الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

507975 4

عمران سلمان/

عيون الأتراك على النفط في سوريا، وليس مكافحة الإرهاب. هذه هي خلاصة الهدف الرئيسي من المنطقة الآمنة التي كانت تركيا تسعى لإقامتها في شمال شرق سوريا أو ما يعرف بمناطق شرقي نهر الفرات والتي تسيطر عليها حاليا وحدات حماية الشعب الكردية. لكن الحكومة التركية كما هو متوقع لا تأتي على ذكر النفط أبدا، وإنما تتحدث طويلا ودائما عن وجود المسلحين الأكراد في هذه المناطق وخطر "الإرهاب" على أمنها. وهي سعت وتسعى لتسويق هذا المنطق إقليميا ودوليا، لعل أحدهم يشتريه. لكن الجميع يبدون عازفين عن شراء بضاعة مغشوشة.

المحادثات الأميركية ـ التركية

يمكن القول بأن المحادثات التي جرت خلال ثلاثة أيام في أنقرة بين وفدين عسكريين من الجيشين التركي والأميركي بشأن إقامة منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، قد انتهت إلى حل وسط، يحفظ ماء وجه الحكومة التركية ويبدد مخاوفها الأمنية المزعومة، وفي الوقت نفسه يمنعها من الانفراد بالسيطرة والتصرف بتلك المنطقة ومهاجمة القوات الكردية.

لم يثبت أن أكراد سوريا قد انخرطوا في أي نشاط مسلح معاد لتركيا

​​تركيا كانت تريد منطقة بعمق 32 كيلومتر وبطول 450 كيلومتر من بداية شرقي نهر الفرات وحتى الحدود العراقية، على أن تكون السلطة المطلقة لها في هذه المنطقة.

ورغم أن واشنطن لم ترفض من حيث المبدأ فكرة المنطقة الآمنة، لكنها تعي الأهداف التركية جيدا، لذلك فإنها سعت خلال المحادثات إلى تحقيق هدفين، الأول تقليل عمق تلك المنطقة بصورة كبيرة، وثانيا أن يتم الانتشار التركي بالتنسيق مع القوات الأميركية عبر إنشاء مركز عمليات مشتركة لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة. بمعنى آخر أنه من الممكن إنشاء منطقة آمنة ولكن خالية من السلاح ومن السيطرة التركية الكاملة في الوقت نفسه.

نفط المناطق الكردية

إن حدود المنطقة الآمنة التي سعت إليها تركيا، قد صممت بطريقة تشمل السيطرة على أهم المناطق المنتجة للنفط في سوريا، وهي بالمناسبة أقدمها أيضا. ولم يكن هذا مجرد صدفة.

وبحسب تقديرات بعض الخبراء فإن 75 في المئة من حقوق النفط السورية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد وهي "منطقة حقول الحسكة (بما فيها رميلان والسويدية وكراتشوك)، ومنطقة الشدادي أو حقول الجبسة (بما فيها جبسة وغونة وكبيبة وتشرين)". وهاتين المنطقتين تنتجان النفط الثقيل، بينما منطقة الفرات ـ حقول دير الزور ـ تنتج النفط الخفيف.

ويضيف هؤلاء أنه مع تراجع إنتاج النفط الخفيف من المناطق الأخرى في سوريا خلال عشر سنوات، فإن إنتاج النفط الثقيل الموجود في شمال شرق سوريا سوف يشكل حوالي 80 في المئة من إنتاج النفط الكلي.

هذه الحقائق النفطية تعرفها الحكومة التركية بطبيعة الحال، ولذلك فإنها تعتبر الوصول إلى تلك المنطقة والسيطرة عليها وسرقة نفطها مسألة حيوية بالنسبة للدولة التركية.

أسطوانة مكافحة الإرهاب

ثمة أهداف أخرى بطبيعة الحال لتركيا من وراء إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، فالرئيس رجب طيب أردوغان أردوغان يمكنه أن يقدمها بمثابة انتصار له في الداخل التركي. فهي إضافة إلى منافعها الاقتصادية، يمكنه أن يعتبرها وسيلة لحل مشكلة اللاجئين السوريين المتفاقمة عبر نقل الجزء الأكبر منهم إليها. وأخيرا يمكنه أن يظهر في عيون الأتراك بمثابة بطل قومي، لا يقل أهمية أو مكانة عن أتاتورك.

75 في المئة من حقوق النفط السورية تقع في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد

​​أما موضوع مكافحة الإرهاب، الذي يتصدر الخطاب التركي، دون سواه، فهو الأضعف حقيقة بين أسباب إنشاء هذه المنطقة. فرغم الصراع التاريخي المسلح بين الأكراد (تحديدا أكراد تركيا) وأنقرة، فإنه لم يثبت أن أكراد سوريا قد انخرطوا في أي نشاط مسلح معاد لتركيا. فلم تشن عملية واحدة داخل تركيا انطلاقا من سوريا. على العكس من ذلك فإن الجيش التركي هو الذي غزا المناطق الكردية في عفرين وما جاورها وأعمل في أهلها قتلا وتهجيرا، وهو يواصل العمل على تغيير الطابع الديمغرافي لهذه المناطق.

بمعنى آخر فإنه لدى أكراد سوريا كل المبررات المشروعة لتنفيذ هجمات في الداخل التركي، ومع ذلك فإنهم لم يفعلوا ذلك. كل ما يطمحون إليه هو تأسيس إدارة ذاتية لحكم مناطقهم، وأن يتم إبعاد البلطجة التركية عن أراضيهم... والتي، أي هذه البلطجة، ليست في نهاية المطاف سوى احتلال دولة لأراضي دولة أخرى، مهما لبست من أقنعة أو اتخذت من أسماء مستعارة.

اقرأ للكاتب أيضا: الانتخابات الأميركية وحظوظ إعادة انتخاب ترامب

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

أردوغان وأطماعه في نفط سوريا 7C015C74-1C11-411B-A22C-0F76D05CE51D.jpg AFP أردوغان-وأطماعه-في-نفط-سوريا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 2019-08-09 11:40:47 1 2019-08-09 11:55:47 0

الشرع وإسرائيل

مع أن الخريف يحمل أحيانا مسحة من الكآبة، كان بالإمكان ملاحظة ابتسامات خفيفة على وجوه الرجال الثلاثة في الصور المؤرخة في الثالث من يناير من العام ٢٠٠٠. 

تجمع الصور فاروق الشرع وزير الخارجية السوري آنذاك في عهد حافظ الأسد، ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك، يتوسطهما الرئيس الأميركي بيل كلينتون. 

يسير الثلاثة على ما يبدو أنه جسر حديدي في غابة مليئة بالأشجار التي تتخلى للخريف عن آخر أوراقها اليابسة في ولاية ويست فرجينيا الأميركية. كان كلينتون يحاول أن يعبر بالطرفين من ضفة إلى أخرى، من الحرب المستمرة منذ عقود، إلى سلام أراده أن يكون "عادلاً وشاملاً".

كانت تلك الورقة الأخيرة المترنحة في شجرة مفاوضات طويلة ومتقطّعة بين إسرائيل وسوريا، استمرت طوال فترة التسعينيات في مناسبات مختلفة. لكن خريف العلاقات بين الطرفين كان قد حلّ، وسقطت الورقة، وتباطأت في سقوطها "الحر" حتى ارتطمت بالأرض. 

كان ذلك آخر لقاء علني مباشر بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين على هذا المستوى. لم تفض المفاوضات إلى شيء، وتعرقلت أكثر فأكثر احتمالاتها في السنوات اللاحقة بعد وراثة بشار الأسد رئاسة سوريا عن أبيه الذي توفي في حزيران من العام ٢٠٠٠. 

وفشلت جميع المبادرات الأميركية والتركية بين الأعوام ٢٠٠٠ و٢٠١١ لإعادة الجانبين إلى طاولة المفاوضات المباشرة، مع حدوث بعض المحادثات غير المباشرة في إسطنبول في العام ٢٠٠٨، وكان بشار الأسد يجنح شيئاً فشيئا إلى الارتماء تماماً في الحضن الإيراني.

كان الربيع العربي في العام ٢٠١١ أقسى على بشار الأسد من خريف المفاوضات التي خاضها والده في خريف عمره. وإذا كان موت حافظ الأسد شكّل ضربة قاسمة لاحتمالات التسوية السورية- الإسرائيلية، فإن الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر من العام ٢٠٢٤، أعادت على ما يبدو عقارب الزمن ٢٤ عاماً إلى الوراء، لكن هذه المرة مع شرع آخر هو أحمد الشرع. 

ومع أن الرئيس السوري، المتحدر من هضبة الجولان، قد يبدو لوهلة أكثر تشدداً من الأسد، إلا أن الرجل يبدو أنه يخطو بخطوات سريعة نحو تسوية مع إسرائيل تكون استكمالاً لاتفاقيات أبراهام التي عقدتها إسرائيل برعاية أميركية مع دول خليجية.

الرئيس السوري قال بشكل صريح للنائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي، مارلين ستوتزمان، إنه مستعد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، شريطة الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا. 

وقال ستوتزمان في مقابلة حصرية مع صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن الشرع أعرب عن انفتاحه على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، مما قد يعزز مكانة سوريا مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط والولايات المتحدة، مشدداً على ضرورة وقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية ومعالجة قضايا مثل التوغل الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان.

لم يتلق السوريون تصريحات الشرع بصدمة او استغراب. بل على العكس فإن تصريحات الشرع، كما يقول المحلل السياسي مصطفى المقداد، لم تكن مفاجئة للشارع السوري، "فهو منذ وصوله إلى الحكم قام بإرسال إشارات إلى أنه يرغب بأحسن العلاقات مع جميع جيران سوريا، وقد أبدى استعداده للتنازل عن أمور كثيرة، بهدف تأمين استقرار سوريا ووحدتها". 

وينقل مراسل موقع "الحرة" في دمشق حنا هوشان أجواءً عن أن السوريين بمعظمهم، يرغبون بالسلام وتعبوا من الحروب، ولن يمانعوا عودة المفاوضات تحت قيادة الشرع لسوريا.

المقداد رأى في حديث مع "الحرة" أن الجديد والمهم في تصريحات الشرع المنقولة عنه، أنها تصدر بعد تشكيل الحكومة السورية وفي وقت يرفع وزير خارجيته، أسعد الشيباني، علم سوريا في الأمم المتحدة. ويرى المقداد أن المشكلة لا تكمن في الجانب السوري ولا في شخص الشرع، بل "تكمن في الجانب المقابل الذي لا يبدي رغبة حقيقية في قبول هذه المبادرات".

والجمعة، قال الشيباني في الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي إن "سوريا لن تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل".

تصريحات الشرع قد يكون لها الأثر الأبرز في الأيام المقبلة على النقاشات بين دروز سوريا على الحدود مع هضبة الجولان، المنقسمين حول العلاقة مع إسرائيل وحول العلاقة بحكومة الشرع، مع ما يحمله ذلك من مخاوف يعبّر عنها رموز الطائفة، تارة من الاندماج مع حكومة الشرع، وطوراً بالانفصال والانضمام إلى إسرائيل. 

وتأتي تصريحات الشرع حول التطبيع لتفتح الباب لخيار ثالث درزي، قد يبدد المخاوف، لكن ليس هناك ما يضمن ألا يعزّزها.

بين ديسمبر من العام ٢٠٠٠، وأبريل من العام ٢٠٢٥، يقع ربع قرن، توقفت فيه عجلة المفاوضات السورية الإسرائيلية المباشرة. وبين الشرعين -فاروق الشرع وأحمد الشرع- تحمل التطورات احتمالات إنعاش المفاوضات وعودتها إلى الطاولة مع تبدلات جذرية في الظروف وفي اللاعبين. فهل "تزهر" المفاوضات في ربيع العام ٢٠٢٥، بعد أن يبست ورقتها وتساقطت في خريف العام ٢٠٠٠؟