الجزائر- فرنسا
العلاقات الفرنسية الجزائرية مضطربة منذ شهور

وسط أجواء التوتر المستمر في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، تصاعدت الأحداث في الأيام الأخيرة، مع قيام باريس بتوقيف عدد من المشتبه في تحريضهم على الإرهاب.

وبينما يحدث كل ذلك، يستمر احتجاز ناشط فرنسي-جزائري في السجون الجزائرية منذ نوفمبر الماضي.

واعتقلت السلطات الأمنية الفرنسية خلال الأيام الماضية، مجموعة من "المؤثرين" الجزائريين الذين ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، للاشتباه في "تحريضهم على الإرهاب" ووضع منشورات "تحث على ارتكاب أعمال عنف".

"الكثير من القصص"

المؤثرون الذين اعتقِلوا، نشروا مقاطع فيديو دعوا فيها إلى مواجهة دعوات للاحتجاج في الأول من يناير الجاري.

هذه الدعوات، أطلقها معارضون للسلطة في الجزائر، ومنهم من دعا صراحة إلى ارتكاب أعمال "إجرامية" وفق جون مسيحة، المستشار السابق لزعيمة اليمين الفرنسي، مارين لوبان.

يشكل الجزائريون أكبر جالية مهاجرة في فرنسا

خلال مقابلة مع موقع "الحرة" استنكر مسيحة، ما وصفه بـ"التحريض" على القتل فوق الأراضي الفرنسية.

وقال إن "مثل هذه التصرفات، تستوجب تدخلا سريعا من قبل السلطات الأمنية الفرنسية".

في المقابل، استغرب المحلل الجزائري علي بوخلاف "سرعة" اعتقال جزائريين في فرنسا.

وقال خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن "السلطات الفرنسية، شعرت بوجود تنسيق بين هؤلاء المؤثرين وأوساط تابعة أو قريبة من السلطات الجزائرية".

وتسائل بوخلاف بشأن التوقيت، ولفت إلى أنه جاء مباشرة بعد اعتقال الجزائر للناشط الفرنسي-الجزائري، بوعلام صنصال، بتهم تتعلق بتهديد أمن ووحدة الدولة.

وانزعجت السلطات الجزائرية من تصريحات أدلى بها صنصال لموقع "فرونتيير" الفرنسي المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة.

وقال صنصال في تصريحاته إن "أراض مغربية انتُزعت من المملكة في ظل الاستعمار الفرنسي، لصالح الجزائر".

قبل ذلك، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية منتصف الشهر الماضي، سفير فرنسا ووجهت له "تحذيرا شديد اللهجة" على خلفية "ممارسات عدائية" تهدف إلى "زعزعة استقرار" الجزائر، كما نقلت صحف جزائرية.

وكانت قنوات حكومية جزائرية بثت مؤخرا، شريطا وثائقيا عن إحباط الاستخبارات الجزائرية "خطة" لتجنيد إرهابيين جزائريين من قبل فرنسيين، يعملون في سفارة باريس في الجزائر،  بهدف "ضرب استقرار  البلاد".

ولا تزال حالة التشنج بين باريس والجزائر، قائمة حتى اليوم.

والاثنين، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن "استيائه" من استمرار احتجاز الجزائر لصنصال منذ منتصف نوفمبر الماضي، وقال إن "ذلك يسيء إلى سمعتها" في إشارة إلى الجزائر.

انتقام!

يرفض جون مسيحة، ربط حملة الاعتقالات التي طالت "مؤثرين" جزائريين في فرنسا، باعتقال السلطات الجزائرية لصنصال.

وقال: "العدل في فرنسا ليس مسيسا"، ردا على من يرى حملة الاعتقالات الفرنسية جاءت كردة فعل للتوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين.

أشار مسيحة إلى أن "الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا ويدفعون الضرائب ويعيشون بصفة طبيعية، لا أحد تعرض لهم".

لكن بوخلاف قال إن السجن في فرنسا "استثناء"، وأبدى استغرابه لسجن هؤلاء الشباب "خاصة قبل المحاكمة".

وقال إن "تزامن التصريحات بخصوص الموضوع بين المسؤولين الفرنسيين وسرعة سجن  الشباب، يوحي ربما، بأن باريس تعتقد أن هناك دوائر تحركهم".

والجمعة، أودع شاب جزائري يبلغ من العمر 25 عاما، ويُعرف على وسائل التواصل الاجتماعي بـ"زازو يوسف"، الحبس الاحتياطي في مدينة بريست، حسب بيان صادر عن المدعي العام كامي ميانسوني.

ومن المقرر، أن يُحاكم "زازو يوسف" في 24 فبراير بتهمة "التحريض العلني على ارتكاب عمل إرهابي" بسبب منشورات على حسابه الذي يتابعه مئات الآلاف.

وظهر الشاب في مقطع فيديو على منصة تيك توك بتاريخ 31 ديسمبر، يدعو فيه إلى مهاجمة أي محتج يعارض السلطات الجزائرية، سواء في فرنسا أو الجزائر.

كما تم توقيف مؤثر آخر معروف على مواقع التواصل باسم "عماد تانتان" في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو دعا فيه متابعيه إلى "حرق" أي محتج سواء في فرنسا أو الجزائر.

حقق فيديو "تانتان" أكثر من 800 ألف مشاهدة قبل أن يقوم بحذفه، ذلك عقب اعتقال أحد المؤثرين.

إلا أن وزير الداخلية الفرنسي اليميني برونو ريتايو أعاد نشر مقتطف من الفيديو عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.

بعد ذلك، أفادت النيابة العامة في غرونوبل أن قاضيا أمر بوضع المدون البالغ من العمر 31 عاما تحت الإشراف القضائي، على أن يُحاكم لاحقا بتهمة "التحريض المباشر على ارتكاب عمل إرهابي".

يُذكر أن "عماد تانتان" دخل فرنسا في ديسمبر 2021، وتقدم بطلب للحصول على تصريح إقامة في أغسطس 2023 بعد زواجه من مواطنة فرنسية.

لكن طلبه قوبل بالرفض، وأصبح معرضا لاحتمال الترحيل.

وفي قضية أخرى، أعلن الوزير الفرنسي ريتايو مساء الأحد، توقيف ناشط ثالث في مدينة مونبلييه الساحلية، بسبب منشورات عنيفة استهدفت ناشطا جزائريا معارضا.

وتمر العلاقات الفرنسية الجزائرية بحالة من الاضطراب منذ شهور، حيث استدعت الجزائر سفيرها لدى فرنسا هذا الصيف، بعد أن أعلنت باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية المتنازع عليها.

في المقابل، تدعم الجزائر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) الساعية لإقامة دولة مستقلة في كامل الإقليم الصحراوي.

الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها
الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا لحظة وصولها إلى روما عائدة من إيران بعد الإفراج عنها

"حضرات السادة المسافرين، هذا هو النداء الأخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى طهران".

بهذا التسجيل الصوتي في مطار روما، تبدأ أولى حلقات بودكاست (كورا)، التي أعدتها الصحفية الإيطالية تشيتشيليا سالا أثناء رحلتها الأخيرة لإيران قبل أن تعتقلها السلطات  الإيرانية في 19 ديسمبر، وتبقى خلف القضبان طيلة 3 أسابيع.

تقول سالا إنها حصلت على تأشيرة صحافة لدخول إيران بعد انتخاب الرئيس مسعود بزكيشان والسماح لممثلي بعض وسائل الإعلام الدولية بالسفر إلى الجمهوية الإسلامية وهو أمر كان صعبا خلال السنتين الماضيتين.

كانت سالا (29 عاما) تمنّي النفس بلقاء أصدقاء وأشخاص تعرفت عليهم هناك في رحلة إلى إيران قبل عامين ونقل قصص عن أحوال البلاد وأهلها من مختلف الأجيال والاهتمامات. 

في أولى حلقات البودكاست، وهي بعنوان "دردشة حول الأبوية في طهران"، تعبر سالا عن سعادتها بالعودة إلى طهران، "المنطقة التي اشتقت لها وحيث يعيش أشخاص اشتقت لهم كثيرا".

وفي عرض انطباعاتها عن البلاد، تقول: ثلاثة أشياء تغيرت منذ رحلتي الأخيرة إلى إيران:

1- مئات آلاف النساء لا يرتدين الحجاب ولا يعرن أي اهتمام إذا التقط شخص أجنبي صورا لهن. لكن هناك كاميرات رقمية مثبتة في مناطق حيوية تصور كل شيء وتبعث بإشارات خاصة للشرطة بشأن النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب.

2- طهران تعرضت لقصف إسرائيلي لأول مرة (26 أكتوبر 2024)، وفي نفس الفترة نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عدة فيديوهات يوجه فيها رسالة مباشرة إلى الإيرانيين مفادها أن النظام الإيراني سيسقط قريبا وبوتيرة أسرع مما يتصور البعض. 

3- يتولى منصب الرئاسة أول رئيس إصلاحي خلال الـ20 سنة الأخيرة الماضية، وهو مسعود بزشكيان الذي انتُخب في أواخر يوليو 2024.

قامت سالا بجولة في أحياء طهران للقاء أصدقاء وأشخاص من جيلها، في سن العشرينيات والثلاثينات لكي يتحدثوا عن بلدهم. ولاحظت أن من تقل أعمارهم عن 35 عاما يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم حوالي 90 مليون نسمة.

الأمل شيء خطير 

اختارت سالا قصة شابة اسمها ديبا، 21 عاما، شعرها قصير مصبوغ باللون الأحمر. تدرس الاقتصاد وتشتغل نادلة، وتعشق موسيقى الجاز.

للحديث عن الأوضاع في إيران، تردد ديبا مقطع من أغنية للأميركية لانا ديل راي: "الأمل شيء خطير بالنسبة لامرأة مثلي". وتواصل الاقتباس من نفس الأغنبية "لا تسأل إن كنت سعيدة، فأنت تعلم أنني لست كذلك".

تقول ديبا إنها غادرت بيت أهلها، وهي في ربيعها الـ19، وكان ذلك عام 2022، تزامنا مع اندلاع موجة الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران. 

لم يحبذ والداها الفكرة. بدأت ديبا حياة جديدة. أصبحت تنام في سكن جامعي وبدأت التدخين. ترتدي الحجاب أثناء العمل وتزيله خارج ساعات العمل. ترفض ديبا التعامل معها على أساس الجندر، وترفض تقسيم الأدوار في المجتمع بناء على ذلك. 

تحكي عن هشاشة وضعها الاقتصادي ومدى تأثرها بموجة التضخم والانخفاض المستمر للريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي. والحل الوحيد أمام ديبا لتحقيق ذاتها واستقلاليتها عن عائلتها هو مزيد من العمل، لهذا تعمل أحيانا 14 ساعة في اليوم. 

تعرضت ديبا للطرد من العمل ثلاث مرات لأسباب غير مهنية وتلقت عروضا للزواج شرط التخلي عن أسلوبها الجديد في الحياة، لكنها تفضل إثبات ذاتها والتمسك بحريتها واستقلاليتها.

تقول سالا عن محدثتها ديبا إنها نموذج لمئات آلاف الإيرانيات اللواتي عليهن ادخار بعض المال لدفع الغرامات التي تفرضها الحكومة على من لا يلتزمن بارتداء الحجاب. ومن لا يدفعن الغرامة فهن مهددات بالسجن، وفق قانون "الحجاب والعفة" الذي تمت المصادقة عليه أثناء فترة حكم الرئيس ابراهيم رئيسي.

الرئيس الحالي بزكيشان عبّر عن عدم تحمسه لذلك القانون، وقال أثناء حملته الانتخابية إنه لا يمكن للحكومة أن تفرض بعض الأمور على النساء. لكن "مجلس خبراء القيادة" وافق على العقوبات الواردة في ذلك القانون.

لم يبق أمام الرئيس بزكيشان سوى التوقيع عليه، قبل أن يتم تجميد العمل بمقتضياته في سياق التطورات المتسارعة في المنطقة وحرص القيادة الإيرانية على تفادي مزيد من الاحتجاجات. 

صور المقاومة ونهايتها 

من أجواء الاحتجاجات والتطلع للحريات، تعود سالا بمتابعيها لأواخر سبعينيات القرن الماضي في حلقة بعنوان "ألبوم صور عائلة محور المقاومة"، وهي في ضيافة متحدث تقول عنه إنه كان من أوائل الضباط الكبار في الحرس الثوري الإيراني وساهم طيلة 45 عاما في بناء "محور المقاومة". 

أمضت سالا ساعة في بيت مضيفها حسين كناني وتصفحت معه "ألبوم صور عائلة المقاومة" الذي يعكس بعض ملامح تدخل إيران في الشرق الأوسط من خلال ميليشيات موالية لها (حزب الله في لبنان، حماس في غزة، الحوثيون في اليمن) ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يتضمن الألبوم صورا لكناني مع جنرالات اغتالتهم إسرائيل في سوريا في فترات مختلفة، بعضهم لقوا حتفهم في قصف إسرائيلي لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل 2024. 

وفي صور أخرى تعود لثمانينيات القرن الماضي، يظهر كناني قرب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله ومع حسين أمير عبد اللهيان الذي أصبح لاحقا وزيرا للشؤون الخارجية ولقى مصرعه إلى جانب الرئيس ابراهيم رئيسي في تحطم مروحيتهم في شهر مايو 2024.

وتعليقا على صور مع الجنرال قاسم سليماني، يقول المتحدث إنه تعرف عليه قبل 44 عاما، وإنه هو من أشرف على سليماني في بداية مشواره قبل أن يصبح لاحقا أشهر جنرال إيراني في المنطقة.

اغيتل سليماني مطلع عام 2020 بطائرة مسيرة أميركية ليبدأ محور المقاومة في التلاشي قبل أن تتسرع وتيرة انهياره منذ 7 أكتوبر 2023.

تقول سالا إن كل أصدقاء كناني توفوا، وتواصل الحديث عن "محور المقاومة" بالتركيز على سوريا التي وصفتها "الحلقة الذهبية". وتختم بالقول إن محور المقاومة انتهى بسقوط النظام السوري على غرار تفكك المعسكر الشيوعي بسقوط جدار برلين.

كوميديا واقتصاد موازي

من المقاومة وألغامها، تعود سالا بمتابعيها إلى أجواء "ثورة" أخرى، ثورة بالفن والابتكار. وتفتح الميكروفون لزينب موسوي، وهي كوميدية مشهورة تمزج شخصيات من الأساطير الفارسية القديمة بقفشات ذات إيحاءات جنسية لا يفهمها إلا أهل البلد. 

في حلقة بعنوان "كوميديا طهران"، تختصر سالا قصة زينب موسوي بالقول إنها "مضحكة جدًا لدرجة أنهم أوقفوا حسابها على إنستغرام". 

على غرار زينب موسوي بدأ نحو مليوني شخص في ممارسة أنشطة على المنصات الرقمية لكن ذلك تعثر عندما اندلعت الاحتجاجات في نوفمبر 2022 وقررت السلطات اعتبار شركة ميتا مؤسسة معادية، وتم حظر المنصات التابعة لها وهي فيسبوك وإنستغرام وواتسآب. 

كانت تلك أحدث محطة في التطورات التي شهدتها البلاد خلال الـ10 سنوات الماضية، إذ بدأ الاقتصاد الرقمي في الانتعاش بالاعتماد على تطبيقات تتصل بالخدمات والنقل والمعاملات المالية والتجارية.

المتظاهرون في عام 2022 هم من الجيل الذي ركب الموجة الرقمية وأطلقوا أنشطة موازية حققت لهم الاستقلالية الاقتصادية عن المؤسسات التابعة للدولة أو المخابرات أو المؤسسة الدينية.

الناشطون على هذه المنصات يستعلمون تطبيقات خاصة لتفادي رقابة الحكومة على أنشطتهم وهكذا لم يكن أمام الحكومة سوى معاقبة الجميع من خلال التحكم في الإنترنت سواء بتعطليه أو حجبه أحيانا وبحظر بعض التطبيقات الإلكترونية من قبيل VPN. 

وأحيانا تمارس الحكومة ضغوطها عبر أدوات اقتصادية من خلال تشديد المعاملات البنكية أو الضغط على الشركات الحكومية الكبرى لكي لا تتعامل مع تجار التجزئة على المنصات الرقمية.

اعتقلت السلطات زينب في بيت والدها في مدينة قم، وقضت 28 يوما قيد الاعتقال الاحتياطي في زنزانة انفرادية في واحد من أسوأ السجون في البلاد قبل أن يُفرج عنها وتتواصل محاكمتها وهي مطلقة السراح. 

تقول زينب إن روح الفكاهة لم تفارقها حتى وهي في السجن، حيث كانت ترد على أسئلة المحققين بطريقة مرحة. 

اعتقال في الفندق
بينما كانت سالا في الفندق تستعد للذهاب إلى مطار طهران لتعود إلى إيطاليا، اقتحم أفراد من الشرطة غرفتها واقتادوها إلى سجن إيفين السيء السمعة.

في بودكاست بعنوان "أيامي في إيفين، بين التحقيقات والعزلة"، تتحدث سالا عن تلك التجرية وتقول بعد عودتها لإيطاليا، إنها قضت بعض الوقت في زنزانة انفرادية، وأثناء الاعتقال كانت تتخيل مئات المشاهد الكوميدية وهو ما أكسبها القوة على تحمل عبء السجن.

في ساعات الاعتقال الأولى ساورتها مخاوف بشأن الفترة التي ستقضيها خلف الجدران. لم تكن متفائلة ولم تكن متشائمة. بدأت تقضي الوقت في حساب الأيام والساعات باستعمال أصابعها، وتقول "لم أكن أتوقع أن يتم الإفراج عني بهذه السرعة".

وعن ظروف الاعتقال تقول إن المسألة الأكثر قسوة هو "الصمت والحبس الانفرادي"، وتستطرد "في هذا الفراغ يتلاشى النوم ولا مكان للحلم وتصبح الساعات بحجم الأسابيع، والكتاب هو أكثر شيء كان ينقصني في السجن، كتاب يروي قصة شخص آخر وليس قصتي أنا، قصة يمكن أن أنغمس فيها".

طيف الفتى كافكا والقرآن

وعن الكتاب الذي كانت تفضل أن يكون جليسها في غياهب السجن، تنتقي سالا رواية للكاتب الياباني هاروكي موراكامي بعنون "كافكا على الشاطئ". وهي عمل مفعم بالحزن بطلها فتى ياباني اسمه كافكا تامورا، متمرد على وضعه العائلي ويسعى لتحقيق استقلاليته. لا يستبعد أن يكون تمرد الشابة ديبا في طهران هو ما أوحى لها بقصة تمرد كافكا في اليابان. 

وأثناء الاعتقال سحبوا منها النظارات. طلبت من مسؤولي السجن نسخة من القرآن باللغة الإنكليزية، معتقدة أن ذلك هو الكتاب الوحيد المسموح به في سجن مشدد الحراسة في الجمهورية الإسلامية. 

حاولت القراءة من دون نظارات بتقريب المصحف إلى عينها، لكن ذلك تعذر قبل أن تستعيد نظاراتها في الأيام الأخيرة من الاعتقال.

تقول الصحفية الإيطالية إنها كانت تنام على الأرض. وبشأن الأكل في السجن، تقول إنها كانت محظوظة وتقول "الأكل الإيراني مذهل لكنه طعمه في السجن لا علاقة لها بطعمه خارج السجن. لم يكن الطعام مشكلة في السجن المشكل كان هو النوم".

كانت سالا تتمنى أن توقيفها يتعلق بإجراء سريع، لكنها فهمت من الأسئلة الأولى في الاستجواب أن الأمر لن يكون كذلك.

كانت التحقيقات معها أثناء الاعتقال شبه يومية. كان المحققون يركزون الأسئلة على ما يعتبرونه "إشهارا مناهضا للجمهورية الإسلامية", وعندما سألت عن سبب اعتقالها قيل لها إنها متهمة "بارتكاب أعمال غير قانونية في أماكن مختلفة".

وفجأة حصل ما لم يمكن في الحسبان، إذ سُمح لها بمغادرة السجن، ونقلها إلى مطار طهران حيث كانت طائرة إيطالية خاصة في انتظارها. 

ولم تتكشف بعد تفاصيل الصفقة التي تم بموجبها الإفراج عنها عن سالا. وهنا تفضل سالا الصمت لأن "هناك تحقيقات جارية، وبالتالي هناك أشياء كثيرة لا أستطيع الحديث عنها في هذه المرحلة، وفق المتفق عليه مع الأشخاص الذين تدخلوا للإفراج عني وتقديرا لما يقومون بها في هذا الموضوع".

ورغم محنة الاعتقال، تقول سالا "السجن لم يغير حبي لهذا البلد.. أحب  الإيرانيات اللواتي يرتدين الحجاب بافتخار لكنهن لا يردن أن يكون هناك شخص ما ليعاقب أو يرهب الفتيات اللواتي لا يردن ارتداءه. أحب إيران بتعقيداتها، أحب صديقاتي وأصدقائي هناك. وأنا هنا في إيطاليا ينتابني الحنين لهؤلاء الأشخاص".