محمد حمدان دقلو "حميدتي"
محمد حمدان دقلو "حميدتي"

نددت قوى الحرية والتغيير التي تقود الاحتجاجات في السودان، بمعلومات تضمنها تقرير لمجلة فورين بوليسي كشف أن المجلس العسكري الانتقالي أبرم صفقة بملايين الدولارات مع جماعات ضغط لتعزيز سيطرته وشرعيته في الخارج، بعد إطاحته بنظام الرئيس عمر البشير.

"عليهم أن يصلحوا علاقاتهم مع الشعب أولا قبل أن يصلحوا علاقاتهم مع الخارج". يقول أمجد فريد المتحدث باسم تجمع المهنيين، أحد الأذرع الرئيسية لقوى الحرية والتغيير.

ويقول تقرير فورين بوليسي إن نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو الشهير بـ  حميدتي توسط في صفقة بقيمة 6 ملايين دولار مع شركة ضغط كندية تسمى "ديكنز آند مادسون"، لكسب التأييد في الولايات المتحدة والسعودية وروسيا.

يقول فريد إن "هذا الأسلوب جربه النظام السابق ولم ينجح.. 6 ملايين دولار رقم مذهل، الشعب السوداني أولى به".

وأضاف في حديث لـ"موقع الحرة" كان  "الأولى بالمجلس العسكري تحقيق أهداف الثورة التي يدعي انحيازه إليها، بدلا من التحايل عليها".

وتصر جماعات المعارضة الرئيسية في السودان ممثلة في قوى الحرية والتغيير على ضرورة تسليم المجلس العسكري السلطة للمدنيين وهي دعوات تدعمها الولايات المتحدة.

ويسعى حميدتي للحصول على دعم دول الخليج ودول أخرى لدعم شرعيته في صراع السلطة هذا.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مبعوثين غربيين ونشطاء سياسيين أن حميدتي، الذي ينتمي إلى عائلة من تجار الإبل بإقليم درافور (غرب)، وغادر الدراسة في مراحلها الابتدائية، يأمل أن يصبح رئيسا للبلاد.

ذاع صيت حميدتي بعد تعيينه من قبل الرئيس السابق عمر البشير على رأس مليشيا تسمى الجنجويد متهمة بارتكاب فظاعات في دارفور.

ويحظى حميدتي بعلاقات ممتازة مع السعودية والإمارات خاصة بسبب مشاركة قواته في حرب اليمن.

والعقد الذي وقعه حميدتي مع مجموعة الضغط الكندية يلقي، حسب سجلات وزارة العدل الأميركية، مزيدا من الضوء على الظهور الغامض لهذا الجنرال ومساعيه لتعزيز قبضته، وعلى الحكومات التي تعمل معه، وفق تقرير المجلة.

وتسعى شركة الضغط الكندية حسب فورين بوليسي إلى تأمين اجتماع بين حميدتي والرئيس الأميركي دونالد ترامب ورؤساء حكومات الشرق الأوسط وستعمل على ضمان حصول المجلس العسكري على "اعتراف منهم بأنه القيادة الانتقالية الشرعية لجمهورية السودان"، وفقا للعقد.

يشار إلى أن حميدتي كان أول مسؤول في المجلس العسكري يلتقي القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم ستيفن كوستس.

ويحدد العقد أيضا أولويات أخرى، بما فيها شركة الضغط التي تعمل على "توفير التدريب العسكري والمعدات الأمنية" والحصول على "دعم البنية التحتية والأمن الغذائي" من الحكومة الروسية، وحتى الحصول على أموال من جنرال ليبي يتنافس على السلطة في هذا البلد، مقابل الحصول على مساعدة عسكرية، حسب التقرير.

وشركة الضغط يقودها عميل استخباراتي إسرائيلي سابق يدعي أري بن ميناشي، عمل في الماضي لصالح حكومتي زيمبابوي وليبيا.

بالإضافة إلى الدعم من شركة الضغط الغربية، تلقى حميدتي أيضا دعما من عضو الكونغرس الأميريكي السابق (عن ولاية فيرجينيا)، جيمس موران، الذي زار السودان في الأيام الماضية.

موران، وهو حاليا كبير المستشارين القانونيين وجماعة الضغط في مكتب المحاماة McDermott Will & Emery، أجري خلال الزيارة لقاءات مع عدة شخصيات على رأسها حميدتي والقائم بالأعمال الأميركي ستيفن كوستس، قائلا إنه "أعجب" بكل من قابلهم بمن فيهم الجنرال السوداني.

عززت زيارة موران إلى السودان التصور، على الأقل في وسائل الإعلام الرسمية، بأن حميدتي مدعوم من المجتمع الدولي.

علما بأن موران كان منذ سبتمبر 2018، من جماعات الضغط التي تعمل لصالح قطر، وفقا لتقارير أشارت إلى دفع الدولة الخليجية ما لا يقل عن 40 ألف دولار شهريا لموران ومكتب محاماه للتحدث مع الصحفيين، والتواصل مع أعضاء الكونغرس وموظفيهم، وإرسال رسائل بشأن الخلاف السعودي على قطر.

وقطر منافسة للسعودية والإمارات ومصر، التي قدمت دعما كبيرا لحميدتي.

وزارة الخارجية الأميركية علقت على زيارة موران إلى السودان على أنه مواطن عادي، ولا يمثل الحكومة الأميركية.

على النقيض، دق مشرعون أميركيون ناقوس الخطر بشأن صعود حميدتي إلى السلطة.

ودعا النائب الديمقراطي إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إدارة ترامب إلى فرض عقوبات على الرجل الذي يرأس أيضا قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب أعمال عنف ضد المتظاهرين، وجرائم واسعة ضد المدنيين في دارفور.

وتحاول الوساطة الإثيوبية الإفريقية المشتركة تقريب وجهات النظر بين العسكر وتحالف المعارضة بقيادة قوة الحرية والتغيير.

لكن قيادات معارضة تتهم المجلس العسكري بالمماطلة لكسب الوقت.

وأصبح لحميدتي دور رئيسي في عملية التفاوض الآن مع قوى الحرية والتغيير والمعنية بتسليم السلطة الى المدنيين.

وتقول بعض قوى المعارضة إنها لن تقبل بحكومة تضم حميدتي.

 كاميرون هدسون، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وزميل في "مجلس الأطلسي"، حذر من تدخل الجيش في مستقبل السودان، وقال "فكرة أن المجلس العسكري الانتقالي أو قوات الدعم السريع يمكن أن تحقق الاستقرار (في السودان) هي فكرة مجنونة".

 

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟