رغم أن التاريخ مليء بالحقائق التي تشير إلى مساع قام بها الاتحاد السوفيتي للهبوط على سطح القمر، إلا أن السوفيت مع هبوط أول إنسان على سطح القمر في 20 يوليو 1969، أنكروا فكرة وجود سباق مع الولايات المتحدة نحو بلوغ هذا الهدف.

في 4 أكتوبر 1957، بدأ السباق الفضائي بين الولايات المتحدة والسوفيت، عندما استطاع العالم السوفيتي سيرجي كوروليف قائد برنامج الفضاء السوفيتي، إرسال القمر الصناعي "سبوتنيك 1" لمدار الأرض، من خلال صاروخ من طراز R-7.

كان كوروليف عازما على الوصول إلى القمر، ففي 2 يناير 1959 أطلقت مهمة "لونا 1" التي تضمنت مسبارا حمل نفس الاسم، وكان الهدف الوصول إلى القمر، إلا أن المسبار فشل في الوصول لسطح القمر وحلق بالقرب منه.

في عام 1989 ذهبت مجموعة من مهندسي الطيران الأميركي إلى موسكو وشاهدوا مركبة الفضاء السوفيتية التي فشلت في الوصول إلى القمر.

اقرأ أيضا: السباق نحو القمر.. لهذه الأسباب فشل السوفييت

الرئيس الأميركي جون كينيدي كان من أطلق السباق إلى القمر عام 1961 عندما أعلن أن الولايات المتحدة ستضع إنسانا على سطح القمر بحلول نهاية ذلك العقد.

ومنذ ذلك الحين، أصبح برنامج وكالة "ناسا" للوصول إلى القمر قبل الاتحاد السوفيتي معروفا للجميع. وعلى النقيض من ذلك، لم يعلن الاتحاد السوفيتي عن برنامجه الخاص، أو حتى اعترف رسميا بأن لديه برنامجا لهذا الغرض.

يقول موقع History.com إنه بعد أن وصلت رحلة "أبوللو 11" إلى القمر في 20 يوليو 1969، واصل الاتحاد السوفيتي برنامجه للهبوط على سطح القمر في سبعينيات القرن الماضي بينما كان ينكر وجوده علانية.

الصحفي الروسي ياروسلاف غولوفانوف كان كتب مقالا قال فيه إن "السرية كانت ضرورية حتى لا يتفوق علينا أحد".

وأضاف: "لكن في وقت لاحق، عندما تفوقت الولايات المتحدة، اضطررنا إلى الحفاظ على السرية حتى لا يعلم أحد أنه تفوق علينا أحد".

الخطاب الرسمي كان يشير إلى اهتمام الدولة "بإنشاء أقمار صناعية وإرسال روبوتات استكشافية إلى القمر أكثر من إرسال بعثات مأهولة تهدد حياة البشر".

الإذاعات الرسمية وصفت مهمة "أبولو 11" بأنها "تبذير للثروات المنهوبة من الشعوب المضطهدة في العالم النامي".

جيمس أوبرغ، وهو مهندس فضاء عمل مع ناسا بين عامي 1975 و1997 كتب في عام 1979 أن هناك العديد من العناصر في التحضيرات لمهمة "أبوللو 11" ظهرت أيضا في البرنامج السوفيتي.

أوبرغ رأى أيضا أن طريقة حديث رواد الفضاء السوفيت خلال الستينيات كانت توحي بأنهم في سباق مع الولايات المتحدة إلى القمر، وذكر أنه بعد وصول مهمة "أبوللو 11" إلى القمر واصلوا برنامج الهبوط على سطح القمر في أوائل السبعينيات لمنافسة الولايات المتحدة في استكشاف القمر بعد وصولها بالفعل.

لكن بحلول عام 1972 "أدركوا أنهم لم يتمكنوا من بناء الصواريخ أو المركبة الفضائية التي يمكن الاعتماد عليها بدرجة كافية للقيام بذلك"، يقول أوبرغ.

السوفيت كانوا قد أطلقوا صاروخ "سويوز 1" في 23 أبريل 1967، ضمن عمليات إطلاق صواريخ سبقت مهمة الوصول للقمر، لكن انتهى "سويروز 1" بكارثة، إذ سقط بعد إقلاعه، متسببا في وفاة رائد الفضاء فلاديمير كوماروف.

كوماروف قال في عام 1966، أي قبل عام من وفاته المأساوية: "الولايات المتحدة لن تتعرض للهزيمة من قبل الاتحاد السوفيتي في سباق ذهاب إنسان إلى القمر".

 


 

 

 

ما بعد خامنئي

بحركات بطيئة - مدروسة - يسير، عادة، رافعا يديه في إيماءة روتينية بينما يهتف الحشد باسمه. فصاحب الثمانين عاما، لا يزال ينشب قبضته بقوة في صولجان السلطة، بوصفه "المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية". 

لكن خلف طقوس التعظيم هذه، يزداد السؤال وضوحا يوما بعد يوم: من بعد خامنئي؟ 

أو، بالأحرى، ماذا بعده؟

في نظام يركّز السلطة في يد رجل واحد، لن يكون رحيل هذا الرجل مجرد تغيير في القيادة. خامنئي ليس فقط رأس النظام والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بل هو القول الفصل في السياسات الخارجية، وشؤون الأمن والدفاع، وهو المحور الروحي - السياسي الذي تدور حوله كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية. 

غيابه لا يترك فراغا فحسب، بل قد يزلزل أسس النظام.

الحاكم الأوحد

منذ أن أصبح المرشد الأعلى عام 1989، أعاد خامنئي تشكيل منصب ولاية الفقيه ليصبح مؤسسة شخصية أكثر من كونه منصبا دينيا تقليديا. فقد تحول من مجرد دور ديني إلى مركز ثقل لكل مؤسسات القوة في الدولة، بدءا من الحرس الثوري الإيراني ومجلس صيانة الدستور، وصولا إلى القضاء والمؤسسات الدينية.

يقول نظام مير محمدي، الباحث القانوني والمحلل في الشأن الإيراني، في حديث مع "الحرّة"، إن القيادة في إيران تتجاوز بكثير المسائل الدينية. 

"المرشد يلعب دورا لا غنى عنه في إدارة الأزمات، واحتواء الخلافات الحزبية، ورسم الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية والأمنية. وأي فراغ في هذا المنصب قد يشكل تهديدا حقيقيا للنظام"، حسب قوله.

وعلى الرغم من أن المادة 107 من الدستور الإيراني تنص على أن مهمة اختيار المرشد تقع على عاتق مجلس خبراء القيادة، أظهرت التجارب التاريخية أن عملية اختيار خليفة للمرشد غالبا ما افتقرت إلى السلاسة والشفافية.

المنافسات الخفية، وتدخل الأجهزة الأمنية، وصراع الأجنحة السياسية، كلها عوامل تؤثر في عملية الاختيار. كما أن التعديلات الدستورية لعام 1989، التي مهدت لتولي خامنئي منصبه رغم محدودية مؤهلاته الدينية آنذاك، أظهرت كيف يمكن تكييف هذا المنصب تبعا للظروف السياسية، وفقا لمحمدي.

الدستور والسياسة

من الناحية الدستورية، فإن مجلس خبراء القيادة، المؤلف من رجال دين منتخبين من قبل الشعب، هو الجهة المخولة باختيار المرشد الجديد في حال وفاة أو استقالة أو عزل المرشد الحالي. لكن محمدي يشدد على أن هذه العملية غالبا ما تكون عرضة لتدخلات من الحرس الثوري، ومكتب القائد، ومجلس صيانة الدستور، ومؤسسات أخرى.

وفي حالة خامنئي، تم تعديل هيكل القيادة ليناسبه. فالتغييرات الدستورية في عام 1989 ألغت شرط أن يكون المرشد مرجعا دينيا، واكتفت بأن يكون مجتهدا فقهيا. ويُنظر إلى هذه التعديلات على نطاق واسع باعتبارها ترتيبات سياسية كان الغرض منها تمكين خامنئي من تولي المنصب. وبهذا، تحولت ولاية الفقيه من نظرية فقهية إلى منصب سياسي شخصي.

"لم يبن هذا المنصب على أصول الفقه الشيعي التقليدية، بل جاء نتيجة تحول سياسي وأمني يهدف إلى تكييف المنصب مع خصوصيات وظروف خامنئي وقتها".

ويضيف محمدي أن النموذج القيادي الحالي أصبح مرتبطا تماما بشخص خامنئي. رحيله قد لا يؤدي فقط إلى أزمة في الخلافة، بل إلى انهيار الإطار الفكري والتنظيمي الذي بُني عليه النظام".

سيناريوهات الخلافة

رغم وضوح المسار الدستوري، فإن هناك عدة سيناريوهات محتملة. يرى بعض المحللين أن خامنئي ربما يسعى، بشكل غير رسمي أو حتى رسمي، إلى تعيين خليفة أو نائب قبل وفاته، مستفيدا من تجربة عزل آية الله منتظري في أواخر الثمانينيات.

وتشير تقارير إلى وجود لجان سرية داخل مجلس خبراء القيادة، وتصريحات لبعض أئمة الجمعة حول قائمة من المرشحين المحتملين، كلها تؤكد أن ترتيبات معينة قد بدأت بالفعل. ومن بين الأسماء المطروحة بشكل متكرر:

ـ صادق آملي لاريجاني: الرئيس السابق للسلطة القضائية وعضو مجلس صيانة الدستور.

ـ سيد حسن خميني: حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، وله بعض الميول الإصلاحية.

ـ عبد الله جوادي آملي ومحمد مهدي ميرباقري: فقيهان بارزان لهما حضور ديني واسع.

ـ علي لاريجاني: سياسي مخضرم ورئيس سابق لمجلس الشورى.

ولكن في السنوات القليلة الماضية، برز اسم آخر بقوة: عليرضا أعرافي.

صعود عليرضا أعرافي

ولد أعرافي عام 1959، ويشغل حاليا عدة مناصب حساسة ومؤثرة، فهو مدير الحوزات العلمية في البلاد، وعضو مجلس صيانة الدستور، ونائب رئيس مجلس خبراء القيادة، وممثل محافظة طهران في المجلس. كما شغل منصب إمام جمعة مدينة قم، وكان رئيسا لجامعة المصطفى العالمية.

يتمتع أعرافي بخلفية دينية وأكاديمية قوية، وله علاقات واسعة داخل الحوزات العلمية، ويُعد عضوا بارزا في رابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم، وهي واحدة من أكثر الهيئات الدينية تأثيرا في البلاد.

يؤكد محمدي أن أعرافي يُعتبر شخصية مقربة من "بيت القائد"، وله حضور فاعل داخل مؤسسات النظام، لا سيما مجلس صيانة الدستور ومجلس خبراء القيادة. 

ويضيف أن إسناد مهمة قراءة رسائل خامنئي الرسمية إليه في المناسبات الوطنية يعد إشارة واضحة إلى الثقة التي يحظى بها من أعلى هرم في السلطة.

لكن رغم هذه "المؤهلات"، يواجه أعرافي تحديات كبيرة، أبرزها غياب الكاريزما الشعبية، وافتقاره إلى الدعم من الشبكات العسكرية والأمنية التي تدعم مرشحين آخرين. ومع ذلك، يُنظر إليه كخيار توافقي محتمل، خاصة في حال فشل الأجنحة المتصارعة في التوافق على مرشح بعينه "من أبناء أو مقربين مباشرين من خامنئي".

المعضلة الوراثية

من أكثر الأسماء إثارة للجدل في ملف الخلافة هو مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى. وعلى الرغم من تداوله خلف الكواليس كمؤثر قوي، تثير فكرة وراثة المنصب حساسية شديدة داخل النظام.

يشير المعارض الإيراني سنابرق زاهدي إلى أن ترشيح مجتبى سيُفسر على أنه تحويل للنظام إلى ملكية دينية مقنّعة، وهو ما يُفقده شرعيته الثورية. 

ويقول زاهدي: "بمجرد أن بدأ الحديث عن مجتبى كخليفة محتمل، تعالت الأصوات بأن النظام بات وراثيا".
لهذا، يستبعد إمكانية تعيينه خليفة لأبيه.

أزمة تتجاوز شخص المرشد

في جوهرها، لا تتعلق أزمة الخلافة فقط بمن سيقود، بل بشكل القيادة نفسها بعد خامنئي. ففي ظل تصاعد الغضب الشعبي، والتدهور الاقتصادي، والضغوط الإقليمية والدولية، فإن مصير الجمهورية الإسلامية على المحك.

ورغم محاولات النظام للتحكم في المسار، إلا أن الرأي العام قد يؤثر بشكل غير مباشر على المناخ السياسي العام. فالدستور لا يمنح الشعب دورا مباشرا في اختيار المرشد، لكن كما أظهرت الاحتجاجات الأخيرة، فإن الشارع الإيراني قادر على فرض معادلات جديدة.

ويحذر محمدي قائلا: "إذا فشلت الأجنحة المختلفة في التوصل إلى توافق، فقد تواجه البلاد فراغا في السلطة، أو حتى أزمة شرعية كبرى. مثل هذا السيناريو قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وانهيار الهيكل الحالي، وبداية مرحلة جديدة في تاريخ إيران".

نهاية حقبة؟

على مدى عقود، اعتمدت الجمهورية الإسلامية على سلطة رجل واحد. ومع تقدمه في السن، تقترب لحظة حاسمة قد تكون الأهم في تاريخ النظام. فهل سينجح في اجتياز هذا المنعطف التاريخي دون اهتزاز؟ أم أن وفاة خامنئي ستكون بداية لانهيار المنظومة، وصعود بدائل ديمقراطية أو هياكل حكم جديدة؟

بينما يتواصل الهتافات باسمه، يرفع خامنئي يديه مجددا بالحركة الروتينية ذاتها، وهو يدرك، ربما، أن النظام الذي أمسك بخيوطه طوال عقود، سيواجه قريبا أصعب اختبار لوجوده.