اللاجئون السوريون في لبنان يعانون أوضاعا صعبة
الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية أفقدت معظم اللاجئين السوريين صفتهم القانونية

حين بدأ اللجوء السوري إلى لبنان عام 2011 هرباً من العنف الممارس من قبل النظام بحق مواطنيه، انقسم المجتمع اللبناني بين مُرحب ورافض.

لكل فئة اعتباراتها التي غالباً ما تكون مبنية على موقف سياسي أو طائفي وهو الشائع في لبنان، وقلة قليلة كان موقفها نابع من منطلقات إنسانية بحتة بلا حسابات سياسية أو غيرها.

طوال 9 سنوات، أي منذ بداية الأزمة إلى اليوم، تعرض السوريون في لبنان لكثير من الظلم، إذ لم يكتف البعض برفض وجودهم والإصرار على عودتهم إلى حيث يموتون، بل مورست بحقهم الكثير من الأفعال التي توصف بالعنصرية، وفي الكثير من الأحيان، تحولت هذه العنصرية نحو الفعل العنفي فكان القتل والضرب والاغتصاب والتهجير من جديد وغيرها من أفعال شائنة.

واللافت مؤخراً، أن العنصرية هذه لم تعد محصورة بفئة معيّنة هي من الأساس ضد اللاجئين ووجودهم.

في المراحل الأولى من اللجوء كان التيار الوطني الحر، حزب رئيس الجمهورية الحالي، هو الأكثر تطرفاً في نبذ كُل ما له علاقة باللاجئين ومحاربتهم، إلا أن الواقع اليوم صار تقريباً معمماً على غالبية المجتمع اللبناني، وتحديداً الجماعات التي تجاهر بعدائها للنظام السوري.

فقبل مدة، أشعل حراس محليون النار في ثلاث خيام في مخيم للاجئين في بلدة دير الأحمر شرق لبنان، واشتبك سوريون هناك مع رجال الإطفاء اللبنانيين، مما أدى إلى جرح واحد منهم وإصدار البلدية أمر إخلاء أجبر 400 سوري على نقل خيامهم إلى مكان جديد.

كذلك وبعد وقت قصير، أُجبرت أكثر من 270 عائلة سوريا على الهرب من بلدة بشري بعد أن حصل خلاف بين مواطن من البلدة ولاجئ وأدى إلى مقتل الأول ما أشاع جواً من التوتر أجبر المئات على الهرب وترك أماكن سكنهم خوفاً من عمليات انتقام كانت ستحصل.

وبالإضافة إلى منع تجولهم ليلاً في بلدات كثيرة، ومعاملتهم بطريقة غير إنسانية فيما يخص كورونا إذ قررت بعض البلديات أن تمنع تجول السوريين حصراً، كان حادث إحراق مخيمهم في بلدة بحنين قضاء المنية شمال لبنان بعد خلاف بين عمال من المخيم وتاجر حمضيات من المنطقة، أدى إلى حرق الخيم بما فيها وتهجير من يقطنها، في مشهد ذو دلالة كبيرة.

وتُعتبر هذه المناطق، سواء دير الأحمر أو بشري أو المنية، أو قبلها تمنين في البقاع، مناطق ذات أغلبية مناهضة للنظام السوري ومؤيدة لمعارضيه، وكانت في كثير من المحطات تُعبر عن تضامنها مع اللاجئين علناً، كذلك فعلت الأحزاب المسيطرة فيها، إلا أن ما ظهر مؤخراً، بدا معاكساً تماماً لكل الخطاب السابق، مع بروز نزعة عنصرية، يبدو أنها كانت موجودة إلا أنه لم يُعلن عنها لاعتبارات سياسية وغير سياسية.

وسط كل هذا الواقع، يبرز السؤال الأساس، على من تقع المسؤولية في كُل ما يحصل؟

تقول الكاتبة والناشطة السورية عالية منصور لموقع "الحرة": "المسؤولية الأولى بعد مسؤولية (بشار) الأسد بتهجيرهم تقع على عاتق السلطة اللبنانية التي رفضت تنظيم اللجوء بشكل يحفظ سيادة لبنان وكرامة اللاجئ في الوقت نفسه، إضافة إلى غياب المحاسبة إذ بإمكان أي كان الاعتداء على اللاجئ من دون الخوف من المحاسبة ورأينا هذا الأمر بفيديوهات ضرب وإهانة سوريين وشتمهم في مناطق عدة، بل شاركت قوى أمنية في الكثير من الأحيان بهذه الاعتداءات، "أنت سوري فانت مدان حتى لو ثبت العكس".

كذلك، يشير الباحث في شؤون اللاجئين ناصر ياسين في حديثه لموقع "الحرة" إلى أنه "بكل حالات اللجوء في العالم، اللاجئون يخرجون من المخيم ليعملوا وهذا ما حصل حتى في مخيمات كبيرة كالزعتري بالأردن أو في تركيا. لبنان كان بإمكانه أن يقوم بشيء وسطي، أي مخيمات صغيرة منظمة وليست عشوائية مثلما هي الآن. ولم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه، لكن ارتأت آنذاك حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ألا تفعل شيئاً".

غالبية اللاجئين الذين هربوا من سوريا، بحثوا في بادئ الأمر عن مساحة آمنة يحتمون بها، وبالتالي رأوا في البيئة التي تعارض النظام السوري المكان الأنسب لهم ليستقروا ريثما يتضح مستقبلهم، فكان الانتشار الأكبر في مناطق ذات غالبية سنية في البقاع الأوسط وبعض مناطق البقاع الشمالي كعرسال مثلاً، وشمالاً في عكار وطرابلس والمنية والضنية، كذلك توزع بعضهم في مناطق تسيطر عليها القوات اللبنانية كبشري وأخرى بغالبية درزية كالشوف.

تقول منصور: "يتم استخدام السوريين في الصراع السياسي بين الأحزاب وفي محاولة كل فريق شد عصب جمهوره، فعدا عن تحريض (جبران) باسيل في كل المحافل الدولية ضد السوريين وتحميله وتياره مسؤولية الوضع الاقتصادي للسوريين، لا نسمع من خصومه إدانة لكلامه بل إدانة للأسلوب بأفضل الأحوال وموافقة على فحوى الكلام، متجاهلين عن عمد حقيقة أن الكثير من الأموال التي تدخل إلى البلد تدخل عن طريق دول داعمة ومنظمات عاملة مع السوريين، وهذه هي الأموال التي تصرف بالبلد".

وتضيف: "هناك تعمّد لتجاهل عامل آخر مهم وهو أن حزباً لبنانياً يقاتل في سوريا، فيرون أن لا قدرة لهم على موضوع قتال حزب الله ولكن لديهم القدرة على الاستقواء على ضحاياه، ويرفضون تحميل لبنان مسؤولية مشاركة حزب الله بالقتال ولكن يحملون طفلاً سوريا مسؤولية جرائم الأسد في لبنان، ويحملون سيدة سورية تطرد منتصف الليل من خيمتها مسؤولية جريمة ارتكبها عامل سوري".

ويوضح تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان عام 2017 أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات اللبنانية أفقدت معظم اللاجئين السوريين صفتهم القانونية للتواجد في لبنان، ما جعلهم عرضةً للتهميش في المجتمع والاستغلال في العمل والإساءة في التعامل، والتحرُّش الجنسي في بعض الأحيان، وعدم قدرتهم على اللجوء إلى أجهزة الشرطة والأمن في حال تعرَّضوا لأي اعتداء، حيث فقدوا أشكال الحماية كافة، ما وضعَ اللاجئين السوريين أمام عجز شبه كامل عن تلبية احتياجاتهم الأساسية في الحياة.

وهذا التهميش الذي يتعرضون له من قبل السلطات يسمح لبعض اللبنانيين أن يُمارسوا عنصريتهم تجاه السوريين ويحملونهم في الكثير من الأحيان تبعات ما لا طاقة لهم عليه، وكان آخرهاً على سبيل المثال لا الحصر تصريح منذ يومين لأحد نواب التيار العوني يعاير فيه اللاجئ بدولارات 4 يحصل عليها من مفوضية اللاجئين لكي يعيش نهاره.

والنسبة الأكبر من السوريين الذي لجأوا إلى لبنان منذ عام 2011 كانت من الفقراء أو ذوي الدخل المنخفض، ورغم المساعدات فإن أكثر من نصف عائلات اللاجئين السوريين يعيشون على أقل من 3 دولارات في اليوم، و88% يغرقون بالديون.

من جهته، يقول ياسين: "السيئ أن رد الفعل الذي يحصل هو غالباً رد فعل جماعي وليس ضد أفراد، مع الأسف، أضف إلى ذلك الموروث الثقافي العنصري، والنظرة الدونية تجاه الآخر والتي هي أساساً موجودة بين اللبنانيين أنفسهم قبل أن يمارسوها على غيرهم وتُصبح معممة بهذا الشكل الذي نراه اليوم وأتى فوقها خطاب الكراهية الذي عممه السياسيون".

ووجود اليد العاملة السورية في لبنان ليس بجديد، لكنهم في السابق كانوا يد عالمة موزعين على الكثير من المناطق اللبنانية واستفاد منهم اللبنانيون الذين بغالبيتهم لا يقومون أو يُنجزون العمل وخاصة الأعمال اليدوية بالفعالية التي يُنجز بها السوريون، وتُشير تقارير عدة إلى ترفع اللبناني عن القيام ببعض الأعمال وهو ما فتح المجال أمام السوريين كي يعملوا بكثافة طيلة عشرات السنوات التي مرت، وتحديداً بعد الحرب الأهلية.

وهنا يلفت الباحث في شؤون اللاجئين إلى أن "السوريين كيد عاملة كانوا موجودين في هذه المناطق، من بشري إلى البقاع فالجنوب، لكن الفارق اليوم أنهم اليوم أصبحوا مرئيين. صار لديهم عائلة وحياة في لبنان مرئية أكثر من ذي قبل، لم يعد العمال محصورين في بيوت يُقيمون فيها مع بعضهم البعض بل صاروا مع عائلاتهم وبالتالي تنبه لها البعض وخاف".

وتشير منصور في هذا السياق إلى العنصرية الطائفية "كون الغالبية العظمى من اللاجئين هم من الطائفة السنية وبالتالي هناك تخوف دائم من تأثير وجودهم على الديموغرافية اللبنانية، وبالتالي صار الخوف من السوري كالخوف من الفلسطيني عند البعض، ومع الأسف الأحزاب نفسها التي دعمت اللاجئين، صارت تستخدم الخطاب المعادي لكي تكسب جمهورها". 

وبرأي ياسين، "حين يستفيد الناس من الشق الاقتصادي، يؤمن الحماية للاجئين بسبب علاقة المصالح ولهذا يختلف التعامل، أي بالإمكان القول إنه هناك نظام كفالة للسوريين غير رسمي، من خلال الأرض أو العمل بالأرض وحين ينكسر هذا النظام يتم الانتقام من السوريين بطريقة جماعية".

ما تحدث عنه ياسين ينطبق تماماً على كثير من الحالات التي شهدت توتراً واعتداءات على السوريين كان آخرها حرق المخيم في المنية التي كانت تُعتبر بيئة حاضنة لهم، وهذا أيضاً لا يعني أن كُل البيئة انقلبت ضدهم، بل الواضح أن من انقلب يستفيد من حمايتين، حزبية ورسمية.

ويشير ياسين إلى نقطة غاية في الأهمية فيما خص الواقع الذي وصل إليه اللبنانيون اليوم وما ينعكس سلباً على طريقة تعاملهم مع اللاجئين، يقول: "الأزمة الاقتصادية تخلق توترات حتى بالبيئات التي احتضنت السوريين. هؤلاء الفقراء اللبنانيون صاروا أفقر أكثر وبالتالي التنافس يكبر، وحين يرى اللبناني أن اللاجئ يحصل على مساعدات فهذا يخلق نوع من الغضب بداخله وللأسف يُخرجه بطريقة سيئة".

أما منصور، فترى أن اللافت اليوم هم "من يُعارضون حزب الله والنظام السوري ولكن في الوقت نفسه لا يريدون أن يروا أي سوري في مناطقهم، الأمر هنا طائفي بامتياز، نحن نتعاطف مع الضحية من بعيد فقط ولا مانع من انتهاك حقوق الضحية مراراً إن في سوريا أو في لبنان إن كان الأمر يشد عَصب جمهورنا، فهم هنا برأيهم يحافظون على وجودهم".

يتجه لبنان شيئاً فشيئاً نحو أزمات متعددة، تنعكس في غالبها على اللاجئين السوريين، فيما السلطات العاجزة عن ايجاد حلول لهذه الأزمات وهي بلا شك تقف عاجزة أمام ما يحصل مع السوريين، بل مُشجعة لذلك أحيانا.

فرنسا صادرت بعض ممتلكات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة
ماذا يعني إصدارة مذكرة التوقيف بحق رياض سلامة؟

أصدر قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت، بلال حلاوي، الاثنين، مذكرة توقيف وجاهية بحق حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، وذلك بعد مثوله أمامه صباحاً لاستجوابه في إطار اتهامات وجهتها النيابة العامة المالية له، تتمحور حول ارتكابه جرائم "سرقة أموال عامة، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، والتهرب الضريبي."

وأوقف سلامة، الثلاثاء الماضي، بقرار من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، بعد استجواب استمر لثلاث ساعات، حيث يشتبه القضاء في تورطه في الاستيلاء على 41 مليون دولار من أموال البنك المركزي، عبر إنشاء شركات وهمية.

ووصل سلامة اليوم إلى قصر العدل في بيروت، كما حضر وكلاء الدفاع عنه، بالإضافة إلى القاضية هيلانة إسكندر، رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل (التي تملك صلاحية الدفاع عن حقوق الدولة اللبنانية)، بعد أن اتخذت صفة الادعاء ضد حاكم مصرف لبنان السابق وكل من يظهره التحقيق.

بيد أن حلاوي رفض حضور إسكندر جلسة التحقيق، بحجة وجود خطأ في الشكل بشأن انضمامها للدعوى كونها لا تحوز على ترخيص بالادّعاء من الوزير المختص (وزير المالية)، رغم أنها عادت ورفعت كتاباً إلى حلاوي وفق الأصول القانونية لحضور الجلسة.

وعلى صعيد آخر، شهد محيط قصر العدل في بيروت إجراءات أمنية مشددة من قبل الجيش والقوى الأمنية، في الوقت الذي نظم فيه عدد من المودعين وقفة أمام المبنى، مطالبين بإنصافهم واسترجاع ودائعهم الموجودة في المصارف.

بلبلة قانونية

أثار منع حلاوي رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل من حضور جلسة استجواب سلامة، بلبلة قانونية، وبحسب ما يؤكد رئيس جمعية "الشعب يريد اصلاح النظام"، المحامي حسن بزي أنه "لا حاجة لهيئة القضايا في وزارة العدل للحصول على إذن أو ترخيص بالادعاء من أي مرجع، إذ تمثل هذه الهيئة الدولة قضائياً بناءً على القانون دون الحاجة لإذن من أحد، فواجبها الحفاظ على مصالح الدولة أمام القضاء".

ويوضح بزي في حديث لموقع "الحرة" أن "المادة 16 من قانون تنظيم وزارة العدل تنص على أن رئيس هيئة القضايا يتولى تمثيل الدولة في لبنان والخارج أمام جميع المحاكم العدلية أو الإدارية أو التحكيمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وسائر الهيئات ذات الصفة القضائية، إما شخصياً أو بواسطة أحد معاونيه من قضاة الهيئة أو محامي الدولة".

ويضيف أن "المادة 18 تحدد مهام هيئة القضايا، بما في ذلك إقامة الدعاوى باسم الدولة والدفاع عنها في الداخل والخارج، إعداد الاستحضارات واللوائح والمذكرات وتوقيعها، تبلغ الاستحضارات والمذكرات والأحكام والقرارات العائدة لدعاوى الدولة، المثول أمام جميع المحاكم العدلية والادارية، والقيام بجميع الأعمال اللازمة التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة امام المحاكم سواء كانت مدعية او مدعى عليها".

ولا يحق لأي محكمة أو قاض، كما يشدد بزي "تعليق تنفيذ نص المادتين 16 و18 من قانون تنظيم وزارة العدل على أي ترخيص إداري".

إضافة إلى ذلك، يشير بزي إلى أن المادة 70 من قانون أصول المحاكمات الجزائية "تعطي للنيابة العامة والمدعى عليه الحق بتقديم دفع بعدم صفة الجهة المدعية، حيث يبت قاضي التحقيق بهذا الدفع بمعنى أن ليس له صلاحية اتخاذ هذه الخطوة من تلقاء نفسه دون تقديم دفع شكلي من النيابة العامة أو من المدعى عليه".

كلام بزي يؤكده النائب جورج عدوان في تغريدة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، الذي يشير أيضاً إلى أنه "لا يمكن السماح بمنع تنفيذ القانون أو تأخير تنفيذه أو تعليق تنفيذه على إرادة أي موظف ولو كان برتبة وزير".

 سابقة قضائية

شارك النائب التغييري إلياس جرادي في الوقفة التي نفّذها مودعون أمام قصر العدل في بيروت بالتزامن مع جلسة استجواب سلامة، وقد اعتبر أن أموال المودعين "قضية حقوقية مقدسة وأن الدفاع عنها هي خط الدفاع الأول عن مستقبل لبنان"، مؤكداً أن رهان اللبنانيين هو "على القضاء الشريف الذي لا يمتثل للضغوطات التي تمارسها المنظومة الحاكمة"، كما ذكرت "الوكالة الوطنية للإعلام".

وبشّر جرادة من يعنيهم الأمر بأن قضية التحقيق مع سلامة "أول العنقود وأن المسبحة ستكرّ من ضمنها الدعوة التي تم رفعها من قبل نواب التغيير الذين سيمنعون أي تغاض عنها" وقال "لا أحد فوق رأسه خيمة والجميع سيتم اقتيادهم إلى السجون".

وفي السياق، توجه عدد من المعتصمين الى القاضي حلاوي، مؤكدين أن "عيون ومجهر الشعب اللبناني شاخصة نحوك وأن المودعين الذين باتوا اليوم غير قادرين على الاستشفاء أو الحصول على أدويتهم يطلبون منك ان تضرب بمطرقتك وأن تحكم لصالح هذا الشعب".

ويمثّل إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق سلامة، "سابقة قضائية في لبنان"، وفق ما يصف رئيس جمعية المودعين، حسن مغنية، مشيراً إلى أن "اللبنانيين لم يعتادوا على توقيف شخصية بهذا الحجم"، لكنه يؤكد في ذات الوقت على أن الأسئلة المحورية التي تطرح الآن هي: إلى متى سيستمر هذا التوقيف، وما هي نهايته، وهل سيؤدي إلى سقوط شخصيات كبيرة أخرى؟

ويدعو مغنية القضاء اللبناني خلال حديث لموقع "الحرة" إلى "التعامل بحزم ودون شعبوية مع هذه القضية"، مشدداً على ضرورة توسيع دائرة التحقيقات وعدم حصرها في قضية شركة "أوبتيموم"، إذ يطالب بأن تشمل ما وصفه بـ"سرقة العصر" المالية في لبنان، التي تتسبب الآن بفجوة مالية بقيمة 74 مليار دولار، "وذلك للوصول إلى الحقيقة بشأن مصير أموال المودعين التي تورطت في سرقتها أطراف عدة، من بينهم مصرف لبنان، والمصارف، ورؤساء، وأحزاب، وكبار السياسيين".

علامات استفهام

ويلتزم العمل المصرفي في لبنان، كما يقول الخبير الاستراتيجي في مجال المخاطر المصرفية والخبير الاقتصادي والنقدي، الدكتور محمد فحيلي، "بأحكام التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والقوانين ذات الصلة، وفي عدد من هذه التعاميم لاسيما التعميم الأساسي الذي يحمل الرقم 154، توجه المصرف المركزي إلى كبار المساهمين في المصارف، وأولئك المرتبطين بكبار السياسيين والعملاء أيضاً".

وفي هذه التعاميم، وفق ما يشرح فحيلي لموقع "الحرة"، "حذّر المصرف المركزي من إحالة المتخلفين عن الالتزام بها إلى هيئة التحقيق الخاصة (SIC)، التي أنشئت بموجب القانون 318 لعام 2001، وهذه دلالة على أن من صلاحيات هيئة التحقيق الخاصة التحقيق بالعمليات المصرفية المشبوهة وتقديم تقرير لحاكم مصرف لبنان والهيئة المصرفية العليا لاتخاذ الإجراءات الضرورية. في صلب عمل الهيئة (SIC) التحقيق في الحركات المصرفية المشبوهة، سواء كانت هذه العمليات داخلية بين مصرف لبنان والمصارف التجارية أو بين المصارف التجارية ونظيراتها المراسلة".

ويوضح فحيلي أن "هيئة التحقيق الخاصة ملزمة قانوناً بالتحقيق في أي عملية نقدية أو مصرفية مشبوهة"، لكنه يطرح تساؤلات حول مدى جدية تعامل مصرف لبنان والقضاء اللبناني مع الأزمة المصرفية الراهنة، التي تسببت في إفقار العديد من المواطنين وأدت إلى خسائر فادحة موصلة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الانهيار الحالية".

ويشدد على أنه "كان من المفترض أن تبدأ مساءلة سلامة، من خلال هيئة التحقيق الخاصة، وتجاوز هذه الهيئة في هذه القضية يثير العديد من علامات الاستفهام".

حجم وطبيعة الأزمة المصرفية التي أصابت لبنان تتطلب من القضاء المختص، كما يقول فحيلي "التعامل بشفافية تامة"، معتبراً أن السرية المفترضة في التحقيقات "لا معنى لها عندما يكون المتهم هو من يقف خلف أزمة مسّت آلاف المواطنين اللبنانيين".

ويؤكد على حق المواطن اللبناني في معرفة الأسباب التي دفعت القاضي حجار إلى توقيف سلامة، وما الذي دفع القاضي حلاوي إلى إصدار مذكرة توقيف وجاهية ضده، معتبراً أن "عدم التعامل الجدي من قبل القضاة مع هذه القضية يثير تساؤلات كبيرة بشأن مصداقية الإجراءات القضائية المتخذة".

يذكر أن سلامة، البالغ من العمر 73 عاماً، تولى حاكمية مصرف لبنان عام 1993، وشغل المنصب حتى يوليو 2023. وبعد الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، "أطلقت سويسرا عام 2020 تحقيقاً في أنشطة سلامة، تلاها في عام 2021 لبنان وفرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ.

كما حققت السلطات في موناكو وليختنشتاين وبلجيكا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في تلك الأنشطة"، وفق تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في أغسطس 2023 بعنوان "الساحر: رياض سلامة ونهب لبنان".

وتشتبه هذه الدول بضلوع سلامة في "جرائم اختلاس أموال عامة وتبييض أموال وفساد، بالإضافة إلى تحميله جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة المالية التي أصابت البلاد".

رسالة دولية؟

ملف لبنان مطروح حالياً على طاولة مجموعة العمل المالي، كما يشير فحيلي "، التي تقوم بتقييمه على ثلاثة محاور رئيسية: السلطة السياسية (التشريعية والتنفيذية)، مصرف لبنان، والمصارف التجارية اللبنانية"، إذ يرتكز التقييم على مدى الامتثال لإجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب".

التقرير المبدئي والتقييم الصادر عن مجموعة العمل المالي أظهر، وفق ما يقوله فحيلي "رضى عن إجراءات المصارف التجارية، ولكنه أبدى عدم رضى تجاه متابعة السلطة السياسية لتنفيذ القوانين، بالإضافة إلى وجود ضعف في الرقابة من قبل مصرف لبنان".

ويلفت إلى أن "هناك احتمالاً كبيراً بأن يكون إصدار مذكرة التوقيف الوجاهية بحق سلامة، محاولة لإرسال رسالة إلى مجموعة العمل المالي تهدف إلى تلميع صورة لبنان أمامها، من خلال إظهار أن القضاء اللبناني يتحرك بشكل فعال وأن القوانين موجودة ويتم تطبيقها، خاصة القانون رقم 44 لعام 2015، وستتم محاسبة مرتكبي الجرائم المالية بغض النظر عن مناصبهم".

يذكر أن سلامة يواجه مذكرة اعتقال في فرنسا في إطار تحقيق بشأن اختلاس أموال عامة، بالإضافة إلى نشرة حمراء من الإنتربول للقبض عليه.

كما سبق أن أصدرت السلطات الألمانية مذكرة اعتقال بحق سلامة بتهم الفساد، لكن تم إلغاؤها لأسباب فنية وفقاً لما صرّح به مكتب المدعي العام في ميونيخ لـ"رويترز" في يونيو الماضي، إلا أن التحقيقات مستمرة وتبقى أصوله المالية مجمدة.

وفي أغسطس 2023، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية بياناً اتهمت فيه سلامة باستغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية ضخمة على حساب الشعب اللبناني، وأدرجته على قائمة العقوبات، متهمة إياه بالتورط في ممارسات فاسدة وغير قانونية ساهمت في تدهور سيادة القانون في لبنان.

مسرحية قضائية؟

وتعليقاً على إصدار مذكرة توقيف بحق حاكم مصرف لبنان السابق، أصدر "تحالف متحدون" بياناً أشار فيه إلى أن القاضي حلاوي رفض استقبال محامي المودعين المدّعين في قضية "أوبتيموم" ورفض ضم ادعاء النيابة العامة ضد سلامة إلى شكواهم وفق الأصول عبر رفض البت بطلب الضم.

وأوضح التحالف أن هذا الرفض "جعل المحاكمة تقتصر على طرف واحد فقط، بحضور وكيل سلامة المحامي مارك حبقة، وعناصر من شعبة المعلومات والدرك، دون أي تمثيل للطرف الآخر الأكثر تضرراً".

وأشار التحالف إلى تصريح المودع المدّعي في القضية، الطبيب باسكال الراسي، الذي شارك في الوقفة أمام قصر العدل في بيروت، حيث قال "سقط القضاء اللبناني مرة أخرى بحجب حقي التقاضي والدفاع عن المودعين أصحاب الحق ولم نرَ أمامنا إلا استمرار لـ "المسرحية" نفسها. نموت كل يوم وما يهمّنا هو استعادة أموالنا وليس الانتقام من سلامة ككبش محرقة".

وعقب توقيف سلامة، الثلاثاء الماضي، انقسم اللبنانيون بين من يرون في هذه الخطوة "بداية جادة لمعالجة قضايا الفساد والشبهات المالية المرتبطة به"، ومن يعتبرون أن الأمر "لا يتعدى كونه مسرحية قضائية ستنتهي بتبرئته".

ولطالما دافع سلامة عن فترة ولايته، وأثناء مقابلة تلفزيونية محلية أجريت معه في يوليو 2023، زعم أنه كان "كبش فداء" للأزمة المالية في البلاد، مشيراً إلى أن المسؤولية عن إنفاق الأموال العامة "تقع على عاتق الحكومة وليس البنك المركزي"، كما أكد نيته "طي صفحة من حياته"، وأن "المنظومة غسلت يديها" منه منذ زمن.

وحدد حلاوي جلسة ثانية لاستكمال التحقيق مع سلامة الخميس المقبل، وفي هذا السياق، يشدد رئيس جمعية المودعين على ضرورة محاسبة جميع المتورطين، محذراً من محاولة تحويل سلامة إلى "كبش فداء"، مؤكداً أن "المسؤولية يجب أن تطال الجميع".