في الأزقة الضيقة لأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، يقف رجال مسلحون عند نقاط تفتيش مرتجلة، محاطة بجدران مليئة بثقوب الرصاص، وملصقات قادة تتزاحم مع لافتات قديمة تتحدث عن "المقاومة".
وجود السلاح في مخيم عين الحلوة يُعتبر، منذ عقود، جزءا طبيعيا من تفاصيل الحياة اليومية. لكن هذا الواقع قد يكون على وشك أن يتغير.
في الأسبوع الماضي، وفي بيان مشترك نادر وشديد اللهجة، أعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون والرئيس الفلسطيني محمود عباس أن "زمن السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية قد انتهى".
يُنظر إلى هذا الإعلان على أنه خطوة مهمة نحو تفكيك ما يسميه كثيرون في لبنان بـ "الجزر الأمنية"، أي المخيمات المسلحة التي ظلت لعقود خارج نطاق سيطرة الدولة.
لكن يبقى السؤال: هل تمهّد التفاهمات بين عون وعباس لنزع السلاح من المخيمات الفلسطينية بالفعل؟ أم أن التحديات السياسية والأمنية ستبقي هذا الملف معلقا؟
مشكلة قديمة تعود للواجهة
مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان ليست جديدة. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، خاصة خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أنشأت الفصائل الفلسطينية قواعد مسلحة في المخيمات. وبمرور الوقت، تحولت هذه المخيمات إلى مناطق شبه مستقلة، لا تدخلها القوى الأمنية اللبنانية، ويُترك أمر ضبط الأمن فيها للفصائل المسلحة.
يُعد مخيم عين الحلوة المثال الأوضح على ذلك.
يؤوي المخيم عشرات الآلاف من اللاجئين، وكان مسرحا لاشتباكات دامية بين الفصائل، ما شكل على الدوام تهديدا لأمن السكان واستقرارهم قبل كل شيء.
ثقل رمزي
أكد البيان المشترك، الذي جاء بعد لقاء بين الرئيسين عون وعباس في قصر بعبدا، رفض أي مظاهر مسلّحة تتجاوز منطق الدولة ومؤسساتها الشرعية.
بالنسبة للبنان، كان البيان تأكيدا على السيادة، وبالنسبة للفلسطينيين، تعبيرا عن التزام بالاستقرار. وكان، إلى ذلك، بمثابة رسالة واضحة إلى الداخل والخارج بأن لبنان يستعد لمعالجة مشكلة طالما جرى تجاهلها.
وعود سابقة
هذه ليست المرة الأولى التي تعد فيها القيادة الفلسطينية بالمساعدة في معالجة قضية السلاح في مخيمات الفلسطينيين في لبنان. ففي أوائل الألفية، أعربت منظمة التحرير الفلسطينية عن دعمها لتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 2003، والذي ينص على نزع سلاح جميع الميليشيات غير اللبنانية.
وكان عباس قد كرر هذا الالتزام خلال زيارة سابقة إلى بيروت في عهد الرئيس ميشال سليمان. لكن الوضع على الأرض بقي على حاله.
ظلت الفصائل تحتفظ بأسلحتها، داخل المخيمات وخارجها، واندلعت الاشتباكات بين الحين والآخر في عين الحلوة، بينما كان الجيش اللبناني ممنوعا من دخول المخيمات أو التدخل في ما يجري داخلها.
اليوم، يرى بعض المسؤولين أن التطورات السياسية والإقليمية قد توفر فرصة جديدة.
هل يملك عباس السيطرة الكافية؟
رغم صدور البيان على أعلى مستوى، يواجه تنفيذ مخرجاته تحديات على الأرض. ويرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج نادر أن سيطرة الرئيس عباس على المخيمات محدودة للغاية.
يقول نادر لموقع "الحرة" إن "حركة فتح، التي يتزعمها عباس، تشكل أقلية في المخيمات، فيما يُعدّ مخيم عين الحلوة – الأكبر والأكثر خطورة – ملاذا للجماعات المتطرفة التي لا يملك عباس أي تأثير فعلي عليها".
وتعكس هذه الرؤية موقف العديد من المسؤولين اللبنانيين. فالتوازنات داخل المخيمات، المعقدة والمتشابكة، تجعل من الصعب فرض أي نوع من السيطرة الموحدة.
لكن الباحث الفلسطيني هشام دبسي، مدير مركز التنمية للدراسات الإستراتيجية، يعتقد أن أهمية لقاء عون وعباس تكمن في إضفاء الشرعية السياسية على جهود نزع السلاح.
"ليس المطلوب من الرئيس الفلسطيني أن يمارس الضغط على الفصائل، بل إن المطلوب هو الدور السياسي الذي قام به مع رئيس الجمهورية اللبنانية، وهذا ما قام به بالفعل من خلال اللقاء الذي جمعهما، والذي توّج ببيان ختامي مشترك"، يقول دبسي،
ويضيف أن البيان أصبح بمثابة مرجعية سياسية يمكن الاعتماد عليها للضغط على الفصائل المسلحة من أجل نزع السلاح طوعا، معتبرا أن وحدة الموقف اللبناني والفلسطيني ستجعل من الصعب على الفصائل الاستمرار في تسليح نفسها.
ومع ذلك، يبقى عين الحلوة استثناء بارزا.
يشير دبسي إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالفصائل الفلسطينية، بل بتقاطع مصالح أجهزة استخبارات سورية سابقة، ونفوذ إيراني، ومجموعات متطرفة مأجورة.
سلاح المخيمات "نتاج لتجارب سابقة واستثمار جهات لبنانية وأجنبية في الدم الفلسطيني، حيث تم الزج بالفلسطينيين في معارك تخدم مصالح المرشد الإيراني علي خامنئي، والنظام السوري السابق، وحلفائهما في محور الممانعة، فالأمر يتعلق باستغلال الفلسطينيين لتحقيق أجندات خارجية".
"المخيم لم يعد فقط مساحة للسكان، بل ساحة صراع إقليمي"، يقول.
إيران تتراجع
يرى محللون أن توقيت المبادرة اللبنانية ليس مصادفة. فإيران تواجه تحديات متزايدة، داخليا وخارجيا، وتشارك في مفاوضات نووية قد تقيد دورها الإقليمي.
يقول دبسي إن الزمن الآن لصالح الدولة اللبنانية. فقدرة إيران على استخدام وكلائها تتراجع، والعلاقات الخليجية الإيرانية لا تسمح لها بلعب أدوار ابتزاز كما كان عليه الأمر في السابق.
ويضيف "الجيش اللبناني يمتلك الخبرة، والوعي، والدراية الكافية بكيفية التعامل مع هذا الملف الحساس، دون اللجوء إلى العنف وهذا ما يُعمل عليه حاليا بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية".
بالنسبة للعميد نادر "إذا فشلت المفاوضات، لا بديل عن الحل العسكري، رغم كلفته وتبعاته. فالجيش اللبناني قادر على فرض الأمن إذا طلب منه ذلك".
وبينما تحذر أطراف أخرى من عواقب اللجوء إلى القوة، يبدو أن الدولة اللبنانية تفضل الآن الحوار والضغط السياسي، بدلا من المواجهة.
الخطوة التالية
قد تكون الأسابيع المقبلة حاسمة. فمن المتوقع أن تبدأ الجهات الرسمية اللبنانية والفلسطينية حوارات مباشرة مع الفصائل داخل المخيمات، بموجب الإطار الذي وضعه البيان الرئاسي المشترك.
وفي الوقت ذاته، يستمر السكان داخل عين الحلوة في العيش تحت سلطة السلاح، يستقبلون وعود الدولة بحذر. بالنسبة لكثيرين، الوعود بالتغيير ليست جديدة.
ومع ذلك، فإنها المرة الأولى منذ سنوات التي يتحدث فيها الجانبان اللبناني والفلسطيني بصوت واحد حول هذه القضية.