Follow @Marwan_Sadiq
قاطع الإسلاميون ومعظم القوى المعارضة التي تدعمها القبائل الانتخابات البرلمانية في الكويت، مما أعطى منافسيهم الذين رفضوا الانضمام إلى دعوات المقاطعة فرصة سانحة للفوز بعدد كبير من مقاعد مجلس الأمة البالغ عددها 50 مقعدا.
ورغم الخسارة الواضحة من حيث التمثيل في مجلس الأمة، يعتبر الإسلاميون ومعهم بعض القوى الليبرالية أن دعواتهم لمقاطعة الانتخابات كانت ناجحة، حيث لم يتعد مستوى المشاركة 40 في المئة من مجموع الناخبين، فيما وصل معدل المشاركة في العمليات الانتخابية السابقة إلى نحو 60 في المئة.
ومع انتهاء الانتخابات وإعلان نتائجها، تواصل المعارضة في الكويت احتجاجاتها ومسيراتها أملا في أن يسهم الضغط الشعبي في تحقيق مطالبها.
محور الأزمة
تتعلق مطالب قوى المعارضة في هذه المرحلة بإلغاء مرسوم أصدره أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عدل فيه قانون الانتخابات ليصبح بموجبه عدد المرشحين الذين يمكن الاقتراع لصالحهم واحدا بدلا من أربعة، وحل مجلس الأمة الجديد الذي من المقرر أن يعقد جلسته الأولى يوم الأحد المقبل.
ووصف النائب السابق عادل الدمخي في اتصال مع موقع "راديو سوا" مجلس الأمة المنتخب بأنه "مجلس السلطة"، وأشار إلى أن الانتخابات كانت "كالمسرحية التي يضع لها المخرج (سيناريو) لتخرج بعد ذلك لتحاكي الواقع". وأضاف أنها قامت على أسس "باطلة متمثلة بنظام الصوت الواحد".
وأشار إلى أن الانتخابات أجريت وسط مقاطعة نسبة كبيرة من الناخبين وأسهمت في وصول "أناس لا يمثلون حتى نصفا في المئة من الدائرة" الانتخابية، لذلك لا يمكن إطلاق على المجلس الجديد صفة مجلس شرعي أو مجلس يمثل الأمة.
وأضاف الدمخي أن صعود برلمان مقرب من الحكومة يعني "مزيدا من الانحدار والانهيار" في البلاد.
في المقابل، اعتبر النائب المنتخب عن الدائرة الثانية أحمد لاري أن مجلس الأمة الجديد يمثل نسبة كبيرة من أبناء الشعب الكويتي وأن "التركيبة الحالية (للمجلس) تمثل أغلب شرائح المجتمع الكويتي"، وذلك رغم مقاطعة بعض القوى السياسية والقبائل للانتخابات.
ورفض لاري اتهامات قوى المعارضة بالموالاة للحكومة قائلا "نحن إن شاء الله سنثبت للجميع وللشعب الكويتي أننا سنكون معارضة رشيدة ومعارضة حقيقة صحيحة".
من يتحمل المسؤولية؟
وحمّل النائب السابق عادل الدمخي الحكومة الكويتية و"إداراتها الفاسدة" المسؤولية في إثارة الأزمات السياسية خلال العقود الثلاثة الماضية، فيما قال النائب لاري إن المعارضة هي التي تتحمل مسؤولية إثارة تلك الأزمات، مشيرا إلى أن الخلاف يتجاوز حدود "مرسوم الضرورة" الذي عدل قانون الانتخابات.
وأضاف لاري "نحن لا نعرف ماذا يريدون، فمطالبهم غير واضحة، كانوا أولا يدعون أن الخلل في رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد. ذهب ناصر المحمد. ثم قالوا إن الخلل في مجلس عام 2009. انتهى مجلس 2009"، في إشارة إلى قوى المعارضة في مجلس الأمة.
"الأمور التصاعدية التي نراها في الكويت"، والحديث هنا للاري، لا تدل على أن "لديهم نوايا أو خطوطا واضحة" بشأن القضايا الدستورية.
لكن الدمخي ينفي وجود غموض حول مطالب القوى المنضوية ضمن المعارضة، ويقول إنها تطالب بـ "عودة الإرادة الشعبية" في المرحلة الراهنة، إلى جانب "تطوير العملية الديمقراطية وتطوير الدستور والعمل بنظام الأحزاب والعمل بنظام القوائم النسبية".
وأضاف أن مجلس عام 2012 الذي حصلت فيه المعارضة على أغلبية برلمانية، عرض أجندة واضحة أمام الشعب الكويتي تضمنت العمل على استقلالية القضاء وقانون مكافحة الفساد وقوانين تعيين القياديين.
"شتات فكري"
ويعتقد أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت محمد الفيلي أن جزءا من مشكلة القوى السياسية المعارضة للحكومة يتعلق بعدم امتلاكها "نظرة بعيدة المدى"، فبعد أن كانت قد اختارت طريق المقاطعة احتجاجا على تعديل قانون الانتخابات، "باتت تريد اليوم تبرير موقفها أمام قواعدها" على الأقل.
وأضاف الفيلي أنه يستخدم صفة "المعارضين" بدل المعارضة "لأننا أمام شتات فكري". فهم، حسب قوله، لا يمتلكون صورة واضحة لمرحلة ما بعد المقاطعة، ولعل هذا أحد أسباب "شدة الأزمة عندهم".
وقال الفيلي إن مواقف قوى المعارضة في المرحلة الراهنة تتسم بـ"التناقض"، وأشار إلى أن المطالبة "بإلغاء المرسوم بقانون بمرسوم بقانون فيها تناقض"، فمن يدعو إلى إلغاء المرسوم عن طريق السلطة التي أصدرته "كأنما يقول يجوز التوسع في استخدام المراسيم بقوانين".
واستبعد الفيلي حل البرلمان في المرحلة الراهنة، خصوصا وأن هذه الخطوة ستضع الحكومة في موقف محرج، لاسيما وأنه سيكون أمامها مجلس انتخب ولم يتسن له القيام بمهامه، سيؤثر حله على فرص الحكومة في عقد تحالفات سياسية في المستقبل.
مشكلة حقيقة
ويقول الفيلي إن الكويت تعاني "مشكلة حقيقة" تتعلق بغياب التنظيم السياسي، مشيرا إلى أن هناك قوى سياسية متعددة تعمل في إطار قواعد غير واضحة، فيما يتم تشكيل الحكومة وفق برامج غير واضحة المعالم أيضا، حسب قوله.
ووفقا للفيلي فإن قواعد الحياة السياسية في الكويت بحاجة إلى تغيير لكن "كل طرف من الأطراف لا يريد تغيير قواعد اللعبة لأنه لا يمتلك الإجابة الواضحة للمرحلة المقبلة".
"هزلية الديمقراطية"
ويشير عادل الدمخي إلى أن قوى المعارضة ستواصل أنشطتها السلمية بالمسيرات والاحتجاجات حتى تتحقق مطالبها، موضحا أن هناك "حالة من عدم الرضا الواضحة في الشارع الكويتي ستترجم في فعاليات كثيرة... حتى يرجع القرار إلى الأمة والإرادة الشعبية".
وأشار الدمخي إلى أن المطلب المتعلق بحل مجلس الأمة الجديد لا علاقة له بأداء البرلمان أو النواب الجدد، بل في "المبدأ الذي قامت على أساسه الانتخابات"، في إشارة إلى قانون الانتخابات المعدل.
ووصف "تفرد السلطة بوضع نظام انتخابي" بأنه "هزلية الديمقراطية" التي تقوم فيها الحكومة بحل مجلس برلماني لا يلبي أهدافها متى شاءت، وأضاف "أي ديمقراطية (هذه) عندما يخرج فيها رئيس مجلس الوزراء ويقول نحن لا نريد أغلبية. أنا أعرف أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية".
حلول للأزمات
إصلاح العملية السياسية، حسبما يقول الدمخي، من أهم الخطوات الواجب اتخاذها لتحصين البلاد ضد الأزمات التي تندلع في الكويت بين الحين والآخر.
ويشير الدمخي إلى أن العملية السياسية دون وجود هيئات وأحزاب سياسية وبرنامج عمل حكومي يوافق عليه مجلس الأمة "وضمانات دستورية لعدم تفرد السلطة بالقرار السياسي مثلما يحصل اليوم"، لن تشهد استقرارا و"سنعيش فعلا في لخبطة سياسية من مجلس يأتي ومجلس يذهب".
يذكر أن الكويت شهدت أربع انتخابات برلمانية منذ 2006 بعد حل مجلس الأمة عدة مرات تحت وطأة صراع على القوة بين النواب المنتخبين والحكومة التي يشكلها رئيس وزراء يختاره أمير البلاد.
ويعتقد النائب أحمد لاري أن الرجوع إلى الدستور ومواده كفيل بإنهاء المشاكل السياسية الراهنة، سواء كان ذلك عبر المحكمة الدستورية أو دخول البرلمان ورفض "قانون الضرورة" في أول جلسة يعرض فيها.
ومن جانبه، يشير محمد الفيلي إلى أن الحل يكمن في "حياة سياسية تبنى على أساس برنامج" تأتي بموجبه حكومة تحصل على ثقة مجلس الأمة لتتمكن من العمل بقدر من المشروعية، حسب قوله.
وبالنسبة للمشكلة الراهنة، يقول الفيلي "إننا أمام رهان النفس الأطول"، لكن الاختبار الحقيقي بالنسبة للشعب الكويتي هو أداء الحكومة في إطار مجلس الأمة الجديد.