518344 4
كتب أحدهم ساخرا: "لو أن قضية الإجهاض كانت تعني الرجال في أجسادهم، لأصبحت حبوب الإجهاض تباع في محلات البقالة".
بغض النظر عن جانب السخرية الذي نلمسه في هذه العبارة، فهي تترجم مشكلة أساسية في مجتمعاتنا، تتعلق بمكانة وصورة المرأة في مختلف النقاشات الحقوقية.
لنأخذ هذه الأمثلة الثلاثة: الإجهاض، الحريات الجنسية، المساواة في التمثيلية داخل مختلف التنظيمات.
منذ بضعة أيام، تم في المغرب تنظيم حفل توزيع جائزة المغرب للكتاب.
إن كان من الممكن أن نتقبل كون كل الفائزين من الرجال، إذ يفترض أن الجائزة يتم الحصول عليها بالاستحقاق وليس بالانتماء الجنسي، فكيف نفسر كون لجنة التحكيم ضمت امرأتين من أصل تسعة أعضاء؟ كيف نفسر أن المرأة الوحيدة على الخشبة كانت مقدمة الحفل، رغم أن الأصوات النسائية حاضرة بشكل قوي في الميدان الثقافي بالمغرب.
بالمقابل مثلا، ولأن كلية الطب في المغرب أصبحت منذ بضع سنوات تشمل أغلبية من الطالبات البنات، بنسبة تتجاوز الثلثين، فقد بدأ بعض مسؤولي الكلية يفكرون في إصدار آليات للتمييز الإيجابي لصالح الذكور.
بمعنى أن الحضور النسائي القليل لا يزعج. لكن، أن تكون هناك أغلبية من النساء في مركز مهم؛ هنا بالذات نفكر في آليات التمييز الإيجابي لتضييق المساحة التي ستشغلها النساء.
لماذا لا نفكر بنفس المنطق في المهن النسائية التي نعتبرها مهينة، والتي تشغلها النساء في أغلبية الحالات؟ لماذا مثلا لا نفكر في وضع آليات للتمييز الإيجابي في مهنة منظفات البيوت والشركات؟ لا... وحدها تزعج غلبة وجود النساء في مهن الطب والهندسة والإدارة والإبداع.
في مثال ثان، هل نعي أننا نتحدث عن تحريم العلاقات الجنسية خارج الزواج دينيا؛ لكننا، في الواقع، نغمض العين على العلاقات الجنسية للرجال؟ في حالة العلاقة الرضائية نعتبر الفتاة مسؤولة؛ وفي حالة الحمل خارج الزواج نعتبرها مسؤولة؛ وفي حالة الاغتصاب والتحرش نعتبرها أيضا مسؤولة!
إذا قررت وضع حد للحمل لأنها غير مستعدة للأمومة، نعتبرها فاسدة مجرمة، ونمنع عليها الحق في الإجهاض؛ بينما لا أحد يحاسب الرجل. إذا احتفظت بالطفل(ة)، نعتبرها أيضا فاسدة منحلة ونعاقبها بشكل حصري، بينما لا يتحدث أحد عن مسؤولية الرجل في تلك العلاقة، بل ومسؤوليته في التخلي عنها وعن ابنه\ابنته.
فهل تكون علاقته الجنسية حلالا وعلاقتها حراما؟ أم أن حقيقة الأمر أننا نغلف عاداتنا وتقاليدنا بالدين، وذلك لنحاصر أجساد النساء؟
منذ بضعة أيام، خرج علينا الفقيه، عضو ورئيس هيئة العلماء المسلمين، أحمد الريسوني، برسالة طويلة مهينة في حق النساء. في إحدى فقراتها، قال الريسوني: "ولقد رأينا مؤخرا بعض النسوة الخاسرات يرفعن لافتات تصرح بأنهن يمارسن الجنس الحرام ويرتكبن الإجهاض الحرام. هكذا لقنونهن. مع أن الظاهر من سوء حالهن أنهن لن يجدن إلى الجنس سبيلا، لا حلاله ولا حرامه".
أولا، كيف تعتبر نفسك فقيها ورجل دين وأنت تسخر من خلق الله؟ أتتهكم على الخلق أم على الخالق؟ أي أخلاق وأي تدين هذا يجعلك تهين مخالفيك في الرأي بهذا الشكل الوقح؟
بالمقابل، فالفقيه الشهير لم يفاجئنا بكونه لم يتخل عن ميزوجينية (كره النساء) معظم الفقهاء. في حديثه عن الحريات الفردية، لم يعبر إلا عن هوسه وبالنساء، علما أن هناك رجالا أيضا يدافعون عن الحريات الفردية ووقعوا عريضة "خارجون عن القانون" معترفين بعلاقاتهم الجنسية خارج الزواج.
كما لم يخالف تصور معظم الفقهاء حين حصر اهتمامه بالنساء في جمالهن وشكلهن. هل تتصور، سيدي الفقيه المحترم، أن الجنس هو للنساء الجميلات فقط؟ هذا ما علمك إياك دينك؟ ثم، الجميلات بأي معيار؟ بل أساسا، ما دخلك أنت بالحياة الجنسية لمعارضيك في الرأي وبما يجري في غرف نومهن (بما أنك لا تتحدث إلا للنساء فيما يتعلق بالحريات الفردية... وكأنك تعتبر ضمنيا أن الرجل لا جناح عليه في ممارسة "حرياته" ولا حتى يهم شكله كي يمارسها).
سيدي الفقيه، هل ستغضب مني إن استعرت أسلوبك وتفكيرك لأقول لك بأني كنت أشك في هوسك بالجنس وبالنساء، كبعض ممتهني الخطاب الديني من أشباهك... وبأنك، برسالتك، قطعت لدي الشك باليقين؟
حياتنا الجنسية لا تهمك كيفما كان شكلها... لكن تفكيرك يهمنا لأنه يجعلنا نتأكد أن صراعنا ضد الجهل والتخلف والكبت... هو صراع مشروع جدا!
اقرأ للكاتبة أيضا: ثورة لبنان وكبت الجيران
ـــــــــــــــــــــ
الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن). فقهاء الجنس والنساء 33537820-0B62-4198-8CFB-028D465E042F.jpg AFP فقهاء-الجنس-والنساء متظاهرون يطالبون بالإفراج عن الصحفية هاجر الرسيوني (أرفج عنها لاحقا)، التي سجنت لاتهامها بممارسة علاقة جنسية خارج الزواج وإجراء عملية إجهاض 2019-10-31 11:46:53 1 2019-10-30 23:30:26 0