مستشار الأمن القومي الأميركي خلال المؤتمر الصحافي في القدس
مستشار الأمن القومي الأميركي خلال المؤتمر الصحافي في القدس

حذر مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون الثلاثاء إيران من تعطيل مؤتمر البحرين حول السلام في الشرق الأوسط، وذلك في ظل التوتر بين واشنطن وطهران.

وقال بولتون "انخرطت إيران خلال الشهرين الماضيين في سلسلة طويلة من الهجمات غير المبررة". 

واتهمت الولايات المتحدة الجمهورية الإسلامية بالتورط في سلسلة هجمات ضد الملاحة في دول الخليج وهي اتهامات تدحضها إيران. وأسقطت طهران الأسبوع الماضي طائرة أميركية مسيرة قالت إنها دخلت المجال الإيراني وهو ما تنفيه واشنطن. 

وتنطلق في العاصمة البحرينية مساء الثلاثاء وبدعوة من الولايات المتحدة ورشة عمل للكشف عن الجوانب الاقتصادية لخطة السلام الأميركية لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. 

وقال بولتون في مؤتمر صحافي في القدس "في بيئة كهذه فإن تهديد المؤتمر في البحرين يبقى احتمالا واردا"، وتابع "سيكون من الخطأ الكبير أن تواصل إيران سلوكها هذا". 

وجاءت تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي هذه في معرض رده على أسئلة الصحفيين حول أي تدخل إيراني محتمل. 

وقال من جهة أخرى، إن بلاده ستواصل فرض العقوبات على إيران حتى تعود طهران إلى طاولة المفاوضات.

واتهم يولتون إيران بأنها تشكل تهديدا للمنطقة ككل بسبب سلوكها وصواريخها البالستية، وقال إن قواتها في سوريا تمثل أكبر تهديد.

ودعا إلى ضرورة الحد من قدرة طهران على تحقيق استراتيجيتها عبر أذرعها في المنطقة، وقال إن جميع الخيارات بشأن تعامل واشنطن مع الجمهورية الإسلامية لا تزال مطروحة.

وقال السفير الأميركي لشؤون نزع السلاح روبرت وود إن الرئيس دونالد ترامب يترك الطريق مفتوحا أمام الدبلوماسية مع إيران، مشيرا إلى أن طهران تخطئ إن فسرت سياسة ضبط النفس التي يتبعها ترامب بعد إسقاط الطائرة الأميركية، على أنها ضعف.

تحديث (6:56 ت.غ)

بولتون: واشنطن مستعدة لإجراء محادثات مع إيران

قال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إن الرئيس دونالد ترامب منفتح على فكرة إجراءات مفاوضات حقيقية "وكل ما تحتاج إيران للقيام به هو السير عبر هذا الباب المفتوح".
 
وأضاف خلال قمة أمنية ثلاثية اميركية-إسرائيلية-روسيةفي القدس الثلاثاء، أن مبعوثين أميركيين يقومون بجولات في المنطقة أملا في إيجاد سبيل لخفض تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران، إلا أن صمت الجمهورية الإسلامية "يصيب بالصمم".
 
وقال أيضا إنه "لا يوجد ببساطة دليل على أن إيران اتخذت قرارا استراتيجيا بالتخلي عن الأسلحة النووية".

بولتون خلال القمة الأمنية الثلاثية في القدس

​​وفرضت الولايات المتحدة الاثنين عقوبات استهدفت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وآخرين، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن الخطوة تعني "الإغلاق الدائم لطريق الدبلوماسية" مع الإدارة الأميركية.

​​وتصاعد التوتر بين الجانبين بعد إسقاط إيران طائرة عسكرية أميركية من دون طيار الأسبوع الماضي، وتوعد الرئيس ترامب بالرد قبل أن يعدل عن توجيه ضربة انتقامية.

وقال المستشار الأميركي إن الولايات المتحدة أبقت الأبواب مفتوحة للمحادثات، ذلك بعد أكثر من عام على انسحاب واشنطن من اتفاق نووي تاريخي بين طهران والقوى الكبرى. وتابع بولتون "كل ما تحتاج إيران إلى القيام به هو سلوك هذا الطريق".

الرئيس الإيراني حسن روحاني قال من جانبه إن قرار واشنطن فرض عقوبات على أكبر الدبلوماسيين الإيرانيين يثبت أن الولايات المتحدة "تكذب" بشأن المحادثات.

وقال الرئيس حسن روحاني في اجتماع مع عدد من الوزراء بث على الهواء مباشرة عبر شاشات التلفزة "في الوقت الذي تدعو فيه إلى المفاوضات، تسعى إلى معاقبة وزير الخارجية؟ من الواضح أنها تكذب".

وأعلن وزير الخزانة الأميركي أن واشنطن ستدرج وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف على القائمة السوداء.

 

 

البابا فرنسيس

في صباح مشمس من مارس 2021، وقف طفل ملوحا بعلم عراقي صغير، على حافة الرصيف في مدينة النجف، يتأمل موكبا رسميا لم يَعْهد له مثيلا من قبل. 

وسط الجموع، لمح الطفل الثوب الأبيض للزائر الغريب وهو يخطو على مهل داخل أزقة المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة.  لم يكن ذلك الطفل يعلم على الغالب أنه كا شاهدا على واحدة من الزيارات البابوية التي ستسجل في كتب التاريخ باعتبارها لحظة نادرة ومفصلية في علاقة الأديان في الشرق الأوسط. 

في تلك الزيارة التي وقّتها البابا مع بدء تعافي الكوكب من فايروس كورونا، وبدء تعافي العراق من "داعش"، زار البابا الراحل المناطق التي دمرها داعش في أور والموصل، وحمل معه للعراق عموماً وللمسيحيين خصوصاً رسالة أمل رمزية لكنها شديدة العمق: "السلام ممكن، حتى من قلب الألم". 

خلال لقائه بالمرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، في المدينة الشيعية المقدسة، بحث رأس الكنيسة الكاثوليكية مع رأس الحوزة "التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية"، وقد شكل ذلك اللقاء "فرصة للبابا ليشكر آية الله السيستاني لأنه رفع صوته ضد العنف والصعوبات الكبيرة التي شهدتها السنوات الأخيرة، دفاعاً عن الضعفاء والمضطهدين، بحسب بيان وزعه المكتب الصحفي للكرسي الرسولي بعد اللقاء.

منذ حمله لقب "صاحب القداسة" في العام ٢٠١٣، أولى البابا فرنسيس أهمية كبيرة للبقعة الجغرافية التي تتنازعها الحروب والنيران على طول خريطة الشرق الأوسط. والتفت البابا بعين دامعة، الى البشر الذين يُدفعون بسبب الحروب والمآسي إلى البحار هرباً من الموت على اليابسة. 

خرج صوت البابا من أروقة الفاتيكان، بخشوع وألم، ليعبر بنبرة أب قلق على أبنائه وبناته في تلك البقعة من العالم، من تمييز بينهم على أساس أديانهم أو طوائفهم. 

رفع البابا صوته وصلواته لضحايا الهجرة، ووقف على شاطئ المتوسط منادياً العالم: "أولئك الذين غرقوا في البحر لا يبحثون عن الرفاه، بل عن الحياة". وفي لقائه بلاجئين سوريين خلال زيارته إلى اليونان، طلب "ألا يتعامل العالم مع المهاجرين كأرقام، بل كوجوه وأرواح". 

لا يمكن الفصل بين رؤية البابا فرنسيس لقضايا الشرق الأوسط وبين خلفيته الآتية من أميركا اللاتينية، كما يشرح الباحث في العلاقات الإسلامية المسيحية روجيه أصفر لموقع "الحرة". 

يقول أصفر إن "المنطقة التي أتى منها البابا وشهدت صعود لاهوت التحرير وتعيش فيها الفئات المسحوقة والديكتاتوريات، لابد أن تخلق لديه حساسية تجاه قضايا شعوب الشرق الأوسط التي تعاني من نموذج مشابه من الديكتاتوريات". 

وايضاً يجب الأخذ بعين الاعتبار، بحسب أصفر، المعرفة العميقة لدى البابا بالإسلام، "ومع كل الاستقطاب الديني الذي نشهده في العالم، وصعود الإسلاموفوبيا، تمكن البابا من نسج علاقات جيدة بالعالم العربي والمرجعيات الدينية فيه وخصوصاً مع الأزهر وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية التي تعتبر متقدمة جداً في مجال الحوار بين الأديان".

جال البابا في زيارات مختلفة توزعت على دول عربية، وحط في العام ٢٠١٧ في مصر، بعد تفجيرات استهدفت الكنائس القبطية، والتقى حينها بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، وشارك في مؤتمر للسلام. هناك قال إن "الإيمان الحقيقي هو ذلك الذي يدفعنا إلى محبة الآخرين، لا إلى كراهيتهم". 

بعدها بسنتين، زار الإمارات في زيارة تاريخية لأول بابا يزور شبه الجزيرة العربية، ووقع مع شيخ الأزهر وثيقة "الأخوّة الإنسانية" التاريخية، داعياً من قلب الخليج إلى "نبذ الحرب، والعنصرية، والتمييز الديني". كما ترأس قداساً حضره أكثر من 100 ألف شخص في استاد زايد، ليقول للعالم: "الإيمان يوحّد ولا يُفرّق".

ما فعله البابا هو "كسر الحواجز وتأسيس منطلقات نظرية لاهوتية وشرعية وفقهية مع الجانب المسلم والتعاون لتأسيس للعيش معاً بشكل أفضل"، يقول أصفر. ويتابع: "البابا انطلق في ذلك من سلطته المتأتية من صلاحية قوية جداً على رأس هرم الكنيسة الكاثوليكية التي تضم أكبر جماعة مسيحية في العالم". 

حينما وقع انفجار هائل في مرفأ بيروت في أغسطس من العام ٢٠٢٠، عبّر البابا فرنسيس عن تضامنه العميق مع الشعب اللبناني، ووصف لبنان بأنه "رسالة" في التعايش، داعيًا العالم لعدم التخلي عنه: "لبنان لا يمكن أن يُترك وحيدًا... هو كنزٌ يجب الحفاظ عليه". 

خصص صلوات كاملة لأجل "نهضة لبنان من الرماد"، وكان يخطط لزيارة بيروت قبل أن تؤجل الزيارة بسبب وضعه الصحي. وأبدى اهتماماً كبيراً بأزمة السودان، وتدهورها في السنوات الأخيرة إلى انتهاكات شنيعة لحقوق الإنسان، فرفع الصلوات لسلام السودانيين ودعا إلى حماية المدنيين مما سماه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".

كما عبّر البابا فرنسيس مراراً عن قلقه العميق من تدهور الأوضاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين في الشرق الأوسط وانسحاب الصراع إلى دول أخرى مثل لبنان. 

خلال زيارته لبيت لحم عام 2014، آتياً من الأردن، تحدث عن السلام وأهميته وعن حق الفلسطينيين كما الإسرائيليين بالأمان. 

وبعد الهجوم الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، أدان البابا فرنسيس بوضوح قتل المدنيين واختطاف الأبرياء، مع دعوة لوقف العنف من الجانبين: "أتابع بألم ما يحدث في إسرائيل وفلسطين... أدعو إلى الوقف الفوري للعنف الذي يحصد أرواحًا بريئة. الإرهاب والعنف لا يحققان السلام أبدًا".

ودعا إلى إطلاق سراح الرهائن وفتح ممرات إنسانية لغزة، مؤكدًا أن "كل إنسان له الحق في العيش بكرامة، سواء كان فلسطينياً أو إسرائيلياً".

في العام ٢٠٢٢ شارك في "ملتقى البحرين للحوار"، في زيارة ثانية الى الخليج، كشفت عن اهتمامه بتلك البقعة من العالم، حيث دعا إلى احترام الحريات الدينية، والحوار بين المذاهب والأديان، مؤكدًا أن "الاختلاف لا يجب أن يتحول إلى صراع".

لم يكن البابا الراحل فرنسيس يوماً زائراً غريباً عن المنطقة، وعن الشرق الأوسط، بل كان يحمل في قلبه الحب لجميع شعوب العالم، ويحمل بلسانه لغة الحوار والعدالة التي يفهمها الجميع بمعزل عن اختلاف لغاتهم. 

كان يعرف كيف يقارب الصراعات الحساسة بحسّ إنساني عال وبشجاعة ملحوظة، فيقف إلى جانب المدنيين دائما في الصراعات العسكرية، ويدعو المتحاربين إلى انهاء حروبهم وتجنيب المدنيين قسوة الحروب ومآسي القتل والدمار والتهجير.