المياه الإقليمية القبرصية التي تستمر تركيا في التنقيب عن الغاز فيها
المياه الإقليمية القبرصية التي تستمر تركيا في التنقيب عن الغاز فيها. أرشيفية

احتدت المنافسة في شرق المتوسط بحثا عن الثروات تحت سطح البحر، ما أشعل توترات كامنة في المنطقة خاصة في ظل عمليات تنقيب مرتقبة في قبرص المقسمة لشطرين.

وأثار إعلان تركيا أخيرا عزمها القيام بعمليات تنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص "القلق العميق" لعدة أطراف تضم مصر وأميركا والاتحاد الأوروبي، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أنها عمليات "استفزازية تثير التوترات في المنطقة"، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أنقرة بتعليق أي أجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين.

ولا تسيطر الحكومة القبرصية إلا على القسم الجنوبي من الجزيرة، ما مساحته ثلثي البلاد فقط، ويخضع الشطر الشمالي لسيطرة تركية، منذ العام 1974 عندما تدخلت أنقرة عسكريا ردا على محاولة إنقلاب قام بها قبارصة يونان أرادوا ضم الجزيرة إلى اليونان.

وتحظى جمهورية قبرص اليونانية باعتراف دولي، فيما لا تعترف بجمهورية "شمال قبرص التركية" سوى أنقرة.

قبرص

 

وتقع قبرص التي تبلغ مساحتها 9250 كلم مربعا، في شرق البحر المتوسط على بعد 60 كلم من السواحل التركية و100 كلم عن الشواطئ السورية.

ويسكن الجزيرة نحو 1.15 مليون نسمة، 80 في المئة منهم مسيحيون و18 في المئة مسلمون والبقية أقليات دينية مختلفة.

تقديرات الغاز بالأرقام

​​

 

اكتشاف الغاز على مقربة من قبرص في 2011

​​ويقدر احتياطي الغاز الطبيعي ما بين 102 و170 مليار متر مكعب في منطقة تعتبرها قبرص "منطقتها الاقتصادية الحصرية"، حسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وكانت شركة "نوبل إينرجي" ومقرها تكساس أول من أعلن عام 2011 اكتشاف الغاز قبالة قبرص في حقل "أفروديت" الذي يقدر احتواؤه على 4.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

وفي فبراير الماضي، اكتشفت "إكسون موبيل" و"قطر للبترول" احتياطيا ضخما من الغاز الطبيعي قبالة ساحل قبرص، قدر أنه يحتوي على ما بين خمسة وثمانية تريليونات قدم مكعب.

مصر.. اكتشاف حقل غاز في شرق المتوسط في 2015

​​وأحيا اكتشاف حقل غاز "ظهر" المصري عام 2015 الآمال بأن تحتوي المياه القبرصية على احتياطات هائلة أيضا.

تركيا وقبرص ومصر

​​

 

وتعد التطورات الأخيرة هي الأحدث في إطار التنقيب عن الغاز قرب سواحل قبرص، والتي بدأت منذ سنوات واستخدمت فيها تركيا ما سمي بـ "دبلوماسية البوارج الحربية"، إذ كانت قد اعترضت بوارج حربية تركية سفينة تابعة لـ "ايني" بحجة أن البوارج تقوم بمناورات في المنطقة.

أنقرة والتنقيب عن النفط والغاز على سواحل قبرص

​​ورغم معارضة تركيا لأي عمليات تنقيب قبالة سواحل قبرص، منحت ترخيصا لشركة "تركيش بيتروليوم" في 2009 و2012 للتنقيب في المياه قرب الشطر المسيطر عليه من تركيا.

وتؤكد أنقرة أن تحركاتها في التنقيب والبحث عن النفط والغاز تتم ضمن القانون الدولي، وأن التنقيب يجري داخل "جرفها القاري".

وأرسلت تركيا في 20 يونيو "يافوز" وهي السفينة الثانية التي تجري عمليات تنقيب قبالة سواحل قبرص، بعد أن كانت قد أرسلت السفينة "فاتح" للتنقيب في مياه المنطقة الاقتصادية الحصرية القبرصية.

ومنطقة "اوفشور" التي أرسلت إليها السفينتان هي قسم مما تعترف به المجموعة الدولية على أنه "المنطقة الاقتصادية الحصرية" لجمهورية قبرص، والتي وقعت عقود استثمار مع مجموعات نفط عملاقة مثل "إيني" الإيطالية و"توتال" الفرنسية و"إكسون-موبيل" الأميركية للتنقيب عن النفط والغاز.

من جهة أخرى وجدت مصر نفسها في مواجهة مع تركيا في ملف التنقيب عن الغاز، خاصة وأنها تملك أكبر احتياطي للغاز في المنطقة فضلا عن توقيعها اتفاق تطوير ضخم مع قبرص.

إسرائيل ولبنان

​​

 

حقول الغاز على شواطئ إسرائيل

​​​​​وكانت إسرائيل أول من عثر على مخزون للغاز في أعماق البحر شرق المتوسط في العام 2009.

وإلى الشمال من إسرائيل، لا يزال هناك توتر بينها وبين لبنان حول منطقة متنازع عليها في البحر، وإلى من تعود السيطرة عليها، ما دفع الولايات المتحدة إلى التوسط بين إسرائيل ولبنان في خلافهما حول الحدود البحرية.

أزمة النفط والغاز بين إسرائيل ولبنان

​​ووقع لبنان في العام 2018 اتفاقه الأول للتنقيب عن الغاز مع ائتلاف "كونسورسيوم" إيطالي وفرنسي وروسي.

الجزائر- فرنسا- تعبيرية
التوتر بين باريس والجزائر أثار قلق المغتربين وخوفهم من التضييق على حقوقهم

"أطلق النار يا شنقريحة. يا تبون، أطلق النار على من يخرج إلى الشارع هناك. أنا أعطيكم هذا الحق. من له الشجاعة فليخرج. تبون، هذه من عندي. اقتل".

الدعوة أعلاه، أطلقها "مؤثر" جزائري مقيم في فرنسا، موجّهة إلى رئيس أركان الجيش الجزائري، سعيد شنقريحة، والرئيس عبد المجيد تبون.

كانت الدعوة، تحسبا لاحتجاجات دعا إليها معارضون جزائريون مقيمون في فرنسا.

الشاب، المعروف باسم "زازو يوسف" على منصة "تيك توك"، صار رهن الاعتقال بعد توقيفه من قبل الشرطة الفرنسية.

اعتقل إثر شكوى رفعها مواطن جزائري كان من بين الداعين إلى الخروج في احتجاجات بفرنسا ضد سلطات بلاده، في الأول من يناير الجاري.

دعوة الخروج في احتجاجات مناوئة للسلطات الجزائرية، جاءت بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بأيام قليلة.

"جهل بالقوانين"

قال المحلل الفرنسي فرانسواز جيري إن "خطاب المؤثرين الجزائريين الذين تم توقيفهم، هو مزيج من الجهل بالقوانين وشحنة من العنف وُلدت خلال مرحلة العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر".

قال أيضا خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "ما يعتبره المسؤولون خطابا تحريضيا، ينظر إليه بعض الشباب، ولا سيما ذوو المستويات التعليمية المتدنية، أنغاما قوية ومؤثرة فقط". 

كان يقصد أولئك الذين يسعون إلى حشد المتابعين على المنصات الاجتماعية.

واستنكر المحلل الفرنسي "التحامل" الذي حاولت بعض وسائل الإعلام الفرنسية، إضافته على ظهر العلاقات المتوترة أصلا بين الجزائر وباريس.

قال جيري: "هناك عنف لفظي صحيح، لكن المنحى الذي سيقت إليه هذه القضية، ليس بريئا".

تبع توقيف "زازو"، اعتقال مؤثرين جزائريين آخرين في فرنسا، بينهم شخص يُدعى "بوعلام" في مونبلييه بجنوب البلاد، وآخر مشهور باسم "عماد تانتان" في ضواحي غرونوبل.

كما اعتُقلت مؤثرة فرنسية-جزائرية بسبب نشرها مقاطع فيديو على تيك توك، اعتُبرت تحريضا على الكراهية.

وبينما استنكر جزائريون حملة الاعتقالات، دعت وسائل إعلام فرنسية - قريبة من اليمين - إلى فرض عقوبات مشددة على الموقوفين بسبب الخطابات العنيفة التي تابعها عشرات الآلاف من الأشخاص.

في غضون ذلك، يعيش مغتربون جزائريون حالة من القلق حول مصيرهم، إذ يستمر التوتر بين الجزائر وفرنسا.

 "مهدي وطواط" وهو مؤثر جزائري اعتُقل مؤخرا، ظهر في مقطع فيديو نشره على تيك توك قبل اعتقاله قال فيه: "أتمنى لو كنا اليوم مثل زمن الإرهاب. كنت سأضع قنبلة في لا ديفانس، بباريس أو خنشلة بالجزائر. لو أذهب إلى الجزائر كنت سأذبح".

ولا ديفانس هي منطقة أعمال رئيسية في منطقة باريس الكبرى بفرنسا، وتقع على بُعد 3 كيلومترات غرب حدود العاصمة.

اندفاع

"كان الهدف من هذه الخطابات الحادة، زيادة المشاهدات فقط" وفقا لتعبير المحلل الجزائري توفيق بوقعدة.

قال بوقعدة خلال مقابلة مع موقع "الحرة" إن "خطاب من يُنعتون بكونهم مؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، كان حادا".

وأشار إلى أن "الغرض من الخطاب الحاد، لفت الانتباه ورفع عدد المتابعين، واستغلال فرصة الدعوة للخروج في مسيرات ضد السلطة للتقرب ممن يتصورون استطاعتهم مساعدتهم في الحصول على وثائق إقامة في فرنسا".

وبينما يستنكر "الألفاظ" التي استخدمها الشبان في مقاطعهم التي شوهدت بالآلاف، يرى بوقعدة، أنها تنم عن "مستويات تعليمية متدنية، لا يدرك أصحابها مسؤولية ما يقولونه".

يُذكر أن أغلب المؤثرين المتورطين في هذه القضية، هم قيد الاعتقال، والكثير منهم مهدد بالسجن ثم الترحيل، لأنهم لا يحملون الجنسية الفرنسية أو تصاريح إقامة.

علي بوخلاف، وهو محلل جزائري، يرى بأن هؤلاء المؤثرين كانوا يبحثون عن بعض الامتيازات من السلطات الجزائرية الإدارية أو القنصليات، وفقا لقوله.

قال في مقابلة مع موقع "الحرة" إن "بعض المؤثرين، كانوا يطمحون أيضا، للحصول على إيرادات مادية لقاء وقوفهم إلى جانب السلطة".

توجيهات!

يزعم بوخلاف أيضا، أن هناك "توجيهات" قدمت من بعض الشخصيات الجزائرية في فرنسا لهؤلاء المؤثرين، و"وعودا بمساعدتهم وإعطائهم بعض الامتيازات"، وفقا له.

لكن بوقعدة ينفي أن يكون لهؤلاء المؤثرين أي علاقة بالسلطات الجزائرية.

وقال إن "سعيهم لمواجهة دعوات الاحتجاج ضد السلطة الجزائرية، كان تعبيرا عن تذمرهم من وضعهم المعقد في فرنسا، لعدم تمتعهم بأي صفة قانونية على التراب الفرنسي".

"هذا الوضع، أحيا لديهم الإحساس بالانتماء للجزائر" وفقا لبوقعدة.

علاقة هؤلاء المؤثرين بالسلطة الجزائرية يلخصها وضع المعروف باسم "بوعلام".

فبعد اعتقاله، أوقفت السلطات الفرنسية تصريح إقامته ثم رحّلته إلى الجزائر، لكن سلطات بلاده أعادته إلى فرنسا في ذات الطائرة التي أقلته إلى مطار هواري بومدين.

وأصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا، نددت بما وصفته "قرار الطرد المتسرع والمثير للجدل، الذي يحرمه فرصة الاستفادة من محاكمة قضائية سليمة تحميه من التعسف في استخدام السلطة".

البيان اعتبر ذلك "انتهاكا" للاتفاقية القنصلية الجزائرية-الفرنسية لعام 1974، التي تحتم على باريس إبلاغ الجزائر بمثل هكذا حالات.

أحكام مرتقبة

خلافا لمصير "بوعلام"، فإن أغلب المؤثرين الذين تم اعتقالهم ليس لديهم وضع قانوني في فرنسا، حيث وصلوا إلى التراب الفرنسي عبر الهجرة غير الشرعية على قوارب الموت.

هذه الحيثية، تثير تساؤلات لدى المحلل الفرنسي فرانسواز جيري، الذي أبدى استغرابه لسعي هؤلاء الشباب إلى الاستقرار في فرنسا، ثم الدفاع عن سلطات بلادهم ورهن فرصهم في الحصول على إقامة دائمة في بلد تجاوزوا الصعاب للوصول إليه، وفقا لتعبيره.

يُذكر أن "عماد تانتان"، الذي أثار خطابه الكثير من الجدل على وسائل الإعلام الفرنسية، نشر لاحقا، فيديو يؤكد فيه أنه لم يكن يريد تهديد أحد.

ويرفض الشباب الجزائري، اتهامه بالتحريض على العنف والإرهاب، وقال إن "زواجه من سيدة فرنسية، دليل على رغبته في الاندماج".

"زازو يوسف"، البالغ من العمر 25 عاما، كان لديه أكثر من 400 ألف متابع على تيك توك قبل إغلاق حسابه، اعترف خلال التحقيق بنشر مقاطع فيديو تدعو إلى شن هجمات في فرنسا وأعمال عنف في الجزائر.

ومن المقرر محاكمته في 24 فبراير المقبل، حيث يواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات وغرامة قدرها 100 ألف يورو في حال إدانته.

أما "عماد تانتان"، البالغ من العمر 31 عاما، فدخل فرنسا في ديسمبر عام 2021، وتقدّم بطلب للحصول على تصريح إقامة في أغسطس عام 2023، بعد زواجه من امرأة فرنسية، لكن طلبه قوبل بالرفض، وأصبح الآن مهددا بالترحيل إلى الجزائر.

هذه الأحكام المرتقبة، قد تكون قاسية، بحسب فرانسواز جيري.

قال جيري: "مصلحة فرنسا تقتضي التريث في إصدار أحكام على شبان لا يفقهون شيئا، لا في السياسة ولا في القانون، ووجدوا أنفسهم في خضم خلاف دبلوماسي".

العلاقات متذبذبة بين فرنسا والجزائر - رويترز
الجزائر تتهم وفرنسا ترد و"التوتر يتفاقم".. ماذا يحدث بين البلدين؟
أعرب وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو، الأحد، عن "أسفه" للتطورات الأخيرة في العلاقات مع الجزائر، وذلك على إثر استدعاء سفير بلاده الذي أبلغت الخارجية الجزائرية "تحذيرا شديد اللهجة"، بسبب "الاستفزازات والأعمال العدائية الفرنسية اتجاه الجزائر".

وأكد وزير الخارجية الفرنسية خلال حوار صحفي له مع إذاعة "فرانس أنتير" خبر استدعاء سفير بلاده في الجزائر، ستيفان روماتيه، من قبل الخارجية الجزائرية.