آخر الأخبار

شعلة مرفوعة على الأطلسي .. مخاضات الهجرة في بلد المهاجرين

معاذ فريحات - واشنطن
10 مارس 2025

"هات المتعبين، والفقراء، والجموع التواقة لنسمات الحرية" حتى تستقبلهم "أم المنفيين.. وفي يدها منارة ترحب بالقادمين" مقتطفات من أبيات شعرية محفورة على قاعدة تمثال الحرية.

القصيدة التي كتبتها الشاعرة الأميركية، إيما لازارو، في 1883تتربع على لوح معدني أسفل التمثال الذي ينتصب في نيويورك، لتخاطب أبياتها المهاجرين الواصلين بحرا إلى الولايات المتحدة.

سنوات مضت على تلك القصيدة، وتغيرات شهدتها الولايات المتحدة في ملف الهجرة، الذي يتخذ موقعا بارزا في الساحة السياسية بين الحزبين.

حزمة من الأوامر وقعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب استهدفت ملف الهجرة في مطلع 2025.

"مخاض" في الساحة الأميركية

مع كل تغير إدارة أميركية، يعود ملف الهجرة إلى الطاولة.

وقد ينظر البعض لما يحدث فيه على أنه صراع بين الجمهوريين والديمقراطيين.

أو أنه صراع بين الرئيس الأميركي، ترامب، وسلفه، جو بايدن.

ولكنه يعبّر عن "حال مخاض ومعركة" على مستوى البلاد كلها تعود إلى نحو أربعة عقود، على ما يرى الأكاديمي والخبير في شؤون الهجرة في الولايات المتحدة، بيتر سكيري.

الهجرة تعد منافسة بين "من يريدون التشبث بالقواعد القديمة للجوء للولايات المتحدة، ومن يريدون إعادة صياغة تلك المعايير، وفتح الباب لشرائح أكبر"، يضيف سكيري في حديثه لموقع الحرة.

لكن للتوضيح علينا التفرقة بين الهجرة غير الشرعية والهجرة الشرعية، يشرح سكيري، أستاذ العلوم السياسية في كلية بوسطن، والزميل في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة فيرجينيا.

التمييز بين المصطلحين شابَهُ سوء فهم خلال العقود الثلاثة الماضية، إذ تفصلهما ما يشبه "شعرة رفيعة في أميركا"، وفق سكيري.

وما تتحدث عنه إدارة ترامب في تصريحاتها يتعلق بوقف الهجرة غير الشرعية، يضيف.

المهاجرون بصورة غير شرعية هم غالبا من طبقة ذات تعليم متواضع تبحث عن عمل في أي مجال، فيما يجادل البعض بأنهم يضيفون أعباء على البنية التحتية والاقتصاد الأميركي.

ولكن ما يحدث في ملف الهجرة في الولايات المتحدة يؤثر على "الشرعية وغير الشرعية" بالنهاية، ولفهم الأمر علينا العودة إلى السياق التاريخي.

فقوانين وسياسات اللجوء نشأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ووضعت المعايير في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يسرد سكيري.

وكانت تلك القوانين والسياسات في الأساس ترتبط بالاضطهاد على أساس العرق أو الدين أو مجموعات بأفكار معينة، والتي كانت مناسبة للسياق العالمي، وكانت في وقتها لا تزال تكاليف الانتقال والسفر مكلفة.

وزاد سكيري أن السياق السياسي الذي نشأت بموجبه هذه التغييرات كان ملائما لتلك الفترة.

كما أن سهولة حركة التنقل والسفر في عصرنا الحالي، جعلت اللجوء أمرا أكثر قابلية ويحمل أوجها عدة لأسباب مختلفة.

وما حدث في البلاد خلال الإدارات الثلاث الأخيرة على الأقل، يظهر أن السياق والمناخ السياسي في الولايات المتحدة في حالة "مخاض".

جهات أخرى تحدد من يمكنه اللجوء من عدمه، عدا البيت الأبيض والكونغرس وحكومات الولايات المختلفة، يقول سكيري، إذ توجد منظمات ومجموعات تدفع نحو توسيع تلك المعايير.

هذا "المخاض" في ملف الهجرة يشبه "الصراع الداخلي"، ويرتبط بإعادة تعريف معايير قبول اللاجئين، وهذا الأمر نشهده في مناطق أخرى حول العالم، يضيف.

لكن في الولايات المتحدة أصبح الأمر مثار الجدل في وسائل الإعلام، وهو ليس المكان المناسب لبحث مثل هذا الأمر، وفق سكيري.

فعلى الولايات المتحدة الاعتراف بالحاجة إلى بحث الأمر باختلاف الظروف الآن عما كانت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أجل إصلاح نظام الهجرة في الولايات المتحدة، يوضح سكيري.

موجات وسياسات الهجرة

يعود أول قانون أميركي يتعلق بالتجنيس إلى عام 1790، إذ منح الحق للأشخاص "البيض الأحرار"، ومنعه على الأشخاص من أصول أفريقية.

وشهدت الولايات المتحدة موجات هجرة مختلفة مدفوعة بعوامل سياسية وتاريخية مختلفة.

أولى هذه الموجات كانت خلال 1840 حتى 1889 إذ جاء حوالي 90 في المئة من المهاجرين من أوروبا، وفقا لمؤسسة "بيو".

والموجة الثانية للمهاجرين كانت خلال 1890 وحتى 1919، وتركزت بقادمين من أوروبا.

وخلال 1891 أقر الكونغرس، تأسيس وكالة خاصة للتعامل مع المهاجرين.

وتلا تلك الفترة نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي دفعت إلى إقرار قانون لقبول اللاجئين عام 1948.

والموجة الثالثة، كانت منذ عام 1965 حين جاء نصف المهاجرين من دول أميركا اللاتينية، ربعهم من المكسيك، وربع آخر من آسيا.

وفي 1986، أقر الكونغرس قانون "إصلاح الهجرة والسيطرة عليها،" المعروف بـ (IRCA)، لإضفاء الشرعية على بعض المهاجرين غير المسجلين، كما أصبح توظيف غير المسجلين أمرا غير قانوني.

وفي 1990 تبعه قانون الهجرة، والذي شكل مراجعة للقوانين السابقة، وبدأ "يانصيب" التأشيرات، وسمح للعمال المهرة بالقدوم ضمن برنامج "أتش-1 بي".
وتبع هذا قانون آخر في عام 1996 لإصلاح الهجرة غير الشرعية (IIRIRA)، والذي منح صلاحيات أوسع للسلطات الفيدرالية.

وبعد أحداث هجمات 11 سبتمبر في 2001، تم إقرار قانون تعزيز أمن الحدود وإصلاح نظام التأشيرات في 2002، وتبعه إنشاء وزارة الأمن الداخلي في 2003.

وفي 2017 وقع ترامب أيضا على أمر تنفيذي يحظر دخول أي مواطنين قادمين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، وهو ما ألغاه الرئيس السابق، جو بايدن، في 2021. 

خلال أعوام 2021 و2023 بلغ متوسط عدد المهاجرين للولايات المتحدة 2.4 مليون شخص سنويا، يشكلون حوالي 6 في المئة من إجمالي عدد السكان، وكانت آخر موجة هجرة مشابهة شهدتها البلاد عام 1850 عندما استقبلت حوالي 190 ألف مهاجر، أي ما يعادل 5 في المئة من السكان في ذلك العام.

إجراءات اللجوء

مهاجرون يصطدمون بواقع غير المتوقع . أرشيفية

الخبير القانوني، المحامي الأميركي، محمد الشرنوبي، لخص في حديثه مسار إجراءات اللجوء للقادمين بطريقة غير شرعية.

عند دخولك الحدود في البداية سيقابلك حرس الحدود الأميركي، ويتم التحقق من شخصيتك واحتجازك لديهم، وتخضع لإجراء يعرف بـ (Credible Fear Screenings) لتحديد ما إذا كان لديك خوف حقيقي من الاضطهاد أو التعذيب، يوضح.

"بعد هذا الامتحان يُحدَّد ما إن كنتَ تملك أسبابا توجب النظر في طلب اللجوء ومنع ترحيلك، وفي هذه الحالة إما يُخلى سبيلك لحين محاكمتك، أو احتجازك لحين تحويلك للمحكمة مباشرة"، يضيف في مقابلة مع موقع "الحرة".

ولكن هذا لا يعني الحصول على اللجوء، إذ قد ينظر في قضيتك خلال أشهر، وهو ما يبقى ضمن صلاحيات المحكمة.

أما إذا لم يجد ضابط الهجرة لديك الأسباب الموجبة لتقديمك طلب اللجوء، يقول الشرنوبي إنه في هذا الحالة يتم تحويلك إلى إجراءات طرد سريعة.

ولكن أيضا يجب عرضك على قاض خاص بالترحيلات لسماع أقوالك مرة أخرى، للتأكد من قرار ضابط الهجرة وقد يلغيه، ويتم تحديد موعد لتقديمك معاملة للجوء.

ويشرح أنه لا يمكن تقديم أي مهاجر لطلب تصريح عمل إلا بعد ستة أشهر من تقديم طلب اللجوء رسميا للمحكمة، وليس من تاريخ دخولك الأراضي الأميركية، مع الإشارة إلى أن القانون يسمح بتقديم طلب تصريح العمل قبل 30 يوما من انقضاء هذه المدة.

وبافتراض أنه تم تحديد موعد محاكمة قريب لتقديم طلب اللجوء، هذا يعني بالضرورة أنه لن يتمكن من العمل أو إجراء أي معاملات رسمية خلال أول ثمانية أشهر على الأقل من دخوله الولايات المتحدة، بحسب الشرنوبي.

وحتى أصحاب العمل قد يواجهون غرامات وعقوبات إذا قاموا بتشغيل أي شخص لا يحمل المستندات التي تؤهله للعمل، "ولهذا حتى إذا وجد أحد لتشغيله، سيتم استغلاله ودفع أبخس الأجور له و (فرض) ساعات عمل طويلة جدا"، يحذر المحامي.

"لجوء الأرض"

مهربون ينصحون المهاجرين إتلاف أوراقهم الثبوتية قبل عبور الحدود الأميركية. أرشيفية

أحد المهربين الذين يساعدون في دخول مهاجرين بصورة غير شرعية، قال لموقع "الحرة" في تحقيق موسََّّع إن هناك "إجابات نموذجية" ينصح بها، إذا سئلت: "لماذا لم تبق داخل المكسيك لحين البت في قضيتك؟" إذ يمكنك التذرع بمحاولة سرقتك أو اختطافك أو حتى التحرش الجنسي بك داخل الأراضي المكسيكية، وهو ما أجبرك على الدخول في أسرع وقت للولايات المتحدة، على حد تعبيره.

المهمة تنتهي عند دخولك لأميركا، يقول المهرّب، ولكن بعد ذلك هناك محامي هجرة يمكن توجيه الشاب المهاجر إليه ليساعده في قضية اللجوء.

ويعتبرها بالنهاية قضية مضمونة تبعا لما يسمى بـ "لجوء الأرض".

لكن ذلك غير صحيح، إذ أن "لجوء الأرض" لا يعني منح اللجوء لكل من يأتي للولايات المتحدة، يوضح الشرنوبي.

"لا يكون هناك تقديم للجوء إلا لمن أصبح على الأراضي الأميركية، وهناك معاملات أخرى للاجئين تتم عبر منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان".

وهذا لا يعني الحصول على حق اللجوء، بل الحق بعرض ما إن كنت تملك العوامل المطلوبة لتقديم طلب اللجوء بعد الوصول إلى الأراضي الأميركية.

ترامب يدعم تصريحات إيلون ماسك بشأن برنامج تأشيرات رغم معارضة مؤيديه. أرشيفية
ترامب يدعم ماسك بشأن برنامج التأشيرات "إتش-1بي"
قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب السبت إنه يساند الملياردير إيلون ماسك في نزاع على استخدام برنامج التأشيرات "إتش-1بي" الذي يسمح للشركات بتوظيف عمال أجانب في مجال التكنولوجيا، مشددا على دعمه الكامل للبرنامج الذي يعارضه بعض مؤيديه.

ونبّه الشرنوبي من اتباع نصيحة يسديها المهربون للمهاجرين، بأن قضية اللجوء سهلة وكل ما عليك ادعاء تغيير دينك.

وقال: "لإثبات تغيير الديانة من الإسلام للمسيحية على سبيل المثال، عليك استصدار شهادة معمودية، وإثبات ذهابك للكنيسة، ولديك علم شديد في ديانتك الجديدة، ولديك شهود على ذلك".

كما حذر الشباب من تقديم معلومات خاطئة في طلب اللجوء.

"تقديم استمارة لجوء مزورة، هذا سيتسبب في منعك من دخول أميركا مدى الحياة"، يؤكد.

وحتى لو فرضنا جدلا أن "شخصا دخل للولايات المتحدة، وادعى تغيير دينه، وتزوج وأصبح لديه 10 أطفال، ولديه أعمال ناجحة"، وحتى لو بعد سنوات عديدة تم اكتشاف أنه كذب في طلب لجوئه، سيتم رفضه طلبه من أساسه حتى لو قام بعد ذلك بمحاولة التقدم بطلب جديد عن طريق زوجته أو أطفاله الحاصلين على الجنسية الأميركية، بحسب الشرنوبي.

"من أكبر الأخطاء" التي يرتكبها المهاجرون بطريقة غير شرعية، القادمون من دول الشرق الأوسط، يقول الشرنوبي هو "تمزيق جوازات السفر، أو المستندات الرسمية".

"هذا لن يمنح السلطات الأميركية القدرة على تحديد هويتك، وما إذا كنت تنتمي لحزب سياسي معين، أو جماعات إرهابية، لتصبح مجهول الهوية، ولهذا سيتم حبسك حتى يتم التحقق من هويتك" يوضح.

جهود أميركية لمحاربة الهجرة غير الشرعية

تشير أغلب الإحصاءات إلى وجود ما لا يقل عن 11 مليون مهاجر بشكل غير شرعي داخل الحدود الأميركية.

تقديرات معهد سياسات الهجرة أشارت إلى وجود 45 ألف مهاجر غير قانوني من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 2019.

وفي خضم الجدل القائم في هذا الملف، بالولاية الثانية لترامب، أعلن الرئيس الأميركي، اختيار توم هومان، مسؤولا عن الوكالة المكلفة بإنفاذ قوانين الهجرة في الولايات المتحدة "آي سي إي".

ارتفعت أعداد المهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية الذين يعبرون نهر ريو غراندي قادمين من المكسيك
تكساس تعرض أرضا لدعم خطة ترامب.. وقافلة مهاجرين تسابق الزمن إلى الحدود
عرض مكتب الأراضي العامة في تكساس على الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، مزرعة مساحتها 1400 فدان في مقاطعة ستار جنوبي الولاية، بالقرب من الحدود مع المكسيك، كموقع لبناء مراكز احتجاز لعمليات الترحيل الجماعي التي وعد بها للمهاجرين غير المسجلين، وفقاً لرسالة أرسلها المكتب إلى ترامب، الثلاثاء.

هومان يتبنى آراء متشددة في ملف الهجرة، وقد تعهد صراحة "بإدارة أكبر قوة ترحيل شهدتها البلاد على الإطلاق"، وهو ما جعل ترامب يصفه بـ "قيصر الحدود".

"من الأفضل أن تبدأ في حزم أمتعتك الآن"، رسالةٌ وجهها هومان إلى ملايين المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة في يوليوم الماضي بكلمة ألقاها في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري.

ترامب أطلق حملة واسعة النطاق ضد الهجرة منذ الساعات الأولى من عودته إلى السلطة في العشرين من يناير.

وتم توقيف آلاف المهاجرين غير النظاميين وترحليهم إما لدولهم أو لدول مجاورة.

وأعلن مطلع فبراير مشروعه لبناء مركز احتجاز ضخم يتسع لـ 30 ألف مهاجر في خليج غوانتانامو المعروف بسجنه العسكري الذي افتتح بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

الرئيس الجمهوري تعهد بإرسال "المجرمين" إلى غوانتانامو، وهو تصنيف يشمل في استعمالات إدارته المجرمين المدانين ممن دخلوا الولايات المتحدة بصورة غير شرعية.

وانتُخب ترامب بعد حملة وعد خلالها بإنهاء ما أسماه "غزو" المهاجرين غير النظاميين لأميركا، وقال إن المهاجرين "يسممون دماء" الولايات المتحدة.

وحاول موقع "الحرة" التواصل مع متحدثين من وزارات الخارجية في نيكاراغوا والمكسيك برسائل عبر الإلكتروني واتصالات من دون أن يحصل على رد.

ترامب والهجرة

إصلاح نظام الهجرة كان على جدول الأعمال في الولايات المتحدة منذ 40 عاما، وتحديدا في عام 1986، وفقا لسكيري.

أُقرّ حينها قانون "إصلاح الهجرة والسيطرة عليها" والذي يعرف بـ (IRCA)، ووافق عليه الكونغرس في محاولة لإضافة الشرعية على إقامة بعض المهاجرين غير المسجلين، وجعل توظيف المهاجرين بصورة غير شرعية أمرا خارجا عن القانون.

الرئيس الجمهوري رونالد ريغان صادق على القانون، الذي أتاح تشريع أوضاع 2.7 مليون مهاجر في وضع غير قانوني، وحينها كانت هناك تفاهمات مع كونغرس ديمقراطي في جزء منه.

لكن سكيري يرى أنه من الصعب تقييم هذا القانون المستمر منذ سنوات،وأنه لم يكن فعالا بشكل حقيقي.

 الإدارة الأميركية الجديدة تتعامل بحزم مع مسألة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وبناء الجدار لمنع الهجرة عبر الحدود، باستثناء الحديث عما يجذب هؤلاء المهاجرين ألا وهو الأعمال المختلفة، يضيف.

فترامب لم يتحدث في أي من تصريحاته عن فرض عقوبات جادة على أصحاب العمل الذين يوظفون هؤلاء المهاجرين، رغم أن القانون يتيحها.

ترامب ليس رافضا للهجرة "بشكل حقيقي، إذ أن مصالحه تتقاطع بشكل كبير مع أصحاب الأعمال المختلفة"، يقول سكيري.

ولهذا سنرى الكثير من التحركات التي تستهدف المهاجرين، ولكنها لن تمنعهم من العودة والبحث عن عمل في الولايات المتحدة.

بلد المهاجرين

الولايات المتحدة توصَف بأنها "بلد المهاجرين" لاستقطابها موجات هجرة من جميع أنحاء العالم، لتنصهر جميعا مشكّلة الهوية الأميركية.

سكيري يرى أن هذا الوصف "يتم تحميله بأكثر مما يحتمل" إذ أن الولايات المتحدة كانت لعقود في القرن العشرين تتعامل بسياسات مقيّدة ضد الهجرة.

أما السياسات التي تتبعها الإدارة الجديدة أو تفرضها، لن "تغير القيمة للهوية الأميركية على أنها جامعة للمهاجرين"، يضيف، فمسألة "وقف الهجرة للبلاد ما هي إلا أسطورة".

ستبقى الولايات المتحدة تجتذب المهاجرين من جميع أنحاء العالم، يقول سكيري.

ولن تستطيع أي سياسات تغيير "الحلم الأميركي".

معاذ فريحات

سلاح المخيمات

في الأزقة الضيقة لأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يقف رجال مسلحون عند نقاط تفتيش مرتجلة، محاطة بجدران مليئة بثقوب الرصاص، وملصقات قادة تتزاحم مع لافتات قديمة تتحدث عن "المقاومة".

وجود السلاح في مخيم عين الحلوة يُعتبر، منذ عقود، جزءا طبيعيا من تفاصيل الحياة اليومية. لكن هذا الواقع قد يكون على وشك أن يتغير.

في الأسبوع الماضي، وفي بيان مشترك نادر وشديد اللهجة، أعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون والرئيس الفلسطيني محمود عباس أن "زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى".

يُنظر إلى هذا الإعلان على أنه خطوة مهمة نحو تفكيك ما يسميه كثيرون في لبنان بـ "الجزر الأمنية"، أي المخيمات المسلحة التي ظلت لعقود خارج نطاق سيطرة الدولة.

لكن يبقى السؤال: هل تمهّد التفاهمات بين عون وعباس لنزع السلاح من المخيمات الفلسطينية بالفعل؟ أم أن التحديات السياسية والأمنية ستبقي هذا الملف معلقا؟ 

مشكلة قديمة تعود للواجهة

مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان ليست جديدة. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، خاصة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أنشأت الفصائل الفلسطينية قواعد مسلحة في المخيمات. وبمرور الوقت، تحولت هذه المخيمات إلى مناطق شبه مستقلة، لا تدخلها القوى الأمنية اللبنانية، ويُترك أمر ضبط الأمن فيها للفصائل المسلحة.

يُعد مخيم عين الحلوة المثال الأوضح على ذلك.

يؤوي المخيم عشرات الآلاف من اللاجئين، وكان مسرحا لاشتباكات دامية بين الفصائل، ما شكل على الدوام تهديدا لأمن السكان واستقرارهم قبل كل شيء.

ثقل رمزي

أكد البيان المشترك، الذي جاء بعد لقاء بين الرئيسين عون وعباس في قصر بعبدا، رفض أي مظاهر مسلّحة تتجاوز منطق الدولة ومؤسساتها الشرعية.

بالنسبة للبنان، كان البيان تأكيدا على السيادة، وبالنسبة للفلسطينيين، تعبيرا عن التزام بالاستقرار. وكان، إلى ذلك، بمثابة رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن لبنان يستعد لمعالجة مشكلة طالما جرى تجاهلها.

وعود سابقة

هذه ليست المرة الأولى التي تعد فيها القيادة الفلسطينية بالمساعدة في معالجة قضية السلاح في مخيمات الفلسطينيين في لبنان. ففي أوائل الألفية، أعربت منظمة التحرير الفلسطينية عن دعمها لتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2003، والذي ينص على نزع سلاح جميع الميليشيات غير اللبنانية. 

وكان عباس قد كرر هذا الالتزام خلال زيارة سابقة إلى بيروت في عهد الرئيس ميشال سليمان. لكن الوضع على الأرض بقي على حاله. 

ظلت الفصائل تحتفظ بأسلحتها، داخل المخيمات وخارجها، واندلعت الاشتباكات بين الحين والآخر في عين الحلوة، بينما كان الجيش اللبناني ممنوعا من دخول المخيمات أو التدخل في ما يجري داخلها.

اليوم، يرى بعض المسؤولين أن التطورات السياسية والإقليمية قد توفر فرصة جديدة.

هل يملك عباس السيطرة الكافية؟

رغم صدور البيان على أعلى مستوى، يواجه تنفيذ مخرجاته تحديات على الأرض. ويرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج نادر أن سيطرة الرئيس عباس على المخيمات محدودة للغاية.

يقول نادر لموقع "الحرة" إن "حركة فتح، التي يتزعمها عباس، تشكل أقلية في المخيمات، فيما يُعدّ مخيم عين الحلوة – الأكبر والأكثر خطورة – ملاذا للجماعات المتطرفة التي لا يملك عباس أي تأثير فعلي عليها".

وتعكس هذه الرؤية موقف العديد من المسؤولين اللبنانيين. فالتوازنات داخل المخيمات، المعقدة والمتشابكة، تجعل من الصعب فرض أي نوع من السيطرة الموحدة.

لكن الباحث الفلسطيني هشام دبسي، مدير مركز التنمية للدراسات الإستراتيجية، يعتقد أن أهمية لقاء عون وعباس تكمن في إضفاء الشرعية السياسية على جهود نزع السلاح.

"ليس المطلوب من الرئيس الفلسطيني أن يمارس الضغط على الفصائل، بل إن المطلوب هو الدور السياسي الذي قام به مع رئيس الجمهورية اللبنانية، وهذا ما قام به بالفعل من خلال اللقاء الذي جمعهما، والذي توّج ببيان ختامي مشترك"، يقول دبسي،

ويضيف أن البيان أصبح بمثابة مرجعية سياسية يمكن الاعتماد عليها للضغط على الفصائل المسلحة من أجل نزع السلاح طوعا، معتبرا أن وحدة الموقف اللبناني والفلسطيني ستجعل من الصعب على الفصائل الاستمرار في تسليح نفسها.

ومع ذلك، يبقى عين الحلوة استثناء بارزا.

يشير دبسي إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالفصائل الفلسطينية، بل بتقاطع مصالح أجهزة استخبارات سورية سابقة، ونفوذ إيراني، ومجموعات متطرفة  مأجورة. 

سلاح المخيمات "نتاج لتجارب سابقة واستثمار جهات لبنانية وأجنبية في الدم الفلسطيني، حيث تم الزج بالفلسطينيين في معارك تخدم مصالح المرشد الإيراني علي خامنئي، والنظام السوري السابق، وحلفائهما في محور الممانعة، فالأمر يتعلق باستغلال الفلسطينيين لتحقيق أجندات خارجية".

"المخيم لم يعد فقط مساحة للسكان، بل ساحة صراع إقليمي"، يقول.

إيران تتراجع

يرى محللون أن توقيت المبادرة اللبنانية ليس مصادفة. فإيران تواجه تحديات متزايدة، داخليا وخارجيا، وتشارك في مفاوضات نووية قد تقيد دورها الإقليمي.

يقول دبسي إن الزمن الآن لصالح الدولة اللبنانية. فقدرة إيران على استخدام وكلائها تتراجع، والعلاقات الخليجية الإيرانية لا تسمح لها بلعب أدوار ابتزاز كما كان عليه الأمر في السابق.

ويضيف "الجيش اللبناني يمتلك الخبرة، والوعي، والدراية الكافية بكيفية التعامل مع هذا الملف الحساس، دون اللجوء إلى العنف وهذا ما يُعمل عليه حاليا بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية".

بالنسبة للعميد نادر  "إذا فشلت المفاوضات، لا بديل عن الحل العسكري، رغم كلفته وتبعاته. فالجيش اللبناني قادر على فرض الأمن إذا طلب منه ذلك".

وبينما تحذر أطراف أخرى من عواقب اللجوء إلى القوة، يبدو أن الدولة اللبنانية تفضل الآن الحوار والضغط السياسي، بدلا من المواجهة.

الخطوة التالية

قد تكون الأسابيع المقبلة حاسمة. فمن المتوقع أن تبدأ الجهات الرسمية اللبنانية والفلسطينية حوارات مباشرة مع الفصائل داخل المخيمات، بموجب الإطار الذي وضعه البيان الرئاسي المشترك.

وفي الوقت ذاته، يستمر السكان داخل عين الحلوة في العيش تحت سلطة السلاح، يستقبلون وعود الدولة بحذر. بالنسبة لكثيرين، الوعود بالتغيير ليست جديدة.

ومع ذلك، فإنها المرة الأولى منذ سنوات التي يتحدث فيها الجانبان اللبناني والفلسطيني بصوت واحد حول هذه القضية.