وزير الخزانة ستيفن منوشن
وزير الخزانة ستيفن منوشن

فرضت وزارة الخزانة الأميركية الخميس عقوبات جديدة استهدفت شبكة أفراد وكيانات تمول حزب الله اللبناني في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.

وقالت الوزارة في بيان إن العقوبات تستهدف "عرقلة إمبراطورية أعمال حزب الله العالمية في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط، وكشف شبكات الإرهاب التابعة لحزب الله".

وبحسب العقوبات الجديدة، وضعت الوزارة ممول حزب الله محمد إبراهيم بزي، وممثل حزب الله في إيران عبد الله صفي الدين على لائحة الإرهاب العالمي، وخمس شركات تقع مقراتها في أوروبا وغرب إفريقيا والشرق الأوسط لكونها مملوكة أو تتم إدارتها من قبل بزي وشخص آخر في اللائحة.

خريطة توضح شبكة تمويل حزب الله- المصدر وزارة الخزانة الأميركية

​​

والشركات هي "غلوبال تريدينغ غروب إن في" وهي شركة طاقة بلجيكية. و"يورو أفريكان غروب" شركة نفطية مقرها غامبيا. و"بريمير إنفيستمينت غروب سال أوفشور"، وشركة "كار إيسكورت سيرفيسيز سال أوفشور"، و "أفريكا ميدل إيست إنفيستمينت هولدنغ"، ومقر الشركات الثلاث الأخيرة لبنان.

وقال وزير الخزانة ستيفن منوشن في البيان إن حزب الله يستخدم مموليه مثل بزي الذي لديه علاقات بتجار مخدرات ويجري عمليات غسيل أموال لتمويل الإرهاب.

وأضاف أن هذه الأعمال تسلط الضوء على "ازدواجية سلوك حزب الله وداعميه الإيرانيين".

وأضاف "لا يمكن التسامح مع الأعمال الوحشية والخبيثة لأبرز ممولي حزب الله" متعهدا بأن الإدارة الأميركية سوف "تكشف وتعطل شبكات حزب الله وإيران الإرهابية في كل منعطف، بمن فيهم هؤلاء الذين لديهم علاقات مع المصرف المركزي الإيراني".

محمد بزي

مول حزب الله لعدة سنوات وأمده بملايين الدولارات من خلال أنشطته المالية في عدة دول في غرب إفريقيا وبلجيكا ولبنان والعراق، ولديه علاقات بممولين آخرين للحزب وضعوا سابقا على لائحة الإرهاب العالمي، ولديه صلات أيضا بشركة "أيمن جمعة" التي تتهمها الولايات المتحدة بإدارة عمليات غسيل أموال وتجارة المخدرات.

وكان بزي مقربا من الزعيم الأسبق لجمهورية غامبيا يحيى جامح، الذي قالت الوزارة إنه تورط في الفساد.

عبد الله صفي الدين

هو ممثل حزب الله في إيران وقريب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ويعتبر قناة اتصال بين إيران والحزب، والوسيط بين الإثنين في القضايا المالية.

عمل مع بزي لإعادة العلاقات السياسية بين غامبيا وإيران بعد أن شبت خلافات بينهما، وكان قد اتهم سابقا بالمساعدة في تسهيل وصول المسؤولين الإيرانيين للبنك اللبناني الكندي (LCB) الذي تورط في عمليات غسيل أموال دولية.

وعمل الإثنان مع مصرف إيران المركزي (اتهمه قبل أيام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في الوزارة بتوفير الدعم المالي لـ"فيلق القدس")، لتوسيع عمليات الوصول إلى المصارف بين إيران ولبنان.

وقالت الوزارة إن الإجراءات الجديدة تأتي في أعقاب قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة الدول الست عام 2015 وإعادة فرض العقوبات على طهران.

وبزي هو أحد "مؤسسي غلوبال تريدينغ غروب" والمدير الإداري للشركة التي مقرها الرئيسي في بلجيكا، ولها مقرات أيضا في أدول إفريقية، وهو أيضا المدير التنفيذي والإداري وصاحب أكبر عدد من الأسهم في الشركة النفطية "يورو أفريقان غروب" (EAGL) ومقرها بانجول، في غامبيا، وكذلك الشركات اللبنانية الثلاث المشار إليها سابقا.

وكانت الوزارة قد وضعت الأربعاء قادة في حزب الله على لائحة الإرهاب وفرضت عقوبات عليهم، وهم الأمين العام للحزب، بالإضافة إلى نائب أمين عام الحزب نعيم قاسم، والمستشار السياسي للأمين العام حسين خليل، ورئيس المجلس السياسي للحزب إبراهيم أمين السيد، وعضو مجلس الشورى محمد يزبك.

اقرأ أيضا:

شبكة تمويل حزب الله.. أسرار تورط رئيس حزب عراقي

 

مخيم للنازحين في سوريا. أرشيف
مخيم للنازحين في سوريا (أرشيف)

في زوايا الذاكرة المحروقة من اللجوء، تقف حورية محمد، شابة سورية تبلغ من العمر 22 عامًا، شاهدة على حياة كاملة قضت نصفها تقريبًا داخل مخيم الزعتري في الأردن. 

ومع سقوط نظام بشار الأسد، كان النازحون السوريون يأملون أن تبدأ مرحلة جديدة من السلام وإعادة الإعمار، لكن الواقع أثبت أن نهاية الحرب لا تعني نهاية المعاناة، إذ أن ملايين المهجّرين لا يستطيعون العودة، لا لأسباب أمنية فقط، بل لأن بيوتهم دمرت، وقراهم خربت، والمرافق الأساسية معدومة.

وحين وصلت إلى  الزعتري شمالي الأردن، كانت لا تزال طفلة، بالكاد تفهم معنى النزوح، لكن السنوات الطويلة داخل أسوار الخيام والكرفانات جعلتها تنضج قبل أوانها، وتحمل همومًا أكبر من عمرها.

"في البداية، لم يكن المخيم مهيئًا للحياة"، تروي حورية، بنبرة تعبّر عن مزيج من الألم والتأقلم. "ما كان في كهرباء ولا ماء، الحمامات والمطابخ مشتركة، وكان الوضع صعب جدًا، خصوصًا للأطفال والنساء.. سكنّا في خيام تحت الشمس والمطر، وكل شيء كان ينقصنا".

"مدينة نزوح"

تحوّلت الخيمة إلى منزل، والمخيم إلى مدينة، بل إلى ما يشبه الوطن البديل، رغم أنه لا يشبه الوطن أبدًا. ومع مرور الوقت، تحسنت بعض الخدمات، وتمّ استبدال الخيام بالكرفانات، وتوفرت الكهرباء والمياه تدريجيًا، لكن الذاكرة بقيت مثقلة بالبدايات القاسية. وتقول حورية: "الزعتري صار خامس أكبر مدينة بالأردن، بس الناس هون ما نسيوا بيوتهم، ما نسيوا حياتهم قبل الحرب".

ورغم سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024، لم يكن ذلك كافيًا لإقناع الناس بالعودة. البعض جرب العودة وندم، والبعض الآخر ما زال ينتظر أن تتحسن الأوضاع. تؤكد حورية: "الناس اللي رجعت على سوريا كلها ندمت. الوضع المعيشي هناك صادم، وما حدا عنده بيت يرجع عليه. كل شي مهدوم، وكل حدا ناطر يتحسن الوضع ليقرر يرجع".

لكن الغربة ليست وحدها العائق، فحتى الأمل أحيانًا يصبح رفاهية. في أحد الأمثلة المؤلمة، تروي حورية عن رجل ينحدر من بلدة إنخل بمحافظة درعا، قرر مغادرة الزعتري عبر البحر لعلاج ابنه المصاب بسرطان الدم، بعدما أصبحت الرعاية الصحية المجانية نادرة في المخيم. 

ولم يصل ذلك الرجل إلى أوروبا، بل غرق في البحر قبالة سواحل ليبيا، تاركًا خلفه زوجة وأطفالًا ينتظرون عودته.

"هذا مثال على معاناة اللاجئين والنازحين "، تقول حورية، قبل أن تصمت لحظة، وكأنها تحاول منع دموعها من الانهمار. في حياتها، كما حياة مئات الآلاف من السوريين، تحوّل الانتظار إلى أسلوب حياة، والغربة إلى هوية مؤقتة لا أحد يعرف متى تنتهي.

من حصار الجوع إلى التيه في المخيمات

وفي يوم عادي من عام 2013، كان رياض محمد السوفاني (58 عاما) يجلس مع عائلته في جنوب العاصمة دمشق، لا يدرك أن حياته ستتحول إلى كابوس طويل سيظل يعيشه لسنوات... قصف بالهاون، غارات جوية، قنص، وحصار خانق لحي التضامن حتى أصبح الخروج من المنزل بحثًا عن الطعام مهمة انتحارية.

"لم يكن لدينا سوى الماء والبهارات، وكنا نأكل أوراق الفجل التي لا تقترب منها حتى الحيوانات"، يقول رياض وهو يسترجع واحدة من أقسى لحظات حياته.

كانت الأوضاع في جنوب دمشق مأساوية إلى حد يفوق الوصف، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، فبينما كان رياض يحاول البقاء على قيد الحياة، كان الموت يحصد أحبّ الناس إليه.

"قتلت والدتي بقصف جيش النظام، ثم قتل ابني محمد، وعمره 23 عامًا، وبعدها فقدت ابني الآخر صلاح الدين، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بسبب نقص الدواء"، يضيف رياض، بينما تتقطع كلماته بحزن لا يوصف.

لم يكن القتل هو السلاح الوحيد الذي استخدمه النظام، بل كان الحصار والتجويع أكثر قسوة من القصف، خاصة عندما بدأ "الناس يموتون أمام أعينهم بسبب انعدام الطعام".

في النهاية، وبعد سنوات من الصمود تحت الحصار قرر النظام فتح معبر لخروج بعض العائلات من المنطقة، لكن الرحلة كانت محفوفة بالمخاطر، حيث تعرض الشباب للاعتقال، وكان  ابن شقيق رياض من بين المعتقلين.

"عندما خرجت عائلتي من جنوب دمشق، بقيت أنا وحدي في الحصار، ثم جاء اتفاق التهجير إلى الشمال السوري عام 2018، وهو أصعب ما مررت به"، يقول رياض بصوت خافت، وكأن الذكرى ما زالت تنهش روحه.

كانت مغادرة المنزل أقسى من الموت نفسه، أن تترك المكان الذي ولدت فيه، وتذهب إلى مصير مجهول، حيث لا شيء مؤكد سوى أنك ستكون"لاجئًا في وطنك".

"معاناة لا تنتهي"

وصل رياض إلى الشمال السوري بعد رحلة تهجير طويلة، ليدرك أن الحياة هناك لم تكن أقل قسوة من الحصار.

"تخيل أن يكون الحمام والمياه وكل شيء مشتركًا مع مئات الناس، تخيل أن تعيش في خيمة تحت رحمة الأمطار الشتوية والحر الشديد في الصيف، محاطًا بالحشرات والزواحف، وأن تعتمد على مساعدات لا تأتي إلا بين مد وجزر"، يروي رياض.

في السنوات التي تلت النزوح، حاول رياض البحث عن عمل، عن حياة كريمة، لكنه اصطدم بواقع اقتصادي قاسٍ، حيث لا وظائف، ولا فرص، ولا مستقبل واضح.

"تأقلمنا مع الوضع رغم صعوبته، انتظرنا يومًا تتحسن فيه الأمور، لكن كل شيء ظل كما هو"، يقول رياض، وكأنه يحاول إقناع نفسه بأن الصبر وحده كافٍ.

فرحة ممزوجة بالصدمة

وفي 8 ديسمبر 2024، سقط نظام الأسد بعد 14 عامًا من الحرب والدمار، وسرعان ما انتشرت الأخبار في المخيمات، لتتحول الخيام البائسة إلى ساحات فرح.

"نزل الناس إلى الشوارع، تبادلوا التهاني، الجميع كان يحلم بالعودة إلى قراهم، إلى منازلهم التي تركوها منذ سنوات"، يصف رياض اللحظة التي اعتقد فيها أن الألم قد انتهى أخيرًا.

لكن عندما بدأ النازحون في العودة إلى بلداتهم، كانت المفاجأة الصادمة في انتظارهم.. "كثيرون لم يجدوا بيوتهم، وكثيرون لم يجدوا حتى ما يثبت أنهم كانوا يعيشون هناك يومًا ما"، يقول رياض بأسى.

فقد البعض كل شيء، ولم يتمكن آخرون من العودة بسبب غياب وسائل النقل أو المال اللازم للانتقال، ليجدوا أنفسهم مجبرين على البقاء في المخيمات، على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحقق فيه العودة حقًا.

"نحن لا نطلب الكثير، فقط أن نعود إلى بيوتنا، إلى الأرض التي ولدنا فيها، لكن يبدو أن الوطن الذي حلمنا به لا يزال بعيدًا"، يختتم رياض شهادته، بنبرة تحمل خليطًا من الأمل والخذلان. 

"حلم الموت الدافئ"

وفي إدلب، يعيش أحمد الحموي،(67 عاما) الذي اضطر للفرار من ريف محافظة حماة عام 2014 بعد تصاعد القصف والاشتباكات في منطقته، حيث وجد نفسه في مدينة غريبة عنه، لكنها كانت الخيار الوحيد له ولعائلته للبقاء على قيد الحياة.

"لم يكن لدينا وقت لجمع أي شيء، خرجنا من المنزل ونحن بالكاد نحمل أطفالنا"، يقول أحمد، الذي كان يعمل مدرسًا للغة العربية قبل أن تسرقه الحرب من فصوله وطلابه.

يعيش أحمد اليوم في بيت صغير في إدلب، بعيدًا عن مسقط رأسه، لكنه لا يزال يشعر بأنه "غريب داخل وطنه"، حيث فقد معظم أصدقائه، فيما لا يزال بعض أفراد عائلته مفقودين.

ويحلم الحموي بالعودة إلى مسقط رأسه، مضيفا: "أريد أن أموت في بيتي الذي بات أنقاضا بعدما كانت جدرانه تشهد على طفولتي وشبابي وكهولتي، لكن حتى الموت لم يعد بهذه السهولة"، يضيف أحمد بصوت مبحوح.

محمد خير.. "لا أصدق ما حدث"

في إحدى المخيمات القريبة من مدينة إعزاز شمال سوريا، يجلس محمد خير حمود (54 عامًا)، محاولًا إشعال موقد صغير ليحضر بعض الشاي، لكن الرياح الباردة تصعب عليه المهمة. 

محمد، الذي كان يقطن في حي العروبة بالقرب من مخيم اليرموك، جنوب دمشق، لم يكن يخطر بباله يومًا أنه سيعيش داخل خيمة، محاصرًا بين البرد والذكريات.

في عام 2018، اضطر محمد لمغادرة جنوب دمشق إلى الشمال السوري بعد سنوات مريرة من الحصار والقصف والجوع.

"عندما غادرت منزلي، كنت أحمل مفتاحه معي، كنت أعتقد أنني سأعود خلال أسابيع أو أشهر، لكن السنوات مرت، واليوم لم يعد هناك منزل لأعود إليه"، يقول محمد بحزن.

يحمل محمد صورًا قديمة لبيته، لأشقائه الذين تفرقوا في دول مختلفة بحثًا عن الأمان. لم يعد هناك أي رابط بينه وبين قريته سوى تلك الذكريات التي يؤلمها الزمن، ويزيدها البعد وجعًا.

"الوطن لم يعد الوطن الذي عرفناه، والبيوت لم تعد البيوت التي سكناها، كل شيء تغير، لكن القلب يرفض التصديق"، يضيف محمد، بينما يراقب طفلته الصغيرة التي لم تعرف سوى الخيام منزلا لها.