كان صباح العاشر من يناير يوما عاديا في كمبو طيبة، تلك القرية الزراعية الهادئة التي تبعد 30 كيلومتر شرق ود مدني بولاية الجزيرة، ويسكنها مزارعون أصلهم من غرب السودان.
الرجال في الحقول، الأطفال يركضون في الأزقة، والنساء يتبادلن الحديث في الأسواق الصغيرة.
فجأة، اخترق صوت الرصاص المشهد، وارتفعت أعمدة الدخان من المنازل المشتعلة.
دخل عشرات المسلحين، على متن شاحنات تويوتا لاند كروزر مزودة برشاشات ثقيلة، وبدأوا بإطلاق النار عشوائيا على الرجال والفتيان.
لم يكن هناك إنذار، ولم يكن هناك مفر.
بعد ساعات من القتل والنهب، انسحبوا، تاركين خلفهم جثثا متناثرة وقرية محروقة.
لكن المأساة لم تنته بعد.
فأثناء دفن الضحايا، عاد المسلحون مرة أخرى، بحثا عن الرجال الذين نجوا من المجزرة الأولى.
تمت تصفية المدنيين بدم بارد. نهبت المنازل وأحرقت، وأخذت الماشية، مصدر رزق الأهالي، كغنائم حرب.
من هم المهاجمون؟
نقلت منظمة "هيومن رايتس ووتش" شهادات الناجين، الذين قالوا إن المهاجمين ينتمون إلى "قوات درع السودان"، وهي مجموعة مسلحة متحالفة مع الجيش السوداني، بقيادة أبو عاقلة كيكل.
استهدفت قوات درع السودان (جماعة مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني) المدنيين وممتلكاتهم عمدا في هجوم على قرية كمبو طيبة بولاية الجزيرة وسط #السودان.
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) February 25, 2025
قتل الهجوم 26 شخصا على الأقل، بينهم طفل. https://t.co/EKkXZZynit pic.twitter.com/AAnQfrDury
هذه القوات، التي تحالفت سابقا مع "قوات الدعم السريع"، عادت للقتال إلى جانب الجيش في أكتوبر 2024، وبدأت منذ ذلك الحين بتنفيذ عمليات انتقامية ضد مجتمعات يشتبه في دعمها لقوات الدعم السريع.
ردا على ذلك، نفذت قوات الدعم السريع موجة هجمات ضد تجمعات سكانية افترضت أنها موالية لكيكل، وارتكبت فظائع منها العنف الجنسي على نطاق واسع ضد النساء والفتيات، بحسب "هيومن رايتس ووتش".
قوات درع السودان
— قوات درع السودان (@sudanshiled0) February 25, 2025
في زيارة رسمية..
اللواء ابوعاقلة كيكل يخاطب جماهير ولأية كسلا ويشهد افتتاح مكتب قوات درع السودان بالولاية #القوات_المسلحة_السودانية #قوات_درع_السودان #حزم_ثبات_تضحية pic.twitter.com/UWSwnw6Yks
جريمة بلا عقاب
أسفرت المجزرة عن مقتل 26 شخصا، بينهم طفل، وإصابة العشرات.
أظهرت صور الأقمار الصناعية دمارا واسعا في القرية، مع عشرات المنازل المحترقة.
وعلى الرغم من زيارة محققين حكوميين للموقع، لم يتم إعلان أي نتائج، في حين ظهر قادة الجيش السوداني لاحقا في لقاءات علنية مع قائد درع السودان، أبو عاقلة كيكل، مما أثار تساؤلات حول مدى تورط الجيش في هذه الفظائع.
"توقف!".. ثم أطلقوا النار
أحد الناجين، رجل في الستينيات من عمره، قال إنه تعرض لإطلاق نار من مسافة قريبة بعد أن أمره أحد المقاتلين بالتوقف.
"أطلقوا النار عليّ قرب كليتي. سمعتهم ينادوننا بألفاظ عنصرية قبل أن يطلقوا النار".
منظمة هيومن رايتس ووتش وصفت ما حدث بأنه "جرائم حرب"، ودعت السلطات السودانية إلى التحقيق الفوري ومعاقبة المسؤولين، بمن فيهم قادة قوات درع السودان.
كما طالبت المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات على المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
بالنسبة لسكان كمبو طيبة، فإن الخوف لم ينتهِ. قوات درع السودان لا تزال منتشرة في المنطقة، ولا يزال الناجون يواجهون خطر هجمات انتقامية جديدة.
"نحن نعيش في رعب دائم"، يقول أحد السكان.
"اليوم قتلوا 26 شخصا، غدا قد يكون العدد أكبر".