بعد أربع سنوات من القتال في اليمن، تحدثت مصادر في دولة الإمارات عن عزم أبوظبي الانسحاب من معظم مناطق وجودها في البلاد، في خطوة أثارت كثيرا من التكهنات حول الدوافع في هذا التوقيت بالذات.
وعقب أيام على تقارير تناقلتها وسائل إعلام عن الانسحاب الإماراتي، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول إماراتي قوله الاثنين إن هناك خفضا في عديد قوات بلاده في مناطق عدة في اليمن ضمن خطة "إعادة انتشار" لأسباب "استراتيجية وتكتيكية".
ووفق الوكالة، أكد المسؤول أمام مجموعة من الصحفيين في دبي، مشترطا عدم الكشف عن هويته، أن أبوظبي تعمل على الانتقال من "استراتيجية القوة العسكرية" إلى خطة "السلام أولا" في هذا البلد.
الإماراتيون موجودون في اليمن ضمن التحالف الذي تقوده السعودية دعما للحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، في مواجهة الحوثيين الموالين لإيران والذين يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد من بينها العاصمة صنعاء.
وتأتي تقارير الانسحاب الإماراتي وسط تصاعد التوتر في المنطقة على خلفية سياسات طهران وملفها النووي، والذي بلغ ذروته في إسقاط إيران طائرة أميركية من دون طيار الأسبوع الماضي.
وتواجه طهران أيضا اتهامات بالضلوع في عمليات تخريب أربع ناقلات نفط في هجمات وقعت بالقرب من ميناء الفجيرة قبل نحو شهرين.
وعزت أربعة مصادر دبلوماسية غربية تقليص الوجود العسكري الإماراتي في اليمن إلى تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، بالتزامن مع تصعيد حوثي في المنطقة، حسب وكالة رويترز.
في حين لم يستبعد محللون أن يكون الانسحاب الإماراتي في سياق الاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة بين واشنطن وطهران، قد تظهر فيها الإمارات والسعودية كقوات قتال رئيسية.
وتجري واشنطن محادثات مع الحلفاء من أجل تحالف عالمي لحماية خطوط شحن النفط الحيوية في مضيق هرمز وبالقرب منه.
وتم التطرق إلى الموضوع خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى السعودية والإمارات، الأسبوع الماضي.
وقال دبلوماسي غربي لوكالة رويترز إن الإمارات سحبت "الكثير" من القوات من شبه الجزيرة العربية، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية.
وأكد مسؤول يمني في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، شريطة عدم الكشف عن هويته، أن القوات الإماراتية أخلت موقعا عسكريا في سروة غرب محافظة مأرب، وسحبت نظام صواريخ باتريوت من المنطقة.
وأشار المحلل الإماراتي علي الشعيبي إلى أن قرار الانسحاب الإماراتي هو "قرار سيادي" جاء "مراعاة للظروف الإقليمية والدولية ووفقا للمصالح المرتبطة بالأمن القومي والخليجي".
وأضاف لموقع الحرة أن العمل العسكري أثبت أنه "غير ذي جدوى.. آن الأوان للحلول الدبلوماسية ووضع حد لهذه المأساة الإنسانية في اليمن".
وربط الشعيبي بين الانسحاب الإماراتي وحدوث ما وصفه بـ"تقدم سري" على مسار التفاوض مع إيران.
وفي هذا السياق، قال الشعيبي "أعتقد أن في الانسحاب رسالة لإيران مفادها أن الحرب إن اندلعت فسوف تصيبها بكثير من الأذى. اعتقد أن إيران تأثرت كثيرا بالعقوبات وأصبحت أكثر قبولا للتفاوض، إن لم تكن وافقت بالفعل.. ولهذا انسحبت الإمارات".
مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط حسن منيمنة، اعتبر أن الانسحاب من اليمن هو "محاولة لايجاد مخرج من المأزق اليمني"، وقال لموقع الحرة "علينا ألا نبالغ في تفسير الانسحاب الإماراتي.. لا مجال لاستمرار هذه الحرب".
ورأى المحلل الأميركي مارك بيري أن الانسحاب الإماراتي من اليمن يعني أنهم "يخسرون"، مضيفا في حديث مع موقع الحرة قوله: "وجودهم (في اليمن) لن يجلب لهم النصر.. كما أن الدعم الأميركي لوجودهم في اليمن يتضاءل".
واعتبر بيري أن الانسحاب الإماراتي سيجعل السعوديين في اليمن "بلا حليف سوى الولايات المتحدة.. اعتقد أن الدور القادم سيكون على السعوديين ولو بعد حين".
وتوقع بيري أن يؤدي الانسحاب الإماراتي من اليمن الى تشجيع الأمم المتحدة على دفع عملية السلام "لكن هل تنجح؟ لا أدري، لكن بالطبع ستنخفض حدة الحرب".
واستبعد بيري أن تغير تلك التطورات في مواقف السعودية والإمارات تجاه إيران.
لا خلاف سعودي إماراتي
ويعكس الانسحاب الإماراتي، حسب تقارير، الخلافات القائمة وإن كانت طفيفة في مقاربات السعودية والإمارات تجاه اليمن.
ويدحض المحلل السياسي الإماراتي الشعبي ذلك الرأي، ويقول إن الإمارات والسعودية تبدوان متوافقتين في الكثير من الأطروحات بالنسبة لحرب اليمن، "لا أتصور خلافا في التوجه الاستراتيجي لهذه الحرب، لكن لكل دولة سياستها ومصالحها".
ويتزامن الانسحاب الإماراتي مع تزايد القلق الدولي من الخسائر المدنية للحرب في اليمن، والتي قدرت بعشرات آلاف الضحايا منذ اندلاعها، ناهيك عن تسببها في دفع ملايين آخرين إلى حافة الجوع.
وتنقل رويترز عن مسؤول إماراتي رفيع قوله إن بلاده رغم الانسحاب، تظل ملتزمة تماما بالائتلاف العسكري و"لن تترك فراغا" في اليمن.
ويقول دبلوماسيون غربيون إنه إذا لزم الأمر، "يمكن لدولة الإمارات دائما إرسال قوات إلى اليمن"، حيث أقامت أبو ظبي حلفاء محليين قويين يقدرون بعشرات الآلاف من المقاتلين بين الانفصاليين الجنوبيين، ومقاتلي السهول الساحلية، وفقا لرويترز.
وتدخل التحالف بقيادة السعودية التي تعتبر الإمارات جزءا منه، في الصراع اليمني عام 2015 في مسعى لإعادة الحكومة التي أطاح بها الحوثيون.