يدرسون اللغة العربية في مدرسة في باريس
يدرسون اللغة العربية في مدرسة في باريس

516394 4

سناء العاجي/

في زمن مضى وولى، كنت أقول إني أحب بالعربية، وأفكر بالفرنسية.

مرت السنوات لأكتشف بأني، في الواقع، أحب وأفكر وأحلم وأغضب... بالعربية وبالفرنسية وبالدارجة المغربية. ولو أني تمكنت من إتقان الإنكليزية، لفعلت كل هذا بها.

ببساطة، لأن كل لغة تحملني إلى عوالم تعبيرية مختلفة. هناك أشياء أجدني عاجزة عن التعبير عنها بدون دارجتنا المغربية. كيف أقول "الحكرة" (hogra) بأي لغة من لغات العالم؟ كل الترجمات الممكنة من "احتقار"، "humiliation" و"humbling" لا تحمل لي تلك الشحنة القوية التي تترجمها الكلمة بالدارجة.

ثم، هناك تعبيرات، مواقف وأفكار، لا أجدني قادرة على التعبير عنها بغير لغة عربية أعشقها وتسكنني.

عدد من مهاجمي اللغة العربية يهاجمون في الحقيقة جهلهم بها وبجماليتها

حين غضبت يوما من شخص وصرخت فيه لا شعوريا باللغة الفرنسية، أدركت حينها أني تمكنت منها وأنها أصبحت جزءا من تكويني الشخصي. لغة ثانية حقيقية قد تخرج تلقائيا في لحظات العشق والغضب وفي الأحلام.

أنا كل هذا. لغاتي متعددة...

نعيش في المغرب بعقدة اللغة الفرنسية. لقد تجاوزت الفرنسية في المغرب دورها كلغة، لتصبح رمزا لانتماء اجتماعي واقتصادي ومعرفي... بل وأيديولوجي. إن كنت فرنكفونيا، فأنت غني، أو حاصل على درجات عالية في التعليم، أو حداثي... وربما كل هذا. حتى أن بعض معارفي يقولون لي، وهم يتصورون أن في ذلك تكريما ومجاملة وتعظيما لي: "أنت لست كغيرك من المتحدثين بالعربية. أنت تفكرين بالفرنسية، وتكتبين بالعربية".

وكأن قيم الحداثة والحرية محصورة في اللغة الفرنسية...

وكأن اللغة العربية مسجلة لغة رسمية للرجعية والتخلف.

وكأن التفكير باللغة الفرنسية والكتابة باللغة العربية، يجعلني في مكانة أسمى من مكانة غيري ممن يفكرون ويكتبون حصريا باللغة العربية.

كيف أشرح لهؤلاء بأن اللغة ليست حمالة أيديولوجية؟ بأنك تستطيع أن تكون فرنكفونيا... ومتخلفا جدا! كأن تعتبر مثلا أن مجرد إتقان شخص للغة لاتينية، يجعله أكثر حداثة ممن يتقنها بشكل أقل.

يحدث كثيرا أن أسافر إلى بلدان، أجدني فيها فقيرة لغويا! أكتشف أن لغتي الفرنسية، التي أتقنها وأكتب بها، لا تنفعني كثيرا في تواصلي مع الآخرين. بمجرد ما أغادر باريس وبروكسيل، أتصارع بإنكليزيتي المتوسطة لكي أتواصل مع العالم... وأتساءل: كيف جعلنا في المغرب اللغة الفرنسية لغة الحداثة والتموقع الاجتماعي والاقتصادي، وهي تجعلنا فقيري اللغة إلى هذا الحد، شبه منفصلين عن العالم؟

عدد من المدافعين عن اللغة العربية، يُضيعون اللغة وسط أوهام الدين والأيديولوجية

يتصارع السياسيون والأيديولوجيون في المغرب بين اللغة العربية والدارجة والفرنسية؛ بينما معظمهم، في الحقيقة، يدافع عن مصالح ذاتية أو عن تموقعات أيديولوجية. ووسط كل هذا، تضيع اللغة ويضيع التواصل.

عدد من المدافعين عن الدارجة المغربية لا يدركون تعقيداتها وجمالياتها.

وعدد من مهاجمي اللغة العربية يهاجمون في الحقيقة جهلهم بها وبجماليتها.

وعدد من المدافعين عن اللغة العربية، يُضيعون اللغة وسط أوهام الدين والأيديولوجية.

وعدد من المدافعين عن الفرنسية، يختصرون فيها الكون بشساعته وسعته وتعدده اللغوي والمعرفي.

تعلمت منذ زمن أن الحداثة قيم وأن الحرية توجد في الفكر والجسد والتعبير والجرأة، وليست في لغة نستعملها وأخرى لا نتقنها. تعلمت بأن اللغة هي وسيلة تعبير ووسيلة انفتاح على العالم، لا أكثر. كلما تعددت لغاتنا، كلما توسعت هوامش التعبير عندنا وتوسعت معها حدود المعرفة.

لذلك، وبدل أن نحصر أنفسنا في عوالم ضيقة تختلط فيها اللغة بالإيديولوجيا، لنفتح أنفسنا على عوالم تعبيرية متعددة تجعل من غنانا اللغوي مكسبا، بدل أن نحوله لحرب تتصارع فيها المصالح الاقتصادية والإيديولوجية والسياسية والدينية... تحت ذريعة اللغة.

اقرأ للكاتبة أيضا: أخلاق في المزاد

ـــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن).
هوية متعددة اللغات 4EB3F249-F9AA-467C-862A-49CC485CE319.jpg AFP هوية-متعددة-اللغات يدرسون اللغة العربية في مدرسة في باريس 2019-10-17 11:56:12 1 2019-10-16 18:38:55 0

بايدن ونتانياهو في لقاء في البيت الأبيض في يوليو 2024
بايدن ونتانياهو في لقاء في البيت الأبيض في يوليو 2024

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أنه وسط التكهنات بشأن موعد وطبيعة الرد الإسرائيلي المحتمل على هجوم إيران، أدلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتصريحات مفاجئة، قدمت وإن بشكل غير مباشر، إجابات للتساؤلات المرتبطة بالموضوع.

وأوضحت الصحيفة أن بايدن، كشف خلال "ردين عفويين" على أسئلة الصحفيين، عن معلومات غير معهودة حول توقيت وأهداف عملية عسكرية تخطط لها حليفة واشنطن بالشرق الأوسط.

وأشارت الصحيفة إلى أن بايدن قال إن الولايات المتحدة "في مناقشات" بشأن احتمال ضرب إسرائيل لحقول النفط الإيرانية الواسعة، وهي خطوة من شأنها تصعيد الصراع بشكل كبير.

وبدا أنه أشار إلى بعض القلق بشأن هذا الخيار العسكري، قائلا: "أعتقد أن ذلك سيكون قليلا،" لكنه توقف فجأة في منتصف الجملة. وقال "على أي حال" ليغير الموضوع.

وردا على سؤال آخر بشأن هجمات إسرائيلية محتملة على إيران، قال: "لن يحدث شيء اليوم. سنتحدث عن ذلك لاحقا".

وحسب "نيويورك تايمز" سرعان ما أصبح تعليقا بايدن، الخميس، عناوين رئيسية في إسرائيل، مشيرة إلى أن القادة هناك لم يكونوا قد كشفوا عن أي معلومات بشأن الموقع أو التوقيت للضربة المحتملة ضد إيران.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بالرد على الهجوم الإيراني الذي استهدف بلاده، قائلا: "نلتزم بالقاعدة التي وضعناها: من يهاجمنا، سنهاجمه".

واعتبر نتانياهو أن قرار إيران إطلاق أكثر من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل هذا الأسبوع، كان "خطأ كبيرا"، وأن إيران "ستدفع ثمن ذلك". لكنه تجنب تقديم أي تفاصيل.

تأثر الأسواق العالمية

أثارت تصريحات بايدن ردود فعل سريعة في الأسواق العالمية، إذ ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 4 بالمئة، الخميس، مما يعكس مخاوف المستثمرين من احتمال اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، قد تؤدي إلى اضطراب في إمدادات النفط. 

ورغم عدم وجود تأكيد رسمي على نية إسرائيل استهداف منشآت نفطية إيرانية، فإن مجرد التلميح إلى هذا الاحتمال من قبل بايدن كان "كافيا لإثارة موجة القلق"، وفق الصحيفة.

لكن ذكرت الصحيفة أن تعليق الرئيس بشأن توقيت الضربة المحتملة "لم يشكل مفاجأة كبيرة"، إذ سبق وتوقع الخبراء العسكريون أن إسرائيل لن تهاجم إيران حتى بعد عيد رأس السنة اليهودي، الذي بدأ عند غروب الشمس، الأربعاء، ويستمر حتى أواخر، الجمعة.

أوضحت أن ما أثار الاهتمام هو أن بايدن، بصفته رئيسا للولايات المتحدة، يُعد من الشخصيات القليلة المطلعة على تفاصيل مثل هذه الخطط الاستراتيجية. لذا كان من اللافت سماعه يخبر الجميع بشكل عفوي بما يعرفه.

وأضافت نيويورك تايمز، أن لدى بايدن الذي لم يتبق له سوى بضعة أشهر في رئاسته، تاريخ طويل في الإدلاء بتعليقات ارتجالية، توقعه بعضها أحيانا في المتاعب.

وذكّرت بخطابه في وارسو عام 2022، عندما قال عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: "من أجل الله، لا يمكن لهذا الرجل أن يبقى في السلطة".

وأثار التعليق على الفور مخاوف بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة تدعو للإطاحة به. وقضى مساعدوه ساعات في الجدال بأنه ببساطة "أخطأ في الكلام".

والخميس، رفض مسؤولو الإدارة الأميركية التعليق على أحدث تصريحات بايدن بشأن الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران.

وفي سياق متصل، اعتبر الرئيس الأميركي أنه "بوسعنا تجنب" اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، وذلك في الوقت الذي تقصف فيه إسرائيل معاقل حزب الله في لبنان، وتدرس الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدفها مؤخرا.

وقال بايدن ردا على سؤال عن مدى ثقته بإمكانية تجنب اندلاع حرب شاملة في المنطقة: "لا أعتقد أنه ستكون هناك حرب شاملة. أعتقد أن بإمكاننا تجنبها"، إلا أنه استدرك قائلا: "لكن ما زال هناك الكثير الذي يتعين علينا القيام به، الكثير الذي يتعين علينا القيام به حتى الآن".

وشنت إيران، الثلاثاء، هجوما صاروخيا على إسرائيل قالت إنه يأتي "ردا" على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في يوليو في طهران بضربة نسبت لإسرائيل، والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الأسبوع الماضي، بضربة استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت.

ودفع تهديد إسرائيل بالرد على هذا الهجوم الصاروخي، بالمسؤولين الدوليين إلى البحث عن وسائل لتجنب اندلاع حرب إقليمية شاملة.