آخر الأخبار

شعلة مرفوعة على الأطلسي .. مخاضات الهجرة في بلد المهاجرين

معاذ فريحات - واشنطن
10 مارس 2025

"هات المتعبين، والفقراء، والجموع التواقة لنسمات الحرية" حتى تستقبلهم "أم المنفيين.. وفي يدها منارة ترحب بالقادمين" مقتطفات من أبيات شعرية محفورة على قاعدة تمثال الحرية.

القصيدة التي كتبتها الشاعرة الأميركية، إيما لازارو، في 1883تتربع على لوح معدني أسفل التمثال الذي ينتصب في نيويورك، لتخاطب أبياتها المهاجرين الواصلين بحرا إلى الولايات المتحدة.

سنوات مضت على تلك القصيدة، وتغيرات شهدتها الولايات المتحدة في ملف الهجرة، الذي يتخذ موقعا بارزا في الساحة السياسية بين الحزبين.

حزمة من الأوامر وقعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب استهدفت ملف الهجرة في مطلع 2025.

"مخاض" في الساحة الأميركية

مع كل تغير إدارة أميركية، يعود ملف الهجرة إلى الطاولة.

وقد ينظر البعض لما يحدث فيه على أنه صراع بين الجمهوريين والديمقراطيين.

أو أنه صراع بين الرئيس الأميركي، ترامب، وسلفه، جو بايدن.

ولكنه يعبّر عن "حال مخاض ومعركة" على مستوى البلاد كلها تعود إلى نحو أربعة عقود، على ما يرى الأكاديمي والخبير في شؤون الهجرة في الولايات المتحدة، بيتر سكيري.

الهجرة تعد منافسة بين "من يريدون التشبث بالقواعد القديمة للجوء للولايات المتحدة، ومن يريدون إعادة صياغة تلك المعايير، وفتح الباب لشرائح أكبر"، يضيف سكيري في حديثه لموقع الحرة.

لكن للتوضيح علينا التفرقة بين الهجرة غير الشرعية والهجرة الشرعية، يشرح سكيري، أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن، والزميل في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة فيرجينيا.

التمييز بين المصطلحين شابَهُ سوء فهم خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ تفصلهما ما يشبه "شعرة رفيعة في أميركا"، وفق سكيري.

وما تتحدث عنه إدارة ترامب في تصريحاتها يتعلق بوقف الهجرة غير الشرعية، يضيف.

المهاجرون بصورة غير شرعية هم غالبا من طبقة ذات تعليم متواضع تبحث عن عمل في أي مجال، فيما يجادل البعض بأنهم يضيفون أعباء على البنية التحتية والاقتصاد الأميركي.

ولكن ما يحدث في ملف الهجرة في الولايات المتحدة يؤثر على "الشرعية وغير الشرعية" بالنهاية، ولفهم الأمر علينا العودة إلى السياق التاريخي.

فقوانين وسياسات اللجوء نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ووضعت المعايير في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يسرد سكيري.

وكانت تلك القوانين والسياسات في الأساس ترتبط بالاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو مجموعات بأفكار معينة، والتي كانت مناسبة للسياق العالمي، وكانت في وقتها لا تزال تكاليف الانتقال والسفر مكلفة.

وزاد سكيري أن السياق السياسي الذي نشأت بموجبه هذه التغييرات كان ملائما لتلك الفترة.

كما أن سهولة حركة التنقل والسفر في عصرنا الحالي، جعلت اللجوء أمرا أكثر قابلية ويحمل أوجها عدة لأسباب مختلفة.

وما حدث في البلاد خلال الإدارات الثلاث الأخيرة على الأقل، يظهر أن السياق والمناخ السياسي في الولايات المتحدة في حالة "مخاض".

جهات أخرى تحدد من يمكنه اللجوء من عدمه، عدا البيت الأبيض والكونغرس وحكومات الولايات المختلفة، يقول سكيري، إذ توجد منظمات ومجموعات تدفع نحو توسيع تلك المعايير.

هذا "المخاض" في ملف الهجرة يشبه "الصراع الداخلي"، ويرتبط بإعادة تعريف معايير قبول اللاجئين، وهذا الأمر نشهده في مناطق أخرى حول العالم، يضيف.

لكن في الولايات المتحدة أصبح الأمر مثار الجدل في وسائل الإعلام، وهو ليس المكان المناسب لبحث مثل هذا الأمر، وفق سكيري.

فعلى الولايات المتحدة الاعتراف بالحاجة إلى بحث الأمر باختلاف الظروف الآن عما كانت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أجل إصلاح نظام الهجرة في الولايات المتحدة، يوضح سكيري.

موجات وسياسات الهجرة

يعود أول قانون أميركي يتعلق بالتجنيس إلى عام 1790، إذ منح الحق للأشخاص "البيض الأحرار"، ومنعه على الأشخاص من أصول أفريقية.

وشهدت الولايات المتحدة موجات هجرة مختلفة مدفوعة بعوامل سياسية وتاريخية مختلفة.

أولى هذه الموجات كانت خلال 1840 حتى 1889 إذ جاء حوالي 90 في المئة من المهاجرين من أوروبا، وفقا لمؤسسة "بيو".

والموجة الثانية للمهاجرين كانت خلال 1890 وحتى 1919، وتركزت بقادمين من أوروبا.

وخلال 1891 أقر الكونغرس، تأسيس وكالة خاصة للتعامل مع المهاجرين.

وتلا تلك الفترة نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي دفعت إلى إقرار قانون لقبول اللاجئين عام 1948.

والموجة الثالثة، كانت منذ عام 1965 حين جاء نصف المهاجرين من دول أميركا اللاتينية، ربعهم من المكسيك، وربع آخر من آسيا.

وفي 1986، أقر الكونغرس قانون "إصلاح الهجرة والسيطرة عليها،" المعروف بـ (IRCA)، لإضفاء الشرعية على بعض المهاجرين غير المسجلين، كما أصبح توظيف غير المسجلين أمرا غير قانوني.

وفي 1990 تبعه قانون الهجرة، والذي شكل مراجعة للقوانين السابقة، وبدأ "يانصيب" التأشيرات، وسمح للعمال المهرة بالقدوم ضمن برنامج "أتش-1 بي".
وتبع هذا قانون آخر في عام 1996 لإصلاح الهجرة غير الشرعية (IIRIRA)، والذي منح صلاحيات أوسع للسلطات الفيدرالية.

وبعد أحداث هجمات 11 سبتمبر في 2001، تم إقرار قانون تعزيز أمن الحدود وإصلاح نظام التأشيرات في 2002، وتبعه إنشاء وزارة الأمن الداخلي في 2003.

وفي 2017 وقع ترامب أيضا على أمر تنفيذي يحظر دخول أي مواطنين قادمين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وهو ما ألغاه الرئيس السابق، جو بايدن، في 2021. 

خلال أعوام 2021 و2023 بلغ متوسط عدد المهاجرين للولايات المتحدة 2.4 مليون شخص سنويا، يشكلون حوالي 6 في المئة من إجمالي عدد السكان، وكانت آخر موجة هجرة مشابهة شهدتها البلاد عام 1850 عندما استقبلت حوالي 190 ألف مهاجر، أي ما يعادل 5 في المئة من السكان في ذلك العام.

إجراءات اللجوء

مهاجرون يصطدمون بواقع غير المتوقع . أرشيفية

الخبير القانوني، المحامي الأميركي، محمد الشرنوبي، لخص في حديثه مسار إجراءات اللجوء للقادمين بطريقة غير شرعية.

عند دخولك الحدود في البداية سيقابلك حرس الحدود الأميركي، ويتم التحقق من شخصيتك واحتجازك لديهم، وتخضع لإجراء يعرف بـ (Credible Fear Screenings) لتحديد ما إذا كان لديك خوف حقيقي من الاضطهاد أو التعذيب، يوضح.

"بعد هذا الامتحان يُحدَّد ما إن كنتَ تملك أسبابا توجب النظر في طلب اللجوء ومنع ترحيلك، وفي هذه الحالة إما يُخلى سبيلك لحين محاكمتك، أو احتجازك لحين تحويلك للمحكمة مباشرة"، يضيف في مقابلة مع موقع "الحرة".

ولكن هذا لا يعني الحصول على اللجوء، إذ قد ينظر في قضيتك خلال أشهر، وهو ما يبقى ضمن صلاحيات المحكمة.

أما إذا لم يجد ضابط الهجرة لديك الأسباب الموجبة لتقديمك طلب اللجوء، يقول الشرنوبي إنه في هذا الحالة يتم تحويلك إلى إجراءات طرد سريعة.

ولكن أيضا يجب عرضك على قاض خاص بالترحيلات لسماع أقوالك مرة أخرى، للتأكد من قرار ضابط الهجرة وقد يلغيه، ويتم تحديد موعد لتقديمك معاملة للجوء.

ويشرح أنه لا يمكن تقديم أي مهاجر لطلب تصريح عمل إلا بعد ستة أشهر من تقديم طلب اللجوء رسميا للمحكمة، وليس من تاريخ دخولك الأراضي الأميركية، مع الإشارة إلى أن القانون يسمح بتقديم طلب تصريح العمل قبل 30 يوما من انقضاء هذه المدة.

وبافتراض أنه تم تحديد موعد محاكمة قريب لتقديم طلب اللجوء، هذا يعني بالضرورة أنه لن يتمكن من العمل أو إجراء أي معاملات رسمية خلال أول ثمانية أشهر على الأقل من دخوله الولايات المتحدة، بحسب الشرنوبي.

وحتى أصحاب العمل قد يواجهون غرامات وعقوبات إذا قاموا بتشغيل أي شخص لا يحمل المستندات التي تؤهله للعمل، "ولهذا حتى إذا وجد أحد لتشغيله، سيتم استغلاله ودفع أبخس الأجور له و (فرض) ساعات عمل طويلة جدا"، يحذر المحامي.

"لجوء الأرض"

مهربون ينصحون المهاجرين إتلاف أوراقهم الثبوتية قبل عبور الحدود الأميركية. أرشيفية

أحد المهربين الذين يساعدون في دخول مهاجرين بصورة غير شرعية، قال لموقع "الحرة" في تحقيق موسََّّع إن هناك "إجابات نموذجية" ينصح بها، إذا سئلت: "لماذا لم تبق داخل المكسيك لحين البت في قضيتك؟" إذ يمكنك التذرع بمحاولة سرقتك أو اختطافك أو حتى التحرش الجنسي بك داخل الأراضي المكسيكية، وهو ما أجبرك على الدخول في أسرع وقت للولايات المتحدة، على حد تعبيره.

المهمة تنتهي عند دخولك لأميركا، يقول المهرّب، ولكن بعد ذلك هناك محامي هجرة يمكن توجيه الشاب المهاجر إليه ليساعده في قضية اللجوء.

ويعتبرها بالنهاية قضية مضمونة تبعا لما يسمى بـ "لجوء الأرض".

لكن ذلك غير صحيح، إذ أن "لجوء الأرض" لا يعني منح اللجوء لكل من يأتي للولايات المتحدة، يوضح الشرنوبي.

"لا يكون هناك تقديم للجوء إلا لمن أصبح على الأراضي الأميركية، وهناك معاملات أخرى للاجئين تتم عبر منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان".

وهذا لا يعني الحصول على حق اللجوء، بل الحق بعرض ما إن كنت تملك العوامل المطلوبة لتقديم طلب اللجوء بعد الوصول إلى الأراضي الأميركية.

ترامب يدعم تصريحات إيلون ماسك بشأن برنامج تأشيرات رغم معارضة مؤيديه. أرشيفية
ترامب يدعم ماسك بشأن برنامج التأشيرات "إتش-1بي"
قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب السبت إنه يساند الملياردير إيلون ماسك في نزاع على استخدام برنامج التأشيرات "إتش-1بي" الذي يسمح للشركات بتوظيف عمال أجانب في مجال التكنولوجيا، مشددا على دعمه الكامل للبرنامج الذي يعارضه بعض مؤيديه.

ونبّه الشرنوبي من اتباع نصيحة يسديها المهربون للمهاجرين، بأن قضية اللجوء سهلة وكل ما عليك ادعاء تغيير دينك.

وقال: "لإثبات تغيير الديانة من الإسلام للمسيحية على سبيل المثال، عليك استصدار شهادة معمودية، وإثبات ذهابك للكنيسة، ولديك علم شديد في ديانتك الجديدة، ولديك شهود على ذلك".

كما حذر الشباب من تقديم معلومات خاطئة في طلب اللجوء.

"تقديم استمارة لجوء مزورة، هذا سيتسبب في منعك من دخول أميركا مدى الحياة"، يؤكد.

وحتى لو فرضنا جدلا أن "شخصا دخل للولايات المتحدة، وادعى تغيير دينه، وتزوج وأصبح لديه 10 أطفال، ولديه أعمال ناجحة"، وحتى لو بعد سنوات عديدة تم اكتشاف أنه كذب في طلب لجوئه، سيتم رفضه طلبه من أساسه حتى لو قام بعد ذلك بمحاولة التقدم بطلب جديد عن طريق زوجته أو أطفاله الحاصلين على الجنسية الأميركية، بحسب الشرنوبي.

"من أكبر الأخطاء" التي يرتكبها المهاجرون بطريقة غير شرعية، القادمون من دول الشرق الأوسط، يقول الشرنوبي هو "تمزيق جوازات السفر، أو المستندات الرسمية".

"هذا لن يمنح السلطات الأميركية القدرة على تحديد هويتك، وما إذا كنت تنتمي لحزب سياسي معين، أو جماعات إرهابية، لتصبح مجهول الهوية، ولهذا سيتم حبسك حتى يتم التحقق من هويتك" يوضح.

جهود أميركية لمحاربة الهجرة غير الشرعية

تشير أغلب الإحصاءات إلى وجود ما لا يقل عن 11 مليون مهاجر بشكل غير شرعي داخل الحدود الأميركية.

تقديرات معهد سياسات الهجرة أشارت إلى وجود 45 ألف مهاجر غير قانوني من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 2019.

وفي خضم الجدل القائم في هذا الملف، بالولاية الثانية لترامب، أعلن الرئيس الأميركي، اختيار توم هومان، مسؤولا عن الوكالة المكلفة بإنفاذ قوانين الهجرة في الولايات المتحدة "آي سي إي".

ارتفعت أعداد المهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية الذين يعبرون نهر ريو غراندي قادمين من المكسيك
تكساس تعرض أرضا لدعم خطة ترامب.. وقافلة مهاجرين تسابق الزمن إلى الحدود
عرض مكتب الأراضي العامة في تكساس على الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، مزرعة مساحتها 1400 فدان في مقاطعة ستار جنوبي الولاية، بالقرب من الحدود مع المكسيك، كموقع لبناء مراكز احتجاز لعمليات الترحيل الجماعي التي وعد بها للمهاجرين غير المسجلين، وفقاً لرسالة أرسلها المكتب إلى ترامب، الثلاثاء.

هومان يتبنى آراء متشددة في ملف الهجرة، وقد تعهد صراحة "بإدارة أكبر قوة ترحيل شهدتها البلاد على الإطلاق"، وهو ما جعل ترامب يصفه بـ "قيصر الحدود".

"من الأفضل أن تبدأ في حزم أمتعتك الآن"، رسالةٌ وجهها هومان إلى ملايين المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة في يوليوم الماضي بكلمة ألقاها في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.

ترامب أطلق حملة واسعة النطاق ضد الهجرة منذ الساعات الأولى من عودته إلى السلطة في العشرين من يناير.

وتم توقيف آلاف المهاجرين غير النظاميين وترحليهم إما لدولهم أو لدول مجاورة.

وأعلن مطلع فبراير مشروعه لبناء مركز احتجاز ضخم يتسع لـ 30 ألف مهاجر في خليج غوانتانامو المعروف بسجنه العسكري الذي افتتح بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

الرئيس الجمهوري تعهد بإرسال "المجرمين" إلى غوانتانامو، وهو تصنيف يشمل في استعمالات إدارته المجرمين المدانين ممن دخلوا الولايات المتحدة بصورة غير شرعية.

وانتُخب ترامب بعد حملة وعد خلالها بإنهاء ما أسماه "غزو" المهاجرين غير النظاميين لأميركا، وقال إن المهاجرين "يسممون دماء" الولايات المتحدة.

وحاول موقع "الحرة" التواصل مع متحدثين من وزارات الخارجية في نيكاراغوا والمكسيك برسائل عبر الإلكتروني واتصالات من دون أن يحصل على رد.

ترامب والهجرة

إصلاح نظام الهجرة كان على جدول الأعمال في الولايات المتحدة منذ 40 عاما، وتحديدا في عام 1986، وفقا لسكيري.

أُقرّ حينها قانون "إصلاح الهجرة والسيطرة عليها" والذي يعرف بـ (IRCA)، ووافق عليه الكونغرس في محاولة لإضافة الشرعية على إقامة بعض المهاجرين غير المسجلين، وجعل توظيف المهاجرين بصورة غير شرعية أمرا خارجا عن القانون.

الرئيس الجمهوري رونالد ريغان صادق على القانون، الذي أتاح تشريع أوضاع 2.7 مليون مهاجر في وضع غير قانوني، وحينها كانت هناك تفاهمات مع كونغرس ديمقراطي في جزء منه.

لكن سكيري يرى أنه من الصعب تقييم هذا القانون المستمر منذ سنوات،وأنه لم يكن فعالا بشكل حقيقي.

 الإدارة الأميركية الجديدة تتعامل بحزم مع مسألة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وبناء الجدار لمنع الهجرة عبر الحدود، باستثناء الحديث عما يجذب هؤلاء المهاجرين ألا وهو الأعمال المختلفة، يضيف.

فترامب لم يتحدث في أي من تصريحاته عن فرض عقوبات جادة على أصحاب العمل الذين يوظفون هؤلاء المهاجرين، رغم أن القانون يتيحها.

ترامب ليس رافضا للهجرة "بشكل حقيقي، إذ أن مصالحه تتقاطع بشكل كبير مع أصحاب الأعمال المختلفة"، يقول سكيري.

ولهذا سنرى الكثير من التحركات التي تستهدف المهاجرين، ولكنها لن تمنعهم من العودة والبحث عن عمل في الولايات المتحدة.

بلد المهاجرين

الولايات المتحدة توصَف بأنها "بلد المهاجرين" لاستقطابها موجات هجرة من جميع أنحاء العالم، لتنصهر جميعا مشكّلة الهوية الأميركية.

سكيري يرى أن هذا الوصف "يتم تحميله بأكثر مما يحتمل" إذ أن الولايات المتحدة كانت لعقود في القرن العشرين تتعامل بسياسات مقيّدة ضد الهجرة.

أما السياسات التي تتبعها الإدارة الجديدة أو تفرضها، لن "تغير القيمة للهوية الأميركية على أنها جامعة للمهاجرين"، يضيف، فمسألة "وقف الهجرة للبلاد ما هي إلا أسطورة".

ستبقى الولايات المتحدة تجتذب المهاجرين من جميع أنحاء العالم، يقول سكيري.

ولن تستطيع أي سياسات تغيير "الحلم الأميركي".

معاذ فريحات

اليمين الجديد في الولايات المتحدة

الانتقال "من الشرفة إلى الفناء الخلفي،" هو ما تنبأ به الكاتب ريتشارد توماس في مقال عام 1975، ولكن ليس في التصميم المعماري فحسب، بل في التحوّل العميق داخل المجتمع الأميركي.

في مقاله تحدث توماس عن  تغير خريطة بناء المنازل في أميركا، وتحديدا نقل الشرفات في التصاميم الجديدة من الواجهة إلى الفناء في الحيز الخلفي.

يعكس هذا التغير تحولا من الاهتمام بالعلاقة مع الآخرين إلى التركيز على الخصوصية، يقول باتريك دينين، أستاذ النظرية السياسية في جامعة نوتردام، صاحب كتابي "تغيير النظام،" و"لماذا فشلت الليبرالية"، في تعليق على مقال توماس.

بتعبير دينين، كانت الشرفة الأمامية - وهي تسمح بالتواصل بين أصحاب المنزل والعابرين في الشارع - رمزا للمجتمع الصغير النابض المهتم بذاته، بينما "عكس الفناء أنماط السكن الجديدة والرغبة المتزايدة في الخصوصية والانسحاب من التفاعل مع الجيران".

"ومع تقلص الحاجة إلى التفاعل مع الجيران يتقلص الشعور بالانتماء للمجتمع، وتتضاءل فرصة حكم الناس لأنفسهم، ويتلاشى المجتمع المدني والمكان الذي "تعلمنا فيه أنه لا يوجد فصل تام بين العالمين العام والخاص، بالمعنى الدقيق للكلمة".

دينين أحد المؤثرين في تفكير نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، الذي أشاد بكتاب "تغيير النظام" في ندوة نقاش عام 2023، بحضور المؤلف.

يتحدث دينين، في كتابه، عن "ثورة سلمية" لاستبدال الليبرالية وتعزيز القيم المحافظة المؤيدة للأسرة والعمال، وإجراءات مثل التعريفات الجمركية والحوافز التصنيعية.

وفي مقال بعنوان "Why They Hate Us،" يقدم دينين تعريفا لما يسميه "النظام ما بعد الليبرالي".

"يهدف (النظام ما بعد الليبرالي) إلى تذكير الناس ليس فقط بوجود تقاليد لا-ليبرالية وناخبين لا-ليبراليين، بل أيضا بأن هذا النظام متفوق على التجربة الليبرالية التي تجرد البشر من إنسانيتهم ​​وتقسمهم وتقتلعهم" من الجذور.

ينهل النظام ما بعد الليبرالي، وفقا لدينين، من الحكمة القديمة وتعاليم العصور الكلاسيكية والمسيحية، "وهي الحكمة التي رفضها مهندسو الليبرالية صراحة أو أضعفوها بالاستيلاء عليها وتوظيفها".

في ندوة 2023 مع دينين، عرّف فانس نفسه بأنه عضو في "اليمين ما بعد الليبرالي".

ووصف دوره في الكونغرس، آنذاك، باعتباره "مناهضا للنظام بشكل صريح".

وأشاد دينين، من ناحيته، باختيار ترامب _ في يوليو الماضي - جي دي فانس مرشحا لمنصب نائب الرئيس.

"رجل يتمتع بإيمان شخصي عميق ونزاهة، رجل عائلة مخلص، وصديق كريم، ووطني حقيقي"، قال دينين عن فانس.

وخلال السنوات القليلة الماضية، برز فانس في طليعة تيار  "اليمين الجديد".

أصحاب اليمين الجديد

يمثل "اليمين الجديد" الأميركي، المعروف أيضا بـ"تيار ما بعد الليبرالية" افتراقا أيديولوجيا هاما عن "الفكر المحافظ" التقليدي، ويرتبط بشكل وثيق، وفق رأي كثيرين، مع "الترامبية"، نسبة إلى الرئيس دونالد ترامب.

هذه الحركة تنتقد الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية لتركيزهما على استقلالية الفرد، والأسواق الحرة، وحياد الحكومة في ما يتعلق بالقيم الأخلاقية والاجتماعية العامة.

ويقول سهراب أحمدي، وهو منظر محافظ، في مقال يعود لأكتوبر  2019، إن الجيلين الماضيين من المحافظين اهتموا بالحرية الفردية في مواجهة الشمولية الشيوعية والضوابط "The regulations" الحكومية.

يحتاج الجيل الحالي من المحافظين الأميركيين، وفقا لسهراب، إلى سياسة تركز على معالجة أزمات تتعلق بـ"التفككك والتجزؤ الاجتماعي والتشش الأخلاقي".

يؤمن ما بعد الليبراليين بأن المُثل الليبرالية أدت إلى التفكك المجتمعي، والتفاوت الاقتصادي، والتدهور الثقافي.

سياسيا، يتمثل جوهر الفكر ما بعد الليبرالي في الدعوة إلى جهاز دولة قوي يعمل على تعزيز المصلحة العامة، والتماسك الاجتماعي، والهوية الوطنية.

ويؤكد مفكرون مثل باتريك دينين وسهراب احمري على ضرورة تدخل الدولة لتعزيز البنى الأسرية التقليدية، وقيم المجتمع، والاستقلال الوطني.

من الناحية الاقتصادية، يبتعد "اليمين الجديد" عن عقيدة السوق الحرة، لصالح التدابير الحمائية، والتشكيك في جدوى العولمة.

ويتبنى أيضا فكرة إنعاش التصنيع المحلي ومعالجة الإهمال والظلم الذي طال الطبقة العاملة الأميركية، بما يتماشى مع تركيز ترامب على التعريفات الجمركية والقومية الاقتصادية.

ويتميز ثقافيا بالدفاع عن تراث الحضارة الغربية، ومعارضة الحركات الاجتماعية التقدمية، والتركيز على الهوية الوطنية. ويشمل ذلك سياسات هجرة صارمة، وانتقاد للتعددية الثقافية، مما يعكس رغبة في الحفاظ على ثقافة وطنية متماسكة.

ويزعم النقاد بأن مثالية "ما بعد الليبرالية" وغموضها النظري يمكن أن يؤديا إلى نزعات تطمس الحدود الفاصلة بين سلطة الدولة والحريات الفردية.

"من الصعب إطلاق وصف محدد لهؤلاء،" يقول لموقع "الحرة" كلاي رايزين، مراسل صحيفة نيويورك تايمز.

تقليديا، يحذر الشخص المحافظ من التغييرات الكبيرة، يتحرك ببطء، ويشكك في الإصلاح، يضيف رايزين، لكن المفارقة أن "معظم الأشخاص المحيطين بترامب وفي إدارة ترامب الآن هم عكس كل ما سبق".

يميل هؤلاء إلى التحرك بسرعة لإحداث التغيير، يتابع رايزين.

وفي مقال يعود إلى أغسطس الماضي، يشير مراسل نيويورك تايمز إلى أن مصطلح "اليمين الجديد" شاع حديثا بالإشارة إلى مجموعة من المثقفين والسياسيين الجمهوريين الذين يعملون على تحويل الترامبية إلى أيديولوجية متماسكة.

ويعزو بيتر روف، وهو إعلامي وكاتب عمود صحفي الحراك النشط لقادة اليمين الجديد إلى أن ترامب نفسه سياسي وقائد انتقالي أو حركي إلى حد كبير".

ويضيف في حوار مع موقع "الحرة" أن ترامب يبحث عن الصفقة الأفضل، وبهذا المعنى، هو يجد نفسه وضع مريح في ما يتعلق بطرح الأفكار على الطاولة والتفاوض. هو ليس جامدا".

ويذهب كثيرون إلى أن الترامبية مثلت بداية حزب جمهوري جديد، يشكل "قطيعة حادة" مع أفكار الحزب ومبادئه على مدى عقود خلت.

من ناحية أخرى، يربط مؤرخون ومحللون سياسيون بين أفكار اليمين الجديد وأجندة محافظة تعود إلى ثلاثينيات القرن العشرين.

كانت تعارض مجموعة برامج وإصلاحات داخلية وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت بين عام 1933- 1938 أثناء فترة الكساد الكبير 1929 - 1939.

وضع روزفلت نموذجا لكيفية عمل الحكومة الفيدرالية، لكن قادة في الحزب الجمهوري رفضوا ذلك النموذج، ورفضوا كذلك ما تلاه من تغييرات وإصلاحات في الخمسينيات والستينيات أثناء عهدي أيزنهاور وجونسون.

اليمين الجديد والترامبية

"يجب أن نتعامل بحذر مع المصطلح،" يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية نيويورك في كورتلاند، روبرت سبيتزر، الذي تواصل مع موقع الحرة عبر البريد الإلكتروني.

يرى سبيتزر أن أصحاب "اليمين الجديد" يمثلون "الواجهة التجارية لترامب،" حسب تعبيره.

وفي حين أن أنصاره يعتنقون عموما قيما محافظة، يضيف سبيتزر، فإن ما يميزهم هو الولاء الشخصي لترامب، أي أنهم "محافظو ترامب" الذين يتجاوز ولاؤهم الاعتبارات الأخرى.

وفي تصريح لموقع "الحرة"، قال أستاذ العلوم السياسية، مدير الإدارة السياسية في جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تود بيلت، أن ما يسمى "اليمين الجديد" هو جناح لحركة "ماغا" لأنه مرتبط عضويا بترامب كفرد ولا يعبر عن أيديولوجيا متماسكة، وفق رأيه.

الرد على "غياب التماسك الأيديولوجي"

يقول مفكرو اليمين الجديد بأن فكرتهم الأساسية تقوم على الرفض المتعمد للافتراضات التأسيسية الليبرالية. ويذهب مفكرون مثل باتريك دينين، وسهراب أحمري، وغلادن بابين إلى أن الحركة متجذرة في ما يسمونه بـ "The conservatism of the common good" أو "محافظية الصالح العام،" أو في "نظام ما بعد ليبرالي" يستند إلى التقاليد الكلاسيكية والمسيحية.

ويجادل ما بعد الليبراليين بأن تماسكهم الفكري يقوم على التزاماتهم المشتركة بـ:

السلطة الأخلاقية للتقاليد والمجتمع، وإعادة تأكيد الاستقلالية والهوية الوطنية، سياسة اقتصادية تخدم الأسر والعمال على حساب الأسواق، دور أقوى للدولة في تعزيز الفضيلة والاستقرار.

يجادل باتريك دينين، على سبيل المثال، بأن الليبرالية نفسها كانت تجربة جذرية حررت السياسة من التزامات أخلاقية أعمق.

ويدعو في كتابه "تغيير النظام" إلى تشكي لنخبة "مضادة" تحكم بما يخدم الصالح العام لا الحياد، ويشير إلى أن تماسك ما بعد الليبرالية يكمن في الوضوح الأخلاقي والفلسفي، لا في التعقيد السياسي.

وينتقد سهراب أحمري، في كتابه "شركة الاستبداد"، النزعات الليبرالية والنيو ليبرالية في كلا الحزبين، ويدعو إلى استعادة التضامن، لا سيما من خلال التدخل الاقتصادي والحوكمة الأخلاقية.

يعترف ما بعد الليبراليين بأن حركتهم لا تزال في طور التبلور، لكنهم يجادلون بأن أزمة الليبرالية قد أوجدت مساحة لتماسك أيديولوجي جديد - لا يقوم على الفردية المجردة، بل على الرسوخ والفضيلة، ورؤية جديدة للعدالة والسلطة.

ويؤكد باتريك دينين، في كتابه "تغيير النظام: نحو مستقبل ما بعد ليبرالي"، أن الليبرالية أدت إلى تفكك المجتمع وتآكل الروابط المجتمعية. ويدعو إلى "إطاحة سلمية، ولكن قوية بطبقة حاكمة ليبرالية فاسدة ومفسدة" لإقامة نظام ما بعد ليبرالي يقدم المصلحة العامة على استقلالية الفرد.

ويعتقد أن دينين وسرهاب وآخرين هم جزء مما يطلقون عليه "محافظية وطنية".

ويضيف روف قوله: " أنا أنظر إليها باعتبارها تيارا يمينيا اجتماعيا. هم يحاولون وضع إطار أيديولوجي تحت الترامبية لجعلها شيئا مفهوما بالنسبة للناخبين، وقابل للتحديد بالنسبة المحللين السياسيين والصحفيين. الأمر يشبه إلى حد ما بناء منزل ثم وضع الهيكل الداعم لاحقا".

الانطلاقة

في كلمة أمام المؤتمر الجمهوري في يوليو 2024، تطرق جي دي فانس إلى اتفاقات التجارة الحرة وحرب العراق.

قال: "عندما كنت في الصف الرابع، أيد سياسي محترف يدعى جو بايدن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، وهي اتفاقية تجارية سيئة أرسلت عددا لا يحصى من الوظائف الجيدة إلى المكسيك". وأضاف: "عندما كنت طالبا في المدرسة الثانوية، أيد نفس جو بايدن الغزو الكارثي للعراق".

لطالما تحدث جي دي فانس عن تجربته السابقة في العراق في سياق انتقاده للتيار الذي مثل أميركا أثناء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دابليو بوش.

كان بوش يمثل تيارا للمحافظين الجدد بدأ في عهد ريغان مرروا ببوش الأب وبوش الابن. ويؤمن هذا التيار بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تستخدم قوتها العسكرية ونفوذها من أجل نشر الديمقراطية في العالم.

ثم جاء ترامب.

وعندما بدأ في 2015 مخاطبة الجمهور من أجل الترشح للرئاسة، تحدث عن حرب العراق للتعبير عن معارضة فكرة التدخل في شؤون العالم.

وبعد خوض تجربته الرئاسية الأولى، عبر عن فخره بحقيقة أن الولايات المتحدة لم تخض حروبا خلال ولايته، وعاد إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بإنهاء الحروب - في أوكرانيا والشرق الأوسط - ونشر السلام في العالم.

وبالعودة إلى الوراء، في عام 2010، كتب فانس مقالا تحدث عن تعقيدات الحرب في العراق رغم أنه كان مؤيدا لها. قال: "دعمت غزو العراق على أساس الموضوعية، ولكن من الحماقة أن نرسل قوات للقيام بأصعب مهمة ثم نصاب بالصدمة من المواقف التي يتبناها البعض أثناء القيام بذلك".

وفي كتابه "مرثية ريفية"، الذي نشره قبل خوض سباق الرئاسة بسنوات، تطرق فانس إلى الثمن الذي يدفعه الأميركيون "بعدما تم إرسالهم بشكل غير متناسب للقتال والموت في الخارج".

وخلال الحملة الانتخابية، كان فانس حريصا على إظهار هذه الخلفية عند حديثه عن أجندة سياسية تحمل شعار "أميركا أولا"، وأظهر بوضوح معارضته لاستمرار المساعدات الأميركية لأوكرانيا.

وردد فانس أيضا تعليقات ترامب بشأن ضرورة زيادة مساهمات الدول الأوربية في "الأمن الجماعي" واقترح أن تحول الولايات المتحدة تركيزها الدولي من أوروبا إلى شرق آسيا، ودعم خطة ترامب لفرض تعريفات جمركية كبيرة على الواردات الصينية.

يلفت مراسل صحيفة نيويورك تايمز، كلاي رايزين إلى أن فانس يمثل بقوة التيار الجديد، مشيرا إلى تطوره من جمهوري تقليدي إلى مؤمن قوي بحركة "ماغا" وهو ما ظهر من خلال تصريحاته والأشخاص الذين يرتبط بهم فكريا وسياسيا.

قد يكون فانس مؤمنا بالتيار الجديد أكثر من ترامب نفسه، يقول رايزين.

قادة جدد

إلى جانب جي دي فانس، تضم طليعة "اليمين الجديد" أيضا رجل الأعمال، فيفيك راماسوامي، المرشح السابق للرئاسة، الذي دعم ترامب خلال حمل الانتخابية في 2024 .

خلال المؤتمر الوطني للحزب، استفاض راماسوامي في شرح نظرية "اليمين الجديد،" الذي قال إنه "ناشئ للغاية ومتطور للغاية".

وقال راماسوامي إنه يعارض "الإجماع النيو ليبرالي" الذي روج للهجرة، والدعم العسكري للحلفاء الأجانب والديمقراطيات، والاقتصاد المؤيد للشركات، والتجارة الحرة والحروب في العالم.

وخلال المؤتمر، اعتبر راماسوامي أن فانس يمثل "الحمائية الوطنية الملتزمة بالتراجع عن التجارة الدولية لصالح برنامج إعادة التصنيع المحلي، وتسليح الحكومة الفيدرالية".

وكان فانس قد دعا في عام 2021، إلى ما سماه "برنامج اجتثاث البعث" في البيروقراطية الأميركية.

وقال: "أميل إلى الاعتقاد بأننا يجب أن نستولي على مؤسسات اليسار، ونحولها ضد اليسار. نحن بحاجة إلى برنامج مثل برنامج اجتثاث البعث"، في إشارة إلى سياسة إزالة نفوذ اتباع الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، بعد 2003.

توقع فانس في ذلك الوقت ترشح ترامب في 2024، وقدم له نصيحة واحدة هي:" طرد كل بيروقراطي وكل موظف مدني في الدولة واستبدالهم بشعبنا".

وتصف صحيفة نيويورك تايمز فانس بأنه "حامل لواء" التحالف اليميني الجديد الذي يحمل نخبة ليبرالية تسللت إلى الحكومة الفيدرالية، ووسائل الإعلام، والشركات الكبرى والتعليم مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد، ويؤمن بأن الليبرالية تنهب ثروات الأميركيين العاملين بجد لصالح وول ستريت.

وقال إن التحالف الجديد يمثل "الثقل الفكري" لحركة "ماغا" وقطيعة جذرية مع الماضي الجمهوري، ومستقبلا للتيار المحافظ، وفق الصحيفة.

في مايو الماضي، أي قبل أشهر من انتخابات نوفمبر وفوز ترامب، نشر مراسل "سي أن بي سي" مقالين تضمنا ما قال إنها مقترحات اقتصادية لتحالف ترامب "تحطم أيدولوجية الحزب الجمهوري في ما يتعلق بحرية التجارة والتعريفات الجمركية".

ويشير الكاتب إلى "مجموعة من المقترحات السياسية التي تضع العمال في المقام الأول وتعادي النخبة".

ويستخدم المراسل لفظ "الشعبيين الجدد" لوصف هؤلاء الذين "لا يرون رؤساء الشركات الكبرى حلفاء طبيعيين للحزب الجمهوري في حربه ضد حكومة كبيرة، بل إنهم نخبويون يحاولون فرض قيمهم الثقافية الليبرالية على الطبقة المتوسطة"، ويرون أن آيديولوجية ريغان التي تمحورت حول خفض الضرائب والسوق الحرة لم تخدم جيدا العمال الأميركيين. 

ويرفض هذا التيار العقيدة الجمهورية التقليدية، ويريد جمع المحافظين معا لإنشاء تحالف أوسع، يمكن تسميته "حزب العمال الرأسمالي في أميركا".

من أهم القادة الجدد أيضا، إيلون ماسك، الذي بات يتمتع بنفوذ كبير في واشنطن بعد أن أوكل إليه ترامب الإشراف على "وزارة الكفاءة الحكومية"، ونقلت تقارير إن حضر اجتماعات لترامب مع زعماء أجانب.

يوصف ماسك أحيانا بأنه "تحرري"، ويصف هو نفسه بأنه "معتدل سياسيا".

يدعم أيضا تقليص حجم الحكومة، ويترأس لجنة الكفاءة الحكومية المشرفة على ذلك.

ويرفض أيضا تقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا. وسبق أن تندر على الرئيس الأوكراني، من خلال "ميم" ساخرة:

"خلافات مؤجلة"

يعتقد تود بيلت، في تصريحاته لموقع "الحرة" أن تماسك قادة "اليمين الجديد" يرتبط بوجود ترامب "لكنهم ربما سيتقاتلون على الزعامة في المستقبل "لأنه بدون دونالد ترامب، فإن كثيرا من الأشياء التي تجمع الكل سوف تختفي".

ويشير زميل معهد هدسون ريتشارد وايتز، في تصريح لموقع "الحرة"، إلى فكرة التباينات بين قادة اليمين الجديد. ورغم أنهم منسوبون تقليديا إلى الحزب الجمهوري، فهم يرفضون فكرة تغيير الحكومات من أجل نشر الديمقراطية، ومع ذلك لديهم وجهات نظر متباينة بشأن الأدوات التي يجب استخدامها في السياسة الخارجية، وعلى سبيل المثال الأدوات الاقتصادية لمواجهة الصين.

ويشبه رايزين وضع التحالف الجديد لو غاب ترامب بما حدث مع الإسكندر الأكبر الذي بنى إمبراطورية مترامية الأطراف وأدارها بشكل جيد، ولكن بمجرد وفاته في سن مبكرة نسبيا، انقسمت هذه الإمبراطورية.

"لا يمكنني أن أتخيل أن هناك شخصية ما ستظهر بعد ترامب وتكون قادرة على إبقاء الأمور متماسكة،" يقول مراسل نيويورك تايمز، كلاي ريزين لموقع "الحرة".

لكن الإعلامي بيتر روف يعتقد أن من الصعب التكهن بشأن وضع اليمين الجديد بعد "خروج ترامب من الصورة".