أزمة جديدة في لبنان في قطاع الاتصالات بسبب شح الوقود
أزمة جديدة في لبنان في قطاع الاتصالات بسبب شح الوقود

تضطر الطالبة اللبنانية في كلية الحقوق هنادي ناصر يوميا، إلى مغادرة قريتها "عيتا الفخار" في البقاع الغربي شرقي لبنان، إلى المناطق المجاورة لتتمكن من إجراء اتصال هاتفي، أو لتتصل بشبكة الإنترنت.

فمنذ نحو أسبوعين توقفت إمدادات المازوت التي تغذي محطة الإرسال في منطقتها، دون أن تجد شركة الاتصالات حلّا لهذه المشكلة.

تقول هناد لموقع "الحرة"، إن منطقتها ليست الوحيدة التي يعاني سكانها من انقطاع الاتصالات بسبب عدم توفر الوقود؛ هناك مناطق عديدة في لبنان فقدت خدمة الاتصالات، والإنترنت طبعا، بعد فقدان مادة المازوت في ظل الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلد. 

وعصفت أزمة انقطاع الاتصالات بجميع شركات الاتصالات العاملة في لبنان، بما فيها شبكتا الخلوي "ألفا" و"تاتش" المملكوتان للدولة، بالإضافة إلى شبكة هيئة "أوجيرو" التي تدير الخطوط الثابتة والإنترنت الثابت (DSL) في البلاد.

وشهدت معظم المناطق في لبنان انقطاعا لخدمات الاتصالات، من مدينة صور جنوبا إلى حلبا شمالا مرورا بجونيه وجوارها والهرمل والقرى المجاورة، إضافة إلى العديد من القرى والبلدات في منطقتي حاصبيا والبقاع الغربي.

اللافت أن أزمة الطاقة والمحروقات، لم تكن السبب الوحيد لمشكلة انقطاع الاتصالات، فانقطاع الخدمة في البقاع والذي طال أكثر من 20 ألف مستخدم، جاء نتيجة تقصير في صيانة مركز الإرسال "الذي تم تجهيزه سابقاً بمولدات مستعملة، تعاني من أعطال دائمة، وبات إصلاحها أكثر كلفة بسبب الأزمة الاقتصادية وصعوبة استيراد القطع بالدولار من الخارج"، بحسب مصادر تحدثت لموقع "الحرة".

وتتفاقم الأزمة جراء انهيار سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار، وتهريب المتوفر من الوقود من لبنان إلى سوريا.

 

خريطة تفاعلية

 

واقع الإتصالات هذا، دفع بمنظمة "سمكس" إلى إطلاق خريطة تفاعلية لتوثيق حالات انقطاع الاتّصالات على كافة الأراضي اللبنانية، من خلال تبليغات المواطنين أو عبر ما ترصده وتؤكده وسائل الإعلام، وفقا لما أدلى به مسؤول المحتوى الرقمي في "سمكس" عبد قطايا لموقع "الحرة".

وقال قطايا إن "الهدف من هذه المبادرة، تأمين مصدر معلومات موثوق لرصد انقطاع الاتصالات وخدمة الإنترنت في لبنان، وإجراء إحصاءات دقيقة حول هذه المشكلة، خاصة وأن شركات الاتصالات تعمل على تغييب هذه المعلومات ولا تشكل مصدراً موثوقاً بالنسبة لمشتركيها".

 وأشار قطايا إلى أن هكذا خطوات من شأنها أن تشكل ضغطا على شركات الاتصالات من خلال تسليط الضوء على الخلل والدفع باتجاه إصلاحات سريعة، ومناصرة لحقوق المستخدمين ودافعي الضرائب والفواتير في الحصول على خدمة اتصالات سليمة دون انقطاع، لاسيما في المناطق النائية والمهمشة رسميا وإعلاميا".

 

"لا حول ولا قوة"

 

مدير عام هيئة "أوجيرو" عماد كريدية، يرى في حديث لموقع "الحرة" أن واقع الاتصالات لا يعاني من مشكلة جدية حتى الآن، فـ"أوجيرو" لا تزال تسيطر على الأعطال وتعيد إصلاحها "بالمتوفر والمقدور عليه"، في حين أنه تم تأمين محروقات كافية لمدة شهرين وتوزيعها على معظم المحطات في المناطق.

لكن المشكلة تبقى في توفير العملة الصعبة، بحسب كريدية، فـ"أوجيرو" تمتلك المال بموجب الاعتمادات المرصودة لها، لكن الموردين يرفضون الدفع بالليرة اللبنانية ويطالبون بتأمين مستحقاتهم بالدولار، كما هو حال جميع المستوردين في لبنان، وهذا خارج عن قدرة أوجيرو التي لا يمكنها شراء الدولار بسعر السوق وتحويل اعتماداتها من الليرة إلى العملة الصعبة بسبب الخسائر والفروقات التي ستترتب على هذه الخطوة.

ويضيف كريدية "عادة نلجأ إلى وزارة الاتصالات التي وقعت معنا عقدا للتشغيل والصيانة، لكن حتى وزارة الإتصالات عاجزة عن تأمين الدولار لشركات الاتصالات من أجل استيراد معدات الصيانة وقطع الغيار من الخارج".

هذه المشكلة قد تبدأ نتائجها بالظهور في الفصل الأخير من العام 2020، يقول كريدية: "المأساة الكبرى أن هيئة أوجيرو عاجزة تماما عن استيراد أي قطع غير متوفرة في السوق اللبنانية ولا بدائل عنها، خاصة عندما ندخل في خدمة "الفايبر أوبتيك" التي لا تتوفر مستلزماتها في لبنان بعكس خدمة الكابلات النحاسية، فيما السيناريو "المرعب" والأقرب هو حجم "الكوتا" المرصودة لأوجيرو من مادة الفيول والمحروقات التي تنتج من خلالها الطاقة اللازمة لتشغيل مراكزها".

ويرى كريدية أن "تأمين الطاقة ليس في صلب مهمات أي مشغل للاتصالات في العالم، إنما تقتصر مهمات الشركات المشغلة على التعويض عن نقص الطاقة في الحالات الطارئة جدا"، شارحا أن ما جرى في الفترة الماضية، كان نتيجة التقنين الكبير الذي فرضته شركة كهرباء لبنان إضافة إلى أزمة توزيع المحروقات، وهو ما أثر على مراكز التوزيع التابعة لأوجيرو، ودفع بأصحاب المولدات الخاصة إلى تقليل ساعات التغذية التي كانوا يقدمونها لغرف تقوية الطاقة الكهربائية الموجودة في المناطق النائية والبعيدة عن إمدادات شركة كهرباء لبنان.

نسبة المتضررين بحدها الأقصى تصل إلى 2 أو 2.5% من عموم مستخدمي شبكة "أوجيرو"، بحسب كريدية الذي يؤكد أن هذا الرقم لا يبرر انقطاع الاتصالات والخدمات عن المستخدمين لكن "لا حول ولا قوة لنا"، فـ"أوجيرو" ثاني أكبر منتج للطاقة في لبنان بعد شركة كهرباء لبنان، وقد تكون المشغل الوحيد في العالم الذي ينتج هذا الحجم من الطاقة نسبيا.

 

"من يعوض المستخدمين؟"

 

في هذا الإطار، يرى المحامي شربل شبير، عضو لجنة الاتصالات في نقابة المحامين، أن أزمة الاتصالات الحالية تخطت بعدها القانوني ودخلت في سياق سياسي من جهة واقتصادي من جهة ثانية، وكشفت عن عجز حقيقي لدى الإدارات الرسمية عن القيام بمهامها الطبيعية:

"في الظروف الطبيعية، فإن المسؤولية القانونية تقع على عاتق شركة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة بتأمين التغذية الكهربائية، لكننا في واقع تتغذى فيه بعض محطات التوزيع من موزعين محليين وأصحاب المولدات الخاصة، فأين تقع المسؤولية هنا فيما الوضع بمجمله خارج عن القانون؟".

ويتابع شبير "إذا كانت قد صرفت اعتمادات المحروقات لشركة "أوجيرو" مثلاً، ولم تتوفر مادة المازوت في السوق أين سنضع المسؤولية القانونية هنا؟ المسؤولية ضائعة بسبب غياب الإطار القانوني العام الذي ينظم العمل ويوزع المسؤوليات بشكل واضح يمكن من خلاله الملاحقة والمحاسبة".

شبير يرى أيضا أن وزارة الاتصالات مطالبة بفرض شروط على شركات الاتصالات قبل منحها تراخيص العمل، تقضي بإلزامهم توقيع عقود مع المشتركين تضمن لهم استمرارية تقديم الخدمات بالحد الأدنى، وتحمي حقوق المواطنين وتضمن لهم تعويضات عن الخلل والتقصير في إمدادهم بالخدمات.

أما في الوضع الحالي فلا يمكن للمواطنين المتضررين إلا العودة إلى قانون "موجبات وعقود" في حال أرادوا تعويضات عن ما لحق بهم بسبب إنقطاع الإتصالات.

"ما يجري اليوم مشين بحق المستخدمين والمواطنين اللبنانيين"، يقول مدير عام هيئة "أوجيرو"  مؤكداً أنه "يقف إلى جانب الناس في معاناتهم وسخطهم"،  وحول عدم إبلاغ المستخدمين بجداول الانقطاع، يؤكد كريدية أن وزارة الطاقة لم تعمل على التنسيق مع "أوجيرو" ووزارة الاتصالات لمعرفة توقيت التقنين الكهربائي المعتمد، كذلك بالنسبة لأصحاب المولدات الخاصة، "يفاجئنا الأمر مثل بقية المواطنين، وهذا ما لا يسمح لنا باتخاذ خطوات استباقية لضمان عدم انقطاع الخدمة، أو إبلاغ المستخدمين بذلك".

 

بلدات معزولة

 

لا يمكن لهنادي وشقيقاتها أن يتابعن دروسهن المقدمة "أونلاين" بعد إغلاق المدارس والجامعات، بسبب أزمة كورونا، والأمر نفسه ينعكس على العاملين من منازلهم في ظل الجائحة والأزمة الاقتصادية في البلاد التي أحالت عددا كبيرا من الموظفين إلى منازلهم إما عاطلين عن العمل وإما عاملين منها بدوامات جزئية.

وفيما تقبع بلدات وقرى كاملة في عزلة تامة عما حولها، تؤكد هنادي أن أبناء بلدتها مضطرون للخروج إلى البلدات المجاورة من أجل الاتصال بفرق الإسعاف والإطفاء وقوى الأمن الداخلي في حالات الطوارئ التي تمثل أحيانا خطورة حقيقية على حياة القاطنين في البلدة.

لبنان حزب الله

يترقب اللبنانيون أول اختبار لقياس حجم التأييد الشعبي لحزب الله بعد الخسائر التي مُنّي بها، والدمار الذي لحق بالسكان، والبلد عموما، جراء الحرب مع إسرائيل.

وستعبر نتائج الانتخابات البلدية المقررة في مايو المقبل، ضمنا، عن مزاج الشارع، الشيعي خصوصا، حيال قضايا أبرزها سلاح الحزب وتقاعسه في إعادة إعمال المناطق المتضررة جراء الحرب.

يأتي ذلك على خلفية حالة تملل، متزايدة، من تداعيات الحرب، وما رافقها من دمار واسع في القرى الجنوبية، ونزوح آلاف العائلات من مناطقها، وتراجع في الخدمات الأساسية، إلى جانب أزمات اقتصادية خانقة.

وبينما يحاول حزب الله الإيحاء بتماسك قاعدته من خلال رفع شعارات بعيدة عن الواقع، فإن جزءا من جمهوره بات يبحث عن حلول ملموسة لأزماته اليومية، ولإعمار ما دمرته الحرب، بعيدا عن الخطابات الأيديولوجية.

المؤشرات كثيرة إلى أن الباب بات مشرعا أمام تغييرات مفصلية في المشهد المحلي، ولو على مستوى بعض البلديات، ويرجح مراقبون، تحدثوا موقع "الحرة"، أن يقول الشارع الشيعي كلمته بشأن حزب الله في الانتخابات النيابية  2026.

تحدي الانتخابات

رغم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب لا سيما جنوب لبنان، ورغم استمرار عمليات الاغتيال الإسرائيلية ضد عناصر من حزب الله واستهداف ترسانته العسكرية، "تتجه السلطات اللبنانية إلى إجراء الانتخابات البلدية، بعد أن كانت قد أجلتها لعامين متتاليين دون مبرر قانوني أو مقنع، متذرعة تارةً بغياب التمويل وتارةً أخرى بأوضاع أمنية ولوجستية"، كما يقول الباحث في تطوير القوانين والأنظمة الانتخابية، عاصم شيّا.

وفي حديث لموقع "الحرة"، يرى شيا أن "المشكلة الحالية التي تواجه إجراء الانتخابات البلدية ليست تقنية بقدر ما هي تنظيمية، خاصة في البلدات الجنوبية المدمرة". 

"هناك خياران أمام الجهات المعنية: إما نصب خيام داخل البلدات المتضررة إذا أصرّ السكان على الاقتراع فيها، أو نقل مراكز الاقتراع إلى بلدات مجاورة أكثر استقرارًا، على أن تُستخدم مبانٍ عامة مثل المدارس، الحسينيات، أو الكنائس لهذا الغرض".

لكن التحدي الأبرز، بحسب شيا، يكمن في تأمين "هيئة القلم"، أي الموظفين المكلفين بإدارة العملية الانتخابية، ومعظمهم من النساء العاملات في القطاع العام، لا سيما في التعليم، واللواتي يُبدين تحفظًا على التوجه إلى مناطق غير آمنة.

وتجدر الإشارة إلى أنه بحسب تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025، الصادر عن البنك الدولي في 7 مارس، تقدّر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الصراع الذي شهده لبنان بنحو 11 مليار دولار أميركي.

ويعد قطاع الإسكان الأكثر تضرراً، مع أضرار تقدَّر بنحو 4.6 مليار دولار، فيما بلغت الأضرار التي لحقت بالمقومات المادية 6.8 مليار دولار.

أما من الناحية الجغرافية، فيشير التقرير إلى أن أكثر المناطق تضرراً هي محافظتا النبطية والجنوب، تليهما محافظة جبل لبنان التي تضم الضاحية الجنوبية لبيروت.

حقل تجارب؟

يلاحظ الباحث عاصم شيا، الذي يراقب الأنماط الانتخابية منذ عام 2009، أن القوى السياسية استخدمت الانتخابات البلدية عام 2016 كـ"حقل تجارب" لقراءة المزاج الشعبي، بعدما راودها القلق من قانون الانتخاب رقم 25/2008 (قانون الستين)، الذي أصبح يشكل خطراً عليها بسبب تطور وعي الخصوم المستقلين.

يقول شيا إن "تأجيل الانتخابات النيابية عامي 2013 و2015، مقابل إجراء الانتخابات البلدية عام 2016، كان مدروساً، الهدف منه مراقبة اتجاهات الناخبين. وفعلاً، كشفت الانتخابات عن نقمة واسعة، ما دفع الأحزاب إلى اللجوء إلى تكتيكات جديدة، أبرزها الدفع بمرشحين "نظيفي الكف" وغير حزبيين ظاهرياً، ليترأسوا اللوائح، ثم إحاطتهم بأعضاء بلديين حزبيين يضمنون ولاء المجلس للحزب. هذه المقاربة ساعدت في ضمان المكاسب لاحقاً في انتخابات 2018".

كذلك، "تم اللجوء إلى توظيف آلاف في مؤسسات رسمية رغم عدم الحاجة الفعلية إليهم، كما جرى التعاقد مع أعداد كبيرة في الوزارات، خصوصاً التعليم، فيما اعتُبر رشوة انتخابية مقنّعة لتأمين الأصوات".

اليوم يتكرر المشهد نفسه، بحسب شيّا، "تُسرع القوى السياسية إلى إجراء الانتخابات البلدية لا لمعالجة أزمات المجالس، بل لرصد اتجاهات الناخبين، تمهيداً لاستخدام الوظائف العامة والعسكرية مجددًا كأداة لاستمالة الأصوات"، فهذه الانتخابات، في نظره، ليست سوى مختبر سياسي يساعد القوى التقليدية على إعادة تنظيم صفوفها استعداداً للمعركة الأهم: انتخابات 2026 النيابية.

في المناطق التي تعرف بـ"الحاضنة" لحزب الله، يعاني معظم السكان، الذين تعرضت منازلهم للتدمير جزئياً أو كلياً، من بطء الإجراءات المتعلقة بإعادة الإعمار، إضافة إلى تأخر استجابة الحزب لتقديم التعويضات اللازمة لترميم المنازل أو تعويض الأثاث المتضرر.

وقال الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، بشأن إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب، في 14 ديسمبر، أن "إعادة الإعمار مسؤولية الدولة،" التي تعاني أصلا من أزمة مالية خانقة. ودعا "الأشقاء العرب والدول الصديقة في المساعدة في إعادة الاعمار".

صراع عائلي تحت رايات حزبية؟

لا تعكس الانتخابات البلدية بالضرورة موازين القوى السياسية بشكل دقيق، وفقا لشيّا، "لأنها غالباً ما تكون امتداداً لصراعات عائلية داخلية.

"قد تُطرح لوائح تبدو متنافسة لكنها في الواقع تابعة للحزب نفسه، تختلف فقط حول المواقع أو التفاصيل، في مشهد يختلط فيه النفوذ العائلي بالحسابات الحزبية"، يقول شيا.

وعند تحليل تأثير الحرب الأخيرة على توجهات الناخبين، يرى شيّا ضرورة التمييز بين فئتين "الأولى تضمّ مؤيدي حزب الله، الذين رغم تضررهم من الحرب، زاد ارتباطهم به. أما الفئة الثانية، فهي من الشيعة غير المنضوين ضمن الثنائي الشيعي، هؤلاء يبدون استياءً واضحاً من الحرب ويحملون "الثنائي" مسؤولية ما جرى. ويُتوقع أن تتخذ هذه الفئة موقفاً مغايراً في الانتخابات المقبلة".

ويرى الكاتب، الصحفي مجد بو مجاهد أن "ثمة طابعا مجتمعيّا خاصا باستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان في غالبية المناطق اللبنانية بخاصّة في القرى، ولا يمكن الحديث عن طابع سياسي سوى في بعض المدن الكبرى المتنوعة طائفياً كمدينة بيروت. 

"لذلك لا يمكن اعتبار الاستحقاق البلديّ بمثابة مقياس للتوجه الشعبيّ السياسي لدى المواطنين الشيعة أو سواهم من المواطنين اللبنانيين، من دون إغفال أنّ ثمة مدناً يغيب عنها التنافس السياسي في الاستحقاق الانتخابيّ البلديّ الحاليّ رغم أنه كان ظاهراً في استحقاقات بلدية سابقة".

اللافت وفق ما يقوله بو مجاهد لموقع "الحرة" أنّ "الأجواء الشيعية المجتمعية لا تبدو مهتمّة في استحقاق الانتخابات البلديّة مقارنة مع بيئات مجتمعية مغايرة تتطلّع بحيوية نحو خوض الاستحقاق والتنافس بين اللوائح على مستوى مجتمعيّ، لا سياسي".

ويشرح: "خروج المجتمع الشيعي من حرب ألحقت به خسائر كبرى، منها ضرب البنى التحتية والأراضي، سبب لتراجع الاهتمام الشيعي بخوض تنافس مجتمعيّ على الانتخابات البلدية، ولذلك كانت لافتة ظاهرة تشكيل لائحة واحدة فحسب في كثير من البلدات بعيداً عن خوض منافسة بين اللوائح".

إذا تضاعفت النقمة على "الثنائي الشيعي" _ أي حزب الله وحركة أمل _ من المواطنين في المناطق ذات الحضور الشيعي، فإنها ستظهر، وفق بو مجاهد، "في استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، لا في استحقاق الانتخابات البلدية".

"حتى الآن، هناك امتعاض شيعيّ واضح من حزب الله بخاصة بسبب تأخّر إعادة الإعمار، لكنّ تطوّر ذلك الامتعاض من عدمه سيكون مرتبطاً بما ستعرفه الأشهر اللاحقة من متغيرات".

النزاهة موضع شك؟

الحديث عن انتخابات نزيهة "غير واقعي"، يشدد شيّا، "لا بسبب حزب الله فقط، بل بسبب جميع الأحزاب التي تسيطر على مناطق نفوذها بشكل كامل ومدروس، ما يقيد قدرة المعارضين على خوض المعركة بتكافؤ".

يستشهد شيا بلائحة معارضة في بعلبك "تواجه صعوبات جمّة في التواصل مع الناخبين، في وقت تُستغل فيه الحرب والخطاب السياسي في الجنوب لتأليب الرأي العام عبر العاطفة، خصوصاً من قبل حزب الله وحركة أمل".

ويؤكد أن المعركة البلدية يجب أن تبقى محلية الطابع، "هدفها تحسين الخدمات وتفعيل دور البلديات". ويذكّر شيّا أن "الثنائي الشيعي لم يحصل في انتخابات 2022 النيابية على أكثر من 47% من أصوات الناخبين الشيعة مجتمعَين"، ما يعكس تراجعاً في شعبيته.

أما بو مجاهد فيرى أنه "قد يكون لتسليم حزب الله سلاحه والتقليل من سيطرته على المناطق الشيعية إذا حصل، نتائج تسرّع الحلول في المناطق المتضرّرة من الحرب".

ويضيف "كيفية تغيّر المزاج الانتخابي داخل البيئة الشيعية ستظهر في الانتخابات النيابية السنة المقبلة، لا في الانتخابات البلدية التي ستحصل خلال أسابيع. وتالياً، لا ترجيحات في قدرة الانتخابات البلدية على التغيير، والرهان سيكون على الانتخابات النيابية".