508751 4

مايكل نايتس وألكسندر ميلو/

في 12 أغسطس، شبّ حريق في مستودع كبير للذخيرة تابع لإحدى الميليشيات في جنوب بغداد، مما أدى إلى إطلاق القذائف في الأجواء فوق العاصمة. وهذا الحادث هو واحد من عدة انفجارات كبرى وقعت في مثل هذه المنشآت في أرجاء المدينة في السنوات الأخيرة؛ كما أنه يأتي في أعقاب التعرض مؤخرا لمخاطر أخرى مرتبطة مباشرة بالجماعات المدعومة من إيران، بدءا من اعتداءات الميليشيات على المستثمرين الغربيين وإلى الغارات الإسرائيلية المشتبَهة ضد قواعد الميليشيات.

وحيث أثبتت الحكومة عدم قدرتها حتى الآن على ضبط حتى أصغر الميليشيات، فإن التأثير السلبي للجماعات المسلحة غير الخاضعة للرقابة والمدعومة من الخارج يتزايد على المدنيين العراقيين، وهذه نتيجة ينبغي على المجتمع الدولي أن يولي لها المزيد من الاهتمام عند التعاطي مع بغداد.

الانفجارات في مستودعات الذخيرة

قد تكون أكثر قضايا السلامة العامة إلحاحا هي النمط المتنامي للانفجارات الكبرى في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان، بسبب تخزين الميليشيات للمتفجّرات والقذائف في ظل ظروف غير آمنة أثناء فترات الحرّ الشديد.

  • في 12 أغسطس وقع انفجار في منشأة لتخزين الذخيرة في "معسكر الصقر"، مما أسفر عن مقتل مدني وجرح تسعة وعشرين آخرين. وتساقطت الشظايا على مسافة ثلاثة أميال (خمسة كيلومترات تقريبا). تُستخدم القاعدة من قبل ميليشيات من "قوات الحشد الشعبي" ـ أهمها "كتائب جند الإمام" (اللواء 6 من "قوات الحشد الشعبي") و"كتائب سيّد الشهداء" (اللواء 4 من "قوات الحشد الشعبي") ـ بالإضافة إلى جماعات مسلّحة مختلفة تابعة لـ "منظمة بدر" الحليفة لإيران.
    تحتفظ "كتائب حزب الله" بمنشأة احتجاز غير قانونية تضم ما لا يقل عن 1700 معتقل
    ​​
  • في 3 نوفمبر 2018، وقع انفجار للذخائر في قاعدة في طوزخورماتو تستخدمها "كتائب حزب الله" (الألوية 45 و46 و47 من "قوات الحشد الشعبي")، مما أسفر عن إصابة ستة وثلاثين مدنيا.
  • في 6 أغسطس 2018، وقع انفجار في مستودعٍ لتخزين الذخيرة تملكه "فرقة العبّاس القتالية" (اللواء 26 من "قوات الحشد الشعبي") على الطريق السريع بين بغداد وكربلاء، مما أدى إلى مقتل شخص وجرح تسعة عشر آخرين.
  • في 6 يونيو 2018، انفجر مخبأ للذخيرة داخل مسجد شيعي في "مدينة الصدر" ببغداد، مما أسفر عن مقتل ثمانية عشر مدنيا وإصابة تسعين شخصا، وتحوّل مبنى كامل في المدينة إلى أنقاض. ومن المرجح أن المخبأ كان يعود إما إلى "عصائب أهل الحق" (الألوية 41 و42 و43 من "قوات الحشد الشعبي") أو إلى "سرايا السلام" (اللواء 313 من "قوات الحشد الشعبي").
  • في 2 سبتمبر 2016، انفجر مخبأ آخر للأسلحة تابع لـ "عصائب أهل الحق" في مدينة العبيدي شرق بغداد، مما أدى إلى مقتل خمسة عشر مدنيا وإصابة العشرات بجراح، وإشعال ثماني قذائف سقطت داخل المدينة.

الانفجارات في مواقع مرتبطة بالصواريخ

وقعت على الأقل حادثتان من هذا النوع في قاعدتين للميليشيات تُخزَّن فيهما قذائف إيرانية طويلة المدى وغيرها من المتفجرات وفقا لبعض التقارير. وفي حالة واحدة على الأقل، تشير الأدلة إلى غارات عسكرية دقيقة التوجيه، ربما نفذتها طائرت إسرائيلية.

  • في 19 يوليو، هزّ انفجار قاعدة للميليشيات في آمرلي تشغلها "قوات التركمان" (اللواء 16 من "قوات الحشد الشعبي") مع "فوج آمرلي" (اللواء 52 من "قوات الحشد الشعبي"). ووفقا لإعلانات الجنازة ذات الصلة، قُتل أحد أعضاء "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. وتشير العديد من الدلائل إلى توجيه ضربة عسكرية دقيقة للغاية ضد نظام صواريخ زوّدته إيران، بهدف التقليل إلى أدنى حد من الأذى الذي يلحق بالمدنيين.
  • في 28 يوليو، أفادت تقارير عن وقوع ثلاثة انفجارات في "معسكر أشرف"، وهو المنشأة الميليشياوية الرئيسية التابعة لـ "منظمة بدر" في العراق، الواقعة شمال شرق بغداد. وتُستبعَد الأسباب العرضيّة بسبب طبيعة الحادثة ـ إذ وقعت الانفجارات بالتزامن في ثلاثة مواقع منفصلة تماما في معسكر يمتد مسافة عشرة كيلومترات طولا وعشرة كيلومترات عرضا. ويعتبر المحللون العراقيون والأميركيون أن المعسكر يحتوي على الأرجح على أنظمة صواريخ مزوّدة من قبل إيران.

الاعتداءات على المجتمع المدني والمدنيين

وُجّهت أيضا اتهامات موثوقة إلى الميليشيات المرتبطة بإيران بممارسة العنف ضد مجموعات من المجتمع المدني والأفراد المدنيين.

  • الاحتجاز غير القانوني الواسع النطاق. أصدرت "منظمة العفو الدولية" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" تقارير مهمة جدا توثّق اختفاء 643 مسلما من الذكور السُنّة من الفلوجة والصقلاوية، والمزيد من حوادث الاختفاء الجماعي للذكور السُنّة في الرزازة. وتُعزى هذه الاختفاءات إلى حد كبير إلى "كتائب حزب الله"، التي تحتفظ بمنشأة احتجاز غير قانونية تضم ما لا يقل عن 1700 معتقل في جرف الصخر جنوب بغداد مباشرة. ولم تتخذ الحكومة العراقية أي إجراء لتحرير هؤلاء المعتقلين أو التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بأسرهم.
    تنفذ الميليشيات المدعومة من إيران سياسة خارجية مستقلة في العراق
    ​​
  • قمع المجتمع المدني. في البصرة، حيث يتزايد السخط العام بسبب سوء الخدمات والبطالة، سُمح لبعض الميليشيات بعرقلة التظاهرات ضد الحكومة. وأسفر هذا الأسلوب ـ الذي يذكّر باستخدام إيران لعناصر جماعة "أنصار حزب الله" لتفريق الاحتجاجات في المدن الإيرانية ـ عن وقوع عشرات الاغتيالات وعمليات الاختطاف العنيفة بحق ناشطين من المجتمع المدني في جنوب العراق هذا الصيف.
  • الاعتداءات على رجال الدين. في بغداد، لا يسلم حتى أفراد المجتمع الذين يتمتعون بأهم العلاقات السياسية إذا اختارت الميليشيات استهدافهم. فقد تعرّض منزل علاء الموسوي ـ الذي عُيّن رئيسا للوقف الشيعي من قبل رجل الدين الأقدم في العراق، علي السيستاني ـ إلى اقتحام نفّذته قوات "عصائب أهل الحق" في 10 يوليو، فاضطرّ بعدها إلى الاحتماء في منزل حكومي آمن. وعلى الرغم من أن هوية المعتدين معروفة على نطاق واسع في المجتمع العراقي، إلا أنه لم يتم القيام بأي خطوة لمعاقبة رجال الميليشيا المتورطين من "عصائب أهل الحق".

الهجمات على الشركاء والمستثمرين الأجانب

في الأشهر الأخيرة، عانى أهم المستثمرين في العراق ـ أي شركات النفط ـ من العنف المتصاعد.

  • هجمات على القنصلية الأميركية في البصرة. في 7 و8 و28 سبتمبر 2018، شنّت ميليشيات سلسلة من الغارات بالقذائف على القنصلية الأميركية في البصرة. كما هددت الجماعات المسلّحة الموظفين المحليين في القنصلية، وتوعّدت باستهداف حركة المركبات من المنشأة وإليها، وأصدرت تحذيرات من قيام عمليات اختطاف. وتم إغلاق القنصلية بعد هذه الأحداث بفترة وجيزة، مما ألحق ضررا بثقة المستثمرين في العراق.
  • هجمات بالقذائف على مواقع شركات النفط. في 18 و19 يونيو 2019، أُطلِقت قذائف على ثلاثة معسكرات للمهندسين الأجانب في حقل الرميلة النفطي في البصرة وبالقرب من موقع برجيسيا. وأصيب ثلاثة عراقيين بجراح عندما استهدفت الغارات "شركة الحفر العراقية" التابعة للدولة، مما ألحق ضررا بالجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
  • هجوم بالقذائف على مقاولي الدفاع. في 18 يونيو، أُطلقت قذيفة على مقاولين أميركيين في بَلَد حيث كانوا يقدمون خدمات تقنية لمساعدة الأسطول العراقي من طائرات "أف ـ 16" على مواصلة ضرب قوات تنظيم "الدولة الإسلامية".
  • الهجوم على مركبات الإمداد التابعة للسفارة الأميركية. في 6 يوليو، انفجرت ثلاث قنابل مزروعة على جانب الطريق عند مرور موكب شاحنات لوجستية تابعة للسفارة الأميركية في صفوان. واستُخدمت ذخائر من النوع المتشظّي ومعبأة بمحملات الكريّات، مما أدى إلى إصابة أحد السائقين.
  • الهجوم على مركبات المستثمرين. في 6 أغسطس، استُهدف موظفو صناعة النفط الغربيون بقنبلة زُرعت على جانب الطريق في البصرة، فألحقت أضرارا بالغة بمركبتهم. وشملت هذه الحادثة نفس ذلك النوع من الجهاز المتشظّي الذي شوهِد في هجوم صفوان، والذي كان يشبه كذلك أربعة أجهزة عُثر عليها في الرميلة وأرطاوي وحلفايا في غضون أسبوع في أوائل ديسمبر 2018. ووُضعت كافة الأجهزة السابقة قرب مداخل طرق سريعة لحقول النفط يستخدمها مهندسون أجانب.

الحاجة إلى رقابة دولية أكبر

تقوم الميليشيات المدعومة من إيران بتنفيذ سياسة خارجية مستقلة في العراق، فتسخر من حكومة البلاد ودستورها. ولا تهدد هذه الميليشيات الغربيين فحسب ـ فالعراقيون هم الضحايا الرئيسيون لأنشطتها، ولطالما كانوا كذلك. يجب تركيز المزيد من الاهتمام على هذه التأثيرات التي تشمل مخاطر أمنية أكبر بالنسبة للعراقيين، وتعطيل نضالهم المستمر ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، وخسارة الاستثمارات الأجنبية الضرورية جدا والهيبة الدولية.

ويشكّل تحكَّم الميليشيات بالأسلحة الثقيلة مسألة ملحّة بشكل خاص. فعلى الأغلب، لم تعد الهجمات المنتظمة لتنظيم "الدولة الإسلامية" تهدد المدن العراقية؛ وبدلا من ذلك، يخشى العراقيون بصورة أكثر من انفجار مستودع للذخيرة تابع لإحدى الميليشيات في جوارهم. فقد تطورت الميليشيات من مصدر حماية إلى أحد مصادر التهديد الأخيرة المتبقية التي يواجهها سكّان المدن. وعلى وجه الخصوص، تُعرّض هذه الميليشيات كافة المواطنين المحليين للخطر عندما تخبئ صواريخ إيرانية كبيرة في بلدات صغيرة مثل آمرلي.

في البصرة سُمح لبعض الميليشيات بعرقلة التظاهرات ضد الحكومة

​​يجب على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى أن تثير بحزم مخاطر الأسلحة الثقيلة في جميع الاجتماعات مع كبار قادة الحكومة العراقية. فألوية "الحشد الشعبي" لا تحتاج إلى مدفعية صاروخية لمهامها في مكافحة التمرد ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، ناهيك عن احتياجاتها لصواريخ باليستية إيرانية قصيرة المدى. يجب الإعلان عن جميع هذه الأسلحة، وتفسير وجودها، وتوثيقها، ونقلها لتأمين مرافق التخزين الحكومية خارج المدن.

كما ينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تسترعي انتباه بغداد إلى الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي ترتكبها بعض الميليشيات، وفي كثير من الحالات، الجهات الفاعلة التي تدعمها إيران مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، ووحدات أقل شهرة. ويعتبر مركز "كتائب حزب الله" للاعتقال الجماعي الموثق جيدا خارج بغداد مجرد واجهة لشيء آخر، ينبغي لمراقبي حقوق الإنسان الاستمرار في التركيز عليه. وهذه المنشأة نفسها ـ جرف الصخر ـ كانت نقطة انطلاق لهجمات الطائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية في 14 مايو، مما يؤكد بشكل أكبر على عواقب فشل الحكومة العراقية في هذه القضية المهمة.

مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن، وقد قضى وقتا طويلا منذ عام 2003 ملحقا بقوات الأمن العراقية. ألكسندر ميلو هو محلل الأمن الرئيسي في شركة الاستشارات في مجال الطاقة "هورايزن كلاينت آكسس".

المصدر: منتدى فكرة

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
المليشيات تهدد السلامة العامة في العراق D1C7B44D-8C8A-46C7-87A5-537779C2A48F.jpg Reuters المليشيات-تهدد-السلامة-العامة-في-العراق دبابة تابعة أحد فصائل الحشد الشعبي 2019-08-16 14:17:09 1 2019-08-16 14:25:46 0

علم المعارضة السورية على سارية وسط حلب - فرانس برس
علم المعارضة السورية على سارية وسط حلب - فرانس برس

منذ بدء هجوم الفصائل السورية المسلحة على حلب وأريافها، اتجهت الأنظار إلى تركيا بشكل مباشر وغير مباشر، من زاوية الدور والموقف الذي تقف عنده إزاء ما يحصل، فمع سيطرة الفصائل على كامل المدينة وغالبية القرى والبلدات المحيطة بها، تثار تساؤلات عن الخيارات التي ستتبعها أنقرة في التعاطي مع التغير الكبير الذي طرأ على خريطة النفوذ السورية.

سيطرة الفصائل المسلحة على حلب (التي كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري) جاءت بعد أن وصل مسار الحوار بين أنقرة ودمشق إلى طربق مسدود، وسبقته حالة من البرودة أبداها رئيس النظام السوري بشار الأسد، إزاء سلسلة دعوات كان يطلقها باستمرار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

كما جاء الهجوم بعد حملة تصعيد فرضتها قوات النظام السوري على محافظة إدلب وريف حلب، أسفر عن مقتل مدنيين، ودفع الفصائل لشن هجوم واسع لـ"تأمين هذه المناطق ولإبعاد خطر النظام والميليشيات الإيرانية"، حسب قولها.

وعلى الصعيد الرسمي، اقتصرت التعليقات التركية بشأن هجوم الفصائل في حلب خلال الأيام الماضية، على وزارة الخارجية. 

وفي حين قال الوزير حقان فيدان إن بلاده "ليست منخرطة في الصراعات الدائرة في حلب"، فقد أكد في الوقت نفسه أن أنقرة "تتخذ احتياطاتها، وستتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى موجهة هجرة جديدة".

وقبل تصريحات فيدان منذ يومين، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أونجو كيتشلي، إن الاشتباكات الأخيرة في شمال سوريا أدت إلى تصعيد "غير مرغوب فيه" بالمنطقة، مشيرا إلى أن "الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة، يمثل أولوية قصوى بالنسبة لتركيا".

وأوضح كيتشلي أن الهجمات الأخيرة على إدلب بلغت مستوى "يهدد روح اتفاقات أستانا ويضر بعملها، فضلا عن تسببها في خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين".

ولتركيا منذ سنوات، قوات في شمال سوريا، وتدعم في المقابل فصائل عسكرية مناهضة للنظام السوري، تنضوي ضمن تحالف ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري".

وبينما لم تكن الفصائل المذكورة رأس حربة السيطرة على حلب، فإنها أطلقت، السبت، هجوما بالتوازي، تمكنت فيه من السيطرة على عدة مواقع عسكرية وقرى وبلدات تقع في الريفين الشرقي والشمالي للمدينة.

تقرير: مسلحون من فصائل موالية لإيران يصلون سوريا من العراق لدعم نظام الأسد
كشفت مصادر سورية لوكالة رويترز، وحسابات داعمة لنظام الرئيس بشار الأسد، عن وصول مقاتلين عراقيين من الحشد الشعبي إلى سوريا لدعم القوات الحكومية في مواجهة الفصائل المسلحة المعارضة التي سيطرت خلال الأيام الماضية على حلب وإدلب.

ما الخيارات التركية؟ 
 

يمكن لتركيا في المرحلة المقبلة محاولة التحدث لفترة طويلة مع الروس والإيرانيين ونظام الأسد للوصول إلى حل سياسي في سوريا، ولإيجاد نهج مشترك للقضاء على "تهديد الإرهاب الذي تمثله قوات سوريا الديمقراطية (قسد)"، حسب ما يقول الباحث السياسي والأمني التركي، عمر أوزكيزيلجيك.

لكن أوزكيزيلجيك يشير في المقابل لموقع "الحرة"، إلى أن كلا من روسيا وإيران ونظام الأسد "كانوا يحرصون على حماية قسد، ورفضوا أي عملية عسكرية تركية ضدها، كما أنهم لم يستجيبوا بشكل إيجابي لأي من المبادرات التركية لإيجاد حل سياسي في سوريا".

على العكس، كان طالب النظام السوري وحلفاؤه عدة مرات، بـ"انسحاب الجيش التركي من سوريا"، وفق الباحث.

وأضاف أنه "عندما وصفت روسيا تركيا بأنها قوة احتلال في سورياوطالبت علنا بانسحاب القوات التركية، غيّرت أنقرة موقفها، وأدركت أن محاولات التطبيع مع الأسد فشلت"..

وتابع: "من خلال منح هذا التحرك (الهجوم) الضوء الأخضر، عكست تركيا الوضع وغيّرت ميزان القوى العسكرية والصورة العامة في سوريا".

من جانبه، اعتبر الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، أن "تركيا كانت واضحة في موقفها السياسي بأنها غير ضالعة في الهجوم، كونها لا تؤيد تأجيج التوترات في سوريا".

من جانب آخر، "لم تكن هناك مؤشرات تشير إلى انخراط تركي قوي في الهجوم، رغم وجود جماعات تدعمها أنقرة في الميدان".

وقال علوش لموقع "الحرة"، إن "تركيا حريصة الآن على تجنب أي وضع يؤدي لمفاقمة تهديد (وحدات حماية الشعب الكردية) للمناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال غرب الفرات".

كما رأى الباحث أن هجوم الفصائل التي تدعمها أنقرة، السبت، تحت مسمى "فجر الحرية"، يهدف إلى "قطع الطريق أمام الوحدات من أجل الاستفادة من الفراغ الذي تتركه التحولات في سوريا".

"تحديات وفرص"

ما يحدث على الطرف الآخر من الحدود مع تركيا (من جهة سوريا) هو الأول من نوعه منذ سنوات طويلة. ورغم القصف والعمليات العسكرية كانت تخيم على مشهد المنطقة هناك، فإنها لم تصل إلى الحد الذي هي عليه الآن.

وأعرب علوش عن اعتقاده بأن "التحولات الحاصلة في خريطة السيطرة، تجلب فرصا وتحديات" لتركيا.

ومن بين الفرص التي تحدث عنها، أن التحولات الحاصلة "تساعدها في فرض رؤية أنقرة لمشروع التطبيع مع دمشق، وفرض رؤيتها للحل السياسي".

عناصر من الفصائل المسلحة في إدلب (رويترز)

وتساعدها أيضا "في تعزيز تفاهماتها مع روسيا وإيران في سوريا، خصوصا بمنطقة خفض التصعيد الرابعة، على اعتبار أن أي تسوية لتهدئة الوضع قد تؤدي لإعادة تأسيس المنطقة".

"السيطرة على مدينة كبيرة بحكم حلب يمكن أن تساعد أيضا جزءا كبيرا من اللاجئين أيضا على العودة، كونها قادرة على استضافة عدد كبير منهم"، حسب علوش.

لكنه أشار في المقابل إلى التحديات، ويبرز منها أن "يكون الأسد وحلفاؤه يستعدون لاستثمار الهجوم الحاصل لشن عملية معاكسة، قد لا تقتصر على استعادة الستاتيكو العسكري (الوضع) الذي كان قائما في السابق".

ومن شأن حصول السيناريو المذكور أن "يخلق مخاطر هائلة لتركيا ويتركها أمام خيارات صعبة، ويؤدي في نهاية المطاف إلى تورطها بالمواجهة".

ومن ناحية أخرى، قال الباحث إن التحولات الحاصلة "إما ستؤدي إلى إعادة إشعال الحرب وإطالة أمدها لسنوات، وتعزيز مشاريع التقسيم في سوريا. ويحمل هذا الأمر نتائج سيئة للغاية بالنسبة لأنقرة".

وفي المقابل، يمكن أن تؤدي التحولات إلى "تعزيز مسار التسوية السياسية وبداية النهاية للحرب، وهو ما تسعى إليه تركيا".

ما المتوقع على صعيد تركيا؟

تلقى وزير الخارجية التركي، فيدان، خلال الأيام الماضية عدة اتصالات من نظراء إقليميين وغربيين، كان من بينها تلك التي أجراها مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن.

وناقش فيدان وبلينكن التطورات المتسارعة في الوضع السوري، وتناولا "أهمية خفض التصعيد وضمان حماية أرواح المدنيين والبنية التحتية"، حسب بيان الخارجية الأميركية.

النظام السوري يفقد حلب ويخشى على حماة.. التطورات وخرائط السيطرة على جبهتين
تمكنت فصائل المعارضة المسلحة في شمال سوريا من إحكام السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، وما يحيط بها من ثكنات وأكاديميات عسكرية ومطارات، وتتجه الآن للتركيز على جبهة حماة، بعدما سيطرت على عدة قرى وبلدات في ريفها الشرقي.

كما ركز المسؤولان خاصة على الوضع في مدينة حلب ومناطق أخرى.

ومن المبكر الحديث عما ستفعله أنقرة في الأيام المقبلة، كما يرى الباحث التركي أوزكيزيلجيك، وتشمل هذه الحالة أي تقييم أيضا لواقع الميدان.

واعتبر الباحث أن "الوضع على الأرض متقلب ويمكن أن يتغير بسرعة كبيرة. لذلك، علينا الانتظار. ما زلنا لا نعرف ما إذا كان خط الدفاع التابع لنظام الأسد شمال حماة سيتمكن من الصمود، عندما تقرر فصائل المعارضة السورية الهجوم".

ومع ذلك، قال أوزكيزيلجيك إن "تركيا الآن هي اللاعب الرئيسي في سوريا، والأقوى في الوقت الحالي"، معربا عن اعتقاده بأن بلاده "لن تتخذ قرارات متسرعة بشأن الخطوات التالية في سوريا، قبل أن يتولى (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد) ترامب منصبه".

هل تغيّرت السياسة التركية؟

وسيكون للرئيس التركي، الإثنين، عدة كلمات، ومن المتوقع أن يتطرق لما يحصل في شمال سوريا، حسب الباحث السياسي التركي، هشام جوناي.

وقال جوناي لموقع "الحرة"، متسائلا: "هل سيقف إردوغان وراء نداء ودعوة نظام الأسد مرة أخرى للجلوس على الطاولة؟".

و"في حال استمر بالخطاب السابق، فسيتضح أن هناك ترتيبا جديدا، مع حشر الأسد في منطقة معينة أو منحه دورا في السلطة بشكل ضيق النطاق في المستقبل السوري".

وفي حال عدول الرئيس التركي عن خطابه السابق، يمكن القول حينها أن "أنقرة غيرت سياستها في سوريا وعادت إلى سياسة (وزير الخارجية رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد) داوود أوغلو، التي كانت تطمح لتغيير الأسد"، حسب جوناي.

ويعود الباحث إلى الوراء ويعتقد أن التطورات التي سبقت الهجوم مترابطة. وبينها المبادرة التي قدمها زعيم حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، لمؤسس "حزب العمال الكردستاني" المسجون، عبد الله أوجلان.

حلب في شمال سوريا

وقامت المبادرة على معادلة من شقين، مفادها: "تعال للبرلمان وألقى خطابا وأعلن فيه إلقاء سلاح حزبك، وستضمن حق الأمل"، في إشارة إلى مسألة حل القضية الكردية.

ويعتبر جوناي أن المبادرة "من الواضح وبعد حصول هجوم حلب أنه كان لها بعد خارجي".

وبتقدير علوش، يتوقف جانب رئيسي من التحولات الحاصلة على الأرض على "مدى قدرة أنقرة وموسكو على إدارة الوضع، كي يتم التوصل إلى نتائج على صعيد الحلول والتسويات".

وحسب الباحث، فإنه "مما لا شكل فيه بأن الوضع القائم حاليا مناسب لتركيا، خاصة أن استعادة السيطرة على مناطق جديدة من يد الوحدات الكردية وإضعافها ، قد يعزز موقفها من التفاوض مع الإدارة الأميركية الجديدة"، بحسب الباحث.

وتابع: "مع ذلك، فإن الوضع يجلب فرصا وتحديات على مستوى السياسة التركية في سوريا".

مسلحون من جماعة "هيئة تحرير الشام" يقودون دراجة نارية في الراشدين - مصدر الصورة: رويترز
بعد أحداث سوريا.. مخاوف من عودة نشاط الجماعات الجهادية في المنطقة
مراقبون يرون أن استغلال الجماعات الجهادية للوضع السوري لا يقتصر على العمليات المسلحة فقط، بل يمتد إلى تجنيد عناصر جديدة. الفقر والبطالة والنزوح الناتج عن الصراع المستمر يعد بيئة خصبة لاستقطاب الأفراد، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية والدعم الحكومي.

"أمن الحدود"

في غضون ذلك، كتب كاتب العمود مليح ألتينوك في صحيفة "صباح" التركية، الإثنين، أن سيطرة الفصائل المسلحة على حلب "قد تعزز موقفها في إدلب القريبة من الحدود التركية".

وبالتالي "تقلل من فعالية تنظيمات وحدات حماية الشعب التابعة للنظام السوري. وهذا يمكن أن يوفر ميزة لأمن الحدود التركية"، حسب الكاتب.

ورأى أنه يمكن أن تلعب الأهمية الاستراتيجية لحلب دورا مهما، خاصة في "عمليات تركيا في سوريا، وفي التوازن في الحرب الأهلية السورية، ومن الممكن أن يؤدي تعزيز المعارضة هنا إلى زيادة نفوذ تركيا في المنطقة".

كما قال الكاتب في "صباح" إن "إضعاف النظام السوري في المناطق التي هجرها، يمكن أن يخلق بيئة أكثر ملاءمة لعودة اللاجئين ويساعد في تخفيف عبء اللاجئين في تركيا".

ومع ذلك، رأى جوناي أن الموقف التركي ما زال ضبابيا، قائلا: "لم نر أحدا من المسؤولين يريد أن يتحمل مسؤولية ما يحصل"، مشيرا إلى مخاطر قد تواجهها تركيا في حال حصلت أي موجة نزوح على حدودها.

واستطرد: "إيران ممتعضة من خروجها من المنطقة وهو موضوع جدي بالنسبة لها. طهران ستستخدم كل الوسائل" للحفاظ على تواجدها، بعد أن تمكنت فصائل المعارضة من قطع طرق حلب بمحيطها.