عناصر في الجيش اللبناني (رويترز)
عناصر في الجيش اللبناني (رويترز)

إصرار على بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الجيش.. بهذا النهج يستهل الرئيس الجديد جوزاف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، قيادتهما للبلاد في مرحلة حساسة، وقد تبعت تصريحاتهما بهذا الشأن، أنباء عن مداهمة الجيش اللبناني مستودع سلاح تابع لحزب الله بالضاحية الجنوبية لبيروت.. فهل تعد هذه الخطوة الأولى في سلسلة من الإجراءات المقبلة التي تصب في نفس الهدف، وما هي التبعات التي قد تترتب عليها؟.

عاد سلاح حزب الله إلى الواجهة، بعد انتخاب عون رئيسا جديدا للبنان، وتكليف سلام برئاسة الحكومة، وذلك بعد حرب مدمرة مع إسرائيل، تسببت بمقتل وجرح الآلاف خلال العام الماضي، وهدنة هشة تتكثف الجهود للحفاظ على استمراريتها.

والثلاثاء، نقلت مراسلة "الحرة" في بيروت عن مصدر أمني قوله، إن "الجيش اللبناني داهم مستودع سلاح تابع لحزب الله في منطقة العمروسية بالضاحية الجنوبية"، وسط تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي.

وتطرح الخطوة تساؤلات عن إمكانية مصادرة الجيش اللبناني أسلحة لحزب الله، خاصة بعد قيامه بمصادرة أسلحة وذخائر من مواقع فصائل فلسطينية بلبنان كانت موالية لنظام المخلوع بشار الأسد في سوريا، وعن إمكانية أن يتحول الحزب إلى سياسي فقط، أو أن يحصل أي اشتباك أو احتكاك مع الجيش اللبناني.

وقالت الأكاديمية والباحثة السياسية، زينة منصور، في حديثها لموقع "الحرة" إنه "حتى الساعة لا يوجد قرار في المؤسسة العسكرية اللبنانية بأن يقف الجيش اللبناني بوجه حزب الله (...) وهو لم يقم بضبط ومصادرة مخازن السلاح، بينما الجيش الإسرائيلي هو من يقوم بتدمير مخازن أسلحة ومهاجمة مواقع لحزب الله".

وأضافت: "ما زالت المؤسسة العسكرية بحاجة للتمكين لجهة التسلح ورفع مستوى القدرات العسكرية للاضطلاع بدورها على كامل الأراضي اللبنانية وللقيام بعمليات الضبط حيث يتوجب ذلك، بهدف تطبيق الدستور الذي ينص على حصرية السلاح بالجيش اللبناني، إلى جانب أن القرارات السياسية تلجمها عن الاصطدام بالحزب"، مستبعدة أيضا "حصول اشتباكات مسلحة بين الجيش وحزب الله".

وفي هذا الصدد، نوهت بوجود "دعوات دولية لأن يصبح حزب الله سياسيا"، وأن يتخلى عن سلاحه، لتجنيب البلد المزيد من الصراعات المدمرة. 

يذكر أن الجيش اللبناني لم يصادر أسلحة من حزب الله في الماضي، وذلك بسبب طبيعة العلاقة الحساسة والمعقدة بين الطرفين، كون حزب الله (المصنف على قوائم الإرهاب في أميركا ودول أخرى)، كان يُعتبر قوة رئيسية في لبنان، ويحتفظ بترسانة عسكرية خارج إطار الجيش.

ورغم ذلك، يتواصل الجدل في البلاد حول وضع سلاح حزب الله. وقد ناقشت أطراف سياسية داخلية ودولية ضرورة وضعه تحت إشراف الدولة اللبنانية. 

لكن حتى الآن، لم يقم الجيش اللبناني بتنفيذ عمليات مصادرة واضحة أو تفكيك لقوة الحزب العسكرية.

"ضرورة وطنية"

ويرى الباحث والمحلل السياسي، طارق أبو زينب، أن نزع سلاح حزب الله "ليس فقط ضرورة وطنية، إنما هو ضرورة لتطبيق القرار الدولي 1701".

وقال في حديثه لموقع "الحرة"، إن نزع السلاح أيضا "ضرورة لحماية الأمن القومي اللبناني من المخاطر التي تترتب على تدخلات هذا الحزب في شؤون الدول الأخرى".

واستطرد موضحا أن "حزب الله كان أحد اللاعبين الرئيسيين في دعم نظام الأسد خلال الحرب الأهلية في سوريا. وبعد الانسحاب السريع لعناصره من سوريا بعد سنوات من التدخل المكثف، أصبح حزب الله في موقف ضعيف على الصعيدين اللبناني والإقليمي".

وتابع: "تراجع تأثيره في المحور الإيراني جعله غير قادر على متابعة أهدافه العسكرية خارج الحدود اللبنانية". 

وأضاف: "علاوة على ذلك، كشفت الحرب الأخيرة عن حقيقة عجز حزب الله أمام قوة إسرائيل، حيث لا يستطيع مجاراة التكنولوجيا العسكرية والتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، مما يفرض حكما بالفشل على أي مواجهة مع إسرائيل".

جوزاف عون قال في خطاب القسم أنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة - AFP
الرئيس اللبناني ومعركة "السلاح".. "لقطة" تختصر أزمة حزب الله
لقطة رصدتها عدسات الكاميرا في البرلمان اللبناني خلال خطاب القسم لقائد الجيش، جوزاف عون، بعد انتخابه رئيسا للبلاد يوم الخميس الماضي، تعكس ضعف موقف حزب الله في هذه المرحلة بعد أن كان يدير خيوط اللعبة السياسية لأعوام طويلة عبر سياسة ترهيب وترغيب الخصوم.

تفاقم الوضع الداخلي

وأشار أبو زينب إلى تفاقم وضع حزب الله داخليا، موضحا أنه "يعاني من أزمات مالية خانقة نتيجة لسياساته المدمرة والفساد الذي يعيشه تحت مظلة نفوذه السياسي". 

بالإضافة إلى ذلك، "أدت الأزمة السياسية إلى تراجع نفوذه في لبنان، خاصة بعد انتخاب الرئيس العماد جوزاف عون، الذي قدم خطابا حاسما حول حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، وضرورة تطبيق القرار الدولي 1701"، وفق أبو زينب.

كما أشار إلى أن "هذا الموقف يعكس تراجع قدرة حزب الله على توجيه الأحداث في لبنان، ويجعله غير قادر على العودة إلى مشهد التدخلات العسكرية الداخلية أو الإقليمية، التي كان يتحكم فيها سابقا".

وأكد أن حزب الله الذي "طالما استغل سلاحه كأداة للتسلّط على القرار الوطني اللبناني، يجد نفسه اليوم في مأزق داخلي وخارجي، حيث أصبح غير قادر على فرض إرادته كما كان في السابق". 

وهذا التراجع في قدرته على التحكم بمجريات الأحداث، سواء على الصعيد الداخلي أو الإقليمي، يشير بوضوح إلى "ضرورة إنهاء هذا النفوذ غير الشرعي، واستعادة لبنان لدوره كدولة ذات سيادة قادرة على اتخاذ قراراتها بحرية، ضمن إطار المؤسسات الشرعية"، حسب ما يؤكد المحلل السياسي.

وأضعفت الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حزب الله الذي وافق في 27 نوفمبر الماضي على اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أميركية بالدرجة الأولى.

انسحاب القوات الإسرائيلية

وبحث  عون، الإثنين، الوضع في جنوب لبنان، ومراحل "تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي" مع وفد عسكري أميركي برئاسة قائد القيادة المركزية الأميركية، مايكل كوريلا، وفق بيان صادر عن الرئاسة.

وانتُخب عون رئيسا للبنان في 9 يناير بعد أكثر من عامين من فراغ المنصب، وحرب مدمّرة بين حزب الله وإسرائيل اشتدت حدتها في سبتمبر، ومُني فيها الحزب بخسائر كبيرة وانتهت بوقف إطلاق نار في 27 نوفمبر.

وبحث الرئيس اللبناني مع الوفد الأميركي، وفق البيان، "الوضع في الجنوب ومراحل تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من هناك، وفق برنامج الانسحاب المعد لهذه الغاية".

وضم الوفد أيضا رئيس اللجنة التقنية لمراقبة وقف إطلاق النار، الجنرال جاسبير جيفرز، وعددا من الضباط الأميركيين المعاونين، والسفيرة الأميركية في لبنان، ليزا جونسون.

وناقش الطرفان أيضا "سبل تفعيل التعاون بين الجيشين اللبناني والأميركي في ضوء الدعم الذي تقدمه السلطات الأميركية للبنان".

وانضم لاحقا إلى الاجتماع، قائد قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، آرولدو لازارو، ونائب رئيس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الجنرال الفرنسي، غيوم بونشان، وقائد الجيش بالإنابة اللواء الركن، حسان عودة، مع وفد من ضباط الجيش.

وتطرق الاجتماع، وفق البيان، إلى "الإجراءات المعتمدة لتنفيذ القرار 1701، والتعاون القائم بين الجيش اللبناني والقوات الدولية ولجنة المراقبة".

وينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية، على انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي دخلها، خلال مهلة 60 يوما تنتهي في 26 يناير الحالي، على أن يعزز الجيش اللبناني واليونيفيل انتشارهما مكان القوات الإسرائيلية وحزب الله.

ويتعيّن على الحزب بموجب الاتفاق أن يسحب قواته إلى شمال نهر الليطاني، على بعد حوالي 30 كم من الحدود مع إسرائيل، وأن يفكك أي بنية تحتية عسكرية فيها.

وبموجب الاتفاق أيضا، تتولى لجنة خماسية تضم الولايات المتحدة وفرنسا إضافة إلى لبنان وإسرائيل واليونيفيل، مراقبة الالتزام ببنوده والتعامل مع الخروقات التي يبلغ عنها كل طرف.

حرب أشباه الموصلات
أشباه الموصلات: مفتاح الهمينة عل الذكاء الاصطناعي

إنها "دماغ الذكاء الاصطناعي".

تنتشر في كل مكان، كالهواء الذي نتنفس.

وبحسب الضالعين في "أشباه الموصلات"، قد لا نقوى على الحياة من دونها.

"النفط الجديد،" يسميها جين-سون هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة NVIDIA.

"تمدُُّّ كل شيء بالطاقة،" على الأرض، وكذلك في أعماق السماء.

السيارات، والبواخر، وسفن الفضاء، مثلا.

تدخل في صناعات لم نعد نتصور العيش من دونها.

ليس الهاتف المحمول، أو الحاسوب أو تطبيق واتساب فحسب؛ لكن أيضا الثلاجة التي تحفظ حليب أطفالك من التلف.

تؤثر أشباه الموصلات كذلك ـ بصيغ مختلفة ـ على سير عمليات حاسمة في بقاء ملايين الأشخاص على قيد الحياة. 

تخيل عطلا في سلاسل التوريد ـ كالذي حصل أيام كورونا قبل بضع سنوات ـ لكن على نطاق أوسع بكثير.

بـ"سلاسل التوريد"، نقصد شبكات من الأشخاص والمنظمات والموارد والأنشطة والتكنولوجيا الداخلة في صناعة البضائع ـ أو زراعتها ـ، ونقلها، وتخزينها، وبيعها إلى المستهلك.

خذ الحنطة، مثلا، أو اللقاحات عند تفشي الأوبئة.

الرقائق بالنسبة للذكاء الاصطناعي، بمقام الدماغ لفكر الإنسان؛ ويبقى الذكاء في الحالتين، سلسلة عمليات ذهنية لحل المشكلات.

حرب الرقائق

عند إطلاق نموذجها للذكاء الاصطناعي قبل نحو أسبوعين، زعمت شركة DeepSeek الصينية أن كلفة النموذج كانت رخيصة مقارنة بكلف نماذج أميركية مماثلة، مثل OpenAI. 

وقالت الشركة إنها استخدمت، في تدريب نموذجها، رقائق أشباه موصلات أقل تعقيدا ـ أو تطورا ـ من تلك التي تستخدمها الشركات الأميركية.

هل كانت رقائق DeepSeek صينية %100؟ 

مثل خبراء كثيرين، يعتقد أوز سلطان أن الشركات الصينية "تواجه مشكلات للوصول الى مستوى آداء نفيديا" الأميركية في صناعة أشباه الموصلات.

لكن، إن صدقت مزاعم الشركة الصينية، فإن نموذجها يؤشر إلى منعطف جديد في ما أطلق عليها ترامب، عام 2019 "حرب الرقائق" بين الولايات المتحدة والصين.

الشهر الماضي، نبّه ترامب بأن DeepSeek يجب أن يكون "جرس إنذار" لقطاع التكنولوجيا الأميركي.

أشباه الموصلات ـ والرقائق التي تُصنع منها ـ هي العنصر الأساس في كل مجالات التكنولوجيا الحديثة.

لهذا، ستحدد نتيجة الحرب، التي تحدث عنها ترامب، هوية "أقوى قوة"، عسكرية واقتصادية، لعقود طويلة قادمة.

وربما، على مدى أطول.

النفط الجديد

تُصنع أشباه الموصلات من عناصر كيميائية، أبرزها، السيليكون والجرمانيوم والغاليوم.

من خصائص هذه المواد، أو العناصر، أنها ليست عازلة بشكل كامل ولا موصلة بشكل كامل للكهرباء.

إنها بين بين.

هذه الخاصية تمكن من استخدام أشباه الموصلات للتحكم بالتدفق الكهربائي في الدوائر الإلكترونية بدقة عالية، وهو ما يجعلها أساسية في صناعة الإلكترونيات.

تقود صناعة أشباه الموصلات العالمية شركات من الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان وهولندا.

في عام 2021، كانت هناك ثلاث شركات فقط قادرة على تصنيع أشباه الموصلات الأكثر تقدما، وهي شركة " TSMC" في تايوان، و"سامسونغ" في كوريا الجنوبية، و"إنتل" في الولايات المتحدة.

كانت تكلفة بناء مصنع للرقائق باهظة جدا؛ ولا تزال.

كلّف مصنع TSMC التايوانية الذي اكتمل بناؤه عام 2020، تسعة عشر مليارا وخمسمئة مليون دولار.

ومع تقدم هذه الصناعة، خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت مصانع أشباه الموصلات أكثر تعقيدا، وتشييدها أكثر كلفة، بسبب الحاجة إلى مساحة أكبر ومبان أضخم.

لكن في المقابل، نمت السوق العالمية لأشباه الموصلات في عام 2024 بنسبة 18% مقارنة بالعام 2023.

وبحسب نتائج أولية أعدتها شركة Gartner, Inc، وصل حجم هذه السوق إلى 626 مليار دولار أميركي. وتتوقع الشركة أن يزداد حجم السوق في العام الجاري إلى 705 مليار دولار.

وسيتجاوز حجم سوق الموصلات تريليوني دولار بحلول عام 2032، بحسب توقعات موقع "فرتشن بيزنس إنسايتس".

كيف تطور الصراع؟

منذ سنوات، تسعى واشنطن لمنع الصين من الاستيلاء، بشكل غير قانوني، على تكنلوجيا أشباه الموصلات الأميركية.

يخشى صناع القرار في واشنطن أن تستخدمها في بناء قدراتها العسكرية.

بوادر المنافسة تعود إلى بداية الألفية، لكن في العام 2017 تحولت رسميا إلى حرب طاحنة.

في ذلك العام، فرض ترامب عقوبات مدمرة على شركة الاتصالات شبه الحكومية الصينية ZTE، وحرمها من الحصول على التكنلوجيا الأميركية.

إدارة ترامب اتهمت الشركة الصينية بإعادة تصدير التكنولوجيا الأميركية إلى إيران وكوريا الشمالية.

منيّت الشركة بخسائر كبيرة بعد أن عجزت عن إنتاج الهواتف الذكية من دون أشباه الموصلات الأميركية.

بعد عامين، وقعت هواوي، أكبر شركة اتصالات صينية، في شرك سيناريو مماثل.

قيود بايدن

ومع اشتداد سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي أكثر فأكثر، فرضت إدارة بايدن في 2022قيودا على تصدير رقائق أشباه الموصلات، المتطورة، إلى الصين.

H100s وحدة معالجة رسوميات متطورة خاصة بالذكاء الاصطناعي، تصنعها شركة NVIDIA الأميركية.

بعد قيود بايدن، اضطرت الشركة إلى صناعة رقاقة H800s، وهي أقل قوة، لتتمكن من بيعها بشكل قانوني إلى الصين.

عاد بايدن وفرض حظرا على تصدير الـ H800s إلى الصين.

نفيديا حققت "تقدما هائلا" في صناعة وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بالذكاء الاصطناعي مقارنة بمنافسيها،" ولاسيما وحدات معالجة الرسوميات H100 وH200 التي يمكنها معالجة مئات آلاف من نقاط البيانات (الرموز) في الثانية،" يقول أوز سلطان، الخبير في تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، لموقع "الحرة".

في العام 2022 نفسه، وقع بايدن على قانون الرقائق والعلوم.

وخصص، بموجب القانون، مساعدات بنحو 53 مليار دولار لإعادة تصنيع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وفرض على الصين قيود تصدير إضافية في عامي 2023 و2024 .

وتضمنت القوانين الجديدة أيضا منع الشركات الأميركية من بيع المعالجات المتطورة والمعدّات التي تدخل في صناعة أشباه الموصلات، لأي شركة صينية.

وتمثلت أحدث القيود  في فرض إدارة الرئيس ترامب في منتصف يناير الماضي، ضوابط تصدير أشدّ صرامة على أشباه الموصلات المتقدمة، للحدّ من قدرة الصين "على شراء وتصنيع الرقائق المتطوّرة المستخدمة في التطبيقات العسكرية"، بحسب مكتب الصناعة والأمن (BIS) التابع لوزارة التجارة.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أدرجت واشنطن عشرات الشركات الصنيية، وأخرى مرتبطة ببكين على قوائم العقوبات، بعد اتهامها بمساعدة بكين في إنتاج أشباه الموصلات.

لم يعد الحديث عن أشباه الموصلات الأميركية، خلال السنوات القليلة الماضية، منفصلا عن التهديدات المحتملة للأمن القومي الأميركي.

ردود الفعل الصينية

رغم العقوبات، حصلت الصين على أشباه الموصلات الأميركية بوسائل تحايل متعددة، يقول مايك سكستون، المستشار السياسي الأول لشؤون الأمن السيبراني في برنامج الأمن القومي التابع لمؤسسة "Third Way".

"هناك أدلة قوية على أن الصين تتحايل على العقوبات المفروضة على الرقائق من خلال طرق مختلفة أبرزها ما يطلق عليها شبكات ظلّ".

بعد حرمانها من التكنلوجيا الأميركية، كشف تقرير أن "هواوي تكنولوجيز" عكفت عام 2023 على بناء مرافق سرية في الصين، بأسماء مختلفة، لتصنيع أشباه الموصلات.

وقالت "الجمعية الدولية لصناعة أشباه الموصلات،" صاحبة التقرير، إن من شأن "شبكات تصنيع الظل"، تمكين الشركات الصينية المدرجة في القائمة السوداء، من التحايل وشراء معدات أميركية خاصة بتصنيع الرقائق، بشكل غير مباشر.

ومن أساليب التحايل الصينية الأخرى ما يُعرف بـ "الطرف الثالث": أي شركة أو فرد أو كيان خارجي، يقوم بدور الوسيط التجاري، بشكل سري وغير قانوني، بين طرفين.

يقول سكستون إن الصين "نجحت تاريخيا في التهرب من عقوبات الرقائق بمساعدة أطراف ثالثة، مثل ماليزيا وسنغافورة والإمارات".

"رغم تحسن تعاون الإمارات مع الولايات المتحدة بمرور الوقت،" يضيف.

وتمكنت الصين فعليا من شراء الرقائق الأميركية الحديثة الخاضعة للعقوبات، من خلال شركات وفروع مسجلة دوليا.

وفي نقل التكنلوجيا الأميركية استخدم الناشطون في شركات الظل، أساليب تهريب اعتمدت على:

ملصقات شحن مزورة، وصفقات خلف الكواليس، وإنشاء شركات وهمية ومراكز بيانات شكلية.

أدت القيود الأميركية، وحاجة الصين إلى وحدات معالجة الرسوميات التي تصنعها نفيديا، وهي أسرع بنسبة 100% من مثيلاتها الصينية" إلى خلق سباق تسلح للحصول على الموارد" يقول أوز سلطان لموقع "الحرة".

ولتحقيق الاكتفاء الذاتي من أشباه الموصلات، أنفقت الصين في السنوات القليلة الماضية أكثر من مئة مليار دولار على شركات تصنيع الرقائق، وتحديدا شركتي SMIC المملوكة للدولة، و"هواوي تكنولوجيز" .

أعلنت الشركتان في الربع الأخير من عام 2023، تصنيع معالج متقدم بقياس 7 نانومتر.

هذا لا يعني أن الصين تتقدم على الولايات المتحدة تكنلوجيا، يقول سلطان.

بكين "تواجه مشكلات في النمذجة الرياضية لضغط عدد الترانزستورات والتكنولوجيا اللازمة للوصول إلى مستوى آداء نفيديا".

الصين ترد بالمثل

في مواجهة القيود الأميركية، فرضت الصين، في ديسمبر 2023، ضوابط تصدير على مادتين خام حيويتين لصناعة أشباه الموصلات: الغاليوم والجرمانيوم.

وفي ديسمبر 2024، أعلنت حظر تصدير الغاليوم والجرمانيوم والأنتيمون إلى أميركا.

وتعتمد الولايات المتحدة على الصين في توفير هذين العنصرين.

في عام 2021، استوردت أكثر من 50% من حاجتها للغاليوم والجرمانيوم من الصين، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

وفي عام 2022، صدّرت الصين حوالي 23 طنا متريا من الجاليوم. واستوردت الولايات من الصين المتحدة ما يقرب من 95% من حاجتها للجاليوم.

واستوردت أميركا في عام 2023، ما قيمته نحو 45 مليون دولار من معدن الجرمانيوم وثاني أكسيد الجرمانيوم. وجاء حوالي 80% من الجرمانيوم المستورد، من الصين.

الغاليوم والجرمانيوم

الغاليوم والجرمانيوم من المعادن التي لا تتكون بشكل طبيعي، إنما تُستخلص كمنتج ثانوي لعملية إنتاج معادن أخرى، كالزنك والألمنيوم.

الغاليوم معدن ناعم فضي اللون، يسهل قطعه بالسكين. 

يُستخدم عادة لإنتاج مركبات تشكل مواد أساسية في أشباه الموصلات.

الجرمانيوم معدن صلب هش، ذو لون لامع بين الأبيض والرمادي، يستخدم في إنتاج الألياف البصرية القادرة على نقل الضوء والبيانات الإلكترونية وفي ألواح الطاقة الشمسية.

وتعدّ الصين أكبر منتج عالمي للغاليوم والجرمانيوم، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، بنسبة  98% من الإنتاج العالمي للغاليوم، و68% من إنتاج الجرمانيوم.

قد تكون الصين هي الرائدة في هذه الصناعة، لكن هناك بدائل متاحة لكلا المعدنين، وفق ما جاء في مذكرة بحثية لمجموعة أوراسيا.

ويقول مايك سكستون إن الولايات المتحدة تستكشف مصادر بديلة من خلال الإنتاج المحلي، وإعادة التدوير واستبدال المواد وعبر الشراكات الدولية.

بدوره لا يستبعد أوز سلطان، الخبير في تكنولوجيا المعلومات والأمن السيبراني، "احتمال تأثر بعض الصناعات المرتبطة بتطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي بالحظر الصيني الى حد ما".

وقد تصبح هذه المسألة "نقطة خلافية"، خلال تفاوض الرئيس دونالد ترامب مع أوكرانيا وأفغانستان بشأن عقود المعادن الأرضية النادرة.

مستقبل الحرب

إعلان شركة ديبسيك الصينية عن نموذجها اللغوي الجديد، هل سيغير شيئا في موازين حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين؟

ردا على هذا السؤال يستحضر سكستون مقولة كاي فو لي، أحد أشهر المستثمرين في مجال التكنولوجيا في الصين: " الغرب يخترع والصين تُتقن". 

يقول سكستون "صحيح أن الصين لم تتفوق على أحدث التقنيات الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، "لكنها لحقت بالولايات المتحدة بسرعة أكبر وبشكل دراماتيكي أكثر مما توقعه كثيرون".

يتطلب الذكاء الاصطناعي طاقة لتطوير النموذج وتشغيله، و"قدرة الصين على تدريب نموذج باستخدام شرائح محدودة، يجعل من المرجح أن تتمكن من تشغيل نماذج على نطاق واسع باستخدام شرائح محدودة أيضا،" يقول سكستون.

لا يجب أن تقلل للولايات المتحدة من شأن "المواهب والنظام البيئي التكنولوجي" في الصين، نظرا لأن السباق على الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي في حالة متغيرة دائما، يضيف.

أوز سلطان يعتقد أن ديب سيك ليس سوى استنساخ لنموذج Open AI الأميركي.

"يستفيد نموذج DeepSeek في الواقع من إطار عمل التعلم الآلي بناء على نماذج تعلم اللغة الخاصة بشركة Open AI، إلى حدّ ما على الأقل"، يوضح.

وتحقق وزارة التجارة الأميركية في ما إذا كانت شركة "DeepSeek" الصينية، قد حصلت على رقائق ذكاء اصطناعي أميركية محظورة، واستخدمتها في تطوير نموذجها اللغوي، الذي خرج إلى العلن في 27 يناير الماضي .

يقول مايك سكستون إن التحقيق الأميركي ينظر في الثغرات المحتملة في سلسلة التوريد، وخاصة من خلال بائعين أو كيانات خارجية في الولايات القضائية التي تطبق قواعد التصدير الأميركية بشكل أقل صرامة.

للتدليل على عدم أصالة النموذج الصيني، يشير أوز  إلى قصة الباحث الياباني الذي قال إنه طلب من DeepSeek أن ينتج له صورا إباحية، فجاءه الرد من DeeSeek نفسه، بأن طلبه يشكل انتهاكا لسياسة OpenAI الأميركية.

مزاعم أوز وحكاية الباحث الياباني ليست من دون أساس.

الرئيس التنفيذي لشركة Scale AI، ألكسندر وانغ، هو الآخر يعتقد، أو يعلم، أن شركة DeepSeek الصينية تستخدم 50 ألف شريحة Nvidia H100، لكن عمالها ممنوعون من مناقشة الأمر بسبب قيود التصدير الأميركية.

وتعليقا على تصريحات وانغ، قال ماسك بتغريدة في 27 يناير: هذا "واضح".