509567 4

د. عماد بوظو/

في العشرين من شهر يوليو الماضي أعلنت الخطوط الجوية البريطانية إيقاف رحلاتها إلى القاهرة بسبب مخاوف أمنية، ومثلها قررت شركة لوفتهانزا الألمانية. لم يستمر هذا التوقيف طويلا، وكانت القصة ستمر مرور الكرام لولا التفجير الإرهابي الذي أعقبها بأسبوعين، الذي كان مختلفا عن سابقاته من حيث كونه انتحاريا، وهذا نادر الحدوث في مصر، ومن ناحية كمية المتفجرات الكبيرة المستخدمة فيه، والتي أدت لسقوط أكثر من 60 ضحية بين قتيل وجريح، بما يوحي بأن خلفه مجموعة تكفّر المجتمع ولا تكترث لعدد الضحايا. ونتيجة غياب الشفافية ليس بالإمكان معرفة أين كانت الوجهة النهائية لهذه السيارة المفخخة، وهل هناك علاقة بين التفجير والتحذيرات الأمنية لخطوط الطيران، ومن هي الجهة التي تقف وراءها.

شهدت مصر خلال العقود الماضية موجات عدة من العمليات الإرهابية، كان أغلبها لمجموعات صغيرة معزولة اجتماعيا وثقافيا عن المجتمع المصري المنفتح. أما في السنوات الأخيرة، فإن الحوادث الأمنية تتكرر بوتيرة أعلى من السابق، وتبدو مناطق مثل سيناء وكأنها تحولت لبؤرة مزمنة للإرهاب، وترافق ذلك مع اتجاه شرائح واسعة من المجتمع المصري نحو أحد أشكال التشدد والتزمت نتيجة اجتماع ثلاثة عوامل؛ الأول، اقتصادي مرتبط بتدهور مستوى المعيشة؛ والثاني، سياسي ناتج عن السير باتجاه نظام حكم فردي؛ والثالث، ثقافي ـ اجتماعي يتعلق بسيطرة فكر ديني متشدد على الحياة في مصر يقوده الأزهر بشخصياته التقليدية المحافظة.

المراهنة على القبضة الأمنية لمواجهة المشاكل العميقة التي تعانيها مصر ليس خيارا بعيد النظر

​​فمن الناحية الاقتصادية، أعلن قبل أيام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر عن ارتفاع معدلات الفقر في البلاد إلى 32.5 في المئة من تعداد السكان، وأرجعت وزيرة التخطيط هالة سعيد ذلك إلى تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي. وكان اللافت في التقرير الاعتراف رسميا بوصول مستوى الفقر في بعض المناطق إلى 66.7 في المئة، وبأن هناك عشرات القرى في أسيوط وسوهاج تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80 حتى 100 في المئة.

ومن أسباب تدهور مستوى المعيشة، رفع الدعم عن السلع الرئيسية لتخفيف العبء عن خزينة الدولة، مما أدى لارتفاع أسعار المواد الأساسية والوقود وفواتير الكهرباء والماء، بما يمكن اعتباره استجابة لطلب الرئيس السيسي المتكرر من المواطنين شد الأحزمة على البطون والتحمّل لفترة محدودة من أجل مصر. ويعيش المصريون منذ خمس سنوات بانتظار نهاية هذه الضائقة "المؤقتة"، من دون ظهور أي إشارة على نهاية قريبة لها، بحيث شكّل انتشار الفقر الضلع الأول لمثلث التطرف.

أما من الناحية السياسية، فحتى في سنوات جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، البعيدة عن الديمقراطية، كان هناك قادة سياسيون وعسكريون لديهم صلاحيات معقولة ويتمتعون بدرجة معينة من الاستقلالية، وكان هناك معارضة للنظام من مختلف التوجهات السياسية. أي كان هامش الحرية بشكل عام أكبر من هذه الأيام، كذلك كان الإعلام أكثر احترافية ولم تكن أساليبه فجّة ومباشرة وغير مقنعة كما هي حاله اليوم.

كذلك، كان القضاء أكثر استقلالية من واقعه الحالي، حيث يقوم اليوم بملاحقة كل رأي مخالف باتهامات جاهزة، مثل العلاقة مع الإخوان المسلمين إلى الارتباط بالخارج أو التمويل الأجنبي والتآمر على مصر، بحيث ضربت أعداد المعتقلين السياسيين أرقاما قياسية، دون وجود مبرر قانوني أو ضرورة أمنية لاعتقال أغلبهم. كأن الأجهزة الأمنية تريد أن تثبت ولاءها للسلطة بإجراءات مبالغ في قسوتها بحق الشعب، ويؤكد على ذلك ما يحدث ضمن السجون من تجاوزات وإهمال ووفيات بين المعتقلين لا تخدم صورة النظام وتزيد من الغضب الشعبي ضده.

يعيش المصريون منذ خمس سنوات بانتظار نهاية الضائقة "المؤقتة"

​​ولإدارة الدولة عن طريق تشديد القبضة الأمنية كلفة اقتصادية. فتوظيف مئات الآلاف من عناصر الأمن والمخبرين يستنزف موارد الدولة. كذلك الحال بالنسبة لمحاولة لعب دور إقليمي للترويج لصورة السيسي كزعيم يتجاوز نفوذه حدود مصر، والذي تظاهر في دعم خليفة حفتر في ليبيا ليعيد إنتاج نظام مماثل لنظام معمر القذافي، ودعم عمر البشير وعبد العزيز بوتفليقة في السودان والجزائر وعندما لم ينجح ذلك، تحول إلى دعم المجالس العسكرية لمحاولة منع التحول الديمقراطي في البلدين، بالإضافة إلى دعم النظام السوري.

وترافق ذلك مع زيادة الإنفاق العسكري، حتى أصبحت مصر من الأعوام 2013 حتى 2017 ثالث مستورد للأسلحة عالميا.

كل هذه المصاريف كانت على حساب مستوى معيشة المواطن المصري، بدل إنفاقها على المدارس والمستشفيات والطرق والمياه والصرف الصحي. وفي أنظمة الحكم الفردي لا تتم استشارة المواطنين حول أين يريدون إنفاق موارد بلدهم.

وبذلك تزايد شعور الشباب المصري بالتهميش، وبأن لا دور لهم في إدارة أمور وطنهم مما أدى إلى زيادة الاستياء والإحباط عندهم ليشكل الضلع الثاني لمثلث التطرف والإرهاب.

وأضيف إلى ذلك انتشار مظاهر التشدد والتزمت الديني في مصر بشكل لم تعرفه في تاريخها. فأصبحت مؤسسة الأزهر، بمدارسها وجامعاتها وجمعياتها دولة ضمن الدولة، تتدخل بفرض نمط محدد من الحياة على ملايين المصريين، وتحوّل الأزهر نفسه إلى مركز إسلامي متشدّد، لا تختلف مواقفه السياسية والفقهية عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في قطر، باستثناء الخلاف حول الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين.

وقد عبّر عمرو عزت، من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عن ذلك بشكل ديبلوماسي، بقوله إن "شيخ الأزهر أحمد الطيب ليس صارما مع التطرّف".

تعتقد السلطة في مصر أن الأزهر حليف لا بد منه لمحاربة تنظيمات الإسلام السياسي. بدوره، أدرك الأزهر حاجة السلطة له فاستغل ذلك بالعمل على أسلمة المجتمع المصري، وتبنّى خطا متشددا رفض فيه أي دعوة لتجديد الخطاب الديني. وعبّر عن هذا الموقف أحد أساتذة الأزهر بإعلانه أن "على المجتمع أن يتأقلم مع تعاليم الإسلام وليس العكس"، وانتشرت دعاوى الحسبة للتقييد على الحريات الثقافية والاجتماعية، ووصف أحمد الحبيب ذلك بالقول: "إن الأزهر يستخدم قانون التجديف سيفا"، ومع انتشار التزمّت الديني اكتملت أضلاع مثلث التطرف في مصر.

كان هامش الحرية بشكل عام أكبر من هذه الأيام

​​مصر الدولة، موجودة بشكل متواصل منذ آلاف السنين، وتنفرد بأنها الكيان السياسي الوحيد في الشرق الأوسط الذي يحمل مقومات الاستقرار، بينما بقية الدول العربية لم تنجح حتى الآن في تجاوز مرحلة الطائفة والقبيلة، وليس بالإمكان الجزم فيما إذا كانت هذه الدول ومعها إيران وتركيا ستكون موجودة بحدودها الحالية بعد بضع سنوات أو عقود. استقرار مصر هو الصخرة التي يستند عليها كامل الشرق الأوسط، ولا يجب السماح لحفنة من الانتهازيين والمتملقين بوضع مستقبل مصر في خطر عبر الترويج لجعلها دولة حكم فردي، كما كان حال العراق وليبيا وسوريا والسودان رغم مشاهدة نتائج الحكم الفردي على تلك البلدان.

كما أن المراهنة على القبضة الأمنية لمواجهة المشاكل العميقة التي تعانيها مصر ليس خيارا بعيد النظر، فملايين الشباب الفقراء الذين لا يوجد أمامهم آفاق مستقبل واضحة والمحرومين من حقوقهم السياسية، والذي ترافق عند نسبة كبيرة منهم مع اعتناق شكل متشدد من التديّن الغاضب المليء بخطاب الكراهية، ليسوا سوى قنبلة موقوتة، قد لا تتمكن الإجراءات الأمنية من احتوائها للأبد.

اقرأ للكاتب أيضا: واقعية إلغاء قوامة الرجل عبر الحكومات

ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).

 

أضلاع مثلث التطرّف والإرهاب في مصر B8236735-0EEB-49DF-B52F-D43C8333F348.jpg AFP أضلاع-مثلث-التطرّف-والإرهاب-في-مصر التفجير الإرهابي الأخير كان مختلفا عن سابقاته من حيث كونه انتحاريا 2019-08-23 12:35:00 1 2019-08-23 12:49:01 0

 نيويورك ـ صورة تعبيرية
مصطلح "لاتينكس" ظهر في أوائل القرن الحادي والعشرين

خلال النقاشات العامة في الولايات المتحدة، حول المصطلحات التي تستخدم لوصف السكان الذين لديهم جذور من أميركا اللاتينية وإسبانيا، برز مصطلح "لاتينكس" (Latinx) كبديل محايد لكلمة "لاتينو" و"لاتينا" وهما المصطلحان الأكثر شعبية اليوم لوصف العرق من أميركا اللاتينية.

وتجاوز عدد السكان من أصل لاتيني في الولايات المتحدة 60 مليون نسمة، وفق موقع "سميثسونيان" مما يشكل 18.9 في المئة من إجمالي السكان، وفقا لمكتب التعداد الأميركي

ظهور مصطلح "لاتينكس"

ظهر مصطلح "لاتينكس" في أوائل القرن الحادي والعشرين، ويقال إنه استخدم لأول مرة على الإنترنت في عام 2004، وفق ما ذكر موقع جامعة كولورادو. 

يعتبر "لاتينكس" بديلا محايدا لكلمة "لاتينا" (Latina) للنساء أو "لاتينو" (Latino) للرجال، وتستخدمان عموما لوصف الأشخاص المنحدرين من أميركا اللاتينية.

لذلك جاء مصطلح "لاتينكس" ليبدد هذه الثنائية الجنسية ويضع وصفا محايدا للنساء والرجال من أميركا اللاتينية في لفظ واحد.

وعلى الرغم من أنه غير واضح تماما توقيت ظهر المصطلح وحيثياته، إلا أنه من الواضح نشأ ضمن المجتمعات اللاتينية على الإنترنت، وفق نفس الموقع.

على أساس ذلك، أضحى مصطلح "لاتينكس" يشمل الرجال والنساء، وجميع الأشخاص على اختلاف ميولهم الجنسية.

يقول موقع صحيفة "هفنغتون بوست" إن اللغات تتغير عموما لتتناسب مع الأزمنة التي تُستخدَم فيها، وفي فترة أصبحت فيها المناقشات حول الهوية الجنسية أكثر إلحاحا، "من المنطقي أن يتطور مصطلح لاتينكس".

تطور استخدامه

بعد سنوات من الاستخدام العام للمصطلح من طرف المشاهير والقادة ووسائل الإعلام والأكاديميين وغيرهم، زاد الوعي بمصطلح "لاتينكس" وفق مركز "بيو" للأبحاث خصوصا بين اللاتينيين في الولايات المتحدة.

وفي استطلاع حديث، نشر مركز "بيو" نتائجه، الخميس، صرح ما يقرب من نصف المستجوبين (47 في المئة) بأنهم سمعوا عن "لاتينكس"، مقارنة بـ 23 في المئة، في عام 2019.

ومن الجدير بالذكر أن الوعي بمصطلح "لاتينكس" قد ازداد عبر جميع الفئات الديمغرافية الرئيسية بين اللاتينيين في الولايات المتحدة.

في غضون ذلك، لا يزال حوالي نصف السكان الذين يُفترض أن يصفهم مصطلح "لاتينكس" لم يسمعوا عن هذا المصطلح.

وعلى الرغم من زيادة الوعي بالمصطلح، فإن نسبة الذين يستخدمون "لاتينكس" لوصف أنفسهم لم تتغير إحصائيا، حيث يقول 4 في المئة من البالغين اللاتينيين إنهم استخدموا "لاتينكس" لوصف أنفسهم، وهو تغير طفيف عن 3 في المئة الذين قالوا الأمر ذاته، في عام 2019.

يشار إلى أن الـ 4 في المئة من البالغين اللاتينيين الذين قالوا إنهم استخدموا "لاتينكس" لوصف أنفسهم يمثلون ما يُقدر بـ 1.9 مليون شخص.

جدل

مع زيادة الوعي بمصطلح "لاتينكس"، فإن ارتفاع استخدامه في بعض المجالات جلب مزيدا من التدقيق في أميركا وخارجها.

في الولايات المتحدة، تخلت منظمة حقوق مدنية لاتينية عن استخدام "لاتينكس"، في عام 2021، بينما انتقل المسؤولون المنتخبون على المستوى الفيدرالي والولايات عبر كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين إلى حظر المصطلح.

وحظرت ولاية أركنساس استخدام المصطلح في الوثائق الحكومية، في عام 2023.

في المقابل، لا يزال البعض يدافع عن المصطلح والبدائل المحايدة جنسيا عموما.

"غير شعبي"

بحسب الاستطلاع، يُعتبر "لاتينكس" مصطلحا غير شعبي بشكل عام بين البالغين اللاتينيين الذين سمعوا عنه، حيث يقول 75 في المئة من اللاتينيين الذين سمعوا بالمصطلح إنهم يرون أنه لا ينبغي استخدامه لوصف السكان ذوي الأصول اللاتينية، مقارنةً بـ 65 في المئة قالوا نفس الشيء في عام 2019.

ويميل الأشخاص من أصول لاتينية إلى رؤية الاستخدام الواسع لمصطلح "لاتينكس" كأمر سلبي.

حوالي ثلث (36 في المئة) من الذين سمعوا عن المصطلح يرون أنه من السيء أن يستخدم الناس "لاتينكس" بشكل أكثر شيوعا، بينما يقول 12 في المئة إنه أمر جيد.

ويعتبر 38 في المئة منهم أن استخدام المصطلح المتزايد ليس جيدا ولا سيئا، و14 في المئة يقولون إنهم غير متأكدين بالخصوص.