البرلمان المصري
البرلمان المصري

ألغى البرلمان المصري الاثنين عقوبات السجن من قانون يحكم عمليات المنظمات الأهلية غير الحكومية، لكن جماعات حقوقية رفضت التعديلات ووصفتها بأنها غير كافية.

ويقصر القانون الصادر عام 2017 نشاط المنظمات غير الحكومية على العمل التنموي والاجتماعي ويفرض عقوبات على المخالفين تصل إلى السجن خمس سنوات. وبرر المسؤولون القانون بأنه ضروري لحماية الأمن القومي من تدخل المنظمات الخيرية التي تحصل على تمويل أجنبي.

لكن النشطاء يعتبرونه محاولة لعرقلة العمل في المجال الإنساني كما كان القانون من أسباب قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية لمصر لنحو عام.

ويلغي القانون الجديد الذي أقره البرلمان بأغلبية ساحقة الاثنين عقوبة السجن ويفرض بدلا منها غرامات تتراوح بين 200 ألف ومليون جنيه مصري.

كما تسمح التعديلات، التي لا يزال يتعين أن يصدق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمنظمات غير الحكومية بتلقي أموال من داخل وخارج مصر بشرط إيداعها في حساب مصرفي في غضون 30 يوما.

وأمام الحكومة 60 يوما لرفض أو قبول حصول المنظمات على الأموال.

ورغم أن القانون الجديد يهدف إلى معالجة الانتقادات، فقد قالت عشر منظمات حقوقية مصرية ودولية الأسبوع الماضي إن التعديلات غير كافية. وأضافت أن قوانين أخرى تفرض قيودا مشددة على المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بحاجة إلى التعديل أيضا.

وفي عام 2013، عوقب 43 شخصا بينهم أميركيون وأوروبيون ومصريون وعرب آخرون بالسجن بعد إدانتهم بتهم منها إدارة منظمات غير حكومية دون الحصول على التصاريح اللازمة. وتمت تبرئة معظمهم العام الماضي.

ولا تزال السلطات تنظر قضية ضد عاملين بمنظمات محلية غير حكومية، صدرت قرارات بحظر سفر وتجميد أصول أكثر من 30 منهم.

وقالت المنظمات العشر في بيان "المشروع الجديد ما هو إلا إعادة تسويق القانون القمعي الذي يحمل الفلسفة العدائية لمنظمات المجتمع المدني".

وقال محمد زارع مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إن الهدف من التعديلات تهدئة الرأي العام الدولي، مضيفا أنها لا تتوافق مع الدستور أو التزامات مصر الدولية.

ولطالما لعبت المؤسسات الخيرية دورا مهما في توفير الغذاء والكساء والرعاية الصحية والتعليم في بلد يعيش فيه الملايين على أقل من دولارين في اليوم.

وانتخب السيسي رئيسا بعدما قاد عندما كان وزيرا للدفاع عملية عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في عام 2013.

وشهدت مصر خلال رئاسة السيسي حملة على المعارضة يقول النشطاء إنها غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث.

ويقول أنصاره إن الإجراءات المشددة ضرورية من أجل استقرار مصر التي هزتها سنوات من الاضطرابات بعدما أطاحت الاحتجاجات الشعبية بالرئيس السابق حسني مبارك في عام 2011.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟