بين مايو وأكتوبر 2015، نفذ سلسة في تركيا تسببت في مقتل 150 شخصا.
بين مايو وأكتوبر 2015، نفذ سلسة في تركيا تسببت في مقتل 150 شخصا.

أصدر تنظيم داعش، لأول مرة، هذا الأسبوع شريط فيديو يظهر مجموعة من أعضائه في تركيا يعلنون بيعتهم لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. يأتي هذا بعد ثلاثة أشهر من ظهور البغدادي في شريطه الأخير (بعد خمس سنوات من الغياب) وهو يحمل ملفا باسم "ولاية تركيا".

ورغم أن وجود داعش في تركيا يعود إلى فترة طويلة، إلا أنها المرة الأولى التي يَصدر فيها شريط رسمي عن "ولاية تركيا".​​

يستعرض هذا التقرير ملامح وتاريخ علاقة ملتبسة بين تركيا وداعش ابتدأت بـ"غض النظر" أو حتى التواطؤ، كما يرصدها باحثون، وانتهت بـ"حرب مفتوحة"!.

العلم الأسود

​​

 

 

​​​​في الواقع، فيديو "ولاية تركيا" هو الثامن ضمن سلسلة فيديوهات متواصلة يُصدرها داعش منذ فترة بعنوان "العاقبة للمتقين"، وتتضمن بيعات لمقاتلي التنظيم في مناطق مختلفة من أنحاء العالم، بعضها لأول مرة، مثل الكونغو ومالي وبوركينا فاسو وأذربيجان والهند وإيران.

تهدف هذه السلسلة، كما هو معلن من عنوانها (العاقبة للمتقين) والمقدمة التي تسبق تلاوة البيعات، إلى تأكيد استمرارية داعش وثبات مقاتليه في مواجهة الدول "التي تزعم القضاء على دولة الخلافة".

لا يتعدى فيديو "ولاية تركيا" خمس دقائق. ويظهر خمسة مقاتلين ملثمين يبايعون أبو بكر البغدادي، وخلفهم علم داعش الأسود.

ويظهر في الشريط شخص باسم أبو قتادة التركي (اعتمد تنظيم داعش صيغة واحدة تقريبا للمتحدثين في سلسلة "العاقبة للمتقين": أبو مصعب الليبي، أبو طلحة الهندي، أبو عبد الله القوقازي..)، متوعدا تركيا ورئيسها طيب رجب أردوغان الذي وصفه بـ"طاغوت تركيا المتكبر" والولايات المتحدة.

تركيا.. نقطة عبور

​​

 

 

وجود داعش في تركيا ليس جديدا بالتأكيد. فحتى قبل إعلان "الخلافة" في نهاية يونيو 2014، كانت تركيا نقطة عبور رئيسية لمقاتلي التنظيم إلى داخل الأراضي السورية والعراقية. وعمليا صارت داعش، باحتلال مناطق شاسعة في محافظتي دير الزور والحسكة بسوريا ومحافظة نينوى بالعراق، هي الجار الجنوبي لتركيا حينها.

تحولت داعش خلال تلك الفترة إلى عدو رئيسي للنظام السوري ولحزب العمال الكردستاني الذي كانت أذرعه تنشط في شمال شرقي سوريا، لتختار أنقرة سياسة عدم التدخل. وهي السياسة التي سهلت مرور أكثر من 25 ألف مقاتل أجنبي إلى داخل الأراضي السورية والعراقية.

في أبريل الماضي، حصل فريق من مجلة "دير شبيغل" الألمانية على وثائق تتضمن أكثر من 100 جواز سفر لعناصر من داعش ينحدرون من 21 دولة تم أسرهم على يد مليشيا وحدات حماية الشعب الكردية. أغلب جوازات السفر تشير إلى دخول أصحابها إلى الأراضي السورية عبر تركيا في بداية سنة 2014.

وداخل الأراضي التركية، تمتعت داعش بوجود مكثف عبر مئات الخلايا والملاذات الآمنة، خاصة في مدن إسطنبول وأنقرة وقونية وأضنة وإزمير وغازي عنتاب وأورفا. تؤكد هذا الأعداد الهائلة من عناصر داعش والمتعاطفين معها الذي أعلنت تركيا اعتقالهم خلال سنتي 2016 و2017 (2936 شخصا سنة 2016، و820 شخصا في شهر فبراير 2017 وحده).

واستطاع تنظيم داعش سريا بناء شبكة واسعة من العلاقات داخل تركيا . وصار بواسطته قادرا على شراء مواده الحيوية ونقلها إلى أراضيه. وتعاقد، عبر أطراف ثالثة، مع مصانع لإنتاج مواد أولية لصناعة المتفجرات. وحصل على المواد الكيماوية، والأجهزة الإلكترونية للقنابل بدائية الصنع، والسيارات رباعية الدفع، والملابس والغذاء...إلخ.

من "عدم الاعتداء"  إلى الحرب

​​

 

 

 

كان هجوم الجيش التركي، في أغسطس 2016، على مدينة الباب السورية هو نقطة التحول في العلاقة بين تركيا وداعش. فردا على الهجوم، أعلن أبو بكر البغدادي الحرب المفتوحة على أنقرة، خاصة أن عملية "درع الفرات"، التي دعمت فيها تركيا فصائل من الجيش السوري الحر، انتهت بخسارة داعش لمدينة الباب الحدودية.

تزامنت عملية درع الفرات في سوريا مع انطلاق معركة الموصل في العراق، وهو ما دفع البغدادي إلى إصدار شريط صوتي في نوفمبر 2016، بعد أكثر من عام من الغياب. هاجم زعيم داعش تركيا، ودعا مقاتليه إلى نقل المعركة إلى الأراضي التركية: "لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم، فاستعينوا بالله واغزوها واجعلوا أمنها فزعا ورخاءها هلعا ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة"، قال حينها.

وبعد يومين فقط من كلمة البغدادي، فجر مقاتلوه سيارة ملغومة في مدينة ديار بكر في جنوب شرقي تركيا، تسببت في مقتل ثمانية أشخاص وإصابة أكثر من 100 آخرين. وكان هذا هو أول هجوم يتبناه داعش رسميا في تركيا.

قبل هذا، مرت علاقة داعش بتركيا بمراحل مختلفة: طيلة سنة 2014 والأشهر الأولى لـ2015، اتبعا الطرفان سياسة أشبه بـ"عدم الاعتداء". ولم ينفذ التنظيم أي هجوم داخل الأراضي التركية، باستثناء تبادل لإطلاق النار بين ثلاثة من عناصر داعش (غير أتراك) والشرطة التركية داخل نقطة تفتيش مرورية. ورغم أن الحادث تسبب في مقتل ثلاثة من رجال الشرطة، إلا أن أنقرة اعتبرت أنه اندلع بشكل عفوي ولم يكن مخططا له.

خلال هذه الفترة (2014 وبداية 2015)، لم تبد تركيا نشاطا يذكر في محاربة داعش رغم أنها كانت تصنف التنظيم جماعة إرهابية منذ 2014. كانت تنظر إلى داعش حينها كأداة لهزيمة قوات الأسد وللحيلولة دون إنشاء حزام كردي في شمال شرقي سوريا الذي خرج عن سيطرة النظام لصالح الميليشات الكردية. لذا ظلت ترفض لأكثر من شهر السماح بمرور قوات برية من خارج سوريا لدعم مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني تحت الحصار خلال معركة كوباني (سبتمبر 2014- مارس 2015).

​​ولم تستجب أنقرة للمطالب الكردية إلا تحت الضغوط الدولية (صارت كوباني حينها رمزا للمعركة ضد داعش)، واشترطت أن تكون هذه القوات من قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق (يتمتع مسعود بارزاني بعلاقات جيدة مع تركيا).

مقاتل كردي في مدينة كوباني

ومع انقلاب موازين القوى وتقدم المقاتلين الأكراد في كوباني وباقي شمالي سوريا، شرع تنظيم داعش ابتداء من ربيع 2015 في تنفيذ هجمات مروعة ضد الأهداف الكردية داخل الأراضي التركية. وبين مايو وأكتوبر 2015، نفذ التنظيم سلسة هجمات ضد الأكراد في مدن أدنة ومرسين وديار بكر وسروج وأنقرة تسببت في مقتل 150 شخصا.

كانت هذه العمليات الاستعراضية هي ما دفع تركيا إلى أن تخطو الخطوة الأولى في المعركة ضد داعش: عملية برية على الحدود السورية ضد مقاتلي داعش (والأكراد أيضا)، السماح لطائرات التحالف باستخدام قاعدة أنجرليك العسكرية، تنفيذ أول ضربة جوية ضد أهداف لداعش داخل الأراضي السورية.

في هذه الفترة أيضا (يونيو 2015)، شرع تنظيم داعش في إصدار مجلة خاصة باللغة التركية باسم "القسطنطينية"، وصعد من نبرة العداء تجاه أنقرة. أما تركيا فزادت من حدة الإجراءات الأمنية لتأمين حدودها وشنت حملات أمنية مكثفة لضرب شبكة داعش على أراضيها، خاصة بعد سلسلة الهجمات التي شنها التنظيم في مناطق مختلفة في أوروبا (باريس، بروكسيل، نيس، برلين...إلخ) في نهاية 2015.

في العام التالي (2016)، نفذ داعش سلسلة هجمات داخل الأراضي التركية، استهدفت هذه المرة مواطنين أتراكا وسياحا أجانب (سابقا كانت العمليات تركز على المصالح الكردية)، قبل أن تعلن أنقرة عن عملية "درع الفرات" للدخول إلى مدينة الباب السورية. وهو ما رد عليه أبو بكر البغدادي بإعلان الحرب المفتوحة.

People gather outside a hospital, as more than 1,000 people, including Hezbollah fighters and medics, were wounded on Tuesday when the pagers they use to communicate exploded across Lebanon, according to a security source, in Beirut
القصف الإسرائيلي المتواصل على محيط المستشفيات وسقوط ضحايا بين موظفيها أجبر الكثير منها على تعليق خدماتها

بينما يزداد التصعيد الإسرائيلي على جنوب لبنان، تتعقد مهمة القائمين على إسعاف المصابين والجرحى، خصوصا وأن الغارات طالت محيط بعض المستشفيات.

وسط هذا المشهد، أعلنت أربعة مستشفيات على الأقل في لبنان تعليق خدماتها على وقع غارات إسرائيلية كثيفة في محيطها.

وأفادت إدارة مستشفى سانت تريز الخاص عند تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت بـ"وقف الخدمات الاستشفائية" بعد وقوع "أضرار جسيمة" في المبنى والمعدات "إثر استهداف الطيران الإسرائيلي.. بغارات عنيفة" مبنى المستشفى "وكافة المعدات والتجهيزات الطبية".

وقالت إن المستشفى "بات يتطلب عملية تأهيل شامل لمختلف أجزائه" وفق ما نقلت وكالة فرانس برس.

تجمع خارج مستشفى بلبنان ، حيث أصيب أكثر من ألف شخص، بما في ذلك مقاتلو حزب الله ومسعفون.

تعليقا على هذا الوضع، أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، السبت، أن المعلومات عن ضربات اسرائيلية أصابت "منشآت صحية وطواقم استشفائية" في لبنان "تثير قلقا بالغا".

وكتب لامي على منصة "إكس" إن  "على جميع الأطراف التزام القانون الإنساني الدولي"، وذلك بعدما أعلنت مستشفيات وقف عملها، في موازاة تحذير الأمم المتحدة من ازدياد الهجمات على فرق الرعاية الصحية.

وتعرضت ضاحية بيروت الجنوبية ليل الجمعة لسلسلة غارات اسرائيلية كثيفة، وصل صداها إلى مناطق خارج بيروت. وفي بلدة مرجعيون القريبة من الحدود مع إسرائيل، أغلق المستشفى الحكومي أبوابه الجمعة بعد إجلاء موظفيه، إثر غارة اسرائيلية عند مدخله الرئيسي.

وقال مدير المستشفى، مؤنس كلاكش، لفرانس برس إن "غارة اسرائيلية استهدفت سيارات إسعاف عند المدخل الرئيسي للمستشفى، ما أثار حالة من الإرباك والذعر في صفوف الطاقم الطبي والموظفين".

وأضاف "كنا نقدم الخدمات الطبية للمنطقة منذ بدء الحرب، لكن مع النقص في عدد الموظفين والطاقم الطبي، جاء القصف اليوم ليسرّع عملية إغلاق المستشفى".

وتشهد منطقة مرجعيون حركة نزوح منذ أيام على وقع غارات اسرائيلية استهدفت بلدات عدة فيها، بعضها للمرة الأولى.

وكان المشفى يعمل، وفق كلاكش، "منذ أربعة أيام من دون طبيب بنج (تخدير) واختصاصيي مختبر، جراء حركة النزوح".

من جانبها، نقلت صحيفة "الغارديان" عن كلاكش  قوله: "تم استهداف المدخل الرئيسي للمستشفى بينما كان المسعفون يقتربون، قُتل سبعة وأصيب خمسة. اعتبرنا ذلك رسالة، لذلك قررنا الإغلاق".

وأضاف أن الاستهداف المتكرر للمسعفين في جنوب لبنان منع الجرحى من الوصول إلى المستشفى منذ ثلاثة أيام.

وتابع "لم يكن هناك أي تحذير قبل القصف، لم يأتِ التحذير عبر الهاتف بل عبر القصف".

إلى ذلك، أعلن مستشفى ميس الجبل الحكومي، الذي يقع على بعد 700 متر من الحدود الإسرائيلية-اللبنانية، يوم الجمعة أن الموظفين لم يعودوا قادرين على القيام بمهامهم بسبب انقطاع الإمدادات.

وقال حليم سعد، مدير الخدمات الطبية في مستشفى ميس الجبل لوكالة فرانس برس "الإمدادات الطبية، والديزل، والكهرباء، كلها غير متوفرة. كان اليونيفيل يجلب لنا المياه، والآن لا يمكنهم التحرك. كيف يمكن لمستشفى أن يعمل بدون مياه؟".

وقُتل أكثر من 50 عاملًا في القطاع الصحي منذ 23 سبتمبر، عندما بدأت إسرائيل حملة جوية مكثفة في جنوب لبنان وسهل البقاع.

وقُتل وأصيب مسعفون في جميع أنحاء البلاد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك في مركز طبي بوسط بيروت، حيث قُتل تسعة في غارة الخميس.

وقال وزير الصحة اللبناني، فراس أبيض، الخميس إن 97 مسعفا قُتلوا منذ بدء القتال بين حزب الله وإسرائيل العام الماضي، وهو رقم ازداد خلال اليومين الماضيين.

ونزوح العاملين في القطاع الطبي بسبب القصف الإسرائيلي تسبب في مشاكل في جميع أنحاء البلاد، في وقت يتجاوز فيه عدد الجرحى جراء الغارات الإسرائيلية 100 يوميا.

مستشفى رفيق الحريري

والنظام الصحي في لبنان، وخاصة في الجنوب، هش بعد خمس سنوات من الأزمة الاقتصادية وما يقرب من عام من الحرب.

وفي مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت، وهو أكبر مستشفى عام في لبنان، قال المسؤولون إن القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية القريبة قد أدى إلى نزوح بعض الموظفين، مما جعل البعض غير قادر على الحضور إلى العمل. وفتح المستشفى سكنًا في حرم الجامعة لاستيعاب بعض موظفيه الأساسيين، وحاول إيجاد مساكن آمنة لآخرين.

بيروت بعد إحدى الضربات الإسرائيلية

وهناك مخاوف بين موظفي المستشفى من أن تصبح ظروف العمل خطرة، مع انتشار أخبار قصف المستشفيات والمسعفين.

قال جهاد سعد، الرئيس التنفيذي لمستشفى رفيق الحريري الجامعي لفرانس برس: "الشخص الذي لا يتحمل مسؤوليات كبيرة قد يفكر في المغادرة. لا ألومهم، لديهم أمنهم الخاص، عائلاتهم وحياتهم". وحتى الآن، يعمل المستشفى بشكل طبيعي.

نزوح الموظفين الطبيين أثر بشكل أساسي على جنوب لبنان، حيث تزداد وتيرة القصف الإسرائيلي.

ولا يزال من غير الواضح عدد الأشخاص الذين ما زالوا في الجنوب، بعد أن أمرت إسرائيل بإخلاء حوالي 70 قرية.

وقُتل أكثر من ألفي شخص وأُصيب أكثر من 9535 منذ بدء القتال في لبنان، معظمهم منذ 23 سبتمبر.

ومع تكرار استهداف مسعفين في مناطق عدة، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إجراء اتصالات دبلوماسية من "أجل الضغط على العدو الاسرائيلي للسماح لفرق الانقاذ والإغاثة بالوصول الى المواقع التي تعرضت للغارات والسماح بنقل الضحايا والجرحى".

وندّد ميقاتي "بما يقوم به العدو الاسرائيلي من انتهاك للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية المتبعة".

من جانبه، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصة إكس إن عناصر حزب الله يستخدمون "بشكل متزايد سيارات الإنقاذ من أجل نقل المخربين والوسائل القتالية".

وأضاف "يستخدم حزب الله سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية لأغراض إرهابية"، وحذّر من أن "كل مركبة يثبت أن عليها مخربا مسلحا يستخدمها لأغراض الإرهاب (...) سيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقها لمنع استعمالها العسكري".