من يمثل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في "سوريا الجديدة"؟.. وهل المواقف التي صدرت عن رجال الدين تمثل جزءا أم كلاً؟.. ماذا عن أصحاب العسكرة؟، وما السر وراء البيان الذي صدر في توقيت لافت ليلة الإثنين؟.
هذه التساؤلات تضاربت الأجوبة المتعلقة بها، خلال الأيام الماضية، ونتيجة لذلك خيمت حالة من الجدل والتشكيك، اعتبرها خبراء ومراقبون في حديثهم لموقع "الحرة"، "طبيعية" بناء على الظرف الحاصل من جهة، فيما تحمل تفسيرات وأبعاد من جهة أخرى.
فبعد سقوط نظام بشار الأسد، تصّدر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، مشهد المحافظة ذات الغالبية الدرزية، على صعيد المواقف والتصريحات، وحتى أنه أصبح من بين الشخصيات الأكثر شهرة التي تستضيفها وسائل الإعلام العربية والغربية للحديث عن شكل "سوريا الجديدة".
في أكثر من لقاء، عبّر الهجري عن مواقفه المتعلقة بالمستقبل السوري، إذ تحدث عن "الجيش" المراد تشكيله في المرحلة المقبلة، والدستور، وشكل الحكم.
لكن ما كان لافتا في كلماته مؤخرا، إشارته إلى رهن تسليم سلاح المحافظة، وحل الفصائل بـ"وجود جيش سوري قوي وبناء هيكل واضح للدولة".
وفتح هذا "الرهان" باب انتقادات واسعة للزعيم الروحي للطائفة، وقرأه سوريون بأعين مختلفة. وفي حين بقي في إطار الأخذ والرد والتشكيك، جاء بيان معلن ومصور من أكبر فصيلين عسكريين في السويداء، ليحسم القضية المتعلقة بالسلاح و"الحل"، ويفتح بابا جديدا من التساؤلات والجدل.
الفصيلان هما "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل"، وجاء في بيانهما، الإثنين، الذي حمل شكل "خارطة الطريق" أن نهاية حكم الأسد، تمثل فرصة تاريخية لتأسيس دولة عادلة، مؤكدين أن حمل السلاح كان "دفاعا عن أهل السويداء بكافة أطيافهم"، وأنه "وسيلة اضطرارية وليس غاية".
وبينما دعت الخارطة إلى تأسيس دولة يكون السلاح فيها "حكرا على مؤسسة عسكرية وطنية"، فإنها أكدت على استعداد الفصيلين للاندماج ضمن جسم عسكري يشكل نواة لجيش وطني جديد، يرفض "أي طابع فئوي أو طائفي".
من يمثل ماذا؟
المواقف التي أبداها الشيخ الهجري وما تبعها من بيان الفصائل العسكرية يشي بوجود "تمايز في المواقف" المتعلقة بمحافظة السويداء ككل، وبسلاحها ونظرتها تجاه السلطة الجديدة في دمشق، فضلا عن الخطوات التي تؤسس الأخيرة لها على صعيد العسكرة بشكل خاص.
ويؤكد على ما سبق صحفيون وباحثون من السويداء لموقع "الحرة"، بينهم الباحث نورس عزيز والصحفي السوري هاني عزام.
ويقول عزيز لموقع "الحرة": "الشيخ الهجري لا يمثل كل أطياف السويداء، والدلالة على ذلك هو مضمون البيان الصادر من أكبر فصيلين عسكريين".
ويضيف: "الفصيلان قدّما رؤيتهما المستقبلية، وكشفا عن وجهة نظرهما بشأن خريطة الحل، بعيدا عن الشيخ الهجري وليس بالتنسيق معه".
يمثل الهجري الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في السويداء الواقعة جنوبي سوريا، وكان له دور بارز في الحراك السلمي الأخير، الذي انطلق ضد نظام الأسد قبل سقوطه.
دعم الهجري الحراك السلمي، وأكد على مطالب المتظاهرين في الشوارع والساحات، ورغم ذلك، لا يعني هذا أن المواقف المعلنة من جانبه يسير عليها جميع أبناء المحافظة.
"الموقف الظاهري بين حركة رجال الكرامة ولواء الجبل والشيخ الهجري يذهب باتجاه التمايز، لكنه غير ذلك عند الغوص في الداخل أكثر"، حسب قول الصحفي السوري، عزام.
الهجري يقول "لا نسلم سلاحنا حتى نرى دولة حقيقية ودستور جامع لكل السوريين، لأن هناك أخطار".
في المقابل، تقول "الحركة واللواء"، "لن نسلم سلاحنا، وسيظل معنا".. وأعلنوا ذلك أكثر من مرة.
ويوضح عزام أن بيان الفصائل المذكورة، الإثنين، بأنهم مستعدون للانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع، "لا يعني أن سلاحهم سيتجرد".
ويعتقد أن يكون الهدف منه "التمايز عن باقي الفصائل وأن يكون لهم علاقة مع دمشق بدلا من فصائل أخرى".
وقد يكون الهدف أيضا "تخفيف الضغط على المحافظة في ظل البيانات المزيفة والذباب الإلكتروني الذي عاد بقوة بعد سقوط النظام بأيام، بهدف زرع الفتنة والطائفية".
"وجهات نظر متمايزة"
في الحراك السلمي الأخير كانت عدة هيئات سياسية ومدنية تتحدث باسم المتظاهرين السلميين في السويداء. وانضم إليهم صحفيون وناشطون سياسيون تولوا مسار الدعم من الخارج.
ومع ذلك، لم تكن هناك جهة رئيسية تمثل المطالب والشروط، في وقت كانت تصدر أصوات أخرى من جانب قادة تشكيلات عسكرية وشيوخ عقل بارزين، على رأسهم الهجري.
ويشير عزام إلى "وجود وجهات نظر متمايزة في السويداء السورية".
ويوضح أن "الانتفاضة الشعبية التي خرجت منذ عام ونصف لا يساير أفرادها بمكوناتهم العديدة؛ مواقف الشيخ الهجري، على الرغم من أن جزءا من هذه المكونات منضوية تحت اسم هيئة الحراك الذي رعاه".
"نشطاء الحراك ضد السلاح العشوائي ومن هم مع تسليمه بأقرب فرصة، يطالبون بالإسراع بعقد مؤتمر وطني، وهو ما دعا إليه الهجري أيضا"، حسب الصحفي السوري.
ويعتبر أن "الهجري يمثل مرجعية دينية، لكن اعتباره كمرجعية سياسية محط خلاف".
من جانبه، يرى الباحث عزيز أن "جزءا من خطاب الفصائل العسكرية يضع الأمور في نصابها، وهو ما لم يفهمه الناس في السابق".
"الفصائل قالت: نشد على يد مرجعياتها الدينية سواء الروحية أو العقل، وعلى مستوى أئمة المساجد والمطارنة والأسقف ورؤساء الكنائيس في السويداء".. وهذا رسالة واضحة بأن "موقع رجال الدين في أماكن العبادة الخاصة بهم، دون أن يعني ذلك عدم وجود أي حق لهم في المشاركة بالرأي السياسي وليس الاحتكار"، وفق عزيز.
"صمام أمان"
السويداء هي واحدة بين عدة محافظات سورية "استثنائية" على صعيد شكل السيطرة والتمثيل، الذي لا تُعرف الطبيعة الذي سيكون عليها مع القيادة السورية الجديدة في دمشق.
ورغم أن حديث الهجري بخصوص "عدم تسليم السلاح في الوقت الحالي" فتح عليه باب انتقادات واسع، فإن هذه الحالة تنسحب على مناطق أخرى، بينها درعا ومناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة للإدارة التركية.
ويقول الهجري بنفسه إنه "رجل دين"، بينما تذهب الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية الأخرى في السويداء باتجاه آخر، يقوم على الحدة وضرورة أخذ دورهم دون إقصاء، وفقا لحديث الصحفي عزام.
ويوضح أن السويداء "تضم مرجعيات دينية أخرى ومرجعيات سياسية واسعة وكثيرة. تشكل أكثرها بعد الحراك السلمي الأخير".
وفي حين يؤكد الصحفي على وجود "تمايز في التمثيل والمواقف"، فإنه يشير إلى أن غياب الآلية الخاصة بتمثيل السويداء في مؤتمر "الحوار الوطني" المرتقب، لا يزال موضع خلاف حتى الآن.
في المقابل، وعلى صعيد فصائل السويداء، يرى الباحث عزيز أن "الخارطة التي وضعتها تفند أي ادعاءات بوجود فكر للانفصال".
ويعتبر أن الخارطة أيضا بمثابة "صمام أمام"، مضيفا: "الخطاب مريح.. الدروز رصيد لسوريا وللدفاع عنها".
"السياسة لها ميادين"
الكاتب والناشط السياسي، حافظ قرقوط، يؤكد على ما أشار إليه عزام، ويوضح: "مكان السويداء هو ذاك الذي وضعته شعارات ساحة الكرامة منذ أن ثار المتظاهرون في السويداء".
على مدى عام ونصف.. أكد هؤلاء المتظاهرون على شعاراتهم "ببناء سوريا واحدة موحدة لكل السوريين".
كما شددوا على ضرورة بناء دولة "تليق بنضالات كل أبنائها وبالثمن الغالي الذي دفعته بقية المدن السورية"، بحسب حديث قرقوط لموقع "الحرة".
ويعتقد الناشط السياسي أن بيان الفصيلين العسكريين (رجال الكرامة، لواء الجبل) "واضح من زاوية التأكيد على بناء جيش لسوريا ولحماية الوطن، دون أن يتدخل في السياسة والإدارة".
ويضيف أن "البيان يأتي في سياق الرد على الحملات الأخيرة والتشكيك بموقف السويداء"، مؤكدا على فكرة أن "المحافظة خارج مفهوم الانفصال الذي يثيره فلول النظام السابق".
وفيما يتعلق بمواقف الهجري، يرى قرقوط أن "العمل السياسي الآن له ميادين ومجالات أخرى، بعيدا عن رجالات الدين".
وفي حين يقول إن "رجال الدين متفقون أيضا مع هذا الخيار وشبان السويداء كذلك"، يشير إلى المكانة التي كان عليها رجال الدين في السويداء سابقا، على صعيد حل الخلافات الداخلية و"حفظ الأمن والحفاظ على الهيبة الاجتماعية".