الرئيس باراك أوباما خلال اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالبيت الأبيض في مارس/آذار 2012
الرئيس باراك أوباما خلال اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالبيت الأبيض في مارس/آذار 2012

نسبت تقارير أميركية يوم الثلاثاء إلى الرئيس باراك أوباما قوله "مرارا وفي جلسات مغلقة" إن "إسرائيل لا تعرف مصلحتها" وإن "سياسات رئيس وزرائها" بنيامين نتانياهو تقودها إلى "العزلة التامة".

وذكر الكاتب جيفري غولدبيرغ المقرب من البيت الأبيض في عموده بصحيفة أتلانتيك أن موقف الرئيس أوباما الذي تدهورت علاقته بنتانياهو يختلف عن الموقف الرسمي للبيت الأبيض فيما يتعلق بقرار إسرائيل الشروع في بناء  ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية.

ومضى غولدبيرغ في مقاله قائلا إن القرارات الإسرائيلية لم تثر غضب الرئيس أوباما، لأنه توقعها وطالما تعود على ما وصفها بسياسات "التدمير الذاتي" لرئيس الوزراء.

كما حذر أوباما، بحسب الكاتب، من أن سياسات نتانياهو تقود إسرائيل إلى "العزلة التامة" وأنها إذا تخلت عن صديقتها الولايات المتحدة فإن ذلك سيهدد بقائها.

وعلى الرغم من الدعم الأميركي لإسرائيل، كما يقول الكاتب، ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح الفلسطينيين دولة مراقب غير عضو، فإن الشروع في بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة ساهم في توسيع عمق الخلافات بين الرجلين.

وكانت إدارة الرئيس أوباما قد انتقدت بناء وحدات استيطانية جديدة معتبرة أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى "نتائج عكسية وتجعل استئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر صعوبة".

لكن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يصر على الاستيطان أصدر بيانا في أعقاب هذا القرار قال فيه إن "الاستيطان يخدم المصالح الحيوية لإسرائيل".

وتابع غولدبيرغ قائلا إن رؤية أوباما تتلخص في أن استمرار الاستيطان لن يخدم حل الدولتين وأن على نتانياهو أن يقر بأن هذا الحل هو ما يخدم مصالح إسرائيل كدولة ديموقراطية يهودية.

وقال الكاتب إن الولايات المتحدة قد لا تقدر على الاستمرار في دعم حليفتها في المنظمات الدولية، وقد تمتنع عن التصويت لصالحها في المستقبل وقد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مضطرا للقبول بتسوية مع الفلسطينيين.

وفي تقرير لوكالة أسوشيتيد برس، قال ديفيد أرون ميلر الذي عمل مع ستة وزراء خارجية أميركيين إن علاقة الزعيمين هي "أكثر العلاقات خللا" خلال 40 عاما قضاها في التحليل والمراقبة، مستبعدا في الوقت ذاته حدوث أي انفراجة بينهما خلال الولاية الثانية لأوباما وفي حال شكل نتانياهو الحكومة المقبلة في إسرائيل.

وقال التقرير إن الدعم الأميركي لإسرائيل في الأمم المتحدة وفي حربها على غزة لا يحول دون وجود خلافات عميقة بين الدولتين فأوباما وضع التسوية مع الفلسطينيين في صدر أجندة سياسته الخارجية خلال ولايته الثانية، فيما يتخذ نتاياهو موقفا متشددا في هذا الشأن، كما أنه يطالب بعمل عسكري ضد إيران وهو مطلب ترفضه إدارة الرئيس أوباما.

لقاء مرتقب

ومن جانبها توقعت صحيفة جيروسليم بوست الإسرائيلية أن يلتقي الزعيمان في واشنطن مطلع مارس/آذار القادم إذا فاز نتانياهو في الانتخابات التشريعية المقررة في 22 يناير/تشرين الثاني الجاري، خاصة أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية دعت نتانياهو لإلقاء خطاب خلال المؤتمر الذي ستعقده في العاصمة واشنطن بين 3 إلى 5 مارس/آذار.

وترى الصحيفة أن بدايات تأزم العلاقة تعود إلى أول اجتماع بينهما في مايو/أيار عام 2009 عندما دعا أوباما إلى تجميد الاستيطان وهو ما لم يلق ترحيبا من جانب نتانياهو.

وقالت إن أوباما ونتانياهو لم يلتقيا منذ آخر اجتماع لهما في مارس/آذار رغم مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي لم يشأ ترتيب أي لقاءات دبلوماسية مع نتانياهو على جدول أعماله في ذلك الوقت الأمر الذي بدا معه وكأنه يحاول تجنب عقد هذا اللقاء.

وعبرت الصحيفة عن أملها في أن تعود العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مسارها في الاجتماع المرتقب الذي يتزامن مع ولاية جديدة لأوباما ومؤشرات للعمل على تحسين هذه العلاقة.

ثلاثة من اليهود في واشنطن يمرون أمام رجل يحمل لوحة تطالب الناخبين الإسرائيليين بالتصويت لصالح الكتاب المقدس
ثلاثة من اليهود في واشنطن يمرون أمام رجل يحمل لوحة تطالب الناخبين الإسرائيليين بالتصويت لصالح الكتاب المقدس

مع تقدم الأحزاب اليمينية الإسرائيلية في استطلاعات الرأي وفشل أحزاب اليسار والوسط في الاتحاد قبل أيام على الانتخابات البرلمانية، بات الشرق الأوسط أكثر قربا من أزمات جديدة قد تؤدي إلى انفجار منطقة تغلي بالأحداث وتجد فيها التيارات الدينية طريقا ممهدا نحو السلطة.

فبحسب عدة استطلاعات رأي يظل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو الأقرب لتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات المقررة في الثاني والعشرين من الشهر الجاري لكن مع دخول عناصر متشددة قد تغير من موازين القوى في إسرائيل وتدفع بالشرق الأوسط إلى أتون صراع جديد لاسيما في ظل وصول تيارات إسلامية بعضها متشدد إلى سدة الحكم في بلدان الربيع العربي.

فكيف تؤثر تشكيلة الحكومة الإسرائيلية المقبلة على مستقبل الشرق الأوسط، وهل تؤدي التشكيلة الحكومية التي تتوقعها الاستطلاعات إلى صدام غير مسبوق بين الولايات المتحدة وحليفها الأقوى في المنطقة؟.

فرص السلام

يقول الأستاذ بقسم الدراسات العربية في جامعة بار إيلان الإسرائيلية الدكتور موردخاي كيدار إن فرص السلام بين العرب وإسرائيل تظل أكبر بكثير من فرص الصراع لأن السلام في الشرق الأوسط يعطى فقط للأشداء والأقوياء.

ومضى كيدار، الذي يميل نحو معسكر اليمين في إسرائيل، قائلا إن ما يحافظ على السلام هو " توازن الرعب بين إسرائيل القوية والعالم العربي المتشدد"، كما قال.

وتشعر إسرائيل بقلق متزايد بعد فوز أحزاب إسلامية بالأغلبية في انتخابات مصر وتونس والمغرب بعد ثورات "الربيع العربي" فضلا عن تعزيز تواجدها وتحقيق مكاسب كبيرة في عدة دول عربية أخرى.

ومما يزيد الأمر تعقيدا أن سائر استطلاعات الرأي في إسرائيل تظهر تزايد شعبية الأحزاب اليمينية لاسيما حزب "البيت اليهودي" الذي ترجح استطلاعات الرأي فوزه بنحو 16 مقعدا بالمقارنة مع ثلاثة مقاعد في البرلمان الحالي على نحو يضعه في موقف قوي ويؤهله لأن يكون لاعبا رئيسيا في الحكومة المقبلة مع تكتل الليكود – إسرائيل بيتنا بزعامة رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان.

رئيس حزب البيت اليهودي ينفتالي بينيت

​​
ويرفض حزب "البيت اليهودي" فكرة إقامة دولة فلسطينية كما أن رئيسه نفتالي بينيت، الذي كان عضوا سابقا في الليكود ومديرا في مكتب نتانياهو، من المؤمنين بـ"إسرائيل الكبرى" ومؤيد للاستيطان حتى أنه يتباهى بأنه رفض عندما كان في الخدمة العسكرية تنفيذ أوامر بإخلاء مستوطنات يهودية.

ومن المستبعد في الانتخابات المقبلة حصول حزب على أغلبية مطلقة في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) المؤلف من 120 مقعدا ما يعطي رئيس الدولة الحق في تكليف رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد بتشكيل حكومة ائتلافية.

موقف معقد

وتثير زيادة شعبية أحزاب اليمين في إسرائيل تساؤلات حول الأسباب التي تدفع الناخب الإسرائيلي إلى التصويت لهذه الأحزاب.

عن ذلك يقول المحلل السياسي الإسرائيلي آفي سخاروف إن الناخب الإسرائيلي بات ميالا نحو اليمين بسبب الحروب بين إسرائيل والفلسطينيين لاسيما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب لبنان الثانية عام 2006.

واعتبر سخاروف أن "النتائج التي خرج بها الإسرائيليون من هذه المعركة هي عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام، وعدم إمكانية الوصول لاتفاق سلام بين الجانبين".

وقال سخاروف إن الموضوع الفلسطيني يشكل هاجسا للإسرائيليين بسبب قوة معسكر الأحزاب المتطرفة في الجانب الفلسطيني مثل حماس والجهاد الإسلامي ومن ثم فإننا نرى في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني نفس التطورات، وتوجها أكبر نحو التطرف.

إننا نرى في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني نفس التطورات وتوجها أكبر نحو التطرف
آفي سخاروف


لكن في المقابل يرى موردخاي كيدار أن هناك سببين لجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين أولهما عامل ديموغرافي يتمثل في ارتفاع نسب الولادات لدى العائلات المتدينة والمحافظة مقابل انخفاض هذه المعدلات لدى العائلات العلمانية والليبرالية.

وقال إن العامل الثاني هو "خيبة الأمل التي يشعر بها الإسرائيليون من عملية السلام مع الفلسطينيين لأننا قدمنا لهم تنازلا بعد التنازل، حتى يئسنا من الفلسطينيين".

وتابع كيدار قائلا إن "هذا الشعور بخيبة الأمل من جانب الإسرائيليين امتد ليشمل العالم العربي الذي ينجرف أيضا إلى الدين كما نشاهد في مصر وتونس والكويت والمغرب والأردن وربما سورية وإلى القبلية في أماكن أخرى".

واعتبر أنه " مع توجه الشرق الأوسط إلى الدين والتقاليد فإننا أيضا كردة فعل نتوجه إلى الدين والتقاليد والعادات اليهودية الثابتة".

مستقبل فلسطيني غامض

وفي خضم هذه التطورات على الساحة الإسرائيلية يبرز التساؤل حول مستقبل القضية الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ سنوات لاسيما في ضوء رفض حزب "البيت اليهودي" مبدأ إقامة دولة فلسطينية.

وعن ذلك يقول كيدار إن المشكلة مع القضية الفلسطينية هي أنه لا يوجد من يضمن لإسرائيل ألا تتحول أي دولة فلسطينية مستقبلية لدولة حمساوية (تسيطر عليها حركة حماس) كما حدث في قطاع غزة.

إقامة ثماني إمارات فلسطينية على أساس قبلي هي البديل للدولة الفلسطينية
موردخاي كيدار


وطرح كيدار ما اعتبره بديلا لإقامة دولة فلسطينية قائلا إن سيطرة القبلية على الشرق الأوسط من الممكن استغلاله في الأراضي الفلسطينية بحيث تتم إقامة "ثماني إمارات فلسطينية على أساس قبلي وعشائري في غزة وأريحا وقلقيلية ورام الله ونابلس وجنين والخليل العربية وطولكرم، على أن تحتفظ إسرائيل بالمناطق الريفية ويتم منح سكانها الجنسية الإسرائيلية إن أرادوا".

ورأى أن "القبلية مازالت تجري في عروق هذه المنطقة كما نشاهد في الأردن وليبيا وسورية ومن ثم فإن إقامة دولة لجميع هذه القبائل الفلسطينية ستخلق مشكلات كما في العراق لكن تأسيس إمارات منفصلة تستند إلى القبلية سيجعلها أشبه بدول الخليج"، كما قال.

واعتبر كيدار أن الولايات المتحدة تفتقر إلى فهم كامل لمشكلات الشرق الأوسط ومن ثم فإن نجاح هذه الفكرة في الضفة الغربية سيجعل الأميركيين أول المؤيدين لها، حسب تقديره.

لوحة انتخابية تتغير بين نتانياهو وليبرمان

​​
من جانبه يرى آفي سخاروف أنه "لا يوجد مستقبل للقضية الفلسطينية لأن هناك خيبة أمل من عملية السلام والمفاوضات، كما أنه لا يوجد شريك فلسطيني للوصول لاتفاق سلام في الفترة المقبلة".

وقال سخاروف إنه إذا ترأس نتانياهو في الحكومة المقبلة "تحالفا يمينيا متطرفا مثل التحالف القائم اليوم فإن العلاقات مع الولايات المتحدة ستتأثر بشكل خطير وسيكون هناك ضغط من واشنطن على إسرائيل بشأن المستوطنات وموضوعات أخرى".

واعتبر أن نتانياهو لا يملك الرغبة في السلام مع الفلسطينيين كما أنه نأى بنفسه عن الحديث حول التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين لأن ذلك لا يجلب له المزيد من الأصوات في الانتخابات بل على العكس من ذلك يزيد من قوة الأحزاب المتطرفة.

تشكيك سخاروف في نوايا نتانياهو يأتي رغم أن الأخير أعلن قبوله بحل الدولتين، لكنه يتمسك في المقابل بمواصلة الاستيطان واعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون الذين يسعون لأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

ورأى سخاروف أن نتانياهو يمتلك فرصة تتجاوز 80 بالمئة لتشكيل الحكومة المقبلة بالمقارنة مع نسبة لا تتجاوز 20 بالمئة لأحزاب اليسار والوسط التي قد تستطيع فقط تشكيل حكومة إذا اتحدت وأقنعت حزب شاس المتدين بالانضمام إليها في ائتلاف واحد.

ويشير آخر استطلاع للرأي العام تم إجراؤه لصالح صحيفتي جيروسليم بوست وغلوبز الاقتصادية إلى أن أكبر أحزاب الوسط واليسار في إسرائيل وهي العمل والحركة ويش اتيد (يوجد مستقبل) ستحصل على 37 مقعدا مجتمعة بواقع 17 للعمل وعشرة للحركة ومثلها ليش اتيد، ومن ثم فإنها إذا ما اتحدت مع سائر أحزاب اليسار الأخرى والأحزاب العربية فقد تستطيع تكوين كتلة في مواجهة اليمين إذا ما حصلت على تأييد حزب شاس المرشح للفوز بعشرة مقاعد هو الآخر. 

لكن ما يعرقل اتحاد هذه الأحزاب حتى الآن رفض بعضها الموافقة على مقترح طرحته رئيسة حزب الحركة تسيبي ليفني بمقاطعة أي حكومة يشكلها نتانياهو الأمر الذي يضع أمام الأخير خيارا إضافيا هو استبدال أحزاب اليمين المتطرف بأحزاب أخرى من اليسار والوسط لتشكيل حكومة ائتلافية تمكنه من مواجهة أي ضغوط مستقبلية من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن عملية السلام المتوقفة مع الفلسطينيين.

فوفقا لاستطلاعات الرأي يظل بإمكان نتانياهو أن يستغني عن الأحزاب المتطرفة إذا تحالف مع أحزاب العمل والحركة ويش اتيد، إذ أن تكتل الليكود – إسرائيل بيتنا سيحصل حسب الاستطلاعات حتى الآن على 32 مقعدا ومن ثم فإن التحالف مع الأحزاب الثلاثة التي من المتوقع لها أن تفوز ب 37 مقعدا سيمنحه 69 مقعدا في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا ما يمكنه من تشكيل الحكومة بمنأى عن البيت اليهودي والأحزاب اليمينية الأخرى.