آخر الأخبار

"لا تهاجر!".. شباب الأردن بين مصيرين

معاذ فريحات - واشنطن, ضياء عودة - إسطنبول, بلسيت إبراهيم - واشنطن
10 مارس 2025

"لا تهاجر يا قتيبة" رسالة وجهها رئيس الوزراء الأردني الأسبق، عمر الرزاز، لشاب، في عام 2018، ووعده بـ "أردن أفضل".

أما رئيس الوزراء السابق، بشر الخصاونة، فلم يكن أقل تفاؤلا، ومنذ عام 2020، كرر مقولة "القادم أجمل.. أجمل أيام الأردن هي تلك التي لم تأت بعد".

رئيس الوزراء الحالي، جعفر حسان وجه رسالة للشباب في أكتوبر الماضي "لا تقبلوا بأقل من السماء سقفاً لطموحاتكم، ولا يثنيكم شيٌ عن تحقيقها".

عبارات يتذكرها الأردنيون، لكن لا يبد أنهم مقتنعون بها.

فقرابة نصف الأردنيين يفكرون بالهجرة، وفق استطلاع رأي.

ومنذ بداية 2024، اندفع شبان أردنيون في رحلة محفوفة بالمخاطر، تدفعهم البطالة، لكن من وصل منهم يقول إنه لا يجد عملا.

كنت رب عمل.. وهذا هو حالي الآن!

"فواز" (اسم مستعار) شاب أردني وصل الولايات المتحدة برفقة ابنه وشقيقه، منتصف مايو 2024.

 يقول فواز لموقع "الحرة" إنه كان يمتلك عملا خاصا به في قطاع النقل برأسمال يصل إلى نحو 500 ألف دينار (حوالي 700 ألف دولار)، ولكن مع قدوم جائحة كورونا، تراكمت ديونه.

وحتى بعد انتهاء الجائحة، لم تعد الحياة لطبيعتها، وفق فواز. وفاقت الأعباء المالية قدرته على مجاراتها، ليصبح العمل الذي يمتلكه في مهب الريح، حتى خسره بالكامل.

 وبعد أن كان لديه أشخاص يعملون لصالحه، أصبح يبحث عن عمل "ليعيل عائلته".

الظروف التي تحدث عنها فواز لم تكن حالة فريدة.

اقرأ المزيد في تحقيق موقع الحرّة الموسّع

الظروف الاقتصادية هي دافع الهجرة، يقول أكثر من شخص تحدث معه موقع "الحرة"، بما في ذلك أشخاص يحزمون حقائبهم وينتظرون إشارة ممن يطلقون على أنفسهم "ملوك التهريب".

الشاب "سلمان" (اسم مستعار) يقول إنه كان من أوائل الأشخاص الذي وصلوا إلى الولايات المتحدة خلال 2024، ويقول إن الدافع الأساسي وراء اتخاذه قرار الهجرة غير الشرعية هو "وضع البلد".

"أنت بهذا العمر لست موظفا ولا متعلما ولم تكمل الدراسة، الواحد (الشخص) بدور على (يبحث عن) فرص أحسن ليؤسس حياته"، يضيف.

أما اختيار الولايات المتحدة الأميركية يرتبط بكونها "الأفضل" على صعيد العمل والحياة، قياسا بباقي الدول، وفق "سلمان".

جواز سفر أردني
بريطانيا توقف "التأشيرة الإلكترونية" للأردنيين.. وتعلن السبب
أبلغت السفارة البريطانية في عمّان، وزارة الخارجية وشؤون المغتربين في الأردن، الثلاثاء، رسميا، بقرارها وقف العمل اعتبارًا من اليوم 10 سبتمبر بنظام التأشيرة الإلكترونية  ETA، الذي كانت السلطات البريطانية أعلنت عنه في مطلع فبراير الماضي، لتسهيل منح التأشيرات إلكترونيًا للمواطنين الأردنيين الراغبين في زيارة المملكة المتحدة.

 "أصعب شيء يمكن أن يواجهه الشاب الأردني هو أن يشعر بأنه عالة على أهله، ولذلك يحاول الهروب من هذا الواقع"، بحسب ما ذكره أستاذ علم الاجتماع الأردني، حسين الخزاعي، لموقع "الحرة".

المهاجرون الأردنيون بالنهاية يصطدمون بواقع مخالف لما رُسم لهم، فمن يهرب من البطالة في المملكة متوجها إلى بلاد العم سام، يجد نفسه أمام عقبة كبيرة، وهي عدم القدرة على العمل في الولايات المتحدة.

أردنيون يبحثون عن تحقيق طموحاتهم في الخارج. أرشيفية

عبور الحدود الأميركية الجنوبية، لا يعني بالضرورة أن يحصل الشخص على تصريح يمكّنه من العمل بشكل قانوني، حتى لو تقدّم بقضية لجوء، يوضح الخبير القانوني المحامي محمد الشرنوبي.

"لنفترض أنه سُمِح بدخولك إلى الولايات المتحدة لتقديم قضية لجوء، لا يعني ذلك (إمكانية) تقديمك لتصريح العمل مباشرة، إذ قد تقضي أكثر من ثمانية أشهر قبل الحصول عليه"، يوضحّ في مقابلة مع موقع "الحرة".

نصف الأردنيين

أكثر من نصف الأردنيين عبّروا عن رغبتهم في الهجرة، بحسب استطلاعات الرأي، وفق مسؤول التواصل السياسي بشبكة الباروميتر العربي، محمد أبو فلغة.

استطلاعات للرأي أجرتها شبكة الباروميتر العربي، وهي شبكة بحثية غير حزبية، أظهرت أن نسبة الراغبين في الهجرة من الأردن، تعتبر الأعلى بين الدول العربية. أبو فلغة قال لموقع "الحرة" إن أعداد الراغبين في الهجرة من الأردن تضاعفت منذ 2016.

وليس بالإمكان حصر أعداد المهاجرين من الأردن في الوقت الحالي، وفق الخزاعي، لأن ما يحصل "غير شرعي" ويتم بالخفاء والسرية حتى لا تنكشف أمورهم.

أفق مسدود

انتظار قدوم الأجمل لم يعد خيارا أمام الشباب الأردني. أرشيفية

معدلات بطالة مرتفعة يعانيها الأردن خاصة بين الشباب، حيث سجلت مستوى قياسيا تجاوز 23 في المئة في الربع الأول من عام 2024، كما يشرح الخبير والباحث الاقتصادي، مازن إرشيد.

وحتى من يجدون عملا، قد لا يكفيهم الراتب.

وبحسب أحدث أرقام دائرة الإحصاءات العامة بلغ معدل البطالة 21.5 في المئة بنهاية الربع الثالث من 2024، بمعدل 18 في المئة للذكور، و33 في المئة بين الإناث.

أما الحد الأدنى للأجور في الأردن كان يبلغ 260 دينارا، بحسب وزارة العمل، أي أقل من (370 دولار) شهريا. 

وفي بداية يناير الماضي تم رفعه إلى 290 دينار شهريا (410 دولارات).

ويبلغ متوسط الأجر الشهري للأردنيين في القطاعين العام والخاص 543 دينارا (حوالي 765 دولارات)، وفق آخر مسح لدائرة الإحصاءات العامة في 2020.

بحسب تقرير سابق للبنك الدولي، انخفضت القدرة الشرائية للأردنيين بنسبة 10 في المئة عام 2023، وارتفعت نسبة الفقر إلى نحو 27 في المئة.

في منشور لرئيس "بيت العمال"، حمادة أبو نجمة والذي كان مسؤولا سابقا في وزارة العمل في الأردن، قال في أكتوبر الماضي في منشور عبر حسابه في فيسبوك، إن الأرقام تظهر أن "تكلفة المعيشة لشخص واحد فقط من دون احتساب الإيجار قد تصل إلى حوالي 350 دينار شهريا، في حين أن إيجار شقة صغيرة تتراوح بين 200 و300 دينار".

وتعتبر غالبية كبيرة من الأردنيين 83 في المئة، أن الأوضاع الاقتصادية تسير بالاتجاه السلبي، وفق استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية في مايو من 2023.

61 في المئة قالوا إن وضعهم الاقتصادي أسوأ مما كان سابقا، وفق المركز.

 الأوضاع الاقتصادية في الأردن "تشكل خطرا على مستقبل الشباب في البلاد"، يقول أبو فلغة، من شبكة الباروميتر العربي.

والوضع يتجه نحو الأسوأ.

 في عام ٢٠١٦، عبّر  22 في المئة (فقط) من الأردنيين عن رغبتهم في الهجرة، وحينها كان نصف الأردنيين يقولون إن الوضع الاقتصادي جيد جدا.

لكن نسبة المتفائلين تراجعت إلى 15 في المئة في استطلاع أجري عام 2022 وأصبح حوالي نصف السكان يطمحون للهجرة.

ورغم أن الأردنيين كانوا الأقل استعدادا في المنطقة للهجرة غير الشرعية بحسب استطلاعات الباروميتر العربي السابقة، يقول ربع الراغبين في الهجرة الآن إنهم على استعداد لخوض رحلة هجرة بالطرق غير القانونية.

"فخ الوهم والأحلام"

يشعر أردنيون كثر بأن النظام الاجتماعي والسياسي لا يوفر الفرص العادلة للجميع، وفق الخبير الاقتصادي مازن إرشيد، والنتيجة هي شعور بالإحباط وعدم الرضا.

يقول إرشيد لـ"الحرة" إن "التفاوت في الفرص والتحديات المتعلقة بالوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة يؤدي إلى شعور بعدم الأمان الاجتماعي".

هذا الشعور يدفع العديد من الأفراد إلى التفكير في الهجرة "كوسيلة لتحقيق حياة أفضل لأنفسهم ولأسرهم"، يؤكد.

المهاجرون "ضحايا في المقام الأول للجهل والتضليل وانعدام العدالة على عدة مستويات، وفقدان الأمل، وانسداد الأفق"، يقول الباحث الحقوقي في معهد السياسة والمجتمع، حسين الصرايرة،  في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، في يونيو 2024.

أما "الإجابات الجاهزة مثل الفقر والبطالة ليست صحيحة بالمطلق، ميسورو الحال يدخلون هذا النفق المظلم، وعاملون يتقاعدون من وظائف في القطاع العام الشهي للأردنيين، لأجل هذه الرحلة".

وتتحقق عناصر "الاحتيال والاستغلال في هذه الرحلة"، وفق الصرايرة، لتصبح "أركان جريمة الاتجار بالبشر مكتملة وفق المواثيق الدولية والقانونين الأردني والأميركي على حد سواء".

"ما يحدث أردنيا هو أن الشبان وعددهم بالآلاف"، بحسب تقديره، "يبدأ التنسيق معهم لهذه الرحلة المكلِفة من هنا من الأردن، هناك عصابات تنسق هذه الرحلة وترتبها وتسلم الحالمين الشباب من عصابة لأخرى، حتى يصلوا إلى الحدود الأميركية، إن وصلوا قبل أن يلقوا حتفهم".

"الرحلة قد يصل سعرها إلى 40 ألف دولار أميركي وتبدأ من 10 آلاف على أقل تقدير، وكلما دفعت أكثر، كانت نسبة المخاطرة في الرحلة أقل، لكنها بالطبع، لن تحميك من نيران العصابات المتناحرة في أميركا اللاتينية" يوضح الصرايرة.

فخ الوهم والأحلام يدفع الشباب إلى بيع أراضي أهاليهم ومركباتهم بالإضافة إلى دعم نقدي من أقاربهم ليستثمروا في المجهول، على أمل أن يتمكن من يصل منهم أميركا من مساعدة أقاربه ورفع دخلهم جميعا. 

لكنه "استثمار في اليأس"، يوضح الصرايرة. 

وينبّه إلى أهمية معالجة "هذه الظاهرة" وتحليلها علميا. 

تحويلات مالية ونزيف مهارات

في 2018 خرجت تظاهرات في الأردن أقيلت على إثرها الحكومة. أرشيفية

"الهجرة وسيلة للبحث عن الأمل وتجديد الحياة في بيئة جديدة"، وفق إرشيد.

 وقد تكون للهجرة جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة للدولة الأردنية، حسب حديث الخبير الاقتصادي.

إيجابياتها قد تقلّل من الضغط على سوق العمل المحلي، يقول إرشيد، والتحويلات المالية التي يرسلها المغتربون إلى أسرهم في الأردن تلعب دورا مهما في دعم الاقتصاد المحلي.

وخلال الثلث الأول من 2024 تجاوزت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج الـ 1.1 مليار دولار، بحسب البنك المركزي الأردني.

في عام 2023، بلغت التحويلات المالية من الأردنيين العاملين في الخارج حوالي 3.7 مليار دولار، ما ساعد في دعم الاقتصاد وتحقيق التوازن المالي.

من ناحية أخرى، فقدان الكفاءات والمهارات قد يؤثر سلبا على الاقتصاد المحلي على المدى الطويل، بنقص القوى العاملة الماهرة في بعض القطاعات الحيوية، وفق إرشيد.

هذا تؤكده الأرقام، وفق أبو فلغة، فالباحثون عن الهجرة هم "الشباب الأكثر تعليما"، و93 في المئة منهم حددوا "الأوضاع الاقتصادية" على أنها السبب الأساسي الذي يدفعهم لذلك.

ترحيل المهاجرين غير الشرعيين.. خطة ترامب وأبرز المعيقات
1- تكثيف عمليات الترحيل الجماعي، التي قد تطال نحو 11 مليون مهاجر غير موثق، بحسب تقديرات وزارة الأمن الداخلي. وستبدأ العملية بالأشخاص المدانين جنائيا أو الذين وُجهت لهم أوامر نهائية للترحيل ولم يغادروا، ويقدر عددهم مجلس الهجرة الأميركي بـ1.19 مليون مهاجر غير قانوني، وهذا يعني أن قضاياهم شقت طريقها عبر محكمة الهجرة وقرر القضاة أنه يجب عليهم المغادرة.

عياصرة: ليست ظاهرة ولا عوامل سياسية

ولا يمكن أن ننظر إلى هجرة شبان أردنيين الآن من زاوية "الظاهرة"، كما يقول عضو مجلس النواب الأردني السابق، عمر عياصرة، مؤكدا أنه "لا تقييم أردنيا حول ذلك حتى الآن".

وبينما يعتبر أن ما يجري "محاولات فردية" يوضح أن "قضية الهجرة متواجدة في الحالة الأردنية" لكن ليس بالشكل الذي يدور الحديث عنه الآن عبر المكسيك وفي ظل المخاطر.

عياصرة يعتقد أن "عامل الطرد" الوحيد هو الاقتصاد، وتقاطع الغلاء مع الاستهلاك.

"لا وجود لأي عوامل سياسية. ويمكن نفي ذلك بشكل قاطع، وخاصة أننا أمام برنامج سياسي إصلاحي"، وفق عياصرة.

مخاوف من أن تصبح بلدات أردنية فارغة من الشباب. أرشيفية

كثير من الفيديوهات والصور تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي قيل إنها لأردنيين على طرق الهجرة غير الشرعية باتجاه الولايات المتحدة. وتنشر وسائل إعلام محلية أن "أرض الأحلام الأميركية تفرغ مدنا وقرى أردنية من شبابها". لكن السلطات الأردنية ترفض الحديث عن المشكلة بشكل مباشر.

نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق، ناصر الشريدة، شكك في حديث لقناة "المملكة" الأردنية، في مايو من 2024، حقيقة الفيديوهات المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي، داعيا إلى "التدقيق فيها".

وأضاف أن الأردن "ليس لديه بحر مباشر مع أي دولة أوروبية" وأن ما يعرض على منصة تيك توك من فيديوهات "ليست المقياس الصحيح لعرض الحقائق".

الحكومة تدرك وجود "مشكلة البطالة"، وفق ما أكده الشريدة حينها، وذكر أنها تعمل على "إيجاد حلول".

وبالأرقام، أشار الشريدة إلى توليد 139 ألف فرصة عمل خلال 18 شهرا منذ بداية 2022 وحتى منتصف 2023.

ونقلت وكالة "بترا" في يونيو 2024 عن مصادر مسؤولة أن السلطات في المملكة "أعادت أكثر من 100 شخص من المطار، وبدأت بمراقبة المكاتب والأشخاص المتورطين بالهجرة غير الشرعية، واستغلال الناس والاحتيال عليهم وتعريضهم للخطر".

وأشارت إلى أنه يجري التنسيق بين جهات رسمية "لوضع آلية جديدة للتعامل مع هذه القضية وضبطها"، والتي تهدف إلى حماية المواطن الأردني الذي قرر الهجرة بطريقة غير قانونية، وإبعاده عن طريق المحتالين وتجار البشر.

وحاول "موقع الحرة" أكثر من مرة الحصول على تعليق من الناطق الرسمي للحكومة الأردنية، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، باتصالات ورسائل إلكترونية ورسائل عبر واتساب من دون جدوى.

معاذ فريحاتضياء عودةبلسيت إبراهيم - واشنطن

الحدود اللبنانية الإسرائيلية

للوهلة الأولى، تبدو الحدود اللبنانية - الإسرائيلية وكأنها قد استسلمت تماما لحالة هدوء غريب، منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في نوفمبر الماضي. لا دوي انفجارات، ولا صواريخ متبادلة، ولا تصعيد علني يوحي بعودة وشيكة إلى المواجهة. 

لكن هذا الهدوء، يؤكد مسؤولون عسكريون ومحللون أمنيون، هو مجرد غطاء هش لواقع يوشك على الانفجار في أي لحظة.

خلف خطوط التماس، تنفذ إسرائيل ضربات جوية "استباقية"، تستهدف ما تعتبره تهديدات مصدرها حزب الله أو مجموعات متحالفة. في الوقت ذاته، يتحدث الجيش الإسرائيلي عن دروس وعبر استخلصها من هجوم 7 أكتوبر، ويعكف على إعادة تشكيل عقيدته الدفاعية على الجبهة الشمالية، حيث تتزايد المخاوف من الطائرات المسيّرة، والخلايا المسلحة، والقدرات العسكرية التي يسعى حزب الله لإعادة ترميمها.

ووفقا لمسؤول عسكري في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، فإن إسرائيل تعتبر السيادة "خطا أحمر"، وتؤكد أن عملياتها العسكرية في الوقت الراهن تأتي ضمن استراتيجية أوسع لاحباط التهديدات قبل وقوعها.

لكن المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه، أعرب في تصريحات لـ"الحرة" عن ارتياح بلاده لآلية المراقبة الدولية لاتفاق وقف إطلاق النار:

"تطور إيجابي ملحوظ يتمثل في نشاط متزايد للجيش اللبناني في متابعة الشكاوى بشأن خروقات من قبل حزب الله أو أي تنظيمات فلسطينية أخرى بحيث يتم التواصل من خلال آلية تنسيق مع ضباط أميركيين وشركاء آخرين، يتم بموجبها نقل المعلومات إلى الجانب اللبناني للتحقق منها أو معالجتها".

مقاتلات إسرائيلية

تعاون محسوب وضربات دقيقة

من أبرز التغيّرات التي طرأت خلال الأشهر الماضية، ازدياد تجاوب الجيش اللبناني مع التحذيرات الإسرائيلية، وذلك من خلال آلية تنسيق يقودها الجانب الأميركي.

وبيّن المصدر الإسرائيلي أن تجاوب الجيش اللبناني مع التحذيرات الإسرائيلية بات أكثر جدية، في تحول لافت مقارنة بالماضي، وأشار إلى أن الوضع على الأرض اليوم يختلف تماما عما كان عليه حين كان يُنظر إلى حزب الله كـ"دولة داخل دولة".

لكنه أشار، في المقابل، إلى وجود حالات تستدعي تحركا إسرائيليا مباشرا دون إبلاغ الشركاء، لا سيما عند رصد تهديدات آنية، مستشهدا باستهداف مسلحين لا يتبعون الجيش اللبناني.

ووصف ذلك بأنه رد مشروع على "خروقات اتفاق وقف إطلاق النار".

رقابة دولية وواقع ميداني معقد

من جهته، أوضح المحلل العسكري إيال عليما لـ"الحرة" أن هناك آلية تنسيق دولية تضم ممثلين عن قوات اليونيفيل، والولايات المتحدة، وفرنسا، ولبنان وإسرائيل. وتُعقد اجتماعات منتظمة في الناقورة، مع تواصل مباشر أحيانا بين إسرائيل وقوات اليونيفيل.

""هذه آلية لعبت دوررا ملموسا في بعض الحالات، مثلا عندما أبلغ الجيش الإسرائيلي بوجود قذائف موجهة ضد إسرائيل، نقلت هذه المعلومات وتم التعامل معها بصورة ناجعة، بينما لم يجرِ التعامل في حالات أخرى"، يقول عليما.

ويعتقد عليما أن السياسة الأمنية الإسرائيلية باتت أكثر حزما منذ فشل الجيش في منع هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023. وأشار إلى أن إسرائيل تستفيد من الدروس المستخلصة للحيلولة دون تكرار ذلك السيناريو على جبهات أخرى.

دبابة إسرائيلية في المنطقة

140 قتيلا منذ بدء الهدنة

منذ سريان وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024، نفذت إسرائيل عشرات الضربات الجوية الدقيقة، استهدفت ما تعتبره عناصر مسلحة، خاصة في القطاع الغربي من الحدود.

وبحسب المصدر العسكري، فقد قُتل نحو 20 شخصا في هذا القطاع فقط، ليرتفع عدد القتلى إلى حوالي 140 عنصرا في عموم لبنان منذ توقيع الاتفاق.

وقد امتدت بعض العمليات إلى مناطق شمال نهر الليطاني، وهي منطقة تخضع لإشراف قيادة العمق الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي، المختصة بتنفيذ عمليات طويلة المدى في عمق أراضي الخصوم.

تهديد االمسيرات

من أبرز التحديات الجديدة التي تواجه إسرائيل بعد الهدنة هو تصاعد استخدام حزب الله للطائرات المسيّرة، "التي شكلت في السابق نقطة ضعف أمنية بالغة،" وفقا للمسؤول الإسرائيلي.

وقد بلغ التهديد ذروته في 1 فبراير 2024، عندما استهدفت طائرة مسيرة منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بلدة قيساريا، وتسببت بأضرار مادية جسيمة دون وقوع إصابات بشرية.

واخترقت طائرات مسيرة أخرى المجال الجوي الإسرائيلي، واستهدفت قواعد عسكرية، ما أسفر عن مقتل جنود إسرائيليين.

ودفعت هذه الهجمات قيادة الجيش إلى إعادة صياغة عقيدة الدفاع الجوي، وتوسيع نطاق التدريب على اعتراض هذا النوع من الطائرات.

وقد رفعت إسرائيل، وفقا للمسؤول العسكري، عدد قواتها المنتشرة على الحدود الشمالية مقارنة بالسابق. "إن عدد القوات المنتشرة هناك أكثر بنحو مرتين ونصف، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الاتفاق".

وأعاد الجيش الإسرائيلي تفعيل ثكنات عسكرية قديمة على الحدود مع لبنان، إضافة إلى المواقع الخمسة التي أنشأها داخل الأراضي اللبنانية.

ويشير المسؤول إلى بناء ثكنات عسكرية ومواقع أخرى بغية تعزيز الردع ومنع التسلل إلى البلدات الشمالية من إسرائيل.

تحركات حزب الله

تراقب إسرائيل عن كثب محاولات حزب الله إعادة التمركز وإعادة التسلّح، خصوصا بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، والذي أدى إلى تقليص قدرة الحزب على تهريب الأسلحة عبر الأراضي السورية.

وشدد المسؤول الإسرائيلي على أن بلاده مصممة على منع الحزب من بناء بنية تحتية عسكرية جديدة.

مقاتلات إسرائيلية

ديناميكيات إقليمية

أدى الانهيار الفعلي للنظام السوري إلى فراغ إقليمي تتابعه إسرائيل عن كثب. ومع تراجع النفوذ الإيراني في سوريا، بدأت بعض الأصوات داخل إسرائيل من الأوساط السياسية والأمنية تطالب باستغلال هذا التحول لإطلاق ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية.

رغم تزايد الحديث عن احتمال تنفيذ الهجوم في عام 2025، يرى المحلل إيال عليما أن تنفيذ هذا السيناريو غير مرجّح في الوقت الراهن.

"الساحة السياسية الدولية شديدة التعقيد حاليا"، يقول عليما. "الولايات المتحدة منخرطة في مفاوضات نووية مباشرة مع طهران، وهناك معارضة قوية من الاتحاد الأوروبي وداخل الولايات المتحدة نفسها لأي تصعيد".

وأشار إلى تزايد الانتقادات الغربية للحكومة الإسرائيلية الحالية، والتي تُوصف بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ البلاد الحديث، ما قد يُضعف الدعم الدولي لأي تحرك عسكري كبير.

هدنة هشة

تعكس سلسلة العمليات الإسرائيلية الأخيرة، سواء تلك التي استهدفت مواقع لحزب الله في جنوب لبنان أو بنى تحتية لحلفائه الحوثيين، مدى هشاشة وقف إطلاق النار القائم حالييا.

وعلى الرغم من أن الطرفين، إسرائيل وحزب الله، لا يبدوان راغبين في الانزلاق إلى مواجهة شاملة، لا يزال الوضع متقلبا. فكل طائرة مسيرة، وكل ضربة جوية، وكل تحرك عسكري يُعتبر رسالة استراتيجية موجهة إلى حزب الله، وإلى إيران.

وقف إطلاق النار ليس اتفاق سلام، كما هو معروف، ولكن في حالة حزب الله وإسرائيل، يبدو أقرب إلى هدنة متوترة، رغم استمرارها تبقى على حافة الانهيار.