مرتزقة روس
مرتزقة روس

أكدت روسيا الجمعة أن وجودها العسكري في جمهورية أفريقيا الوسطى يقتصر على تأهيل القوات المحلية من دون المشاركة في المعارك، وذلك بعد اغتيال ثلاثة صحافيين روس كانوا يحققون في وجود مرتزقة من بلادهم في أفريقيا الوسطى.

وكان هؤلاء يجرون تحقيقا حول وجود مرتزقة روس وخصوصا من الشركة الأمنية الخاصة "فاغنر" التي شاركت في المعارك في سورية.

وفي مؤتمر صحافي اتهمت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بعض وسائل الإعلام بأنها "تبذل ما في وسعها لتحريف المعلومات والأمور الحقيقية المتعلقة بوجود مدربين روس في أفريقيا الوسطى".

وقالت زاخاروفا إن "الخبراء العسكريين الروس" المنتشرين في أفريقيا الوسطى "بطلب من رئيسها، لا يشاركون في المعارك ولا يهتمون إلا بالتأهيل".

وتابعت أن "175 مدربا روسيا يعملون في أفريقيا الوسطى بينهم خمسة عسكريين و170 آخرون مدنيون".

وأوضحت زاخاروفا "بمساعدة الخبراء الروس تم تأهيل حوالى 600 عسكري أفريقي وبدأ عدد منهم القيام بمهمة مكافحة المجموعات العسكرية غير الشرعية وحماية السكان المدنيين".

ومنذ بداية 2018، نشرت روسيا مدربين عسكريين في أفريقا الوسطى وسلمت جيش هذا البلد أسلحة وضمنت أمن الرئيس فوستان تواديرا.

شركات خاصة مقاتلة

وكان عدة عاملين من الشركات الأمنية الخاصة في روسيا نشروا وثيقة على الإنترنت، طالبوا فيها الحكومة الروسية بتقنين أوضاع هذه الشركات التي تعد غير قانونية، وذلك رغم علاقاتها الوثيقة بالكرملين.

وذكرت الوثيقة أن الشركات الأمنية الروسية الخاصة لم تعمل في سورية فحسب خلال عام 2018، وإنما نشطت في أفريقيا الوسطى والسودان واليمن وليبيا ودول عربية وأفريقية أخرى.

وكان ممثل لوزارة الدفاع الروسية لم يفصح عن اسمه قال لقناة "دوشت Dozhd" الإخبارية المستقلة، إن شركة عسكرية روسية خاصة تؤمن عملية بناء قاعدة عسكرية في دولة بوروندي.

قناة "دوشت" كانت قد كشفت سابقا عن صلة شركة "باتريوت" العسكرية الخاصة بوزارة الدفاع الروسية، إذ لا يزال جنود في باتريوت مدرجين كموظفين عسكريين روسيين.

وتتبارى شركتا "فاغنر" و"باتريوت" على توفير الحماية لمناجم الذهب في جمهورية أفريقيا الوسطى حسب ما أفادت "دوشت".

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟