارية وليس غاية".

وبينما دعت الخارطة إلى تأسيس دولة يكون السلاح فيها "حكرا على مؤسسة عسكرية وطنية"، فإنها أكدت على استعداد الفصيلين للاندماج ضمن جسم عسكري يشكل نواة لجيش وطني جديد، يرفض "أي طابع فئوي أو طائفي".

من يمثل ماذا؟

المواقف التي أبداها الشيخ الهجري وما تبعها من بيان الفصائل العسكرية يشي بوجود "تمايز في المواقف" المتعلقة بمحافظة السويداء ككل، وبسلاحها ونظرتها تجاه السلطة الجديدة في دمشق، فضلا عن الخطوات التي تؤسس الأخيرة لها على صعيد العسكرة بشكل خاص.

ويؤكد على ما سبق صحفيون وباحثون من السويداء لموقع "الحرة"، بينهم الباحث نورس عزيز والصحفي السوري هاني عزام.

ويقول عزيز لموقع "الحرة": "الشيخ الهجري لا يمثل كل أطياف السويداء، والدلالة على ذلك هو مضمون البيان الصادر من أكبر فصيلين عسكريين".

ويضيف: "الفصيلان قدّما رؤيتهما المستقبلية، وكشفا عن وجهة نظرهما بشأن خريطة الحل، بعيدا عن الشيخ الهجري وليس بالتنسيق معه".

يمثل الهجري الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء الواقعة جنوبي سوريا، وكان له دور بارز في الحراك السلمي الأخير، الذي انطلق ضد نظام الأسد قبل سقوطه.

دعم الهجري الحراك السلمي، وأكد على مطالب المتظاهرين في الشوارع والساحات، ورغم ذلك، لا يعني هذا أن المواقف المعلنة من جانبه يسير عليها جميع أبناء المحافظة.

"الموقف الظاهري بين حركة رجال الكرامة ولواء الجبل والشيخ الهجري يذهب باتجاه التمايز، لكنه غير ذلك عند الغوص في الداخل أكثر"، حسب قول الصحفي السوري، عزام.

الهجري يقول "لا نسلم سلاحنا حتى نرى دولة حقيقية ودستور جامع لكل السوريين، لأن هناك أخطار".

في المقابل، تقول "الحركة واللواء"، "لن نسلم سلاحنا، وسيظل معنا".. وأعلنوا ذلك أكثر من مرة.

ويوضح عزام أن بيان الفصائل المذكورة، الإثنين، بأنهم مستعدون للانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع، "لا يعني أن سلاحهم سيتجرد".

ويعتقد أن يكون الهدف منه "التمايز عن باقي الفصائل وأن يكون لهم علاقة مع دمشق بدلا من فصائل أخرى".

وقد يكون الهدف أيضا "تخفيف الضغط على المحافظة في ظل البيانات المزيفة والذباب الإلكتروني الذي عاد بقوة بعد سقوط النظام بأيام، بهدف زرع الفتنة والطائفية".

"وجهات نظر متمايزة"

في الحراك السلمي الأخير كانت عدة هيئات سياسية ومدنية تتحدث باسم المتظاهرين السلميين في السويداء. وانضم إليهم صحفيون وناشطون سياسيون تولوا مسار الدعم من الخارج.

ومع ذلك، لم تكن هناك جهة رئيسية تمثل المطالب والشروط، في وقت كانت تصدر أصوات أخرى من جانب قادة تشكيلات عسكرية وشيوخ عقل بارزين، على رأسهم الهجري.

ويشير عزام إلى "وجود وجهات نظر متمايزة في السويداء السورية".

ويوضح أن "الانتفاضة الشعبية التي خرجت منذ عام ونصف لا يساير أفرادها بمكوناتهم العديدة؛ مواقف الشيخ الهجري، على الرغم من أن جزءا من هذه المكونات منضوية تحت اسم هيئة الحراك الذي رعاه".

"نشطاء الحراك ضد السلاح العشوائي ومن هم مع تسليمه بأقرب فرصة، يطالبون بالإسراع بعقد مؤتمر وطني، وهو ما دعا إليه الهجري أيضا"، حسب الصحفي السوري.

رجال دين من السويداء السورية طالبوا بفتح معبر مع الأردن
كيف أصبحت السويداء السورية مركزا لصناعة وتجارة الكبتاغون؟
"هجموا أهلنا الأحرار حرقوا المقر له، انسحب باتجاه البيت. بقي يقاوم حتى الليل"، وعندما دخلت الفصائل المسلحة منزل راجي فلحوط وجدوا مكبس "كبتاغون"، هكذا يصف قائد تجمع أحرار جبل العرب، سليمان عبد الباقي لـ"الحرة" كيف نالت تجارة الكبتاغون من محافظة السويداء في سوريا.

ويعتبر أن "الهجري يمثل مرجعية دينية، لكن اعتباره كمرجعية سياسية محط خلاف".

من جانبه، يرى الباحث عزيز أن "جزءا من خطاب الفصائل العسكرية يضع الأمور في نصابها، وهو ما لم يفهمه الناس في السابق".

"الفصائل قالت: نشد على يد مرجعياتها الدينية سواء الروحية أو العقل، وعلى مستوى أئمة المساجد والمطارنة والأسقف ورؤساء الكنائيس في السويداء".. وهذا رسالة واضحة بأن "موقع رجال الدين في أماكن العبادة الخاصة بهم، دون أن يعني ذلك عدم وجود أي حق لهم في المشاركة بالرأي السياسي وليس الاحتكار"، وفق عزيز.

"صمام أمان"

السويداء هي واحدة بين عدة محافظات سورية "استثنائية" على صعيد شكل السيطرة والتمثيل، الذي لا تُعرف الطبيعة الذي سيكون عليها مع القيادة السورية الجديدة في دمشق.

ورغم أن حديث الهجري بخصوص "عدم تسليم السلاح في الوقت الحالي" فتح عليه باب انتقادات واسع، فإن هذه الحالة تنسحب على مناطق أخرى، بينها درعا ومناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة للإدارة التركية.

ويقول الهجري بنفسه إنه "رجل دين"، بينما تذهب الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية الأخرى في السويداء باتجاه آخر، يقوم على الحدة وضرورة أخذ دورهم دون إقصاء، وفقا لحديث الصحفي عزام.

ويوضح أن السويداء "تضم مرجعيات دينية أخرى ومرجعيات سياسية واسعة وكثيرة. تشكل أكثرها بعد الحراك السلمي الأخير".

وفي حين يؤكد الصحفي على وجود "تمايز في التمثيل والمواقف"، فإنه يشير إلى أن غياب الآلية الخاصة بتمثيل السويداء في مؤتمر "الحوار الوطني" المرتقب، لا يزال موضع خلاف حتى الآن.

في المقابل، وعلى صعيد فصائل السويداء، يرى الباحث عزيز أن "الخارطة التي وضعتها تفند أي ادعاءات بوجود فكر للانفصال".

ويعتبر أن الخارطة أيضا بمثابة "صمام أمام"، مضيفا: "الخطاب مريح.. الدروز رصيد لسوريا وللدفاع عنها".

"السياسة لها ميادين"

الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط، يؤكد على ما أشار إليه عزام، ويوضح: "مكان السويداء هو ذاك الذي وضعته شعارات ساحة الكرامة منذ أن ثار المتظاهرون في السويداء".

على مدى عام ونصف.. أكد هؤلاء المتظاهرون على شعاراتهم "ببناء سوريا واحدة موحدة لكل السوريين".

كما شددوا على ضرورة بناء دولة "تليق بنضالات كل أبنائها وبالثمن الغالي الذي دفعته بقية المدن السورية"، بحسب حديث قرقوط لموقع "الحرة".

ويعتقد الناشط السياسي أن بيان الفصيلين العسكريين (رجال الكرامة، لواء الجبل) "واضح من زاوية التأكيد على بناء جيش لسوريا ولحماية الوطن، دون أن يتدخل في السياسة والإدارة".

ويضيف أن "البيان يأتي في سياق الرد على الحملات الأخيرة والتشكيك بموقف السويداء"، مؤكدا على فكرة أن "المحافظة خارج مفهوم الانفصال الذي يثيره فلول النظام السابق".

وفيما يتعلق بمواقف الهجري، يرى قرقوط أن "العمل السياسي الآن له ميادين ومجالات أخرى، بعيدا عن رجالات الدين".

وفي حين يقول إن "رجال الدين متفقون أيضا مع هذا الخيار وشبان السويداء كذلك"، يشير إلى المكانة التي كان عليها رجال الدين في السويداء سابقا، على صعيد حل الخلافات الداخلية و"حفظ الأمن والحفاظ على الهيبة الاجتماعية".

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".