يتهم الشارع اللبناني المصارف اللبنانية بالتواطؤ مع السلطة السياسية والمساهمة في الدين العام.
المصارف اللبنانية متهمة بالتواطؤ مع السلطة السياسية

شهدت مدينة طرابلس الواقعة شمال لبنان تظاهر المئات من المواطنين، على الرغم من حظر التجوال المفروض لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد، وذلك بمناسبة مرور ستة أشهر على انطلاق الانتفاضة الاحتجاجية على الطبقة السياسية والظروف الاقتصادية التي تزداد سوءا.

واندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والجيش الذي تعرض للرشق بالحجارة ورد بقنابل الغاز المسيل للدموع عندما حاول المتظاهرون الاقتراب من منزل أحد النواب، حسبما أفادت مراسلة وكالة فرانس برس.

واحتشد المتظاهرون في ساحة النور التي كانت مركز التظاهرات في طرابلس.

وأحرق المتظاهرون الإطارات وظلوا مجتمعين حتى بعد بدء حظر التجوال الذي فرضته الحكومة اعتباراً من الساعة 7:00 مساء (16:00 ت غ) لوقف انتشار الوباء.

وردد المتظاهرون شعارات تندد بالحكومة وكذلك بالمصارف وحاكم البنك المركزي. وقالت المراسلة إن قلة من بينهم ارتدوا أقنعة واقية.

وتناقل مغردون على تويتر مقطع فيديو يظهر تجمع محتجين أمام وزارة الاقتصاد الخميس كذلك.

وشهد لبنان في 17 أكتوبر 2019 حركة احتجاج واسعة النطاق حشدت خلال بضعة أيام مئات الآلاف في جميع أنحاء البلاد ليعبروا عن غضبهم ويطالبوا برحيل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد وعدم الكفاءة.

وقال كريم، البالغ من العمر 24 سنة محتجا على ارتفاع الأسعار: "إما أن أموت من الجوع أو أموت بسبب كورونا".

وقالت فاطمة البالغة من العمر 27 عاما، وشاركت في التظاهرة إلى جانب أخيها، "مهما حاولوا تخويفنا وطلبوا منا البقاء في المنازل، وقالوا إننا سنصاب بالعدوى (..) الشعب اللبناني لن يمرر شيئا بعد الآن (..) نحن لا نحصل على حقوقنا، والغلاء في كل شيء، ولا أحد يساعدنا ... أين حقوق الشعب؟ أين حقوقنا؟".

ويشهد لبنان منذ شهور أسوأ أزماته الاقتصادية منذ نهاية الحرب الأهلية (1975-1990) مع دخوله في حالة ركود حاد وتراجع احتياطي العملات الأجنبية وتدهور سعر صرف العملة الوطنية ما أدى إلى ارتفاع كبير في التضخم.

وينوء لبنان تحت ثقل دين يبلغ 92 مليار دولار يمثل 170 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المعدلات في العالم. وتخلفت الدولة في مارس لأول مرة عن تسديد خدمات ديونها.

ويُتوقع في عام 2020 أن يشهد الاقتصاد انكماشا هائلا بنسبة 12 بالمئة، وفقا لصندوق النقد الدولي. وتعمل السلطات حاليا على خطة إنعاش له.

ويتهم الشارع اللبناني المصارف اللبنانية بالتواطؤ مع السلطة السياسية والمساهمة في الدين العام الهائل وإفلاس الدولة.

ولمساعدة المعوزين خلال فترة الحجر لاحتواء وباء كوفيد-19 أعلنت الحكومة مساعدة مالية بقيمة 400 ألف ليرة لبنانية (حوالي 265 دولاراً بسعر الصرف الرسمي).
 

آثار غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أرشيف)
آثار غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان (أرشيف)

لا تزال المخاوف بشأن اندلاع "حرب شاملة" بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تسيطر على الكثير من اللبنانيين، وذلك مع استمرار التصعيد بين الطرفين منذ الثامن من أكتوبر الماضي.

وحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن إسرائيل وحزب الله يؤكدان أنها لا يريدان حرباً واسعة النطاق، لكنهما مستعدان لها. وقد سعت جهود دبلوماسية إلى إيجاد طرق للحد من العنف على طول الحدود، لكن حزب الله قال إنه لن يتوقف عن استهداف إسرائيل طالما الحرب مستمرة في قطاع غزة.

ورغم رغم أن عدد النازحين من القرى والبلدات في جنوب لبنان أكبر من عدد النازحين من شمالي إسرائيل، فإن "محنتهم لم تتحول إلى قضية سياسية"، ويرجع هذا جزئياً إلى "ضعف الحكومة اللبنانية، لدرجة أنها لا تستطيع مساعدتهم، كما أن العديد منهم يدعمون حزب الله، الذي وزع عليهم المساعدات والمنح النقدية"، وفق الصحيفة.

وفي بلدة بنت جبيل التي بدت مهجورة، قالت المحاسبة أسماء علوية، التي كانت تحضر جنازة أحد السكان، إن "الحياة أصبحت صعبة" بعد أشهر من الاشتباكات، حيث ترك طفلاها المدرسة، بينما لم يتمكن زوجها السباك، من العثور على أي عمل عقب نزوحهم.

وأضافت علوية، البالغة من العمر 32 عامًا: "لا توجد خطة. ليس لدينا أية فكرة عما يجب أن نستعد له، لأننا لا نعرف ما الذي سيحدث".

من جانبها، أوضحت ديانا أبي راشد (60 عاما)، أن أولادها الثلاثة المغتربين، الذين كانوا يقضون إجازاتهم في لبنان، يحاولون العودة إلى أماكن إقامتهم في الخارج.

وذكرت إحدى بنات أبي راشد، أنها قررت البقاء مع والدتها "المسنة"، لأنها لن تكون قادرة على تركها وحدها في مثل هذه الظروف، مضيفة: "ليس قرارا سهلا. سأبقى وأختار الزاوية الأكثر أمانا في المنزل".

أما بلدة رميش ذات الأغلبية المسيحية، فتعيش نوعا من الهدوء النسبي وسط القرى ذات الأغلبية الشيعية، التي تتعرض للقصف.

ففي تلك القرية كان الناس يتجولون في الطرقات والشوارع، والمتاجر مفتوحة، بما في ذلك صالون تصفيف الشعر حيث قامت ريبيكا نصر الله (22 عامًا)، بتصفيف شعرها لحضور حفل زفاف شقيقها.

وقالت إن عائلتها فكرت في تأجيل الحفل، لكنهم قرروا المضي قدمًا لأن "نهاية الحرب ليست وشيكة"، مضيفة: "لا ينبغي أن تتوقف الحياة من أجل حزب الله وحربه".

وفي نفس السياق، قال الكاهن المسيحي في البلدة، الأب طوني إلياس، إن أكثر من نصف الأهالي، البالغ عددهم 11000 نسمة، بقوا في منازلهم.

وأشار إلياس إلى الحرب "استنزفت الاقتصاد المحلي للبلدة، حيث توقف المزارعون عن الذهاب إلى أراضيهم، وخرب محصول الزيتون في العام الماضي".

وأضاف أن السكان "كانوا على وفاق بشكل عام مع جيرانهم في القرى ذات الأغلبية الشيعية"، مستطردا: "لم يسألنا أحد عن رأينا بشأن الحرب".

"ما شأننا؟"

وعلى حافة البلدة، كانت تيريز الحاج (61 عاماً) تتحدث مع بناتها الأربع وبعض أطفالهن أثناء تناول الشاي والقهوة، بشأن عدد القرى المجاورة التي أصبحت الآن خالية وتحتاج إلى إعادة إعمار.

ورغم أنها تعتبر إسرائيل "عدواً"، لكنها عارضت اشتراك حزب الله، المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة، في الحرب، قائلة: "ليس لدينا أي روابط مع غزة، فلماذا يتم جرنا إلى مثل تلك المعارك؟"، حسب "نيويورك تايمز". 

وفي نفس السياق، قال محمود رسلان (51 عاماً)، الذي يقيم مع عائلته في فندق مهجور ومتهالك تحول إلى مأوى جنوب شرق صيدا: "لقد أصبح الأمر كله خارج أيدينا. سواء تحدثنا أم لا، فما الفرق؟".

وكان رسلان يعمل كسائق حفارات في قرية عدسية مرجعيون الحدودية، قبل أن يفر من الجنوب نازحا 4 مرات، إلى أن تمكن من الاستقرار بفندق يديره متطوعون كمأوى.

وتقاسم رسلان غرفة واحدة مع زوجته وابنه وابنته المراهقين، حيث كانوا يطهون وجبات بسيطة على موقد غاز في الشرفة.

وكان الرجل قد عاد إلى قريته مرة واحدة فقط لحضور جنازة، قبل 4 أشهر، حيث وجد أن الانفجارات حطمت أبواب ونوافذ منزله.

وأضاف: "ليس لدي أي فكرة عما حدث منذ ذلك الحين"، موضحا أنهم يشعرون بالأمان حاليا في الفندق، لكنه لا يعرف إلى متى ستبقى عائلته هناك.

وختم بالقول: "ليس لدينا أدنى فكرة عن المكان الذي سنذهب إليه لاحقا، وما الذي ينتظرنا، ومتى سنعود.. ليس هناك أي أفق".