أطاح الجيش السوداني الخميس الرئيس عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية على مدى 30 عاما، وأعلن "التحفظ عليه"، لكن محتجين خرجوا للشوارع مطالبين الجيش بتسليم السلطة لمدنيين.
وجاءت إطاحة البشير (75 عاما) بعد شهور من تظاهرات ضد حكمه.
وفي كلمة أذاعها التلفزيون الرسمي، أعلن وزير الدفاع عوض محمد أحمد بن عوف تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية مدتها عامان تتبعها انتخابات رئاسية.
وقال بن عوف إنه تقرر تعطيل الدستور وإعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر وإغلاق المجال الجوي لمدة 24 ساعة والمعابر الحدودية لحين إشعار آخر، وكذلك حل المجلس الوطني ومجالس الولايات ومؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء.
وفي وقت لاحق مساء الخميس، أدى وزير الدفاع القسم ليصبح "رئيس للمجلس العسكري الانتقالي" ويصبح رئيس أركان الجيش كمال عبد المعروف نائبا له.
على الجانب الآخر، رفض تجمع المهنيين السودانيين، المنظم الرئيسي للاحتجاجات ضد البشير، خطط الوزير، ودعا المحتجين إلى مواصلة الاعتصام الذي بدأ السبت خارج وزارة الدفاع.
وقال عمر صالح سنار القيادي في تجمع المهنيين السودانيين: "لن نقبل إلا بحكومة مدنية انتقالية مكونة من قوى إعلان الحرية والتغيير".
وقال عثمان أبو بكر (27 عاما) في بورسودان "سنواصل الاحتجاج حتى الإطاحة بهذه الحكومة الجديدة". وأضاف أن بعض الجنود انضموا إلى المحتجين في الهتاف ضد المجلس العسكري في المدينة الواقعة بشرق البلاد.
وقال شهود إن محتجين هاجموا أيضا مقر جهاز الأمن والمخابرات الوطني في مدينتي بورسودان وكسلا بشرق البلاد.
وتواجد آلاف المتظاهرين مساء الخميس أمام مقر قيادة الجيش على الرغم من سريان حظر تجول فرضه الجيش.
وعلى وقع هتاف "سلام، عدالة، حرية" الذي يردّده المتظاهرون ليليا، واصل المتظاهرون اعتصامهم لليلة السادسة على التوالي أمام مقر الجيش الذي كان دعاهم قبيل ساعات من ذلك إلى التزام حظر التجول الليلي.
ردود فعل دولية
وعلى صعيد ردود الفعل الخارجية، تفاوتت مواقف المجتمع الدولي بين من سارع إلى انتقاد الانقلاب العسكري ومن دعا إلى الهدوء وضبط النفس، في حين سيجتمع مجلس الأمن الدولي الجمعة في جلسة مغلقة لبحث التطورات السودانية.
وأكد الناطق باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو في مؤتمر صحافي الخميس تأييد واشنطن للانتقال الديمقراطي، وقال إن الشعب السوداني يريد حكومة انتقالية مدنية وإن واشنطن تؤيده في ذلك.
وقال إن الشعب السوداني هو الذي يملك اتخاذ القرار حول ماذا يريد، ومن يحكمه، ويجب على السلطة الاستجابة لمطالب الشعب، ويجب أن يحدث ذلك "قبل سنتين".
بينما امتنع الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش في بيان عن إدانة الانقلاب العسكري وقال إنه "يجدد دعوته إلى الهدوء وإلى التزام الجميع أكبر قدر من ضبط النفس"، معرباً عن أمله في "أن تتحقّق التطلّعات الديمقراطية للشعب السوداني من خلال عملية انتقالية مناسبة وشاملة".
ومن جهته، قال رئيس المفوضية الإفريقية موسى فقي في بيان إن "سيطرة الجيش على السلطة ليست الحل المناسب للتحديات التي يواجهها السودان ولتطلعات شعبه"، مؤكّداً أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي سيجتمع "بسرعة لبحث الوضع واتّخاذ القرارات المناسبة".
وفي نيويورك، أفاد دبلوماسيون بأنهم يتوّقعون أن يعقد مجلس الأمن جلسة مغلقة الجمعة لبحث الوضع في السودان، وذلك بعدما طلبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وبولندا عقد هذه الجلسة.
ومن ناحيتها، أعربت القاهرة عن ثقتها بـ"قدرة الشعب السوداني وجيشه" على تجاوز المرحلة بعد الإطاحة بالبشير.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس إنّه يأمل أن يتّجه السودان نحو "عملية ديمقراطية طبيعية" بعد الانتفاضة التي أدّت إلى إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير، الحليف الوثيق لتركيا.
وفي لندن، طالبت منظمة العفو الدولية "السلطات السودانية بتسليم عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية" التي تلاحقه بتهم ارتكاب "بعض من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان في عصرنا".
البشير
يواجه البشير اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي أصدرت أمرا باعتقاله على خلفية مزاعم بارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور بالسودان أثناء تمرد بدأ في عام 2003 وأودى بحياة ما يقدر بنحو 300 ألف شخص. وينفي البشير تلك الاتهامات.
ورغم ذلك فقد تحدى البشير المحكمة بزيارة عدة دول أعضاء بالمحكمة الدولية.
ويجيء سقوط البشير عقب الإطاحة هذا الشهر بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إثر احتجاجات شعبية أيضا على حكمه الذي دام عقدين.
البشير أمسك بزمام السلطة في انقلاب أبيض عام 1989. وهو شخصية خلافية تمكن من تخطي أزمة داخلية تلو الأخرى والتصدي في الوقت ذاته لمحاولات من الغرب لإضعافه.
وعانى السودان فترات طويلة من العزلة منذ عام 1993 عندما أضافت الولايات المتحدة حكومة البشير إلى قائمتها للأنظمة الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وفرضت واشنطن عقوبات على السودان بعد ذلك بأربعة أعوام.
وانتهت حرب أهلية طويلة مع الانفصاليين الجنوبيين في عام 2005، وأصبح جنوب السودان دولة مستقلة في 2011.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر، تعصف بالسودان احتجاجات متواصلة تفجرت بسبب مساع حكومية لرفع أسعار الخبز وأزمة اقتصادية أفضت إلى نقص في الوقود والسيولة.
وتصاعدت الأزمة الأخيرة في مطلع هذا الأسبوع بعدما بدأ آلاف المحتجين الاعتصام أمام مجمع وزارة الدفاع حيث مقر إقامة البشير.