خطوة سليماني هي جزء من انعطافة في التعاطي الإيراني مع عددٍ من ساحات نفوذ طهران في المنطقة
خطوة سليماني هي جزء من انعطافة في التعاطي الإيراني مع عددٍ من ساحات نفوذ طهران في المنطقة

514566 4

حازم الأمين/

وأخيرا ظهر الجنرال قاسم سليماني وكشف أنه قاد بنفسه حرب يوليو (تموز) 2006 في لبنان! وهو بفعلته هذه لم يكترث إلى حقيقة أنه التقى مع الرواية الإسرائيلية عن هذه الحرب، والتي زعمت أن تل أبيب خاضت هذه الحرب ضد الحرس الثوري الإيراني.

لكن السؤال هنا هو: لماذا فعلها؟ لماذا قرر أن يظهر وأن يعلن ما أعلنه؟ لقد نقل الرواية عن الصراع إلى مستوى مختلف. لقد نزع الجنرال أحد الأقنعة، وصار بإمكاننا اليوم أن نتحدث من دون أن نختلف عن أننا جزء من حرب نفوذ إيرانية إسرائيلية.

وخطوة الجنرال سليماني هي جزء من انعطافة في التعاطي الإيراني مع عددٍ من ساحات نفوذ طهران في المنطقة. قبل أسابيع قليلة كان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله قد أعلن أن حزبه ومقاومته يخضعان لحسابات ولاية الفقيه، وأن قرارهما متصلان بما تمليه شروط الولاية.

الأيديولوجية أداة رخيصة ومضحكة على طاولة المفاوضة

​​وفي أثناء ظهور سليماني على الشاشة التي تحبه، كان معبر البوكمال بين سوريا والعراق يُفتتح رسميا، بما يشبه إعلانا عن تسليم العراق ما تبقى من شؤونه إلى طهران، وكان رئيس الحكومة العراقية يجري خطوات يبتعد فيها عن واشنطن، ويعلن أن إسرائيل هي من نفذ الغارات على قواعد الحشد الشعبي، بما يشبه إعلان انضمام هذا الحشد إلى مواجهة موازية مع تل أبيب.

ليست هذه الخطوات مؤشرات حرب. إنها مؤشرات على الحاجة الإيرانية لجمع الأوراق في عملية التجاذب الكبرى مع واشنطن. فلدى طهران حاجة ملحة لأن تدفع بملفات الضغط لمحاولة لكسر الحصار الذي يبدو أنه صار خانقا. وهي إذ تفعل ذلك، لا تبالغ في تصوير مستويات نفوذها. لبنان بيدها، وهي شريكة موسكو في سوريا، وما شراكتها السلبية مع واشنطن في بغداد سوى وهم من السهل تبديده.

تقييم خطوات سليماني في لبنان وفي العراق وبينهما سوريا، يجب النظر إليه من خارج الزاوية الضيقة للانقسام، على ما جعلنا نفعل منذ سنوات. فالتذكير بأن تصريحاته بما يخص لبنان هي نيل من سيادة هذا البلد يبدو مضحكا. عن أي سيادة نتحدث؟ ثم أن الجنرال لم يكشف سرا حين قال إنه تولى قيادة الحرب بنفسه. الجميع يعرف هذه الحقيقة، وما مداراتها طوال هذه السنوات سوى أنها جزء خرافة "الصراع" التي نعرف جميعنا مدى ضعفها وركاكتها.

أما في العراق، فواشنطن تعرف قبل غيرها أن نفوذ طهران هناك أشد عودا وأكثر متانة، وأن الجنرال سليماني تولى هناك إخضاع غالبية شيعية وسنية وكردية خلال مرحلة الابتعاد التي باشرتها إدارة باراك أوباما وتابعتها إدارة دونالد ترامب.

الجديد الآن هو حاجة طهران لأن تقول: "الأمر لي"، وأن تفاوض على هذه الحقيقة، ويبدو أن ذلك يجري في ظل جهود فرنسية لإطلاق مفاوضات إيرانية أميركية. وهذه المفاوضات تحتاج إلى شروط صلبة وإلى أوراق مكشوفة، ولم يعد بالإمكان مداراة كرامات الدولة المستتبعة والحكومات المحلية.

الأيديولوجية أداة رخيصة ومضحكة على طاولة المفاوضة. طهران تعرض على هذه الطاولة كرامة "مقاوميها"، فيما واشنطن تستنفر ما تبقى من "سياديين" لفضح الرواية. الضحايا على طرفي الطاولة هم أدوات النزاع أنفسهم. أي "السياديون" من جهة و"المقاومون" من جهة أخرى، أي الأصحاب المفترضون للبلاد. عادل عبد المهدي وميشال عون، وبينهما متظاهرو بغداد وخصوم حزب الله في لبنان. مجزرة كرامات على ضفاف طاولة مفاوضات سرية تعد باريس نفسها لاستقبالها.

الجديد الآن هو حاجة طهران لأن تقول: "الأمر لي"، وأن تفاوض على هذه الحقيقة

​​والحال أن الأيديولوجية تتحرك في هذه اللحظات على نحو مهين فعلا، ذاك أنها تصبح بمنتهى البراغماتية عندما تلوح المصالح الحقيقية لأصحابها. هل لنا أن نستعيد مثلا واقعة أن مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر التقى عندما زار بيروت مؤخرا بعدد كبير من رجال الأعمال الشيعة في عشاء "غير سري"، وأن الممانعة وصحافتها وأفواهها لم تشعر بأن كرامتها على المحك، وأن كلمة واحدة لم تنل من المشاركين في العشاء، ومن بينهم من ليس بعيدا عن "المحور"! لقد مثل العشاء إحدى لحظات الحقيقة التي تُفسح فيها الأيديولوجية للمصالح الحقيقية للطائفة، والأخيرة هي المضمون الحقيقي لكل خطاب ولكل مقاومة ولكل كرامة في هذا الشرق البائس.

إنها لحظة الحقيقة. الدول التي كفت عن أن تكون دولا، والحدود التي جرى تبديدها في سياق بناء الجسر الذي يربط طهران ببيروت. معبر البوكمال كان يشتغل قبل افتتاحه رسميا، ويؤدي مهمته كمعبر بري يصل بين طهران وبين مناطق نفوذها. الحاجة اليوم ليس لافتتاحه، إنما لإعلان افتتاحه. وقاسم سليماني كان في قلب حرب تموز، والجميع يعرف ذلك، ومرة أخرى الحاجة اليوم هي لإعلان هذه الحقيقة، و"حزب الله" هو جزء من ولاية الفقيه، كلنا يعلم ذلك، والحزب نفسه لم ينف يوما ذلك، لكن إعلان نصرالله عنها هو تلبية لحاجة إيرانية لهذا الإعلان.

اقرأ للكاتب أيضا: كأس السم السورية

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
"عشاء غير سري" AD315AB6-202F-4AA9-A0B7-A74824D19FBD.jpg AFP عشاء-غير-سري خطوة سليماني هي جزء من انعطافة في التعاطي الإيراني مع عددٍ من ساحات نفوذ طهران في المنطقة 2019-10-03 12:43:13 1 2019-10-03 12:33:32 0

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.