طائرات F-35
طائرات F-35

قالت المتحدثة باسم البنتاغون لشؤون تركيا كارلا غليسون إن البرامج العسكرية بين واشنطن وأنقرة مستمرة، والعلاقة بين الجانبين "إيجابية" و"تاريخية".

وأوضحت غليسون في حديث لقناة "الحرة" تعليقا على قرار وقف بيع طائرات "أف 35" لأنقرة، بالقول إنها لن تتحدث عن صفقة الـ "أس 400" لكن "برامجنا مع تركيا مستمرة، لدينا تعاون مستمر وهناك تمارين وعمليات عسكرية مشتركة وهناك حوار ونقاش إيجابي معها، وهذا يدفعنا قدما".

وأضافت "عندما يكون لديك أصدقاء وشركاء يكون دائما لديك عراقيل وعليك بالتالي معالجتها وفق شراكة معينة".

وأشارت غليسون إلى أنه كانت قد حصلت مشكلات بين واشنطن وأنقرة في السابق ولكن "تمت معالجتها ونتوقع أن يحصل الأمر نفسه الآن"، إذ إن الحوارات مع تركيا على مستويات مختلفة مازالت متواصلة وقائمة في شكل دوري ولن تتوقف على الاطلاق.

وأكدت أن "العلاقة العسكرية - العسكرية مع أنقرة لا ترتكز على طابع واحد فقط"، إنما هي علاقة متعددة الوجه وتاريخية.

وحول قاعدة "أنغرليك"، قالت غليسون للحرة، إنها قاعدة بالغة الأهمية لأميركا وتركيا و"العمليات الحربية متواصلة في شكل طبيعي كما كانت في الأمس ومنذ عقود طويلة".

وأعلن البيت الأبيض، الأربعاء أن الولايات المتحدة لن تبيع تركيا مقاتلات "أف 35"، وذلك على خلفية صفقة صورايخ "أس-400" بين أنقرة وموسكو.

وكان الرئيس دونالد ترامب قد شدد الثلاثاء على "العلاقات الجيدة" بين واشنطن وأنقرة رغم بدء الأخيرة بتسلم الشحنات الأولى من منظومة صواريخ أس-400 الروسية والتي لا تراها الولايات المتحدة منسجمة مع ترسانة حلف شمال الاطلسي.

وقال ترامب "لأكون صادقا، إنه وضع بالغ التعقيد"، وأضاف "أن الأتراك في وضع بالغ الصعوبة".

بدوره اعتبر وزير الدفاع الأميركي الجديد مارك إسبر الثلاثاء أن قرار تركيا شراء صواريخ أس 400 الروسية رغم معارضة الولايات المتحدة هو "سيء ومخيب للآمال".

وأضاف إسبر "أن تركيا حليف منذ وقت طويل داخل حلف شمال الاطلسي وأقوياء جدا، لكن قرارهم في شأن صواريخ أس 400 سيء ومخيب للآمال".

وأقر الكونغرس الأميركي قرارات عدة تدعو الإدارة إلى فرض عقوبات على تركيا إذا لم تحجم عن شراء الصواريخ الروسية.

وبداية يونيو، أمهل البنتاغون أنقرة حتى 31 يوليو للعدول عن شراء الصواريخ الروسية تحت طائلة استبعادها تماما من برنامج المقاتلة "أف 35" الذي تشارك فيه، في ظل خشية واشنطن أن يتاح لروسيا اختراق الأسرار التكنولوجية للمقاتلة التي تريد تركيا شراءها.

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟