مع استمرار تداعيات جريمة قتل وحرق عاملة منزلية في الكويت على يد مراهق، لا يزال يثار الجدل على الأصعدة الرسمية والشعبية والحقوقية بشأن أوضاع تلك الفئة من العمالة المهاجرة، وفيما إذا كانت هناك ضرورة لوضع ضوابط أكثر صرامة وواقعية لمنع تكرار مثل تلك الحوادث وبما يضمن حقوق جميع الأطراف.
وفي آخر التطورات قضية مقتل الخادمة، ذكرت صحيفة "الراي" المحلية يوم الخميس أن الاجتماع الكويتي - الفلبيني في شأن العمالة المنزلية لم يخرج بنتائج مبشرة، معتبرة في الوقت ذاته أنه لم يكن "تشاؤمياً تماماً".
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن وزارة الخارجية تتابع قضية العمالة المنزلية الفلبينية وإعلان مانيلا تعليق إرسالها العمالة الجديدة إلى الكويت، حيث عُقد اجتماع مشترك جمع مساعد وزير الخارجية لشؤون آسيا السفير، سميح عيسى جوهر حيات، مع القائم بالأعمال الفلبيني لدى الكويت لبحث القضية من مختلف جوانبها.
وأشارت إلى أن الكويت أعربت عن الاستغراب "للتحول المفاجئ وغير المبرر في الموقف الفلبيني"، خصوصا أن التصريحات الرسمية في مانيلا كانت أكدت على عدم وجود نية للتصعيد في القضية بعد حادث مقتل العاملة في الكويت.
وأضافت المصادر أن "الإيقاف الفلبيني للعمالة المنزلية مؤقت ولا رغبة من مانيلا لجعله دائما، لكنه (فرصة) لديهم للضغط أكثر على الكويت للفوز بمكاسب إضافية لصالح عمالتهم"، مشددة على أن "المكاسب المطلوبة اليوم تعتبر مرفوضة لأنه سبق للكويت أن رفضتها قديما في مفاوضات سابقة".
وذكرت أن "التعديلات المطلوبة من الجانب الفلبيني ستكون على حساب المستقدم الكويتي للعمالة، وهذا ما لن تقبله الكويت، كما لن تقبل اعتماد الضغط أسلوبا لتحقيق مكاسب".
وكشفت المصادر أن "الكويت تدرس الخيارات المتعددة المتاحة أمامها بديلاً عن العمالة الفلبينية"، مبينة أن «الكويت لا ترغب بالوصول إلى ذلك، لكن أسلوب الضغط لن يجدي نفعاً، ولن يجبر على ما تم رفضه سابقاً.
"أوضاع تعسفية"
وفي معرض تعليقها على قرار الفلبين بوقف إرسال العمالة المنزلية إلى بلادها، أوضحت الناشطة المدافعة عن حقوق الإنسان، هديل أبو قريص، لموقع "الحرة" أن "هناك دولا سبقت الفلبين في هذا القرار مثل إندونيسيا وإثيوبيا بسبب سوء أوضاع المعاملة للعاملة المنزلية من قبل كثير من أرباب العمل".
ومن جهتها، أكدت الناشطة والمحامية، نيفين معرفي، في حديثها مع موقع "الحرة" أنه لا يجوز الحكم على مجتمع بأكمله رغم "الجريمة البشعة" التي ذهبت ضحيتها الخادمة جوليبي رانارا، مضيفة: "للأسف جرى تضخيم حالة فردية وإسقاطها على مجتمعنا".
وتابعت: "على سبيل المثال وقعت جرائم قتل عديدة بحق مواطنيين كويتيين في الخارج، ولم يضج الرأي العام عندنا ولم تتخذ الحكومة الكويتية أي إجراءات تصعيدية كما فعلت حكومة مانيلا، لأننا نرى أن تلك الدول لديها محاكم وقضاء وسيأخذ القانون فيها مجراها، وهو نفس الأمر الذي سوف يحدث عندنا بشأن معاقبة أي مجرم أو مدان".
وكانت وزيرة العمالة المهاجرة في جمهورية الفلبين، سوزان أوبلي، قد صرحت في وقت سابق إن الفلبينيين الذين يتطلعون إلى العمل في الكويت يمكنهم التفكير في بلدان أخرى، وفقا لما ذكرت وكالة الأنباء الفلبينية الرسمية.
وتابعت: "تظل هونغ كونغ بديلا قويا وهي أقرب بكثير إلى الوطن ولدينا أيضا سنغافورة حيث لدينا علاقات جيدة للغاية معها".
ورفضت الوزيرة تطبيق حظر شامل على العمالة الفلبينية في الكويت، موضحة أن المشكلة لا يزال من الممكن حلها من خلال القنوات الدبلوماسية.
وكانت وكالة الأنباء الكويتية قد نقلت نهاية يناير الماضي، تأكيد سوزان أوبلي أن بلادها لن تمنع استقدام العمالة الفلبينية إلى دولة الكويت.
"رفض نظام الكفالة"
وفي سياق متصل، تؤكد الناشطة هديل أبو قريص أن دولة الكويت لم تصادق حتى الآن على اتفاقية حماية حقوق جميع حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، مضيفة:"إذ لم تتم المصادقة على هذه الاتفاقيات، رغم مصادقة الدول على العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان، فلن تكون هناك قوانين تحمي هذه الحقوق، لأن الغاية من المصادقة هو تعزيز حماية العمالة المهاجرة وحقوقها".
وتابعت: "حتى لو كانت عندنا قوانين محلية من شأنها حماية حقوق العمالة، فإننا نصطدم بآليات التنفيذ تلك القوانين وبعض القائمين على تنفيذها، وبالتالي فما زلنا ندور في نفس الحلقة".
وأردفت: "رغم أن الإعلام ونخبا اجتماعية تتحدث عن تقدمنا في ضمان حقوق العمالة بعد حوادث مؤسفة استهدفت العمالة المنزلية الفلبينية، بيد أن هناك دولا أخرى توقفت عن إرسال عمالة مهاجرة بسبب التعسف مع تلك الجنسيات كما حدث مع العمالة المنزلية الإندونيسية والأثيوبية".
وفي المقابل، ترى المحامية نيفين معرفي أن "هناك قوانين تحمي العمالة المنزلية وتعطيها حقها، وكذلك المجتمع الكويتي يحترم بشكل عام هذه الفئة من العمال".
وزادت: "الكويت دولة تحترم القوانين الإنسانية والدولية، وبالتالي هناك عقود توثق في مكاتب العمل والسفارات، بل أنه توجد هناك حماية خاصة للعمالة المنزلية".
وأضافت "رغم أنه لم يصدر حتى الآن أي قرار إدانة بشأن مقتل وحرق العاملة.. ومع ذلك فإن أي جريمة مستنكرة وتجب المعاقبة بعد إثبات التهم على أي مدان، وما حدث من انتهاكات بحق العمال هي تصرفات فردية بحتة".
ولدى سؤالها، عن الحلول الواقعية المتاحة أمام الجهات المختصة في الوقت الحالي، تجيب أبو قريص: "لا يجب أن يكون هناك نظام كفيل، أي أن العامل المهاجر لا يجب أن يعمل تحت كفالة أفراد، وإنما تحت كفالة مؤسسات الدولة".
وأضافت: "رغم رفضي بشكل قاطع لنظام الكفالة، ولكن نحن نقترح، وحتى لا نصطدم مع القوانين المحلية التي تنظم قوانين العمل، أن تكون كفالة العامل المنزلي مثل السائق ومدبرة البيت والطباخين تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كما يمكن أن يكون المدرس الأجنبي في كفالة وزارة التربية والأطباء يتبعون لوزارة الصحة من حيث الإقامة".
وأما المحامية نيفين معرفي، فترى أن "من المفروض أن هناك يكون مستوى دخل محدد لجلب العمالة المنزلية، خاصة أنه لا توجد هناك حسابات وضمانات بنكية لتحويل الراتب إليها كما يحدث مع عمال القطاع الخاص".
وأسهبت: "ولأن القانون يحمي من حقوق العمال بالتالي يجب أن يكون كل عامل منزلي حساب مصرفي خاص يحول إليه أجره الشهري، بالإضافة إلى بقية حقوقه التي تكفلها القوانين في العطل الأسبوعية والإجازات السنوية والتأمين الصحي وغيرها".
وفي المقابل، ترى أبوقريص أن "هذه (الفئة المستضعفة) لا تحصل على الكثير من حقوقها لدى عملها عند العديد من العائلات، وذلك رغم انتشار وعي جديد في المجتمع الكويتي".
وتضيف "هناك عائلات تعتقد أن (الخادمة أو العاملة المنزلية) هي ملك لها، ولذلك نشدد على أن وجود وضع قوانين صارمة لتفادي أن تأتي شروط من الدول المصدر للعمالة كما حدث مؤخرا من قبل حكومة الفلبين".
ورفضت أن تكون "العمالة المنزلية رفاهية في الكويت، بل هي حاجة ومنفعة متبادلة سواء للعمالة المنزلية أو النساء الكويتيات اللواتي يعملن لساعات طويلة خارج المنزل، وخلال جائحة كورونا انتشر لدينا عنف منزلي كان من بين ضحاياه عاملات منزلية وأنا شخصيا ساعدت السفارة الهندية في حل قضايا بعض العاملات لإنقاذهن من المنازل اللواتي تعرضن للعنف، وللأمانة كان تعاونا ثلاثيا مثمرا بين المنظمات المدنية المدافعة عن حقوق الإنسان والشرطة والسفارة الهندية".
وختمت بالقول: "يجب أن تكون هناك عملية تنظيمية واسعة ويجب أن يعاد فتح ملف العمالة المنزلية والنظر في صياغة المزيد من الحلول والقوانين في هذا الشأن".
من جهتها، أكدت المحامية، نيفين معرفي: "لدينا قضاء قادر على تحقيق العدالة للجميع ومن ضمنهم العمالة المنزلية".